عائض القرني– ج8 معنى {ابن الله} وضوء على "الشخصية المحمدية" للرصافي

عنون الشيخ القرني قصيدته بـ "آمنت بالمسيح" فالمفترض به أن يؤامن بمسيح الإنجيل، لا مسيح القرآن الشائكة تفاصيله! وإذ ساهم في الفيديو الذي مثّل السيد المسيح مصلوبًا فهذا اعتراف ضمنيّ منه بالصلب وإن كان..
20 ابريل 2017 - 01:47 بتوقيت القدس

ما كنتَ إبن الله جلّ جلالُهُ 6

هذا صدر البيت السادس في قصيدة الداعية القرني المدوَّنة في ج1 من هذه المقالة، فأسأله أوّلا، إذ كتب قصيدته بلغة نصارى العرب؛ منهم-نّ ليلى العفيفة والمهلهل خال امرئ القيس والأخير نفسه وسائر شعراء المعلَّقات والذين عاصروهم من شعراء الطبقة الأولى كدُرَيد بن الصِّمّة والخنساء، هذا ما قبل اعتبارها لغة قُرَيش فيما بعد: هل عرفت معنى {ابن الله} قبل نفيك بنوّته لله أم أنّك هرفت بما جهلت؟ فمعنى {ابن الله} موجود في الإنجيل، لن تجده في القرآن ولا في معجم لسان العرب ولا في القاموس المحيط ولا في قاموس إسلامي آخر من القواميس التي استقى أصحابها معلوماتهم من القرآن ومن الحديث واستشهدوا بمفردات وردت في الشعر العربي. فإليك معنى {ابن الله} باختصار شديد: كلمة الله المُعادِل الله والمُساوي الله! هكذا فهم اليهود المعنى فأرادوا أن يقتلوا السيد المسيح إذ قال {إِنَّ اللهَ أَبُوهُ، مُعَادِلًا نَفْسَهُ بالله}+ يوحنّا 5: 18 وهو القائل له المجد: {أنا والآبُ واحد}+ يوحنّا 10: 30 والقائل: {اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآب}+ يوحنّا 14: 9 فمعنى الله وابن الله واحد: {في البدء كان الكلمةُ، والكلمةُ كان عند الله، وكان الكلمةُ الله}+ يوحنّا 1:1 وأضيف أنّ الكتاب المقدَّس كتاب الله الوحيد، ومن المعلوم عن الله أنّه حافظٌ كلامه وساهرٌ على كلمته (إرميا 1: 12) من جهة، وأنّ السيد المسيح في المقابل قد أكّد على ألوهيّته بأقواله الرصينة وأفعاله الراقية ومنها المعجزية. فاسألْ أهل الكتاب- لُطفًا- وتأكّد منهم متقصّيًا الحقيقة مِن مصدرها.
عِلمًا أنّ التّعدّي على ملك الملوك وربّ الأرباب- السيد المسيح- قد يؤدّي بصاحبه إلى الهلاك الأبدي، سواء أكان التعدّي عمدًا أم سهوًا أم جهلا، لأن السيد المسيح شخصية إلهيّة-إنسانيّة، إلهيّة قبل ظهورها إنسانيّة وخلال الظهور وبعده، فيجب على المرء ألّا يُخطئ في تقديرها، لأنّ خطأ كهذا قد يُعتَبَر عند الله تجديفًا على الروح القدس (روح الله) ونصيبُ المجدِّف على روح الله: الهلاك- حسب لوقا 12: 10 

وأسأله ثانيًا؛ ما الذي دعاك إلى التزام المعنى القرآني (التناسلي) للإبن تاركًا معانِيَ أخرى له؟ فعندنا في الإنجيل {ابنا الرَّعد- مرقس 3: 17} بالإضافة إلى {ابن الله} في أزيد من مناسبة و{ابن الإنسان} أيضًا، وعندك في القرآن (ابن السبيل) لماذا غاب عن تفكيرك معنى كلّ من: ابن النيل وبنت الصعيد وابن الرافدين وبنات الضاد وابن اللُّغة وابن كلمة وابن الآخرة وابن حَلال وأبناء الشَّعب... إلخ؟ يجد القارئ-ة معاني كثيرة للإبن في معجم المعاني الجامع.

والسؤال التالي لِمَن ظنّ أنّ في حوزته جوابا؛ حتّى عيسى القرآن يبدو منطقيًّا إبن الله! فيا ليت شعري هل عَلِم مؤلِّف القرآن بمعنى خواطره التالية أم لم يعلم؟ لأنّ الله إذْ نفخ من روحه في السيدة مريم العذراء (الأنبياء:91 والتحريم: 12) فأنّ روح الله مسؤول عن ولادة عيسى. وإذ عيسى كلمة الله، إذ ألقى الله إلى مريم، وأنّ عيسى روح منه (النساء:171) فمَن يكون أبا عيسى حسب هذا المنطق، أليس الله؟ وبالمناسبة؛ ليس بالضرورة أن كان ابن فلان نازلًا من صُلبه، فربّما دُعِيَ ابنه بالتبنّي: {ولكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَة، مَوْلُودًا تَحتَ النَّامُوس، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحتَ النَّامُوس، لِنَنالَ التَّبَنِّي}+ غلاطية 4: 4-5 حتّى كان يوسف النجّار معروفًا عند اليهود: والد يسوع (حسب الشريعة لا الطبيعة)+ متّى 13: 55 ولوقا 4: 22 لكنّ هذا البارّ بالحقيقة قد تبنّى يسوع بأمر إلهي (متّى 1:20 و24) وهو الأمر الذي من شأنه أيضًا حماية أمّ يسوع من التعرّض لمساءلة من اليهود. فلم ينتظر الله حوالي 600 سنة لـ (تبرئتها)- حسبما زعم مؤلِّف القرآن. 

أمّا بعد إذ عنون الشيخ القرني قصيدته بـ "آمنت بالمسيح" فالمفترض به أن يؤامن بمسيح الإنجيل، لا مسيح القرآن الشائكة تفاصيله! وإذ ساهم في الفيديو الذي مثّل السيد المسيح مصلوبًا فهذا اعتراف ضمنيّ منه بالصلب وإن كان قصده مختلفا- حسبما ورد في ج2 من المقالة! فما بَقِيَ عليه إلّا قراءة الإنجيل لتقصّي حقيقة صلب المسيح. وهذا لا يعني أنّي أضغط عليه لاتّباعه، لأنّ قرار اتّباعه متروك له، لا ترغيب فيه، حتّى من جهة المسيح نفسه، ولا ترهيب- حاشا- إذ أطلق السيد المسيح حُرّيّة الإرادة لكلّ مَن فكّر في اتِّباعه: {إن أراد أحد أن يأتي ورائي فليُنكِر نفسه ويحمل صليبه كلّ يوم ويتبعني}+ لوقا 9: 23 ومتّى 16: 24 ومرقس 8: 34 ونبّه في الوقت عينه إلى الضِّيْق (يوحنّا 16: 33) والاضطهاد (يوحنّا 15: 20 و16: 2) اللذين يتعرّض لهما المؤمن به، ممّا يأتي بعد قليل. لكنّ القادر على أن يحمل صليبه، أي القادر على تحمّل تبعات قراره متّبعًا المسيح، يستحقّ أن يُدعى مِن أولاد الله (يوحنّا 1: 12) أي الْمُؤمِنُونَ باٌسْمِه، ذكورًا وإناثا، وها أنّ معنى {أولاد الله} هنا أيضًا ليس حَرفيّا!

وأمّا اقتناع الشيخ القرني بخواطر القرآن متجاوزًا الإنجيل بدون حجّة مقنعة، لأنّ القرآن ليس بحجّة على الإنجيل إطلاقا، لا هو ولا سائر كتب الدنيا، فإنّه يُجيز لسائل أن يسأله التالي: كيف عرفت أنّ المسيح "ما كان ابن الله" ما برهانك على أنّ المدعوّ محمّدًا صدق فيما زعم، ما حجّتك بأنّ الله أوحى إلى محمد بهذا ولم يتّبع إحدى الهرطقات المسيحية التي شاعت في زمانه؟ فلو انّك قرأت الإنجيل، وهذا ما كان واجبًا عليك فعله إمّا اعتبرت نفسك مُنصِفا- مثالًا الإنجيل بتدوين القدّيس مرقس- لوجدت أنّ الآية الأولى فيه: {بَدءُ إنجيلِ يَسُوعَ المَسِيح ابنِ الله} لذا قلت بأقلّ تقدير إنّ محمّدًا أساء فهم معنى {ابن الله} إذ فهمه بالمعنى الجسدي بقوله عن الله (لم يلد ولم يولد)- الإخلاص:3 لكنّي تراجعت قليلًا لمّا قرأت أنّه وظّف (ابن السبيل) في الأنفال:41 ما قد يعني أنّ محمّدًا عرف المعنى الروحي في تعبير الإنجيل الدقيق {ابن الله} ولا سيّما بعد اعتقاده أنّ الله نفخ في السيدة مريم من روحه وجعلها وابنها آية (أي معجزة) للعالمين (الأنبياء:91) فلا شكّ في أنّ القدّوس الذي ولدته السيدة مريم العذراء يُدعى ابن الله (لوقا 1: 35) لكنّ محمّدًا، في أغلب الظّنّ، فضّل إرضاء بعض أهالي الهرطقات في زمانه فجعل (مَثَل عيسى عند الله كَمَثَل آدم)- آل عمران:59 ما أدّى إلى اعتراض نصارى نجران عليه ( ممّا في ج4 من المقالة) كما أرضى قريش بذكر الغرانيق العلى، أو الغرانقة، خلال تلاوته سورة النجم (حسب تفسير الطبري للحج:52) كما حاول استمالة بني إسرائيل إليه يوم قال إنّ الله فضّلهم على العالمين، وحاول إرضاء النصارى والصابئين، أفما علمتَ أم انّكَ تجاهلت؟

وأقول للشيخ القرني: أمامَك فرصة ذهبية لمعرفة المزيد عن {ابن الله} من الإنجيل إذْ تيسَّرتْ قراءته على الانترنت. فالإنجيل مدوَّن بثمانية أقلام، بإرشاد الروح القدس، أي بالوحي الإلهي، وأصحاب هذه الأقلام شهود عيان! فليس الشاهد واحدًا ليشهد لنفسه، إنّما ثمانية، فإذْ لم يحفل قضاء عادل بشهادة شاهد لنفسه، لا مجال أمامه لتكذيب ثمانية. وإلّا فاسألْ أهل الكتاب! لماذا حرمت نفسك فرصة الاتّصال بأحدهم يوم توجّهت إلى الفيلبّين، بطائرة من صنع الكفّار، على خلاف ما فعل زميلك- العريفي- في لندن إذ قابل أحد قسّيسيها، بعدما طار إليها ولم يسعفه ربه بدابّة كالبُراق؟

أمّا الجزئية المتعلّقة بسورة الإخلاص فأنّ {الله روح}+ يوحنّا 4: 24 لذا دعني أسألك: كيف يلد الروح مادّة، هل سألت نفسك هذا السؤال أم غيّبتَ عقلك لمصلحة القرآن؟ وتاليًا؛ لماذا يتحمّل المسيحيّون أعباء سوء فهم محمد، سواء الموثّق في سورة الإخلاص وفي غيرها، ويدفعون الدماء ثمن افترائه على الإنجيل، وثمن تطاوله على أعظم شخصيّة ظهرت في التاريخ ما قبل الميلاد المجيد وما بعده؟ عِلمًا أنّ السيد المسيح كان عالِمًا بالغيب عِلْمَ الله، فتألّم مِن اضطهاد أتباعه عبر تاريخ الكنيسة، لهذا قال لهم: {قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذا لِيَكُونَ لَكُمْ فِيَّ سَلاَم. فِي الْعَالَمِ سَيَكُونُ لَكُمْ ضِيق، وَلكِنْ ثِقُوا: أَنا قَدْ غَلَبْتُ الْعَالَم}+ يوحنّا 16: 33 كما قال في الأصحاح نفسه: {سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ المَجَامِع، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدمَة لله}+ يوحنّا 16: 2

أمّا إذا بقيت متشبّثًا بالقرآن فالواضح أنّ مؤلِّفه ناقض نفسَه في مناسبات عدّة، حسب مزاجه وحسب ظروفه، حتّى تنبّه الشاعر الرصافي- مِثالا- إلى عدد من التناقضات القرآنية، موضوعيًّا وبلاغيّا، فقال بهذه المناسبة- بتصرّف: [ليس بالضرورة أن يكون الإبن نازلًا من صُلب الأب، كذا زيد بن محمد قبل إلغاء التبني... لماذا لا يجوز لله أنْ يصطفي بشرًا، على هذا النحو الخارق للعادة، فيتّخذه ابنًا كما اتّخذ ابراهيم خليلا؟ فلا فرق بالنسبة إلى الذات الأحَدِيّة بين الإبن والخليل، بل الخليل أبعد من الإبن عن الله، لأن الخليل لا يكون إلّا نِدًّا لخليله (والنِّدّ: المِثل والنَّظِير) بخلاف الإبن فإنه يكون أصغر من الأب سنًّا أو رتبة، فلا غرابة في أن تقول "يا ابني" لِمَن هو أقلّ منك أو لخادمك، ولا تقول "يا خليلي" إلّا لمن هو نِدّك ونظيرك، فإذا جاز اتّخاذ إبراهيم خليلًا جاز اتّخاذ المسيح إبنًا أيضا]- الشخصية المحمدية، كيفية حمل مريم بالمسيح ص1039 ورقيًّا أو ص686 على پي دي أف.

وأقول للقرّاء عمومًا عن التناقض القرآني بهذه المناسبة: قال محمد في الإخلاص إنّ الله (لم يلد ولم يولد) بينما قال إنّ المسيح ولد من مريم العذراء بطريقة معجزية [قال (رُوحُ الله المتمثّل بشرًا سَويّا) إنما أنا رسول ربّكِ لأهَبَ لكِ غلامًا زكيّا... قال كذلك قال ربُّكِ هو عَلَيَّ هَيِّنٌ ولنجعله آية للناس]- ممّا في سورة مريم، وأنّ الله نفخ في مريم من روحه (التحريم:12 والأنبياء:91) وقال في النساء:171 إنّ المسيح (كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه) فالواضح ألّا أبَ مسؤولًا عن ولادة المسيح من مريم إلّا الله، فلماذا الاعتراض على {ابن الله} إذ اتخذ الله المسيح ابنًا له لننال التبنّي نحن أيضا؟ تأمَّل-ي لطفًا في الإنجيل كلّه وقد أتيت منه بآية بولس الرسول المذكورة أعلى (غلاطية 4: 4-5) ورسولنا هذا هو القائل أيضًا بالوحي: {وبالإجمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقوَى: اللهُ ظَهَرَ في الجَسَد، تَبَرَّرَ في الرُّوح، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَة، كُرِزَ بِهِ بَينَ الأُمَم، أُومِنَ بهِ في العَالَم، رُفِعَ في المَجد}+ 1تيموثاوس 3: 16

ـــ ـــ

اعتراض متابع ليبي على كتاب الشخصية المحمدية

وبالمناسبة؛ قال أحد متابعي أجزاء هذه المقالة على فيسبوك لينغا، من ليبيا، ما معناه [إنّ كتاب الشخصية المحمدية منسوب إلى الرصافي، لا يصدَّق أنّه إذْ مدح رسول الإسلام بقصيدة، ألّف كتابًا كهذا] والواضح لي أنّ هذا المتابع لم يقرأ أدب الرصافي لكي يميّز أسلوبه عن أسلوب شاعر غيره، على افتراض أنّه قرأ كتاب الرصافي- الشخصية المحمدية- ودقّق فيه ليقارن ما بين مقتطفات من سيرة الرصافي نفسه وبين ما ضمّن منها في كتابه. عِلمًا أنّ المتابع نفسه عَلّق على جزء المقالة التالي بشتائم؛ منها قوله: (صدِّقني أنت ضعيف وكذّاب وليس لك حجة... إلخ) فكتبتُ إليه ما معناه: (دلّ أسلوبك هذه المرّة على تناولك جرعة زائدة من بول البعير... إلخ) وما توقّعت منه أنْ يردّ على كلامي بالتالي- بتصرّف- فاستحقّ منّي الرثاء لسذاجة عقليّته:
[هذه جولة حول أبحاث علمية لمسلمين، دكاترة وباحثين، لدراسة أبوال الإبل، منها ما نُشِر للدكتورة أحلام أحمد العوضي في عدد مجلة الدوحة "القَطَريّة" المرقم 1938 بتاريخ 15 أبريل 2005 مفادُهُ أنها "أثبتت" فعّالية بول الجمال ونجاعته في علاج عدد من الأمراض الجلدية كداء السعفة والقروح وأمراض جلدة الشعر وتلفه أيضا، كما أنها تمكنت من استخلاص مضادّ حيوي من بول الجمل لأوّل مرة... صفحتها على موقع جامعة الملك عبد العزيز بالمملكة العربية السعودية... هي أوّل من بدأت "البحث العلمي" حول بول الإبل بالسعودية... (وأردف تاليا) في الكيمياء التطبيقية أطروحة دكتوراه بجامعة الجزيرة بالسودان حيث أثبت (فلان) إمكانية الإستفادة من النسب العالية من معدني الصوديوم والبوتاسيوم في حمض البوليك في أبوال الإبل لصناعة أدوية... ووالله عندي "مزيد من الادلّة العلمية" من علماء الغرب (!) ولكن سأعطيك الرابط لعلّك تعرف كم كان هذا النبي الأمّي (ص) صاحب وحي معجز... إلخ] وكان ردّي على المعترض ما قال الشاعر المتنبّي في قصيدة هجا بها كافور الإخشيدي:
يا أمّة ضَحِكتْ مِن جَهلِها الأمَمُ
وأقول له الآن: لم أعثر على القصيدة في ديوان الرصافي، مع اقتراب أسلوب كتابتها من أسلوبه (هات من فضلك اسم الكتاب بدقّة واسم دار النشر وعنوانها ورقم الطبعة وصورة غلاف الكتاب إذا أمكن) ثمّ أنّ الرصافي قد اعتاد على تقفية مطالع قصائده- أوّل بيت في كلّ منها- لأنّه من شعراء القصيدة العموديّة، كقوله في قصيدة شهيرة:
هِيَ الاخلاقُ تنبتُ كالنباتِ – اذا سُقِيَتْ بماء المَكْرماتِ
ومعنى التقفية التوافق على حرف الرّويّ في المطلع (نباتِ- مكرماتِ) فليس هكذا:
يقولون في الإسلام ظلًمًا بأنَّهُ – يَصُدّ ذويهِ عن طريق التقدُّمِ
 ولو أنّ هذه القصيدة كانت للرصافي حقًّا لربّما عارضتُها بقصيدة، عِلمًا أنّ الإسلام قد صدّ "ذويه" عن طريق التقدّم، لعلّ خير برهان على الصّدّ هو الاضطهاد الذي تعرّض له علماء من خلفية إسلاميّة؛ كابن سينا والكندي والحسن بن الهيثم، وأدباء كالحَلّاج وابن رشد ولسان الدين بن الخطيب، والتفصيل في ج3 من هذه المقالة تحت عنوان "زنادقة وملاحدة" وإذا افترضت أنّ الرصافي مدح "الرسول" كما مدح السيدة عائشة ضِمنيًّا في القصيدة المكتوب مطلعها أعلى، فإنّ مدحه بات في خبر "كان" بعدما تحقّق بنفسه من بطلان دعوة ذلك "الرسول" بحسب كلّ مِن سيرة ابن هشام والسيرة الحلبية والصحيحين (البخاري ومسلم) وبعدما درس القرآن مستعينًا بكتب إسلامية منها "الإتقان" للسيوطي، وبتفاسير القرآن منها "الكشاف" للزمخشري.
عِلمًا أنّ جدّي لوالدتي كان مِن مُرتادي مقهى بغدادي ارتاده الرصافي، فنقل إليّ أخبارًا عنه يوم كنتُ صبيًّا يافعًا فحفظتُ عن لسان جدّي ما نقل إلى اليوم! ومشهود للرصافي بالمناسبة: قوّة حفظه وسرعة البديهة والبلاغة في شعره، من جهة، وخصومته من أخرى مع زميله الشاعر جميل صدقي الزهاوي قبلما اصطلحا في نهاية المطاف.
وعِلمًا أنّ المتابع المذكور ليس جديدًا من نوعه ولا الوحيد، فهذه من أحوال المسلمين؛ هناك من شكّك في نسبة الكتاب المذكور للرصافي، وهناك مَن صدّق لكنّه اتّهم الرصافي بالكذب، ما دعاني إلى نظم قصيدة، مهّدتُ لها بما ختم الرصافي كتابه، إذ تنبّأ بظهور الذين يغضبون من معرفة الحقيقة ويصخبون ويشتمون. وقصيدتي منشورة على الانترنت منذ آخِر أوغسطس 2009 تحت عنوان: كَذَبتَ فلا تقُلْ كذَبَ الرّصافي
ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=183001

سبحانَهُ لا والدٌ لم يُولدِ

إنّ قول الشيخ القرني في عجز البيت (سبحانَهُ لا والدٌ لم يُولدِ) ضعيف البناء ركيك، أبعده عن ساحة الشِّعر، لأنّ إتقان عِلم العروض، وتحديدًا موسيقى الشعر، لا يكفل للمتقن أن يصبح شاعرًا يُشار إليه بالبنان، وإن كان الشيخ القرني في نظري شاعرًا متمكّنًا من الوزن والنحو وصادقًا في تعبيره ومرهف الإحساس. لكنّ صِفته داعية طغت على صفته شاعرا، وإلّا لما فاتته جزالة اللفظ، شأن شعراء الطبقة الأولى، ليأتي بتعبير أفضل من هذا لغويّا وأكثر ملاءمة لأسلوب تأليف القرآن، كالتالي؛ أهديه إليه، لا أضن به عليه:
ما كنتَ إبنَ الله جلّ جلالُهُ – سُبحانَ ربّيَ لمْ يَلِدْ أوْ يُولَدِ
وأوضح لغير المطّلع على قواعد اللغة من القرّاء أنّ "أو" حرف عطف يُفيد الإبهام والتشكيك، لكن شأنه إعرابيًّا شأن واو العطف. لذا فإنّ "يولدِ" مضارع مجزوم، معطوف على "يلد" المجزوم بـ "لم" كُسِر آخرُه لضرورة شعرية. تجد في معلّقة زهير بن أبي سلمى عددًا من الأفعال المضارعة المجزومة، سواء بحرف جزم وبأداة شرط جازمة، والمعطوف بعضها على بعض، كقوله:
فلا تَكْتُمُنَّ اللهَ مَا فِي نُفُوسِكُمْ – لِيَخفى ومَهْمَا يُكْتَمِ اللهُ يَعلَمِ
يُؤَخَّرْ فَيُوضَعْ في كِتاب فَيُدَّخَرْ – لِيَومِ الحِسَاب أَوْ يُعَجَّلْ فيُنقَمِ

وقد تقدّم ما معناه أنّ فهْم محمد مسائل اللاهوت كان هابطًا بل سيِّئا، لأنّ مِن البديهي أنّ {الله روح} وإنْ جَهِل محمد معنى الروح، فلا حاجة إلى القول (لم يلد ولم يولد) لأهل الكتاب. ولقد حشر نفسه في مسائل، سواء اللاهوتية منها والعقائدية، هي أكبر من رأسه بكثير، وأكبر من رؤوس أتباعه أيضًا بدون استثناء، شأنه شأن رجل غير متعلّم حاول أن يُلقي محاضرة على أستاذ جامعي في مجال تخصّصه، فاستحقّ سخرية الأستاذ منه. فلا يستحقّ القرآن أن يصبح مرجعًا لباحث-ة عن الحق، لأن الوارد فيه باطل (انظر-ي البراهين في سلسلة مقالاتي النقدية على هذا الموقع) كافتراء مؤلِّفه على قدسيّة الله والإساءة إلى كتابه الوحيد- الكتاب المقدَّس- بالإضافة إلى إشراك العبد بالله بقوله (الله ورسوله) في مناسبات قرآنية كثيرة. وبالإضافة إلى طغيان الرذائل على القرآن؛ فمِنها قول محمد، لإشباع رغباته الجنسية ورغبات جنوده وسائر أتباعه، على حساب شريعة الزوجة الواحدة في الكتاب المقدَّس وعلى حساب مشاعر المرأة وعلى حساب كرامتها وعلى حساب حريّتها (فانكحوا ما طاب لكم من النساء...)- النساء:3 وقوله (فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهنّ فريضة...)- النساء:24 وهذا ممّا في بيوت الدعارة (انظري أي تفسير إسلامي) ومنها قوله في العنف متعطّشًا إلى سفك الدِّماء (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا أنْ يُقتلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفَوا من الأرض...)- المائدة:33 وقوله (فإذا لقيتم الذين كفروا فَضَرْبَ الرِّقاب...)- محمد:4 وقوله (واقتلوهم حيث ثقفتموهم...)- البقرة:191 كذا في النساء:89 لأنّ معنى ثقِفتموهم (وجدتموهم أو أدركتموهم أو تمكّنتم منهم) وقد اعتبر خصومَه خصومَ الله أيضا. ومنها قوله في الإرهاب (وأعِدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ومن رباط الخيل تُرهِبون به عدوّ الله وعدوّكم وآخرين...)- الأنفال:60 وهذا شعار "الإخوان المسلمين" وقد عاثوا فسادًا في مصر وفي غيرها. وقوله (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان)- الأنفال:12 فأتيت بدليلين في الأقلّ على كلّ رذيلة مذكورة. والسؤالان المطروحان في ساحات النقد الديني ورقيًّا والكترونيّا:
ماذا أبقى محمد للشيطان، وهل يحتاج المسلم-ة إلى أسباب عقلانيّة أخرى لترك الإسلام؟

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا