خروج 4:20-5 "لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ".
تثنية 15:4-19 "فَاحْتَفِظُوا جِدّاً لأَنْفُسِكُمْ. فَإِنَّكُمْ لمْ تَرُوا صُورَةً مَا يَوْمَ كَلمَكُمُ الرّب فِي حُورِيبَ مِنْ وَسَطِ النَّارِ. لِئَلا تَفْسُدُوا وَتَعْمَلُوا لأَنْفُسِكُمْ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً صُورَةَ مِثَالٍ مَا شِبْهَ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى شِبْهَ بَهِيمَةٍ مَا مِمَّا عَلى الأَرْضِ شِبْهَ طَيْرٍ مَا ذِي جَنَاحٍ مِمَّا يَطِيرُ فِي السَّمَاءِ شِبْهَ دَبِيبٍ مَا عَلى الأَرْضِ شِبْهَ سَمَكٍ مَا مِمَّا فِي المَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. وَلِئَلا تَرْفَعَ عَيْنَيْكَ إِلى السَّمَاءِ وَتَنْظُرَ الشَّمْسَ وَالقَمَرَ وَالنُّجُومَ كُل جُنْدِ السَّمَاءِ التِي قَسَمَهَا الرّب إِلهُكَ لِجَمِيعِ الشُّعُوبِ التِي تَحْتَ كُلِّ السَّمَاءِ فَتَغْتَرَّ وَتَسْجُدَ لهَا وَتَعْبُدَهَا".
يزور بلادنا فلسطين مئات الألوف من السوّاح سنوياً، وخلال زيارتهم يحاولون استرجاع التاريخ العريق لبلادنا بكل ما مرّ بها من أحداث: ففي فلسطين تعاقبت حكومات وممالك ودول كثيرة جداً من الأموريين والأشوريين والبابليين والمصريين والكنعانيين والحثيين واليبوسيين والعبرانيين واليونانيين والرومانيين والفرس والعرب والمماليك والأكراد والأتراك والإنجليز وغيرهم. وقد تركت الدول والشعوب المختلفة آثارها في البلاد، ويحاول السائح من خلال التأمل في بناء أو بقايا بناء قديم أو تمثال أو أثرٍ معيّن أن يفهم ما جرى قبل مئات وألوف السّنين، وأن يسترجع ويكثّف التاريخ في لحظة من الزمن.
والسؤال هنا: هل تستطيع بناية أقامها النّاس، أم تمثال أو نصب تذكاري أن تجسّد مشاعر وعواطف وأحلام وهموم النّاس الذين تشير إليهم هذه البنايات والتماثيل؟ هل تستطيع التماثيل والآثار أن تنطق بما صنعه القدماء وماذا كانت حقيقة انفعالاتهم وأحلامهم وصرخاتهم وبكائهم وضحكاتهم عندما عاشوا وصنعوا ما صنعوه؟ إن كل الآثار والتماثيل لم ولن تجسد حقيقة ما جرى في تاريخ بلادنا، ولكنها تمثّل شواهد على تاريخ زاخر من تعاقب الأمم والحضارات، ولذلك يجب حمايتها والعناية الدّائمة بها لأنها كنوز معرفة وإبداع وجمال للبشريّة جمعاء.
والآن تصوروا معي هذا المشهد: لو أراد أحدنا أن يصنع تمثالاً لله باستخدام المعادن أو الحجارة أو الخشب، أي باستخدام الأشياء التي خلقها الله أصلاً، بحيث أن هذا التمثال يجسّد كل ما هو الله، فهل يمكن ذلك؟ بعبارة أخرى: هل يمكن وضع الله في صندوق ثم القول بأن كل ما عليه الله من سلطان وحكمة وقدرة وعلم موجود في ذلك الصندوق؟! بالتأكيد إن ذلك من المستحيلات. ومع ذلك فالنّاس في غرورهم وكبريائهم وعنادهم يحاولون أن يجعلوا الله على صورتهم، ويخلقون له ليس تمثالاً بل تماثيل غريبة وعجيبة ومتنوّعة.
أول وصيَّة تعدّى عليها شعب الله القديم كانت الوصيَّة الثانية: "لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالاً مَنْحُوتاً وَلاَ صُورَةً"، فحتى أثناء وجود موسى في أعلى جبل حوريب في صحراء سيناء لاستلام الشريعة من الله، قام الشعب القديم بإجبار هارون أخا موسى على صناعة عجل من الذّهب، وعبدوه ورقصوا أمامه. وهذه العبادة الوثنية قادتهم إلى إنكار الله، وبالتالي ارتكاب الزنا والفسق والنّجاسة بشكل مخجل.
سقط شعب الله القديم في الخطيّة، وصنعوا تمثالاً وعبدوه، أي أنهم ابتدعوا لأنفسهم إلهاً خاصّاً بهم غير الله الواحد والخالق الحقيقي. ولم تتغيّر طبيعة النّاس حتّى اليوم، فما زالوا يبتدعون لأنفسهم آلهة خاصة لكي يتبعوها ويعبدوها وحتى ليُضَحّوا بالكثير من أجلها.
تذكروا معي هذه الحقيقة السّاطعة: طريقة طاعة وعبادة أيُّ إنسانٍ لله تتوقف أو تعتمد على الصورة التي لله في ذهن ذلك الإنسان. ما يعرفه الإنسان عن الله، وطريقة تفكيره النّاتجة عن هذه المعرفة، تدفعه إلى التصرف بالطريقة التي يتصرف بها. أي أن النّاس ابتدعوا صوراً وأفكاراً وأصناماً لهج، وما ابتدعته عقولهم أصبح أساس تصرفاتهم وعلاقتهم مع هذا الإله.
نقرأ في إشعياء 18:40: "فبمن تشبِّهون الله، وأيُّ شَبَهٍ تُعادلون بِهِ؟" يتساءل نبي الله هنا: بمن تشبِّهون الله؟ بمن تعادلون الله؟ أي أنه يخاطب النّاس قائلاً: إذا أردتم أن تعملوا تمثالاً لله، سواء أكان هذا التمثال مرئي، أي مصنوع من معادن أو خشب أو حجارة، أو كان مجرد فكرة أو مبدأ أو عقيدة، فهل يوجد في الكون من تماثيل أو صور أو مبادئ أو أشياء يمكنكم أن تقارنوا الله بها أو تقارنوها بالله؟! هل يوجد ولو شيءٌ واحد في الوجود يمكننا أن نقارن الله به؟
في الواقع إن موضوع الوصيَّة الثانية ليس النهي عن عبادة أكثر من إله، فالوصيَّة الأولى تتحدث بوضوح عن عدم العبادة لغير الله، ولكن موضوع وفكرة الوصيَّة الثانية هو تحذير النّاس من خلق أو ابتكار صور أو أفكار غريبة وعجيبة وغير صحيحة عن الله الحقيقي. أي أنه يجب على الإنسان أن لا يبتدع فكرة أو صورة عن الله غير ما يقوله الله عن نفسه في الكتاب المقدس.
إذا نظرنا إلى الآيات في خروج 4:20-6، نجد أن الوصيَّة نفسها تقدم لنا ثلاثة احتمالات مختلفة يمكن للنّاس أن يجدوا فيها صوراً لله في العالم المرئي لهم: صور من السماء من فوقهم، وصور من الأرض حولهم، وصور من الماء من تحتهم.
1. في عالم الماء أو البحار: هل يمكن أن نجد مخلوقاً بحرياً نستطيع أن نشبِّه الله به؟ في الواقع إن غالبية المخلوقات البحرية هي الأسماك على اختلاف أشكالها وألوانها وأحجامها، ولا يمكننا بأي حالٍ من الأحوال أن نتصور الله كأحد الأسماك التي في الغالب ما تنتهي حياتها بأن تكون طعاماً للإنسان الذي يصطادها أو طعاماً لغيرها من السمك، وحتى من المخلوقات الدقيقة التي تتغذى حتى على أضخم الحيوانات البحرية عند موتها.
2. في عالم الفضاء في السماء: لو تأملت في ليلة صافية جمال وعظمة الكون وما فيه من مجرات وملايين النجوم والكواكب والمذنبات والأقمار، فإنك حتماً لن تجد أي شيء يمكنك أن تشبِّه الله به. فكل الأجسام الفضائية بلا حياة، وهي مجرد أجسام خلقها الله وحركها في الفضاء دون أي عقل أو ذكاء خاص بها، وهي بالتالي أقل من أن تشبَّه بالله.
3. في عالمنا في الأرض، حيث يعيش الإنسان والنبات والحيوان: نعرف أنّ النبات يزرع وينمو ويعيش على سطح الأرض، والنبات في الغالب مثبت بالأرض بجذور ولا يتحرَّك من مكانه، وليس له عقل وذكاء يفكر ويبدع، بل إن النبات يكون دائما تحت رحمة الإنسان والحيوان. وبالتالي لا يعقل أن نشبِّه الله بأي نباتٍ كان.
الاحتمال الثاني في الأرض الذي يمكن أن نصنع منه شبيه لله هو عالم الحيوان، ومن مملكة الحيوان اختار الشعب القديم أن يُصنع تمثالاً بديلاً لله، وكان اختيارهم في خروج 32 للعجل، حيث نقرأ في الآيات 1 – 6: "وَلَمَّا رَأَى الشَّعْبُ أَنَّ مُوسَى أَبْطَأَ فِي النُّزُولِ مِنَ الْجَبَلِ، اجْتَمَعَ الشَّعْبُ عَلَى هَارُونَ وَقَالُوا لَهُ: «قُمِ اصْنَعْ لَنَا آلِهَةً تَسِيرُ أَمَامَنَا، لأَنَّ هذَا مُوسَى الرَّجُلَ الَّذِي أَصْعَدَنَا مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لاَ نَعْلَمُ مَاذَا أَصَابَهُ». 2فَقَالَ لَهُمْ هَارُونُ: «انْزِعُوا أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِ نِسَائِكُمْ وَبَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ وَاتُونِي بِهَا». 3فَنَزَعَ كُلُّ الشَّعْبِ أَقْرَاطَ الذَّهَبِ الَّتِي فِي آذَانِهِمْ وَأَتَوْا بِهَا إِلَى هَارُونَ. 4فَأَخَذَ ذلِكَ مِنْ أَيْدِيهِمْ وَصَوَّرَهُ بِالإِزْمِيلِ، وَصَنَعَهُ عِجْلاً مَسْبُوكًا. فَقَالُوا: «هذِهِ آلِهَتُكَ يَا إِسْرَائِيلُ الَّتِي أَصْعَدَتْكَ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ». 5فَلَمَّا نَظَرَ هَارُونُ بَنَى مَذْبَحًا أَمَامَهُ، وَنَادَى هَارُونُ وَقَالَ: «غَدًا عِيدٌ لِلرَّبِّ». 6فَبَكَّرُوا فِي الْغَدِ وَأَصْعَدُوا مُحْرَقَاتٍ وَقَدَّمُوا ذَبَائِحَ سَلاَمَةٍ. وَجَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ". حين سكب هارون عجلاً من الذهب، عبده بنو إسرائيل قائلين: "هذه آلهتك يا إسرائيل". لقد اختار هارون أن يصوِّر الله بشكل عجل والسبب هو أن العجل حيوان خدوم يزوِّد الإنسان بالطعام ويحرث له الأرض، وكل ما يحتاجه هو حقل يرعى به. مثل هذا الإله لا يطلب من الإنسان ماذا يعمل أو لا يعمل، بل العكس هو الصحيح، فالإنسان يتحكم به حتى في الذبح والموت.
في الواقع إن عمل العجل لم يعنِ أبداً أن الشعب القديم أنكر وجود الله، بل كما نقرأ في الآيات 5-6، أنهم كانوا يعبدون الله، بل إنهم عملوا عيداً للرب يهوه، والذي تغيّر فقط هو صورتهم لله، التي أصبحت عجلاً يخدمهم وينفعهم ويأكلون لحمه متى شاءوا، دون أن يعطيهم أية أوامر أو وصايا. وتغيير صورة الله في أذهانهم كان الخطوة الأولى في سقوطهم الأخلاقي، حيث نقرأ في خروج 6:32ب "وَجَلَسَ الشَّعْبُ لِلأَكْلِ وَالشُّرْبِ ثُمَّ قَامُوا لِلَّعِبِ". وكلمة اللعب في الترجمة العربية هنا غير دقيقة، لأن الكلمة في الأصل العبري تشير إلى الانغماس في الملذات والشهوات الجسدية، وبالتحديد الجنسية. فالطريقة التي صوّروا بها الله، أثرت على أخلاقهم وتصرفاتهم وحياتهم.
والسؤال المحيِّر هنا: لماذا فعل الشعب القديم هذا الأمر؟ وما هي نتائجه المباشرة على حياتهم؟ للجواب على ذلك علينا أن نتذكّر ما هو التمثال أو الصنم: هو صورة جسمية، أي حسيّة، أو عقلية للإله. فعندما تفكر بالله اسأل نفسك: ما هي الصورة التي لله في ذهني؟ هل أفكر بالله بالطّريقة التي أعلن الله فيها عن ذاته في الكتاب المقدّس؟ وما أكثر الآيات التي تتحدّث عن قداسة وعظمة وجلال ومجد وهيبة الله في الكتاب المقدّس، مثال ذلك ما نقرأ في رسالة تيموثاوس الاولى 15:6-16 بأن الله هو: "الْمُبَارَكُ الْعَزِيزُ الْوَحِيدُ: مَلِكُ الْمُلُوكِ وَرَبُّ الأَرْبَابِ، 16الَّذِي وَحْدَهُ لَهُ عَدَمُ الْمَوْتِ، سَاكِنًا فِي نُورٍ لاَ يُدْنَى مِنْهُ، الَّذِي لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَاهُ، الَّذِي لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْقُدْرَةُ الأَبَدِيَّةُ. آمِينَ. وفي سفر دانيال 26:6-27: "لأَنَّهُ هُوَ الإِلهُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ إِلَى الأَبَدِ، وَمَلَكُوتُهُ لَنْ يَزُولَ وَسُلْطَانُهُ إِلَى الْمُنْتَهَى. 27هُوَ يُنَجِّي وَيُنْقِذُ وَيَعْمَلُ الآيَاتِ وَالْعَجَائِبَ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ". للأسف الشّديد، كثيرون يتصوّرون الله بانّه شيخ عجوز ووقور؟ أو ربما سانتا كلوز؟ أو حاكم قوي وجبار ومتسلط؟ أو أحد الكواكب والنّجوم؟ أو اله يتلذّذ بقتل النّاس وذبحهم، أو حيوان مثل العجل؟ وغيرها من البشاعات الّتي تبيّن مقدار توحّش الشّر وسيطرته على النّفس البشريّة.
ما هي صورة الله في عقلك؟ هل أخذت إزميلاً مثل هارون ونقشت الصورة التي تريدها لله وأبدعت إلهاً خاصاً بك؟ أو ربما أعجبتك فكرة أن الله محبَّة، فتمسكت بهذه الفكرة وقلت لنفسك: سأعمل ما أريد في حياتي، وسأنغمس في لذة الجسد والخطيّة، فالله يحبني وسيرحمني بالتأكيد، وبالتالي نسيت الصورة الكلية لله، وأغفلت حقيقة أن الله المحب هو في نفس الوقت إله عادل وقدوس ويكره الخطيّة، ويدين الخاطي ويعاقبه بنار جهنّم إن لم يتب عن خطاياه.
الله هو الله، هو الإله القدوس العادل والقدير، هو الإله الحقيقي والوحيد. هو الذي يوبّخ الإنسان على خطاياه وشروره، ويؤدّبه ويعالج المشكلة الأعظم في الوجود، ألا وهي الخطيّة. حاشا لله من افكار الشّر الّتي تريد أن تجعل من الله إلهاً صغيراً تتحكم به مثل العجل، فهذا خداع للنفس ووصفة للهلاك والعذاب الأبدي.
أمام هذه الاحتمالات المختلفة لاختراع صور أو تماثيل لله، نجد سؤالاً يتحدّانا: كيف نستطيع أن نحصل على الصورة الحقيقة لله؟ أي: هل يوجد أي شيء أعطانا إياه الله نستطيع من خلاله أن نعرف الله بالطريقة التي يريد هو أن نعرفه بها؟ الجواب على هذا السّؤال هو نعم. ونجد هذا الجواب في شخص الرّب يسوع المسيح له المجد كما نقرأ في كولوسي 15:1-19 "اَلَّذِي هُوَ صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ، بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ. فَإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ: مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، مَا يُرَى وَمَا لاَ يُرَى، سَوَاءٌ كَانَ عُرُوشاً امْ سِيَادَاتٍ امْ رِيَاسَاتٍ امْ سَلاَطِينَ. الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ. اَلَّذِي هُوَ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَفِيهِ يَقُومُ الْكُلُّ وَهُوَ رَأْسُ الْجَسَدِ: الْكَنِيسَةِ. الَّذِي هُوَ الْبَدَاءَةُ، بِكْرٌ مِنَ الأَمْوَاتِ، لِكَيْ يَكُونَ هُوَ مُتَقَدِّماً فِي كُلِّ شَيْءٍ. لأَنَّهُ فِيهِ سُرَّ انْ يَحِلَّ كُلُّ الْمِلْءِ". في يوحنا 8:14 سأل التلميذ فيلبس الرّب يسوع المسيح قائلاً: "يَا سَيِّدُ، أَرِنَا الآبَ وَكَفَانَا"، وفي الآية 9 نقرأ الجواب المبارك على لسان ربنا يسوع له المجد: "اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الآبَ".
ربنا يسوع المسيح هو المثال والصورة الحقيقية لله. ولكن في أيامه كما في أيامنا، لا يريد النّاس هذه الصورة عن الله، لا يريدون إلهاً يدعو للحب والغفران والرحمة والمسامحة. لا يريدون إلهاً يطلب حياة الطهارة والبر والقداسة والتواضع. لا يريدون إلهاً وديعاً ومتواضع القلب. لذلك يرفضونه في حياتهم ويصنعون لأنفسهم تماثيل لآلهة متنوعة: ففي ديانات العالم نجد العجب والعجاب عن الآلهة: فهنالك آلهة تتلذّذ بالقتل وسفك الدم في سبيله. آلهة تتلذّذ بالدّعارة والنّجاسة وتسمّيها تعدد الزوجات والمتعة. وهنالك آلهة تتلذّذ في إذلال النّاس في سبيلها. وهنالك آلهة بعيدة لا تهتم بأتباعها وتترك لهم الحرية أن يعيشوا كما يريدون. آلهة لا تهتم بحالة أتباعها من التعاسة والفقر. وهذه الآلهة في تزايد ونمو مستمر.
وما أسهل أن يعبد النّاس آلهة باطلة ومزيَّفة، والأخطر أيضاً هو سهولة وإمكانية عبادة الله الحقيقي بطريقة باطلة ومزيَّفة. فالله لا يريدنا أن نعبده بطريقتنا الخاصة، بل يريدنا أن نعبده بطريقته هو. نجد في سفر اللاويين تعاليم مفصَّلة عن كيفية عبادة الله بالرّوح والحق. أي أن الله أراد من شعبه القديم أن يعبدوه كما أراد هو، لا كما قد كان يحلو في أعينهم.
يريد النّاس في أيّامنا أن يعبدوا الله على مزاجهم، وأن يعبدوا أصناماً أخرى بقية الوقت. ولكنّ المؤمنين الحقيقيين يتمسكون بكلمة الله في الكتاب المقدس، ويرفضون الممارسات الوثنية وغير الكتابية التي يمارسها النّاس المتديّنون. يريدنا الله أن لا نقع فريسة عبادات أو ممارسات وثنية وغير كتابيّة، وأن لا نسمح لأية أفكار أو عقائد بشريّة، أو أشياء ماديّة، أن تأخذ مكان الله في إيماننا ومحبّتنا وعبادتنا.
نقرأ في إشعياء 20:45: "لاَ يَعْلَمُ الْحَامِلُونَ خَشَبَ صَنَمِهِمْ، وَالْمُصَلُّونَ إِلَى إِلهٍ لاَ يُخَلِّصُ". وعبارة لا يعلم في الأصل العبري تشير إلى الجهل، أي أن من يعبدون الأصنام سيخيب أملهم، حيث لا خلاص لهم في عباداتهم الباطلة. إن التّحلي برموز دينيّة لن يخلص أي إنسان من خطاياه. كذلك لا يستطيع أي إنسان، مهما كان ورعاً وقدّيساً أن يخلص غيره ولو كان من أروع البشر. والكنيسة لن تخلص أحدٍ ولو كان بها مليون عضو وبنايتها من مرمر وألماس. والوعظ والتعليم لن يخلص أيَّ إنسان إن لم يفتح قلبه ويخضع لمشيئة الله، ويصلي طالباً من الله أن يغسَله ويطهِّره بدم المسيح الّذي سفك على الصّليب من أجل التكفير عن خطايا العالم.
الوثنية أو الصنمية تعني ببساطة أن يحاول الناس عبادة الله بطريقتهم الخاصة. لذلك على كل إنسان أن يتذكّر بأن يكون هدف أي عمل من أعمال السّجود والعبادة يقوم به هو مجد الله. فكل ما يعمله الإنسان يجب ان لا يصبح صنماً أو وثناً في حياته، بل إن تبقى غايته ومناه وهدفه مجد الله فقط.
يخاطبنا الله في وصيّته الثانية قائلاً: احذروا من الآلهة، ولا تُألِّهوا أي شخص أو شيء أو فكرة أو هدف، بل اعبدوا الله فقط. احذروا عبادة الآلهة الوثنية، وما أكثرها في أيامنا، وانتبهوا لئلا تسقطوا في ألاعيب إبليس.
ثلاثة نتائج مدمرة لعبادة آلهة غير الله الحقيقي:
1. عبادة الآلهة تؤدي إلى خيبة الأمل والفشل: نقرأ في إرميا 11:10-16 "هَكَذَا تَقُولُونَ لَهُمْ: الآلِهَةُ الَّتِي لَمْ تَصْنَعِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ تَبِيدُ مِنَ الأَرْضِ وَمِنْ تَحْتِ هَذِهِ السَّمَاوَاتِ. صَانِعُ الأَرْضِ بِقُوَّتِهِ مُؤَسِّسُ الْمَسْكُونَةِ بِحِكْمَتِهِ وَبِفَهْمِهِ بَسَطَ السَّمَاوَاتِ. إِذَا أَعْطَى قَوْلاً تَكُونُ كَثْرَةُ مِيَاهٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَيُصْعِدُ السَّحَابَ مِنْ أَقَاصِي الأَرْضِ. صَنَعَ بُرُوقاً لِلْمَطَرِ وَأَخْرَجَ الرِّيحَ مِنْ خَزَائِنِهِ. بَلِدَ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْ مَعْرِفَتِهِ. خَزِيَ كُلُّ صَائِغٍ مِنَ التِّمْثَالِ لأَنَّ مَسْبُوكَهُ كَذِبٌ وَلاَ رُوحَ فِيهِ. هِيَ بَاطِلَةٌ صَنْعَةُ الأَضَالِيلِ. فِي وَقْتِ عِقَابِهَا تَبِيدُ. لَيْسَ كَهَذِهِ نَصِيبُ يَعْقُوبَ. لأَنَّهُ مُصَوِّرُ الْجَمِيعِ وَإِسْرَائِيلُ قَضِيبُ مِيرَاثِهِ. رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ".
2. عبادة الأوثان تجعلك عبداً لها. أي أن الأوثان تسيطر على حياتك وتقودك في طرقها، كما نقرأ في كورنثوس الأولى 2:12 "أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ أُمَمًا مُنْقَادِينَ إِلَى الأَوْثَانِ الْبُكْمِ، كَمَا كُنْتُمْ تُسَاقُونَ".
3. عبادة الأوثان تغير الإنسان وتشوَّه حياته، كما نقرأ في مزمور 8:115 "مِثْلَهَا يَكُونُ صَانِعُوهَا، بَلْ كُلُّ مَنْ يَتَّكِلُ عَلَيْهَا". الإنسان يصنع التمثال، ثم يصنع التمثال الإنسان.
علينا أن نتذكر دائماً صورة الله الحقيقية، وأن نعبد الله كما يريد هو لا كما نريد نحن. علينا أن نتمتع بالإيمان الحقيقي كما نقرأ عنه في عبرانيين 1:11 "وَأَمَّا الإِيمَانُ فَهُوَ الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى"، وفي عبرانيين 6:11 "وَلكِنْ بِدُونِ إِيمَانٍ لاَ يُمْكِنُ إِرْضَاؤُهُ، لأَنَّهُ يَجِبُ أَنَّ الَّذِي يَأْتِي إِلَى اللهِ يُؤْمِنُ بِأَنَّهُ مَوْجُودٌ، وَأَنَّهُ يُجَازِي الَّذِينَ يَطْلُبُونَهُ". علينا أن نخضع لله، لا أن نحاول خلق صورة ذهنية لله تقود إلى الوهم وخداع النفس. وتذكّر أنّ الله هو الفخاري ونحن الخزف والطين. فلا تحاول عكس الصورة، ولا تصنع لك إلهاً باطلاً ومزيفاً. وتذكّر أيضاً أن الله هو الخالق وهو السيد والرّب والأول والآخر، وما أنت يا إنسان إلا ظلٌّ عابر، وعشب أو زهرة ستذبل، وتراب سيعود إلى الأرض الّذي اخذ منها. أما الله فهو الخالق الأزلي القدّوس، الإله الممجد من الأزل وإلى الأبد. آمين.