كما ذكر بعض الأخوة الأحباء، أن المؤتمر الذي انعقد مؤخرا في بيت لحم بعنوان "المسيح أمام الحاجز"، وهو الثاني من نوعيته، قد أثار ردود فعل سلبية من الأخوة المسيانيين خاصة وآخرين هنا وهناك عامة، وذلك بسبب الصبغة التي تميز فيها المؤتمر، بخلاف المؤتمرات التي اعتدناها. هذه الردود السلبية، ولا نقول أنها صحيحة أو نوافق معها، انطلقت من بيانات أصدرت كردّ على المؤتمر وما يحويه من مواضيع حساسة، وبالمقابل صدرت بيانات مضادّة ردّا على البيانات المذكورة، فانخلق جو من التوتر مما أدى ألى ازدياد التقطب بين الفريقين الأخوين.
ليس الهدف من هذا المقال البحث والبث في من هو على حق أو بفحوى البيانات وردود الفعل من أي جانب، إنما رؤية الأمر من وجهة نظر مختلفة بخصوص المسار الذي انتحاه المؤتمر والعواقب التي نجمت أو قد تنجم عن ذلك، ثم ربما أعادة النظر فيها مرفقة بالصلاة وطلب الأرشاد الألهي فيها، الكل لمجد المسيح وامتداد ملكوته، فال-"مقاصد بغير مشورة تبطل وبكثرة المشيرين تقوم" (أم 15 : 22).
قبل الخوض في خضم الموضوع نشير ونؤكد أننا لا نقلل من حجم أو أهمية المؤتمر والمحاضرين المباركين الذين شاركوا فيه، بالذات أولئك الذين قطعوا أميالا طويلة وضحوا للحضور والمشاركة فيه، ولا ننكر تشديدهم على محبة قريبي اليهودي، كما ولا ننسى الجهود التي بذلها القائمون على المؤتمر بدعوة الأخوة المسيانيين للحضور والمشاركة، فمنهم من لبّى الدعوة بل وشارك فيه، والبعض الآخر، وهم الأغلبية، من قاطع المؤتمر بل وناهضوا الفكر المطروح فيه، وبالتالي أصبح المؤتمر، من ناحيتهم، مرفوضا وما الى ذلك من مرار وتقطب، ونذكّر أن هؤلاء "المعارضين" هم أخوتنا في المسيح، لا وبل يضطهدون من أجل ايمانهم بالمسيح بشتى أنواع الطرق، الكلامية عبر وسائل الأعلام والفعلية كالتعرض لهم جسديا وحرق أماكن اجتماعاتهم وجرّهم للمحاكم وما الى ذلك، وبالرغم من كل هذا فهم متمسكون بإيمانهم حتى أن عددهم فاق عدد الانجيليين في بلادنا. ان جوهر ايمان هؤلاء هو هو جوهر ايماننا في المسيح، ولكن مع "امتيازات" يدّعون انها تحق للشعب اليهودي وليس لغيره (الأمم)، وهنا نقطة الاختلاف الأساسية.
أن المسألة ليست بالأساس، وليس من المفروض، أن تكون قضية وطنية أو صراع على أرض جغرافية (وهنا لا نقلل أبدا من معاناة اخوتنا في هذا الصدد)، أنما ما نصبو اليه هو امتلاك أراض روحية واعتاقها من عبودية الشيطان. بولس الرسول تطرّق الى هذا الأمر بقوله: "دعيت وأنت عبد فلا يهمك، بل وأن استطعت أن تصير حرا فاستعملها بالحري" (1 كو 7 : 21)، واذا استطاع شعبنا واخوتنا أن يصيروا أحرارا، طبعا بطرق مسيحية، فليستعملوها بالحري، وأن لا فلا نتزعزع. اذا فبولس يؤكد أولا وبالأساس على أهمية العتق الروحي ويفتح الطريق أمام المحاولات للعتق الأرضي "ان استطعت".
ان المواضيع التي طرحت في المؤتمر لهي حق كل الحق، مستندة على آيات كتابية بلا أدنى شك، ولكن الأطار الذي وضعت فيه أضفى عليه طابعا سياسيا قد يفسّر بشكل مخطوء، كما تفسّر من قبل أخوتنا المسيانيين، فإن كان بالامكان تغيير اسم المؤتمر بشكل يجذب الاخوة المسيانيين ويكسر "الحواجز" بيننا، والتي بأغلبيتها حواجز فكرية بسبب عدم أو قلة الشركة معهم، وبالتالي اجراء تعديلات على الصبغة التي ينتحيها المؤتمر، وفوق كل هذا "لتصر كل أموركم في محبة" (1 كو 16 : 14) بتواصل مستمر ومواجهة معهم كي نستطيع فتح ذهنهم ليفهموا وجهة النظر الأخرى. داخل هذه الأجواء يمكن طرح الأفكار والقضايا التي عالجها المؤتمر، وسيكون لذلك دورا كبيرا في تقريب وجهات النظر وبالتالي تقوية جسد المسيح وليس تفكيكه.
ان النزاع بين الشعبين قائم منذ عقود كثيرة، ودورنا نحن ابناء الله ليس الزيادة من حدّته بل التخفيف من وطأته، وأن لم نفعل نحن ذلك فمن سيفعل ؟!
اذا كان "الحق" قائما لوحده فسيكون "حق أخرس" (مز 58 : 1)، لا قوة له ولا تأثير، ولكن اذا مشى جنبا الى جنب مع "الرحمة" فسيكون حقا قويا ذا فاعلية وصدى عميقين في ملكوت الله على الأرض، عندها نستطيع أن نقول: "الرحمة والحق التقيا، البر والسلام تلاثما" (مز 85 : 10).