نظرة الإنسان ونظرة الله

يهتمّ الإنسان كثيرًا بمظهره الخارجي، فيعتني بلباسه وشكله وهيئته أمام الناس، لكن كلمة الله تكشف لنا أن ما يهمّ الرب أولًا هو حالة القلب ونيّة الإنسان الداخلية.
قبل 22 ساعة
نظرة الإنسان ونظرة الله

إنّ من الأمور التي يهتمّ بها الإنسان بشكل عام هو منظره الخارجي، إن كان بعناية الشعر ونظافة الجسد، أو اختيار الملابس الملائمة لكل مناسبة، إن كان في المدرسة وأماكن العمل وأماكن أخرى.
هذا الأمر هام وبديهي إلى حدٍّ ما، لكن الإفراط في عناية الجسد بممارسات رياضية مبالَغ بها، وأنواع حِمية شديدة، هي أمور غير محبذة، وخاصة إذا كان جُلّ اهتمامنا بالمظهر الخارجي، وأهملنا الداخل وأعماق القلب ونيّاته!

نقرأ في كتاب صموئيل الأول عن رغبة شعب إسرائيل باختيار ملك لهم، الأمر الذي أحزن صموئيل النبي والله، لأن الشعب رفض الرب الإله وطلبوا ملكًا أرضيًا كباقي الشعوب، مع أن الرب حذر الشعب بمصير الملك الذي يطلبونه بأنانيته وعدم طاعته لله.

اختار الله شاول ملكًا على شعبه إسرائيل، الذي كان شابًا وحسنًا، ولم يكن رجل في بني إسرائيل أحسن منه، من كتفه فما فوق كان أطول من كل الشعب كما يُخبرنا الكتاب.
لكن هذا الاختيار كان حسب معايير ورغبة الشعب الجسدية وليست الروحية، ومع أن الملك شاول كان في البداية متواضعًا لكنه تكبّر بعد ذلك ولم يخضع لله ومشيئته، لذلك سمح الرب أن يُقتل هذا الملك في ساحة الحرب وأقام الملك داود مكانه، الذي كان حسب قلب الله.

عندما جاء صموئيل النبي إلى بيت لحم ليمسح ملك إسرائيل (عندها كان الملك شاول ما زال حيًا)، رفض الرب سبعة من أبناء يسَّى، بعد أن أخطأ النبي صموئيل في تقييم الأمور، عندها قال الرب لصموئيل:
"لا تنظر إلى منظره وطول قامته، لأني قد رفضته، لأنه ليس كما ينظر الإنسان، لأن الإنسان ينظر إلى العينين، وأما الرب فإنه ينظر إلى القلب".

ما أروع هذا الإعلان المبارك، لأنه بالفعل الإنسان ينظر دائمًا إلى المنظر الخارجي لتقييم الأمور والأشخاص، وخاصة في الأمور الروحية وخدمة الملكوت، فنحن نهتم كثيرًا (إن لم يكن أحيانًا اعتبارنا الأول والأخير!) بانتماء الشخص إلى عائلة أو طائفة معيّنة، أو ربما الأسوأ بمركزه الاجتماعي والاقتصادي، أو حتى السياسي!
لكن الرب ينظر دائمًا وقبل كل شيء وكل اعتبار إلى القلب، إلى الداخل، إلى الدوافع الحقيقية من وراء الخدمة: هل الأساس هو معرفة محبة الله والحق الإلهي، لخلاص كل نفس تؤمن بالآب القدوس وابنه يسوع المسيح، أم الأهداف هي دوافع اقتصادية وربح المال بدل ربح النفوس للملكوت؟! أو ربما لكي ننال مركزًا دينيًا واجتماعيًا مرموقًا، وأن نحمل ألقابًا أمثال:
قُدس الأب! مع أن القدوس هو وحده الله،
والله هو وحده الآب لا غير،
وكما علمنا يسوع أن لا ندعو لنا على الأرض لا سيدنا ولا أبونا، لأن السيد هو وحده رب الأرباب وملك الملوك، رب السماء والأرض يسوع المسيح.
أو ربما ندعو أحد الخدام بلقب الدكتور أو حتى البروفيسور (ليس كمهنة بل كلقب ومنصب روحي!!!)
وهل نحن بحاجة لذلك؟ وهل هذا يُمجد الله؟
ألم يعلمنا يسوع المسيح أننا جميعًا إخوة، وفقط إخوة!

نقرأ في أعمال الرسل كيف كانوا يدعون الرسل بالأخ شاول أو الأخ تيموثاوس وبطرس، فهل نكتفي بذلك أم علينا أن نضيف كلمة "الموقر" أيضًا!!!
هل طلب ذلك بطرس أو بولس أو تيموثاوس؟
هم الذين أُهينوا وتألموا من أجل اسم المسيح، لم يقبلوا "شبه عبادة" البشر لهم، ولا حتى من المؤمنين.
نشكر الله أن يسوع "اكتفى" بأن يدعوه الناس بابن داود، واستجاب لصلوات من صرخ إليه فقط باسمه يسوع، وهو من قدّم نفسه للعالم "فقط" كابن الإنسان، اللقب الأغلى على قلب ربنا يسوع!

اختار الله عبده داود المتواضع من أبناء يسَّى، داود الذي كان منبوذًا وربما أيضًا محتقرًا من عائلته وأخوته، لأنه لم يُدعَ عندما جاء صموئيل ليمسح الملك.
مع أن مسيرة الملك داود لم تكن خالية من الزلات والخطايا، لكنه تواضع دائمًا أمام الله وهكذا غفر له الرب خطاياه.

نقرأ في الكتاب المقدس عن دعوة الله لخدامه مثل موسى الذي كان ثقيل اللسان، والذي لم يستجب في البداية لدعوة الله له لتحرير شعب إسرائيل من فرعون وعبودية مصر، كذلك جدعون الذي لم يحسب نفسه مؤهلًا لخدمة الرب في تحرير الشعب من المديانيين.
لكن الله نظر إلى قلب موسى وجدعون المتواضع المطيع، كما نظر أيضًا إلى قلب شاول الطرسوسي الذي اعتبر نفسه في البداية جاهزًا لخدمة الله، الذي كان متعجرفًا ومتكبرًا ومضطهدًا للكنيسة، لكن عندما ظهر له الرب يسوع في الطريق إلى دمشق، غيّر الرب قلبه ونال الخليقة الجديدة، وأصبح رسول الأمم المبارك، بولس الرسول.

نقرأ في كتاب الملوك الثاني عن النبي أليشع، الذي اختاره الله بعد انتقال النبي إيليا إلى السماء.
نقرأ كيف سخر الصبيان الصغار من أليشع لأنه أقرع، قائلين له: اصعد يا أقرع، اصعد يا أقرع، فالتفت إلى ورائه ونظر إليهم ولعنهم باسم الرب، فخرجت دبتان من الوعر وافترستا منهم اثنين وأربعين ولدًا.
حادثة صعبة ومؤثرة جدًا، تُعلمنا أن لا نهين خدام الرب، الذي قال: لا تمسوا مسحائي، ولا تسيئوا إلى أنبيائي!
لأن الرب لا يهمه الشعر من عدمه، بل القلب وما فيه.

مع أن الرب يهتم قبل كل اعتبار بقلب الإنسان ونياته، لكن هذا ليس معناه أن نُهمِل منظرنا الخارجي أو اللباس، وخاصة في حضورنا اجتماع العبادة، لأن الرب يستحق أن ندخل إلى حضرته وأقداسه بلباس الحشمة اللائق، وليس لباسًا بدون حشمة لا يُمجد اسمه القدوس.
فكما نعرف أن نُكرم الآخرين في بعض المناسبات السعيدة مثل الأعراس، ونختار أفضل ما عندنا من لباس، فهل يستحق الرب أيضًا ذلك؟!
أوصى بولس الرسول النساء بأن يُزَيِّن ذواتهن بلباس الحشمة، مع ورع وتعقل، لا بظفائر أو ذهب أو لآلئ أو ملابس كثيرة الثمن، بل كما يليق بنساء متعاهدات بتقوى الله بأعمال صالحة (تيموثاوس الأولى 9:2).

كذلك أوصى بطرس الرسول النساء بأن لا تكن زينتهن الزينة الخارجية، من ضفر الشعر والتحلي بالذهب ولبس الثياب، بل إنسان القلب الخفي في العديمة الفساد، زينة الروح الوديع الهادئ، الذي هو قدام الله كثير الثمن (بطرس الأولى 3:3).

ينظر الإنسان غالبًا إلى المظهر والجمال الخارجي الفاني، لكن الله ينظر إلى أعماق القلب ونيّاته، فهل نختار أن نحيا في محضر ونظرة الإنسان أم الله؟!

نقرأ في العهد القديم عن النبي أشعياء عندما رأى السيد الرب جالسًا على كرسي عالٍ ومرتفع، وأذياله تملأ الهيكل، فصرخ قائلًا:
"ويلٌ لي، إني هلكت، لأني إنسان نجس الشفتين، وأنا ساكنٌ بين شعب نجس الشفتين، لأن عيني قد رأتا الملك الرب".

وفي رؤيا يوحنا نقرأ كيف سقط يوحنا الرسول كميتٍ عند رجلي يسوع المسيح.

صلاتي أن نتعلم من أشعياء أن نرى خطايانا في محضر القدوس، وأن نتوب عنها ونرجع إلى الرب بتوبة قلبية حقيقية، لكي نتعلم من الرب أن لا ننظر إلى الخارج دائمًا وندين الآخرين حسب منظرهم الخارجي، كذلك نتعلم من يوحنا أن "تموت" الأنا فينا وتسقط عند قدمي يسوع المسيح، لكي نحيا حياة جديدة مع الرب يسوع ومع شعبه، ونكرز للعالم أجمع أنه يوجد مخلّص ورب واحد هو يسوع المسيح، الذي لا ينظر إلى الخارج، بل إلى أعماق القلب، آمين.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا