شرق أوسط 3.0: عودة المسيحيين الأوروبيين إلى أرض الحضارات

لطالما كان الشرق الأوسط مسرحًا للتناقضات، بين حضارات تنهض وأخرى تنهار، وبين شعوب ترحل وأخرى تعود. واليوم، وبعد أن انهكته الحروب وأعادته إلى ملامح العصور المظلمة، يطل المشهد في صورة غير متوقعة: أوروبا المسيحية، التي كانت مقصد المهاجرين، تتحول هي نفسها إلى مهاجر يبحث عن فرصة في أرض الرافدين والشام.
قبل 2 ساعة
شرق أوسط 3.0: عودة المسيحيين الأوروبيين إلى أرض الحضارات

تنويه تحريري: المقال التالي مكتوب بروح هزلية وترفيهية، وهو عبارة عن سيناريو خيالي ساخر لا يعكس أحداثًا واقعية.

لم يكن الزمن بعيدًا حين كان الشباب العربي يحلم بالهروب إلى أوروبا. البحر الأبيض المتوسط امتلأ بالمراكب، المطارات ازدحمت بطالبي اللجوء، والشرق الأوسط ظلّ ينزف تحت سطوة الحروب والتطرّف. جماعاتٌ متطرفة إسلامية دمّرت المدارس والكنائس والمعابد، وأعادت المجتمعات إلى حياة تقترب من العصور الوسطى. صارت المدن مظلمة، الكهرباء مقطوعة، والإنترنت رفاهية نادرة. وجد كثير من العرب والمسلمين لأنفسهم مكانًا في باريس وبرلين ولندن، فيما بدت أرض الرافدين والشام مسرحًا مفتوحًا للخراب، تنتظر من يكتب عليها مشهدًا جديدًا—تمامًا كما يصوّر إشعياءُ خرابَ المدن ووحشتها (إش 24). ُطفئت أجراس الكنائس في حلب وبغداد، وكأن الأرض التي بشّر منها الرسل الأوائل عادت إلى صمت طويل.

وحين قلب التاريخُ الطاولة كعادته، دخلت أوروبا في أزمتها الأكبر: تضخم يلتهم المدخرات، بطالة تدفع الشباب إلى البحث عن أبواب جديدة، وحتى التيار الكهربائي لم يعد مضمونًا في بعض المدن. عندها تساءل مسيحيون أوروبيون بجدّية نصف ساخرة: لمَ لا نبحث عن حياة جديدة في الشرق؟ فهو صحيح قد تراجع إلى ما يشبه العصور الوسطى: مدن بلا كهرباء، قرى تسير على العربات بدل السيارات، وحكومات تعيش بعقلية القرون الغابرة. لكن هذا بالذات هو ما جعله سهل الدخول، بلا حواجز تقنية ولا جيوش متطورة، أرض واسعة أشبه بصفحة بكر تنتظر مَن يجرؤ على البدء. كان بعضهم يرى في هذه العودة حجًّا عكسيًا، رحلةً إلى المهد الأول للمسيحية، حيث يمكن أن تلتقي الصروح الدينية القديمة بالمصانع والجامعات الحديثة.

بدأت الرحلة العكسية. آلاف الألمان حملوا معداتهم ونزلوا في البصرة ليؤسسوا مصانع "مرسيدس دجلة". الفرنسيون اختاروا حمص وأطلقوا عليها "ليون الجديدة"، حيث يجتمع الكرواسان مع الفلافل في مطعم واحد. الإيطاليون أعادوا بناء تدمر، ليس كأطلال رومانية، بل كعاصمة للأزياء العالمية باسم "زنوبيا فاشن سيتي". الإسبان حوّلوا الموصل إلى جامعة سان بطرس الرافدية، حيث يجتمع الطلاب من مدريد وأثينا ووارسو لدراسة المعلقات بالعربية والسريانية، باعتبارها "لغات عريقة".

ومع استقرارهم لم يكتفوا بالبناء، بل غيّروا الأسماء. سوريا أصبحت "سيريانوفا"، العراق صار "ميسوبوتاميا المتحدة" (بلاد ما بين النهرين)، ولبنان تحوّل إلى "لوفانتيوم" (لانه يقع شرقي اوروبا). أما الحدود القديمة التي رسمتها سايكس وبيكو، فقد انتهى مفعولها، وجاءت اتفاقية "مولر – شينكر – جيوفاني" لتعيد رسم الخريطة بنسخة شرق أوسط 3.0 على خرائط جوجل.

خلال عقود قليلة، تبدّل المشهد كليًا. بغداد صارت العاصمة المالية للعالم، حيث ارتفع "برج نبوخذنصر 2" ليتجاوز برج خليفة، وتُدار منه البورصات الكبرى. دمشق تحولت إلى "وادي السيليكون الشرقي"، حيث تُبرمج تقنيات الذكاء الاصطناعي. الموصل غدت "أوكسفورد الشرق"، والنجف استضافت مصانع السيارات الألمانية. السويديون أدمنوا الشاي العراقي لأنه "أقوى من قهوتهم"، الإنجليز أسسوا فريق كرة باسم "مانشستر باب أنطاكية"، والإيطاليون أحيوا المهرجانات البابلية لكن بإيقاعات "الجاز" والـ"دي جي".

حتى فلسطين وإسرائيل تغيّر وضعهما. غزة أصبحت "وادي غزة للتقنيات البحرية" بتمويل نرويجي، تبني غواصات صديقة للبيئة. القدس تحولت إلى "عاصمة دينية عالمية"، تُدار من مجلس يضم الفاتيكان والكنيسة الأرثوذكسية والاتحاد الأوروبي، لتذكّر الجميع بأن المدينة التي صُلب وقام فيها المسيح ليست حكرًا على أمة واحدة، بل هي للعالم أجمع. وفي المدينة المقدسة بدا وكأن التاريخ يردد بصوت مرتّل: ها أنا أصنع كل شيء جديدًا (رؤيا 21: 5).

أما العرب، فقد ظلوا في شققهم الضيقة بباريس ولندن، يشاهدون عبر الفضائيات مهرجان بابل الدولي للتكنولوجيا وسباق "الفورمولا دجلة". أحدهم كتب ساخرًا على تويتر:

"تركنا لهم الشرق الأوسط خرابًا… فأعادوه جنّة. واليوم صارت أحلامنا بسيطة: الحصول على لجوء في الموصل."

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا