عائض القرني: آمنت بالمسيح – ج7 المحبة كلمة إنجيلية بامتياز

يبدو في قولك "فينا" أنّك تتكلّم بالنيابة عن المسلمين، لعلّهم يتعلَّمون المحبّة مِن سيرة السيد المسيح أوّلًا ومن لسانك تاليا، إذ خلا القرآن من المحبة. فإذا كانت محبّتك عامّة أتباع السيد المسيح، فأني...
28 مارس 2017 - 09:32 بتوقيت القدس

بعد إلقائي ضوءً على البيتين الأوّل والثاني من قصيدة الداعية القرني، فيما سبق، سألقي الضوء في هذا الجزء على ثلاثة أبيات تالية، بعَون من الله:-

3 قَدْ أَوجَبَ المُختارُ حُبَّكَ شِرعَةً – فِينا وفي الإيمَانِ لَمْ نَتَرَدد

يبدو في قولك "فينا" أنّك تتكلّم بالنيابة عن المسلمين، لعلّهم يتعلَّمون المحبّة مِن سيرة السيد المسيح أوّلًا ومن لسانك تاليا، إذ خلا القرآن من المحبة. فإذا كانت محبّتك عامّة أتباع السيد المسيح، فأني أسأل الله أن يجازيك خيرًا عليها، لكن لا تمنّ بها على المسيحيّين، فهي علاقة خاصّة ما بينك وبين الله، إذ أحبّك هو أوّلًا (رسالة يوحنّا الأولى 4: 19) وأرسل المسيح- ابنه الوحيد- ليدفع عنك على الصليب ثمن خطاياك (يوحنّا 1: 29) لأجل خلاصك. ومعنى {ابن الله} في الجزء التالي من هذه المقالة، فهو مختلف تمامًا عمّا قصد محمد في سورة الإخلاص بسوء فهم أو نقلًا عن شائعات غبيّة. عِلمًا أنّ الله يُجازيك خيرًا إذا أحببته أوّلًا وأحببت تاليًا أخاك الإنسان ولا سيّما المختلف عنك بالعقيدة، حسب رسالة يوحنّا المذكورة: {إنْ قالَ أَحَدٌ "إِنِّي أُحِبُّ اللهَ" وأَبغَضَ أَخاهُ، فهُوَ كاذِب. لأنّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كيفَ يَقدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبصِره؟ ولنا هذِهِ الوَصِيَّةُ مِنه: أَنَّ مَنْ يُحِبُّ اللهَ يُحِبُّ أَخَاهُ أيضا}+ 1يوحنّا 4: 20-21 فالذي يدّعي أنّه يُحبّ الله ولا يُحبّ خليقته لا يحبّه الله لأنّ محبّة المدَّعي تصبح فارغة ما لم تكن زائفة أو متكلِّفة.
فمحبّتك المذكورة ما لم تكن تجاه المختلفين عنك، ولا سيّما أتباع السيد المسيح، لن يقبلها المسيح منك. واعلمْ أنّك أنت المحتاج إلى المسيح، ما احتاج المسيح إلى شيء لأنه كامل كمال الله.
ويسرّني أن أضيف أنّ المحبّة والرحمة والعفّة والتسامح والغفران وسائر الفضائل مفردات مسيحية صرفة، ليست قرآنية إطلاقا! فما احتوى القرآن، إذ ظهر بعد الإنجيل بحوالي ستّة قرون، على إحدى هذه المفردات إلّا للضحك على ذقن الأخ المسلم قبل غيره؛ مثالًا: (وإنّك لعلى خلق عظيم- القلم:4، وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين- الأنبياء:107) لعِلمي أنّ هذه المفردات، إمّا وُجِدتْ في القرآن حرفيًّا أو معنويًّا، منسوخة بسورة التوبة (أو براءة) ومعلوم ألّا ناسخ للتوبة، وأنّ محمّدًا فعل خلاف المفردات المسيحية المذكورة طوال حياته حتّى قبل "نزول" التوبة. ولقد أشرت في الجزء السابق إلى ذبحه يهود بني قُرَيظة- حسب تفسير الأحزاب:26 كما أشرت في جزء سبقه إلى حديثه الصحيح (لقد جئتكم بالذبح)- رواه مسلم في صحيحه وافتخر به أغبياء، مثلما افتخروا بقوّة محمّد الجنسيّة (قوّة 4000 رَجُل) حسب صحيح مسلم أيضا.

ـــ ـــ

4 يا كِلْمةَ الله التي ألقى بها – عند البتول وبالنبوّة فاشهدِ

في القرآن (ألقاها إلى مريم)- النساء:171 ليس "عند مريم" لكن الضرورة الشعرية ألزمت القرني التغيير ولو على حساب المعنى، لأنّ "إلى" في هذه الخاطرة (ألقاها إلى مريم) أبلغ من "عند مريم" في نظري. كما اضطُرّ القرني، للضرورة الشعرية أيضًا، لإسكان لام "كَلِمة" لكنّ المعنى واحد.

أمّا بعد فرُبّما قصد بقوله (بالنبوّة فاشهدِ) رواية القرآن التي اقتبس محمد مِن أحد الكتب المنحولة، أي غير المعترف بها لدى آباء الكنيسة: (فأشارت إليه قالوا كيف نُكلّم مَن كان في المهد صبيّا. قال إني عبد الله آتاني الكتابَ وجعلني نبيّا)- مريم:29 وما بعد، على أنّ عيسى شهد لنفسه وهو في المهد. وهذه الشهادة متعارضة مع سيرة المسيح حسب لوقا 3: 23 إذْ بدأ المسيح خدمته في سنّ الثلاثين، وحينئذ بدأ بصنع المعجزات وأوّلها في قانا الجليل حسب يوحنّا 2: 9 والمزيد عن اقتباسات محمد من التوراة والإنجيل في مقالتي:
الاقتباس والتأليف وراء لغز شبهة التحريف    

5 آمنتُ أنّك عبده ورسوله – مِن ضِمن أهل العزم نورُ الفرقدِ

هذا ما قال محمّد في القرآن، والقرني آمَن بكلّ ما قال وإلّا لاٌعتُبِر من الكافرين، لأنّ الكفر يعني التشكيك في دعوة محمد أو تكذيبها، إذ لا يكفي المرء أن يعبد الله ليكون من المؤمنين (إسلاميًّا) إنما عليه أن يعبد اثنين: الله ورسوله، إذ أشرك محمد نفسه بالله في مناسبات قرآنية كثيرة، قد أشرت إليها فيما سبق من مقالات.

أمّا بعد فقول الداعية القرني عن عيسى (عبد الله ورسوله) لا غبار عليه إنجيليّا، لأنّه يتفق مع طبيعة السيد المسيح الإنسانية المدوَّن عنها في الإنجيل؛ فمن جهة العبد: {فليكُنْ فيكم هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضا: الذي إذ كان في صورة الله، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أن يكون معادِلًا لله. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفسَه، آخِذًا صُورَةَ عَبد، صائِرًا في شِبْهِ النَّاس}+ فيلِبّي 2: 5-7
ومن جهة الرسول: {ولكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَان، أَرسَلَ اللهُ ابنَهُ مَولُودًا مِنِ امرَأة، مَولُودًا تَحتَ النَّامُوس، ليفتدي الذين تحت الناموس، لننال التّبنّي}+ غلاطية 4: 4-5

أمّا (أُولُو العَزم مِن الرُّسُل)- الأحقاف:35 فقد جمع القرطبي اختلاف أهل التأويل على تحديد عددهم وهويّاتهم، لأنّ القرآن كتاب مليء بالغموض الذي سببه اثنان: جهل محمد، في أغلب ظنّي، ونقله معلومات عن مصادر مشبوهة؛ فقد وصلت إلى محمد بعض أخبار الرسل وأجزاء من الحقيقة وشائعات متفرّقة. إنّما الحقيقة كاملة في الكتاب المقدَّس- كتاب الله الحقيقي والوحيد. وتاليًا أنّ رسل الله جميعًا ذوو عزم (رأي ابن زيد في تفسير الطبري) ليس منطقيًّا أن يختار الله من بينهم شخصًا عاجزًا أو كسولا.
وقد اضطُرّ القرني إلى القول "أهل العزم" عوض "أُولي العزم" لضرورة شعرية متعلِّقة بالوزن الشعري، لكنّ المعنى واحد.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا