"العين لا تشبع من النظر، والأذن لا تمتلئ من السمع" (جا 8 : 1 ).
في عصر التشتت والاستنزاف الذي نعيش فيه، يغيب عنا ان وسائل التواصل مثل يوتيوب، إنستجرام، فيسبوك وغيرها، ليست مجرد جريدة أو كتاب تتصفحه وتنتهي منه، وهي ليست مجالاً معرفيًا محدودًا أو مكانًا لسلعة واحدة، بل هي عوالم مفتوحة لا حدود لها، تموج بالأفكار، والمفاهيم، والمعتقدات، وكل ما يخطر على بالك من تفاصيل الحياة.
فأذهاننا وعيوننا لا ينبغي ان تظل مفتوحة على كل هذا التلوث الرقمي "وَكُلُّ إِنَاءٍ مَفْتُوحٍ لَيْسَ عَلَيْهِ سِدَادٌ بِعِصَابَةٍ فَإِنَّهُ نَجِسٌ." (عد 19: 15). يُعتبر هذا الحكم رمزًا لاهمية الحذر واليقظة في التعامل مع الامور التي تسبب النجاسة او التلوث.
كُنت قد كتبت عن هذا الموضوع سابقًا فقلت:
الصفحة العامة المشتركة (New Feeds).. من أخطر الأماكن التي يمكن أن تبدأ بها يومك. في هذه الصفحة، أنت عمليًا تضع عقلك ومشاعرك تحت تصرّف أي محتوى عابر.
تأكد انه بعد نصف ساعة من التصفح ستكمل يومك فاقد التركيز و مشتت بين استرجاع ما تصفحته وبين الواقع الذي تعيشه.. مشاعرك استقبلت كم مهول من الصدمات والمؤثرات المحزنة والمفرحة في ذات الوقت، ذهنك استقبل كم مهول من المدخلات والمعلومات (كافية ان تشتته و تفقده التركيز).
وما ان تهرب من هذه كلها، حتى تجد نفسك استُهلكت تماما وضاع يومك.
نحن بالفعل نعيش في عصر تتدفق فيه المعلومات من كل صوب، حيث تلاحقنا "أمور عظيمة" من أنحاء المعمورة. ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، أضحى من المُتوقَّع أن نُبقي أعيننا وقلوبنا منشغلة بكل حدث. ورغم أهمية الوعي، إلا اننا إن لم نكن حذرين، قد نُنهك أرواحنا ونحن نُطارد ما لا طاقة لنا به.
ولا ننسى ان العامل الرئيس في تكوين وعي جيل اليوم وطريقته في التفكير اصبح بالطبع وسائل الإتصال السريعة حيث يكون الإنسان متلقٍ فقط، دون أن يعمل التفكير ومن ثم الإستدلال المنطقي في معالجة ما يُبث، والحصيلة سطحية مغرقة في تفهم ومعالجة المشكلات وما يترتب على ذلك من نتائج خطيرة.
لذلك، احذر قبل أن تفتح هاتفك، حدِّد مسبقًا ماذا تريد وماذا تحتاج. لا تُلقي بنفسك في هذا المحيط بلا بوصلة، فكم من سبّاح ماهر ابتلعته الأمواج، وكم من سفينة جبارة غرقت في الأعماق.
تذكّر: قبل أن تفتح أي تطبيق، أنت تقف على حافة هاوية رقمية، قد تسرق وقتك، وتنهك جسدك، وتستنزف مالك دون أن تدري.
وتذكر كلمات الحكيم:
"مَدِينَةٌ مُنْهَدِمَةٌ بِلاَ سُورٍ، الرَّجُلُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى رُوحِهِ." (أم 25: 28).
أخيرًا: ماذا تفعل كمؤمن بالمسيح؟
- ضع هدفك بوضوح قبل الدخول.
- اطلب من روح الله القدوس أن يكون مرشدك وحاميك.
- تمهّل قبل أن تنقر على أي شيء.
- اسأل نفسك دائمًا: ما الفائدة؟
- ونقِّ رغباتك بهذا السؤال المحوري:
"ماذا كان سيفعل الرب يسوع، لو كان مكاني الآن؟"
وليحفظك ويحفظني القدير.