لَعَلّ المنافقين يَخجَلون – ج5 من 5

هنا الجزء الأخير المتعلّق بأحداث غزّة ومحاولات رمي الكرة في ملعب إسرائيل. والجزء الأخير لا يعني إكمال التغطية على النفاق الإسلامي عبر التاريخ، لكنّ به ينتهي تسليط الضوء على أبرز أركانه من وجهة نظري
22 فبراير 2015 - 20:05 بتوقيت القدس

داعش مدعوم من الخليج

هنا الجزء الأخير من المقالة، المتعلّق بأحداث غزّة ومحاولات رمي الكرة في ملعب إسرائيل. والجزء الأخير لا يعني إكمال التغطية على النفاق الإسلامي عبر التاريخ، لكنّ به ينتهي تسليط الضوء على أبرز أركانه من وجهة نظري. فأختم به متعاطفًا مع مشاعر المسلمين من الطيّبين والمسالمين والمساكين والمغضوب عليهم والضَالّين، مترفّعًا عن فضح المزيد ممّا في الكتب الاسلامية، وممّا يتم تعليمه في المدارس الوهّابيّة والأزهريّة وغيرها وتلقين التلاميذ منذ الصّغر ثقافة كراهية الآخرين ولا سيّما الذين سمّاهم مؤلِّف القرآن أهل الكتاب مشكورًا، لأنّ اليهود والمسيحيّين حقًّا أهل كتاب الله لا غيرهم. عِلمًا أنّ الفكر الذي احتاج صاحبه وأتباعه إلى الكذب والنفاق والخداع والحقد والكراهية والتزوير والافتراء والاغتيال والغزو... إلخ لتأسيسه وبنائه هو الفكر المبنيّ على الرمل والمتوقّع سقوطه وانهياره خلال أيّة لحظة وبطَرفة عين. وهو في نظري سياسة ألبَسَها صاحبها ثوب دِين لتقوية محرّكات دفعها وزيادة قوّة تأثيرها. وكلّ دِين بريء من مثل هذه السياسة، حتّى دين الديناصور ودين العَنْقاء أو الفينيق، لأنها سياسة خطيرة في الدنيا كالنّازيّة ومُمِيتة في الآخِرة كالهولوكوست.

ومعلوم أنّ السياسة على أنواع، منها النظيف والراقي كسياسة السيد المسيح! فمثالًـا لا حصرًا قوله: {أعطوا إذًا ما لقيصر لقيصر وما لله لله}- متّى\ الأصحاح 22 ولوقا\20 ومرقس\12 وفيه فصل الدين عن الدولة وهذا الفصل من أسس العلمانية في العصر الحديث. والسيد المسيح هو أيضًا مَن أسس للديمقراطية الحديثة بقوله: {تَعلَمونَ أنَّ رُؤساءَ الأُمم يَسُودونها، وأنّ عُظماءَها يتسلّطون عليها، فلا يكُنْ هذا فيكُمْ. بلْ مَنْ أرادَ أنْ يكونَ عَظيمًا فيكم، فلْيكُنْ لكم خادِمًا}- متّى\20 ومرقس\10 لعلّك تجد-ين المزيد عن العلمانية والديمقراطية في ويكيبيديا وغيرها. فإن وجد الأخ القارئ والأخت القارئة عبر التاريخ سياسة مثل التي في ضمير السيد المسيح فباب الحوار مفتوح من جهتي.

المسيح يغسل ارجل التلاميذ

ضوء على أحداث غزّة الأخيرة

أمّا غزّة فإنّي أعرف تاريخها المشرّف ومن متابعي أحداثها الأخيرة بمرارة وألم وحزن. وكم صلّيت من أجلها؛ سائلًا الإله الواحد أن ينعم أهلوها بالمحبة والسَّلام والخير، وأن تصل مساعدات الشرق والغرب الماديّة إلى جميع المتضرِّرين من أهليها بأمان وإنصاف.

وبالمناسبة؛ أبشِّر جميع الأطراف المتنازعة على الأراضي المقدّسة بوجود حلّ واحد للنزاع الدائر، محترم ونزيه، يكمن في إقبال العناصر المتنازعة إلى السيد المسيح! لأنه وحده إله السلام! وملك السلام الوحيد الذي سلامُهُ عادل وشامل. ولتكن القدس عاصمة المسيح وتاليًا عاصمة السَّلام، لأنّ المسيح وُلِد في بَيْتَ لَحْمَ وهي على بُعد 10 كم جنوبيّ القدس. فلم يلد موسى النبي في القدس ولا في إحدى ضواحيها ولم يلد مؤسِّس الإسلام هناك.

عِلمًا أنّ تنظيم داعش، في أغلب الظّنّ، استغلّ انشغال وسائل الإعلام الغربية والعربيّة بأحداث الحرب الأخيرة على غزّة. فغزا الموصل! ونجح الغزو بعد خيانة قادة الجيش العراقي المكلّفين بحماية الموصل! فلم تتمّ تغطية أحداث الموصل عن كثب إلّا بعد احتلالها بفترة قصيرة. وسواء أكان أهالي غزّة كِباش فداء للإرهاب أم أهالي الموصل وسهل نينوى فإنَ مصدر الإرهاب واحد وهو إبليس؛ وإن اختلفت قوميات الضحايا وإن تشعّبت أسباب الإرهاب وتلاقت أهدافه وتعدّدت وسائله وتنوّعت أدواته واتسع نطاق العمل به. فالواقع المرّ يؤلم أصحاب الضمير الحيّ وذوي المشاعر المرهفة. أمّا المنافقون فقد اعتادوا إعلاميًّا على محاولة لفت الأنظار إلى الضفة الأخرى من بحر الدماء.

رمي الكرة تارة في ملعب اسرائيل

لم تكن اسرائيل معلنة كدولة قبل كتابة وثيقة قيامها في أيار/ مايو 1948 فلماذا يُطبّل المنافقون ويزمّرون على أنّ إسرائيل تقف وراء الإرهاب الداعشي؟ وقلتُ متسائلًا، ليس دفاعًا عن دولة إسرائيل بل عن الحقّ الذي رأيتُ؛ أين كانت إسرائيل منذ صدر الإسلام فالعصر الأموي فالعباسي الأول فالثاني فالفترة المظلمة فالعثمانيين فالحرب العالمية الأولى فالثانية التي من فظائعها الهولوكوست؟ وأين كانت إسرائيل من احتلال أركان شبه الجزيرة العربية والعراق وسورية والقسطنطينيّة ومصر وشماليّ أفريقيا حتى الأندلس، منذ صدر الإسلام حتّى إعلان قيام دولة إسرائيل؟ بدون أن يغيب عن الذهن البشاعة الإسلامية في القتل والسلب والنهب والسبي... إلخ والأمثلة عبر التاريخ كثيرة ولا حصر لها.

ومعلوم لي أن الحفاظ على أمن اسرائيل هو شغلها الشاغل، منذ قيامها حتى اليوم! فليس من مصلحتها تصنيع تنظيم إرهابي مثل داعش بالقرب من حدودها الجغرافية المعترف بها دوليًّا، إنّما تكفيها تهديدات الفصائل الإسلامية المسلحة؛ سواء التي في الداخل وتلك القريبة نسبيًّا من حدودها في الخارج. لذا فالقول بأنّ داعش صناعة إسرائيلية سخيف، في رأيي، ولا يخلو من محاولة الضحك على الذقون! لأنّه يتجاهل هدف داعش الرئيسي وهو إنشاء (خلافة على منهاج النبوّة) وكم حاول المنافقون، بالقول المذكور وبغيره، تبرئة التراث الإسلامي من جرائم تنظيم داعش وجرائم أنصاره سواء في الشرق والغرب، كأنّ العالم غير الإسلامي أعمى وأطرش وأبكم، مثل الأمّة التي لها عيون ولا تُبصر بها وآذان ولا تسمع وعقول ولا تفكّر. وهي الأمّة المسمّاة رياءً "أمّة اقرأ" لأنها في الواقع لا تقرأ كما يجب! بل المؤسف جدًّا أنّ السؤال محظور عليها والتفكير ممنوع. ولديّ دليلان؛

الأوّل: (يا أيّها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إنْ تُبْدَ لكُمْ تسُؤْكُمْ ...)- المائدة:101 وإن كان في هذا الأمر ستّ مسائل بحسب تفسير القرطبي.

والثاني: ألمْ تَرَ-ي كيف ضَرَبَ عُمَرُ بنُ الخطّاب صبيغَ التميمي لأنَ صبيغ سأل عن تفسير القرآن (سنن الدارمي 1/54) وقد سأل تحديدًا عن المتشابه في القرآن. وإليك ما قال الشافعي في تحريم الكلام والبحث العلمي: حُكْمِي في أهل الكلام حُكمُ عُمَرَ في صبيغ.

اقرأ اكثر تر ابعد

نفاق جديد ضدّ إسرائيل

زعم عدد من المسلمين وآخَرُ من المسيحيّين المتحالفين معهم حزبيًّا: (إنّ إسرائيل هي المستفيدة من قيام داعش بتهجير مسيحيّي الموصل وسهل نينوى، لأنّ هذا التهجير يخدم مشروع اسرائيل الاستيطاني "من النيل إلى الفرات" فغايته إسكان عوائل يهودية في منازل كلّ من المسيحيّين والرافضة أو الروافض...) وهذا زعمٌ هراء لأسباب ثلاثة؛

فأوّلًا: تقع الموصل وسهل نينوى خصوصًا على نهر دجلة لا الفرات، بل بعيدًا عن الفرات.

وثانيًا: ما قصدت التوراة بالآية التالية نهر النيل ولا وُجدتْ أيّة دلالة جازمة: {في ذلِكَ اليَوْمِ قَطَعَ الرَّبُّ مَعَ أبْرَامَ مِيثاقًا قائِلًا: لِنَسْلِكَ أُعْطِي هذِهِ الأَرْضَ، مِنْ نَهْرِ مِصْرَ إِلى النَّهْرِ الكَبيرِ، نَهْرِ الفُرَات}- تكوين 18:15 علمًا أنّ أبرامَ قد سمّاه اللهُ إبراهيمَ في ما بعد (تكوين 5:17) ومن يذهب إلى التفسير المسيحي يجد (أنّ هناك فرعًا للنيل يمرّ قرب السويس حتى شرق العريش وكان يقصد بسهل العريش وادي النيل)- تفسير القمّص انطونيوس فكري. وهذا المفسِّر مِصريّ وأهل مصر أدرى بالنيل من غيرهم، مثلما (أهل مكّة أدرى بشعابها) فإذًا هو نهر العريش الذي اسمه في التاريخ: نهر مصر، لأنه معبر القادمين من الشرق صوب مصر. بالإضافة إلى أنّ النيل مذكور بالإسم في أسفار من العهد القديم وتحديدًا إشعياء وإرميا وعاموس! فلا مانع من ذكر النيل بالإسم، في آية سفر التكوين المذكورة، إمّا كان النيل هو المقصود.

وثالثًا: سمعت من رئيس حكومة إسرائيل الحالي، في أعقاب الاعتداء الإرهابي على المطعم اليهودي شرقيّ باريس، إنّه دعا يهود فرنسا، شأنهم شأن سائر يهود الشّتات في العالم، للهجرة إلى إسرائيل. وواضح أن الهدف الأساسي من هذه الدعوة هو زيادة التعداد السّكّاني من اليهود. وقد يتساءل المرء بعد تأمل وتحليل؛ كيف تُقْدِمُ حكومة إسرائيل على إسكان يهود الشّتات، الراغبين في العودة إلى أرضهم التاريخية المقدّسة، في مكان ما خارج حدودها المعترف بها دوليًّا؟ ومن جهة أخرى؛ كيف تدعو إسرائيل المقيمين فيها للسكن في الموصل وهي في الوقت عينه تسعى إلى زيادة عدد سكّانها، في مقابل النموّ السّكاني الفلسطيني المشحون بثقافة الرجل الواحد والأربع زوجات؟ هذا بغضّ النظر عمّن سيرضى بالعرض الإسرائيلي المفترَض.

فليندب المنافقون حظوظهم الخائبة ويبيعوا بضائعهم الكاسدة في سوق غير يهوديّة في الأقلّ ولا مسيحيّة.

حين ينقلب السّحر على الساحر

إذا ظنّ طاقم سياسة أميركا الخارجيّة أنه نجح في إبعاد الإرهاب عن أميركا، عبر دعم الإسلاميّين المتطرّفين في كل من تونس وليبيا ومصر وسورية والعراق، فإنّ أقران المتطوّعين للقتال ضمن صفوف داعش وأبناءَ جلدتهم، من إسلاميّي أميركا الذين فرّخَتْهم مساجد الكراهية الإسلامية المنتشرة في الولايات الأميركية، سيهدّدون أمن أميركا برمّتها لاحقًا، ويفجّرون نصب الحرية الشامخ في نيويورك بعد حين، ولا سيّما أنّ لسلفهم السّيّء الذِّكر سابقة إرهابية في نيويورك نفسها، وتحديدًا مانهاتن، لن ينساها الشعب الأميركي. وإذا عاد تخريب أيٍّ من الدول المذكورة أعلى بمصلحة ما على إسرائيل، كانشغال الإسلاميين مؤقّتًا عن تهديد أمنها داخليًّا وخارجيًّا، فهذه المصلحة من باب قول الشاعر المتنبّي- على وزن الطويل- لا أكثر:

بذا قضَتِ الأيّامُ ما بين أهلها - مصائبُ قومٍ عند قومٍ فوائدُ

تمثال الحرية

رأي حُرّ: المستفيد من صناعة داعش

فمَن المستفيد إذًا من جرائم تنظيم داعش وأنصاره ما لم تكن أميركا من جهة وإسرائيل من أخرى؟ والجواب في رأيي: أثرياء دول الخليج ولا سيّما ذوي الثراء الفاحش وهم كُثر! إذ فُضِحَ أمرُهُمْ عبر فصول مسرحيّة دعم فصائل المقاومة الإسلامية ضد إسرائيل كما فشلوا في الاتّجار بالقضيّة الفلسطينيّة! فخطّطوا للتآمرعلى الأنظمة غير الوهّابية في المنطقة. لذا استنفروا الاتحاد الأوروبي، الجاهل حقيقة الإسلام وتقيّته، كي يدعمهم بالسلاح، تحت غطاء ثورة شعوب عربية مسحوقة على أنظمتها الدكتاتورية! وقد ضمنوا إلى جانبهم وقوف جهاديّي الإسلام، لأن النفير (أي التّعبئة العامّة) أصبح بضاعة رخيصة يسهل الحصول عليها في الوقت المناسب؛ سواء في المسجد، بصرخة الإمام في المصلّين خلال خطبة الجمعة، أو في الشارع! لذا حرصوا أوّلًا على تبييض وجه الإسلام في الشرق والغرب، عبر وسائل إعلاميّة مختلفة، وتلميعه ما أمكن في خطب الشيوخ الناريّة. وسخّروا عملاءهم في الشرق والغرب لترويج الثقافة الإسلامية فاستقطاب مسلمين "عقائديّين" كجنود جدد، وجذب مسلمين سُذّج وفقراء وعاطلين عن العمل وفاشلين في الحياة لتأهيل صعاليك جدد. وغاية الأثرياء: لفت الأنظار عن ثرائهم الفاحش مهما يبلغ الثمن وأيًّا كان دافع الثمن! لا يهمّهم بشيء هدر دماء أبناء غزّة ودماء أبناء سورية ودماء الأقباط ودماء مسيحيّي الموصل وسهل نينوى. ولا يهمّهم هدر دماء المسلمين أنفسهم في الدول المذكورة أعلى! وما علموا أنّ البترول والثراء زائلان لا محالة، عاجلًا أم آجلًا، بعد شحّة البترول في المدى البعيد، وبالأحرى انخفاض سعره في المدى القريب، بعد توفير الدول المستوردة بدائل أنظف منه وأرخص. أمّا غير الزائل، الذي يبقى فعّالًا وجذّابًا إلى الأبد، فهو كلام السيد المسيح له المجد كلّ المجد إذ قال: {اَلسَّمَاءُ والأَرضُ تَزُولانِ ولكِنَّ كَلامِي لا يَزُولُ}- متّى 35:24 ومرقس 31:13 ولوقا 33:21 آمين.

اثرياء الخليج

¤ ¤ ¤

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا