إشارات إلى العهد القديم – خامسًا: خِراف المسيح

يحدّثنا السيّد عن يوم مجيئه الأخير، حيث ‏فيه يلتقي مع الأشرار لا كعريس مفرح بل كديّان مرهب، لا تشفع فيهم صلواتهم ‏الطويلة الباطلة، ولا كرازتهم باسمه، ولا إخراجهم الشيّاطين وصنعهم قوات ‏باسمه...
04 أكتوبر 2015 - 20:13 بتوقيت القدس

وصف الخوري يوسف داود (أحد مترجمي الكتاب المقدَّس إلى العربية الصادر ‏سنة 1875) متّى\ الأصحاح السابع بأنّه فصل ختام الموعظة على الجبل، مركّزًا ‏على الآيات التالية: 1 النهي عن الدينونة الباطلة 6 إعطاء القدس للكلاب 7 الثقة ‏في الصلاة 12 جوهر الشريعة 13 الباب الضيّق 16 الحكم من الأثمار 24 ‏البنيان على الصخرة 26 البنيان على الرمل. فإذا صحّ هذا الوصف فإن موعظة ‏الجبل لم تُختَمْ بعد ولن تُخْتمَ، لأنها صالحة في كل زمان وكلّ مكان، شأنها شأن ‏الإنجيل كُلِّه. فمثالًا على الاقتداء بجوهر الشريعة؛ حين سألتُ صديقًا أوروبيًّا ‏لادينيًّا عن سرّ احترامه الغرباء واللاجئين، من أمثالي، أجاب فورًا بالقول: ‏عامل الناس كما تحبّ أن يعاملوك (ملخّص جوهر الشريعة المدوَّن في متّى 7: ‏‏12 وفي لوقا 6: 31) وجوابه يعني أن جذور الثقافة الأوروبية ما تزال حيّة ‏وستبقى، حتّى لدى الشريحة غير المتديّنة حاليًّا، لأنّ هذه الجذور ممتدة إلى ‏الإنجيل. فالإنجيل قلب الثقافة الغربية النابض ومنهلها العذب. ومن ثمار ثقافة ‏الغرب: قبول اللاجئين، على رغم اختلاف العِرق والعقيدة والاتجاه السياسي ‏والمستوى الطبقي وغيره.‏

وقد أخبرني صديق مقيم في هولندا أن عشرة آلاف هولندي تطوّعوا مؤخَّرًا ‏لخدمة اللاجئين. وفي الجوار الألماني؛ استنكر عدد من البائسين الجميل ‏الأوروبي بمداخلات عبر شبكات التواصل الاجتماعي، لعلّ أبرزها هو (أن ‏ألمانيا استقبلت اللاجئين لأنها بحاجة إلى الأيادي العاملة) فواضح أنّ هؤلاء ‏مسلمون متعصبون بدون وجه حقّ، حاولوا إسقاط تقصير المسلمين عمومًا ‏والعرب خصوصًا إزاء اللاجئين، على دول الغرب، المنتعشة اقتصاديًّا منها ‏والمتسامحة ومن رُعاة حقوق الإنسان، ولا سيّما ألمانيا الحديثة. ‏

أمّا الرد عليهم ببساطة فيمكن اختصاره بعدد من النقاط، ومنها التالي:- ‏
‏1. هل سمعتم أن ألمانيا فتحت باب اللجوء لأحد عبر سفاراتها، أيًّا كان سبب ‏اللجوء؟ لكن للمقيم على أرضها، بصورة غير مشروعة، الحق في طلب اللجوء.‏

‏2. هل سمعتم أنّ ألمانيا بحاجة إلى عُمّال وفلّاحين من خارج أرضها؟ ‏

‏3. هل طلبت ألمانيا، التي تعدادها مقدَّر بحوالي 82 مليونًا (حتّى سنة 2014) ‏ومساحتها حوالي 357 ألف كم مربع، إلى دولة ما، مهاجرين إليها ليشغلوا ‏المناطق الخالية من مساحتها وإن كانوا من خبراء التكنولوجيا؟ بل ألمانيا من ‏الدول المصدّرة التكنولوجيا خارجًا.‏

‏4. هل حَلّت ألمانيا أزمة البطالة لديها ووفّرت جميع سبل العيش الكريم للعاطلين ‏عن العمل، أم أنّ فقراء شعبها ما يزالون يحلمون بالعيش في مستوى معيشي ‏أفضل وأن طبقات من الشعب ما تزال تعاني من ثقل الضرائب المفروضة ‏عليها؟

‏5. لنفترض جدلًا أن ألمانيا ستحتاج إلى الأيادي العاملة بحلول سنة 2017 فهل ‏ستفضّل المهاجرين المسلمين، ذوي الثقافة الغريبة عن ثقافتها، أم مهاجرين من ‏دول فقيرة نسبيًّا، من ذوي الجذور الثقافية غير الإسلامية في الأقلّ؟ لا شكّ ‏عندي في أنها ستطلب مهاجرين غير مسلمين، نظرًا لانكشاف حقيقة الإسلام ‏لديها؛ بفضل صور داعش، التي تميزت بتقنية عالية، وبفضل مرتدّين عن ‏الإسلام.‏‏

6. هل ستتقبّل ألمانيا في المستقبل أخلاقًا منحرفة عن أخلاق شعبها أم أنّ عيون ‏استخباراتها، المعروفة بدقّتها، ستبقى مفتوحة 24\24 أمام الإرهابيّين؟

‏7. هل تتوق ألمانيا في المستقبل إلى رؤية أشكال شبيهة بالعنصر البشري، إلّا ‏لإجراء اختبارات علمية وإنتاج أفلام سينمائية؟ أشكّ.‏

‏8. هل يطمئنّ المواطن الألماني، الآن وفي المستقبل، بالعيش في وسط اجتماعي ‏ذي خلايا إرهابية نائمة وقنابل إرهاب موقوتة؟ قطعًا لا شكّ.‏

في ما تقدّم غيض من فيض الإسلام الذي قدّمته داعش، وسائر الفصائل ‏الإسلامية الإرهابية، للعالم المتمدّن على طبق من ذهب. عِلمًا أنّ ما تقدَّم مكتوب ‏من وجهة نظري. ورُبَّ ساذج يعترض قائلًا وما أكثر السُّذّج: (ألم يكن هتلر ‏وموسوليني وستالين وهاري ترومان وغيرهم مسيحيين؟) والجواب باختصار:‏

‏1. لماذا تتهرب من النقد الموجَّه ضدّ الإسلام، بل تحاول رمي الكرة في ملعبي؟ ‏ومع هذا 2. نعم، كانوا، لكنّهم باتوا مسيحيّين بالإسم فقط! إذ انحرفوا عن تعليم ‏الإنجيل: المحبة والرحمة والسلام والتسامح والتواضع... فكان ما فعلوا من ثمار ‏ذلك الإنحراف.‏

أمّا الإسلاميّون، من تكفيريين وإرهابيّين وغزاة صعاليك، فإنّ تعاليم الإسلام، ‏التي يرفضها كل عقل سليم ويتَنَزَّه عنها، ولا سيّما الخارجة من أفواه شيوخه من ‏ذوي الصدور المريضة، هي دافع الإسلاميّين الفعّال وساري المفعول إلى أجل ‏غير مسمّى، سواء المدوَّن منها في القرآن وفي الأحاديث الصحيحة وفي السُّنّة ‏المحمّديّة. ونصوص الإرهاب الإسلامية ما تزال محفوظة وَرَقِيًّا والكترونيًّا. وقد ‏سبق أنْ ضربت أمثلة عدّة وأجبت على اعتراضات كثيرة.‏

ورُبّ متسائل يجزم بأنّ كاتب هذه السطور حاقد على الإسلام والمسلمين. ‏والجواب: نعم؛ حاقد على الإسلام، لا المسلمين، عن علم بتعاليمه الإرهابية التي ‏أكّد عليها فقهاؤه وافتخر بها بعض شيوخه. فلم يحقد من فراغ، لكنّه يرثي لحال ‏جميع المسلمين، لأنهم في نظره ضالّون ومساكين عقل. لذا يتمنّى لهم الهداية ‏بنور المسيح، لأنّ مَن قرأ الإنجيل اكتشف فرقًا عظيمًا ما بين تعاليمه، السامية ‏بما تعني الكلمة، وبين غيرها.‏

إشارات الأصحاح السابع

نجد في قول المسيح {كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ ‏بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنا، وبِاسْمِكَ أَخْرَجْنا شَيَاطِينَ، وبِاسْمِكَ صَنَعْنا قُوَّاتٍ كَثِيرَة؟ فحِينَئِذٍ ‏أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ}+ متّى 7: 22-23 ‏إشارة إلى آية المزمور 6: 8 بحسب ترجمة ڤان دايك.‏

وفي تفسير القمّص تادرس يعقوب: [يحدّثنا السيّد عن يوم مجيئه الأخير، حيث ‏فيه يلتقي مع الأشرار لا كعريس مفرح بل كديّان مرهب، لا تشفع فيهم صلواتهم ‏الطويلة الباطلة، ولا كرازتهم باسمه، ولا إخراجهم الشيّاطين وصنعهم قوات ‏باسمه... فهو لا يعرفهم لأنهم فعلة إثم. إنّما الله يعرف أولاده وخدّامه المقدَّسِين، ‏ولا يعرف الأشرار فَعَلة الإثم. لهذا؛ عندما سقط آدم في الخطيّة سأله الله: أين ‏أنت؟ وكما يقول القدّيس جيروم: (كان الله يعرف أن آدم في الجنّة، ويعلم كل ما ‏قد حدث، لكنّه إذ أخطأ آدم لم يعرفه الله، إذ قال له: أين أنت؟ كأنه لا يراه، لأن ‏آدم اعتزل النور الإلهي والبِرّ، فصار تحت ظلال الخطيّة وظلمة الموت) وعلّق ‏القدّيس أغسطينوس على قول السيد: {لا أعرفكم} هكذا: (لا أراكم في نوري، في ‏البرّ الذي أعرفه) فالله لا يرانا في نوره عندما نطيل الصلوات باطلًا أو نكرز ‏باسمه أو نصنع قوّات، إنما يرانا حينما نحيا معه وبه ونسلك طريقه. وفيما يلي ‏بعض تعليقات للآباء في ذلك: (إنهم يتعجّبون لأنهم يعاقَبون مع أنهم صنعوا ‏معجزات، أمّا أنت فلا تتعجّب لأن المواهب كلها إنّما أُعطِيَتْ لهم هبة مجّانيّة لم ‏يساهموا فيها من جانبهم بشيء، لذا فهم يعاقَبون بعدل، إذ هم جاحدون مَن ‏أكرمهم... لِنَخَفْ أيّها الأحبّاء ولنهتمّ بحياتنا جدًا فلا نُحسب أشرارًا لأننا لم ‏نصنع معجزات الآن. لأن المعجزات لا تفيدنا في شيء كما أن عدم صنعها لا ‏يضرّنا، إنّما نهتم بكل فضيلة)...] انتهى.‏

ساعة الدينونة

واقتطفت من تفسير القس هنري أ. أيرونسايد (1) بتصرّف لغوي: [إن الاعتراف ‏بالشفاه فحَسْب لا فائدة منه إمّا كان القلب والحياة غير خاضعين لكلمة الله. إننا لا ‏نخلص بأعمالنا، بل الأعمال الصالحة هي مقياس صدقنا وحقيقيّتنا. مَن يُولَد من ‏الله سيبتهج بإطاعة إرادة الآب (أفسس 2: 8-10) قد يكون هناك الكثير من ‏الخدمة التي تظهر ناجحة ظاهريًّا عند أناس لا يعترفون بالمسيح. لكن في يوم ‏استعلان الرب، لن يفيد إلا الإيمان الشخصي بذاك الذي نعترف به ربًّا لنا. لن ‏يقول الله لأحد في ذلك اليوم "كنتُ أعرفك في العادة ولكني لم أعد أعرفك" بل ‏كلامه الموجَّه إلى الضال سيكون "إِنِّي لَمْ أَعْرِفْك قَطُّ" بينما قال عن خاصّته: ‏‏{خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي وأَنا أَعْرِفُهَا}+ يوحنا 10: 27 فمَن يسمع كلمات المسيح ‏وينتبه إليها يبرهن أنه مؤمن حقيقي؛ وأنه بنى بيته على الصخرة التي هي ‏المسيح نفسه "لَمْ يَسْقُطْ لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْر" وما من عاصفة من ‏الظروف المناوئة وما من هجمات من رئيس سلطان الهواء يمكن أن تنفع في ‏تدمير البيت المؤسس على صخرة الدهور هذه... أنْ نبني آمالنا على أي شخص ‏أو منظومة أو أي سلوك يُظن أنه أهل للتقدير، هو كأن نبني بيتًا على رمال ‏متحركة. في يوم الدينونة؛ كل من استندوا على أي شخص، سوى المسيح وعمله ‏المُنجز، سيجدون أنفسهم ضائعين وعاجزين من أجل الأبدية...] انتهى.‏


‎1. Henry Allen "Harry" Ironside (1876- 1951) a Canadian-‎American Bible teacher, preacher, theologian, pastor, and ‎author. For some 50 years he went up and down America ‎teaching and preaching Word of God… More on Wikipedia: ‎Harry A. Ironside‏  ‏
•    تمّت كتابة هذا القسم من المقالة في 26. سبتمبر 2015‏

‎¤ ¤ ¤‎

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا