إشارات إلى العهد القديم– ج15 ثانيًا وأخيرا: حِفظ وصايا الناموس

إن كان الكنز في السماء، فيكون القلب والعقل والمشاعر في السماء، ولا يستطيع العالم أن ‏يغلب الإنسان الذي ليس فيه شيء يمكن أنْ يُغلَب. إنك تستطيع أن تتبع الرب حُرًّا بلا قيود- ‏كما فعل الرُّسُل...
16 مارس 2016 - 23:25 بتوقيت القدس

الإشارتان الرابعة والخامسة

روى متّى ومرقس ولوقا قصّة شابّ يهودي، كان غنيًّا ورئيسًا، تقدَّم إلى السيد المسيح بسؤال ‏عن إمكانية نيل الحياة الأبدية. وإليك رواية متّى: {أيّها المعلّم الصالح، أي صلاح أعمل لتكون ‏لي الحياة الأبديّة؟ فقال له: لماذا تدعوني صالحا؟ ليس أحدٌ صالحًا إلّا واحد وهو الله. ولكن إن ‏أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا. قال له: أيّة الوصايا؟ فقال يسوع: لا تقتلْ. لا تزنِ. لا ‏تسرقْ. لا تشهَدْ بالزّور. أكرِمْ أباك وأمَّك، وأحِبَّ قريبَك كنفسِك. قال له الشّابّ: هذه كلها ‏حفظتها منذ حداثتي. فماذا يعوزني بعد؟ قال له يسوع: إنْ أردتَ أنْ تكون كاملًا فاذهبْ وبِعْ ‏أملاكك وأعطِ الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال اتبعني! فلمّا سمع الشاب الكلمة ‏مضى حزينا، لأنه كان ذا أموال كثيرة. فقال يسوع لتلاميذه: الحقَّ أقول لكم؛ يعسر أنْ يدخل ‏غنيّ إلى ملكوت السماوات. وأقول لكم أيضا: إنّ مرور جَمَل مِن ثُقب إبرة أيسر مِن أنْ يدخل ‏غنيّ إلى ملكوت الله. فلما سمع تلاميذه بُهِتوا جدًّا قائلين: إذًا مَن يستطيع أنْ يخلُص؟ فنظر ‏إليهم يسوع وقال لهم: هذا عند الناس غير مستطاع، ولكن عند الله كل شيء مستطاع}+ متّى ‏‏19: 16-26‏
ومعنى الجَمَل في المعجم الوسيط: الحَبْلُ الغليظ. وفي المعجم الرائد: حبل السفينة الغليظ. ‏
وفي ذِكر السيد المسيح وصايا الناموس (أي الشريعة الموسويّة) إشارتان؛ الأولى إلى سِفر ‏الخروج 20: 12-16 والثانية إلى سِفر اللاويِّين 19: 18‏

ـــ ـــ ـــ

التفسير المسيحي

من يقرأ تفسير الآيات المذكورة، في أزيد من كتاب ومن موقع الكتروني مسيحي، لن يجد ‏اختلافًا بين تفسير وآخر، لكنه يجد تأمّلات كتبها المفسِّرون مستوحاة من الكتاب المقدَّس ‏نفسه، مستشهدين بآياته العِظام. فإليك أوّلًا مقتطفات منها- بتصرّف- بقلم القمّص يوسف ‏تادرس، عِلمًا أنّ في رواية الشاب الغني مواعظ كثيرة:‏
‏[جاء هذا الشاب كأنه يمثّل الأغنياء، وجاءت إجابة السيِّد تكشف عن إمكانيّة دخول الأغنياء ‏الملكوت خلال الباب الضيق. لكن قبل أن يجيبه على سؤاله قال له: {لماذا تدعوني صالحًا؟! ‏ليس أحد صالحًا إلا واحد وهو الله} لم يقُلْ للشاب "لا تدعوني صالحًا" إنّما رفض أن يدعوه ‏هكذا- مجرد لقب- ما لم يؤمن بحقّ أنه الصالح وحده. فقد اِعتاد اليهود على دعوة رجال الدين ‏بألقاب لا تليق إلا بالله وحده، وقد أراد السيِّد تحذيرهم بطريقة غير مباشرة، كأنّ السيِّد يقول ‏له: إن آمنت بي أنا الله فلتقبلني هكذا وإلا فلا. هذا وقد أكّد السيِّد نفسه أنه صالح، بقوله: {أنا ‏هو الراعي الصالح}+ يوحنّا 10: 11 كما قال لليهود: {مَن منكم يبكِّتني على خطيّة؟}+ يوحنّا ‏‏8: 46‏
لقد عُرف الأغنياء بالمظاهر الخارجيّة وحُبّ الكرامات، كأنّ السيِّد المسيح بإجابته هذه أراد أن ‏يوجِّه الأغنياء إلى تنقية قلوبهم من محبّة الغِنى بطريق غير مباشر، مع رفض محبّة الكرامات ‏والألقاب المبالغ فيها.‏
وقد أظهر هذا الشاب شوقه للحياة، لذلك قدّم له السيِّد إجابة عن اشتياقه، وكما يقول القدّيس ‏كيرلّس الكبير: [الذين ينحنون أمامه بعنق عقولهم للطاعة يهبهم وصايا ويعطيهم نواميس. ‏ويوزِّع عليهم الميراث السماوي، ويقدّم لهم البركات الروحيّة، فيكون بالنسبة لهم مخزنًا لعطايا ‏لا تسقط] لقد أجابه السيِّد: {إن أردت أن تدخل الحياة فاحفظ الوصايا} وكما يقول القدّيس ‏أغسطينوس: [إن كنت لا تريد أن تحفظ الوصايا، فلماذا تبحث عن الحياة؟ إن كنت تتباطأ في ‏العمل، فلماذا تُسرع نحو الجزاء؟] لقد دخل السيِّد مع الشاب في حوار حول حفظ الوصايا، ‏حتى يكشف له نقطة ضعفه، ألا وهي محبّة المال. وجاءت النصيحة: {إن أردت أن تكون ‏كاملًا... -الآية-... إلخ] انتهى.‏

كما أورد القمّص في معرض تفسيره عددًا من أقوال آباء الكنيسة القدامى، إليك منها التالي:‏
‏[1 هذه هي ذروة الفضيلة الكاملة الرسوليّة؛ أنْ يبيع الإنسان كل ما يملك ويوزِّعه على الفقراء ‏‏(لو 18: 22) متحرّرًا مِن كل عائق ليعبر إلى الممالك السماويّة مع المسيح. 2 خادم المسيح ‏الكامل ليس له شيء بجانب المسيح. 3 تَرجِمْ كلماتِه إلى عمل، فإنّك إذ تتعرى تتبع الصليب ‏حيث العرس، وتصعد سُلَّم يعقوب الذي يسهل صعوده لِمَن لا يحمل شيئًا. 4 يَعِد الشيطان ‏بمملكة وغنًى ليُحطّم الحياة، أمّا الرب فيَعِدُ بالفقر ليحفظ الحياة]- القدّيس جيروم.‏

‏[إن كان الكنز في السماء، فيكون القلب والعقل والمشاعر في السماء، ولا يستطيع العالم أن ‏يغلب الإنسان الذي ليس فيه شيء يمكن أنْ يُغلَب. إنك تستطيع أن تتبع الرب حُرًّا بلا قيود- ‏كما فعل الرُّسُل- وكثيرون في أيامهم، الذين تركوا مالهم وأقرباءهم والتصقوا بالمسيح ‏برباطات لا تنفكّ]- القدّيس كبريانوس.‏

‏[إن كانت لديهم الإرادة أنْ يرفعوا قلوبهم إلى فوق، فليدّخروا ما يحبّونه هناك. فإنهم وإن كانوا ‏على الأرض بالجسد فليسكنوا بقلبهم مع المسيح. لقد ذهب رأس الكنيسة أمامهم، ليت قلب ‏المسيحي أيضًا يسبقه إلى هناك. فإنّ كل مسيحي يذهب في القيامة إلى حيث ذهب قلبه الآن. ‏لنذهب إلى هناك بذاك العضو (القلب) الذي يمكنه الآن أن يذهب. فإن إنساننا بكلّيته سيتبع قلبه ‏ويذهب إلى حيث ذهب القلب. لنُرسِل أمتعتنا مقدَّمًا إلى حيث نستعدّ للرحيل]- القدّيس ‏أغسطينوس.‏
ومعنى قوله الأخير (لنُرسِل أمتعتنا مقدَّمًا إلى السماء) أي نُكثر من فضائلنا على الأرض ‏وحَسَناتنا فيكون لنا منها رصيد كبير في ميزان الفضائل والحسنات الذي في السماء.

وإليك تاليًا ما اقتطفت مِن تفسير المبشِّر الواعظ هنري أ. أيرونسايد:‏
‏[1 من الواضح أن الشاب أراد أن يقدم له الإكرام، لكن يسوع أوضح حقيقة أن الله وحده هو ‏الصالح. كل الناس خطأة (رومية 3: 12) ولذلك؛ لو كان يسوع إنسانًا فقط لَما كان صالحًا ‏بهذا المعنى المطلق. لكنّه إذْ كان حقًّا صالحًا فهو الله.‏
‏2 لقد كان الناموس يَعِدُ بحياة لأولئك الذين يحفظونه (لاويين 18: 5؛ غلاطية 3: 12) ولذلك ‏أجاب الرب: {إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فاحْفَظِ الوَصايا} وقد قصد بهذا الإعلان أن يُظهر ‏للرجل عجزه عن الحصول على الحياة على أساس حفْظِ الوصايا، لأن الضمير إن كان حيّاً ‏فعّالا، سوف يُدرك أنه قد انتهك الناموس. إن أراد الناس أن يسعوا للحصول على الحياة ‏الأبدية بأن يفعلوا الصلاة فإنّ الناموس يتحداهم أن يبرهنوا على طاعة كاملة. لأن الجميع ‏أخطأوا وليس من الممكن لأي أحد أن يتبرر بأعمال الناموس. إن الناموس يتحدث بقوة مخيفة ‏عن ضميرٍ يقظٍ حي، يجعل المرء يدرك عجزه عن إحراز الحياة الأبدية عن طريق الأهلية ‏البشرية أو الاستحقاق البشري.‏
‏3 {قَالَ لَهُ: أَيَّةَ الْوَصَايَا؟} وهذه كانت محاولة واضحة للتملّص من قوة كلمات يسوع الكاملة. ‏وفي الجواب؛ اقتبس يسوع خَمسًا من الوصايا الرئيسية وختمها بتلخيص الكلّ لتشير إلى ‏واجباتنا نحو إخوتنا البشر مستشهدًا من لاويّين 19: 18 {أَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ} فكيف في ‏إمكان أي شخص، كالذي كان قانعاً بأن يكون ثريّا، أن يعترف أنه يحب قريبه كنفسه بينما ‏الناس المحتاجون والفقراء كانوا يعانون في كل لحظة ومن كل جهة حوله؟ فلكي تصير تلميذاً ‏للمسيح- لتعيش من أجل الآخرين- هكذا تكنز لك كنزًا في السماء. فكان ربنا يسعى ليُظهر كلًّا ‏من الخداع والأنانية ممّا في قلب الإنسان. إن الدعوة إلى التخلي عن كل شيء واتّباع المسيح ‏كانت للإذعان كُلِّياً إلى سلطانه! هكذا نصبح تلاميذ بالفعل وبالحقّ. ‏
‏4 لم يكن لدى الشاب إدراك إلى حاجته الذاتية في كونه خاطئا. لقد فكّر في يسوع بصفته ‏معلِّمًا لا مخلِّصًا! لذا فلم يكن مستعدًّا لأنْ يضع المسيح أوّلًا في حياته، ومثل آلاف من الناس ‏الذين انجذبوا إلى الرب يسوع، مضى حزينًا عندما عَرَفَ شروط التلمذة.‏
‏5 ليست خطيئة أن تكون غنيّا. إن الخطيئة هي أن تجعل الثروة أساسًا للثقة الزائدة وأن تتمتع ‏بوسائل الراحة التي تقدّمها الثروة بينما تنسى آلام الفقراء والمحتاجين ومعاناتهم. عندما يعهد ‏الله بثروة لأي إنسان فبمثابة وكالة وَضَعَها الله بين يديه ليديرها الإنسان ويدبّرها لمجد مَن ‏أعطاه إيّاها. إن محبة المال هي الشّرّ (ا تيموثاوس 6: 10) ليس المال بحد ذاته شرًّا. فقد ‏يصبح المال وسيلةً لبركات لا حدّ لها إذا ما استُخدِمَ بالتوافق مع المسيح. انظر-ي 1 تيموثاوس ‏‏6: 17- 19] انتهى.‏

ـــ ـــ ـــ

وتعليقي، متأمِّلًا في العهدين الجديد والقديم؛ أنّ مَن يريد الحياة الأبدية فليتّبع الرب يسوع ‏المسيح مؤمنًا به فاديًا ومخلِّصًا، حافظًا وصايا الرب وعاملًا بها شكلًا ومضمونًا. والسيد ‏المسيح سيستقبل المؤمن-ة، بعد انتقالهما إلى السماء، بمجد نوره البهيّ وبوداعة العهد الجديد، ‏إذْ كان وديعًا على الأرض ومتواضع القلب ومانحًا الراحة للنفوس التي ظمئت إلى كلمة الله ‏‏(متّى 11: 29) فارتوت مِن بين حشود الناس التي أقبلت إليه. فـ{حِينَئِذٍ يُضِيءُ الأَبْرَارُ ‏كَالشَّمْسِ فِي مَلَكُوتِ أَبِيهِمْ}+ متّى 13: 43‏
أمّا مَن يرفض الحياة الأبدية التي أعدّها السيد المسيح- ربّ العهدَين والديّان العادل- فإنّ ‏ملائكته سيستقبلون المتكبّر والمُفتَري وسائر أهل الشَّرّ، بقسوة العهد القديم على الأثمة؛ ولا ‏سيّما الأشرار الذين ظنّوا أنهم قدَّموا خدمة لله (يوحنّا 16: 2) بقتل الناس عبر التاريخ  ‏فشرَّدوا أهالي الوطن وهَجّروا وسلبوا ونهبوا وسبوا واغتصبوا واحتلّوا منازل الآمنين ‏المسالمين المساكين. نعم؛ سيحرقهم ملائكة المسيح بنار لا تنطفئ مع إبليس والوحش والنبيّ ‏الكذّاب (الرؤيا 19: 20 و20: 10) كما يُحرَق التبن، هناك في الظلمة الخارجية حيث البكاءُ ‏وصَريرُ الأسنان (متّى 13: 50) لا شَفِيعَ لهم وبِئْسَ المصير. ‏

‎¤ ¤ ¤‎

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. الكاتب 19 مارس 2016 - 08:04 بتوقيت القدس
على فيسبوك لينغا 1 بين المسيح وآدم على فيسبوك لينغا 1 بين المسيح وآدم
معلّق من الجزائر: [ فإذا كان عيسى من دون أب فآدم من دون أب ولا أم!] انتهى الكاتب: ليس القرآن ولا غيره حجّة على الكتاب المقدَّس. إني أقرأ سيرتك من ملفّك الشخصي ولا يجوز لي أن أقرأها من ملف شخص آخر. أمّا قضية الخلق فحين تقرأ الملف الشخصي لله، أي الكتاب المقدَّس، تجد أن آدم مخلوق! أمّا السيد المسيح له المجد فهو مولود غير مخلوق. وأكتفي بهذا القدر أخي المحترم.
2. الكاتب 19 مارس 2016 - 08:20 بتوقيت القدس
على فيسبوك لينغا 2 يدّعي الكاتب أن المسيح هو الله على فيسبوك لينغا 2 يدّعي الكاتب أن المسيح هو الله
معلّق: [فيما يتعلق بقول المسيح لماذا تدعونى صالحا ، ليس أحد صالحا الا الله ، يدعى الكاتب أن المسيح هو الله ، في كثير من الترجمات لهذا النص المعنى مختلف في متى 19-17( لماذا تسألنى عن الصالح ، واحد فقط هو الصالح) ولكن كل شخص يختار الترجمة التى يريدها . لم يقل المسيح أبدا في أى نص من نصوص الانجيل أنه هو الله والتحدى مستمر...إلخ] انتهى الكاتب: إن "المسيح هو الله" هو قول المسيح نفسه حرفيًّا ومعنويًّا: {أنا والآب واحد... مَن رآني فقد رآى الله... إني أنا في الآب والآب فيّ... الآب الحالّ فيّ} وليس ادّعاء الكاتب! بقِيَ عليك أن تقرأ الإنجيل لتتأكد بنفسك، مستعينًا بالتفسير المسيحي، بعيدًا عن أيّ كتاب آخر مضلِّل.
3. الكاتب 19 مارس 2016 - 08:36 بتوقيت القدس
على فيسبوك لينغا: أشهد ان لا اله الا الله وان... على فيسبوك لينغا: أشهد ان لا اله الا الله وان...
أزيد من معلق- سابقًا ولاحقًا: [اشهد ان لا اله الا الله وان... إلخ] انتهى الكاتب- مخاطبًا شخصين حتى ذلك التاريخ: هنيئًا لكما إذا علمتما أن الشهادة الإلهية الوحيدة هي أنْ {لا إله إلّا الله} أو {الرب إلهنا رب واحد} المعروفة في التوراة بحوالي ألفي سنة قبل الإسلام. وهنيئًا لكما إذا علمتما أن أيّة شهادة أخرى لإنسان موضوعة إلى جانبها، معطوفة عليها، هي شِرك بالله عزّ وجلّ وعلا، لأنها تضع منزلة الإنسان في منزلة الله- حاشا الله ممّا به تُشرِكان.