"التفكير الإيجابي" ما بين الكتاب المقدس وأشباه العلوم المزيفة

الفكرة تتضمن أسس غير كتابية، ورؤية بشرية تُقصي الله وتُعلي من شأن الإنسان وإرادته. فالحقيقة لا تُخلق بالتفكير، بل تُعلن من خلال الله وكلمته.
05 أغسطس - 14:02 بتوقيت القدس
"التفكير الإيجابي" ما بين الكتاب المقدس وأشباه العلوم المزيفة

روّج الدكتور نورمان فنسنت بييل لفكرة “قوة التفكير الإيجابي” من خلال كتابه الشهير الذي صدر عام 1952 وحمل نفس الاسم. وقد طرح فيه أن الإنسان قادر على تغيير مجريات الأحداث والنتائج المستقبلية بمجرد “التفكير الإيجابي”. فبحسب بييل، يكفي أن يتوقع الإنسان الأفضل، لكي يُفعّل في ذهنه ما سماه “قوة جاذبة” تعمل على جذب الخير إليه وفق ما يُعرف بـ”قانون الجذب”.

لكن هذه الفكرة، رغم جاذبيتها الظاهرة، لا تجد لها أي أساس كتابي. فالكتاب المقدس لا يتحدث إطلاقًا عن وجود “قوة جاذبة ذهنية” تجذب البركات أو النجاحات إلى الإنسان بمجرد تفكيره بها. بل على العكس، يحمل هذا المفهوم في طياته العديد من المغالطات الروحية والكتابية.

في كتابه، استخدم بييل خليطًا من المفاهيم الدينية المغلوطة والنظريات النفسية غير المنضبطة ليقدم صورة مشوهة عن الإيمان والرجاء. ورسالته تنتمي إلى ما يُعرف بـ”حركة تطوير الذات” (Self-help movement)، والتي تدعو الإنسان للاعتماد على قوته الشخصية، وإرادته، وصوره الذهنية، لصنع واقعه الخاص. لكن الإيمان الحقيقي لا يقوم على الخيال الذاتي، بل على الحق الثابت، والحق موجود في كلمة الله، لا في تصورات البشر.

في كل حقبة زمنية، يتبنى المجتمع شعارًا معينًا، يتردد صداه في كل مكان. قد يكون الشعار صائبًا أو لا، لكن الناس غالبًا ما يطبقونه دون فحص أو فهم حقيقي لمعناه.

من هذه الشعارات: “كن إيجابيًا، لا تكن سلبيًا”. وهو مبدأ يبدو جيدًا في ظاهره، لكنه قاد البعض للاعتقاد بأن مجرد اتخاذ موقف أو القيام بفعل ما هو أمر جيد دائمًا، حتى لو كان بلا فائدة. لكن الإيجابية لا تعني التحرك لمجرد التحرك، بل تعني اتخاذ القرار الصائب، ولو تطلب الأمر الصمت أو الانتظار.

البعض يقول: “لازم نعمل شيء!”، لكن الأهم أن نعمل “الشيء الصحيح”، لا أن نتصرف بعشوائية. ففي مواقف معينة، يكون التمهل أو التريث هو الخيار الأفضل، وقد يكون “عدم الفعل” هو الإيجابية بعينها.

كيف نكون إيجابيين حقًا؟

  1. افحص كل الحلول الممكنة، بما فيها خيار “عدم التصرف”. أحيانًا الانتظار هو ما يريده الله منك:
    “انْتَظِرِ الرَّبَّ، لِيَتَشَدَّدْ وَيَتَشَجَّعْ قَلْبُكَ” (مز 27: 14).
  2. استبعد كل خيار لا يمجد الله أو يخالف مبادئ الكتاب المقدس. لا إيجابية في الخطية.
  3. قيّم الحلول بموضوعية: ما فرص نجاحها؟ ما نتائجها؟ هل المخاطر تستحق العناء؟
  4. اختر القرار بناءً على دراسة ووعي، لا على ضغط المجتمع.
  5. كن مستعدًا لتصحيح المسار، فالإيجابية الحقيقية تشمل التواضع والمرونة.

البديل الكتابي للتفكير الإيجابي

ماذا قدم الله لنا كي ندرّب أنفسنا على التفكير الصحيح؟ الجواب بسيط، نجده في رسالة فيلبي ٤: ٨. عندما نعود إلى النص اليوناني الأصلي لهذه الآية، نكتشف عمقًا كبيرًا في معناها.

الفكرة ليست أن نفكر “بإيجابية” كما يروج كثيرون، بل أن نفكر بشكل كتابي. التفكير الكتابي لا يغيّر طريقة تفكيرك فقط، بل يبدّل حياتك بالكامل. كما تقول رومية ١٢:١:

“لا تُشاكِلوا هذا الدهر، بل تغيَّروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم”.

ويؤكد مزمور ١١٩:١١ هذا الاتجاه بقوله:

“خبأتُ كلامك في قلبي لكي لا أُخطئ إليك”.

الله يدعونا إلى طريقة تفكير خاصة به، وعندما نتأمل في فيلبي ٤: ٨ ونتعمّق في كل كلمة وسياقها، نكتشف كنزًا فكريًا وروحيًا غنيًا. وبهذا، يمكننا أن نواجه هوس التفكير الإيجابي، لا بالرفض فقط، بل بالبديل الأصيل: التفكير الكتابي.

فلنبدأ بالتأمل فيما هو حق — أي ما هو حقيقي وليس زائفًا، واقعي وليس خياليًا. نحن مدعوون لأن نُشغل أذهاننا بالحقائق، لا بالأوهام.

ثم ما هو جليل — أي ما يُعجب الله ويستحق الاحترام، لا ما هو تافه أو سطحي. هو ما يعكس شخصية الله ويمجّده.

وما هو عادل — أي العدل والإنصاف، ما يتماشى مع إرادة الله ومبادئه.

ثم ما هو طاهر — أي النقاء الأخلاقي، الخالي من الفساد والخطيئة. وما هو جميل — أي الأفكار التي تقود إلى المحبة وأعمال الخير.

علينا أيضًا أن نفكر فيما هو حسن السمعة — أي ما يترك انطباعًا جيدًا، ويبني لا يهدم، ويُظهر النعمة.

ثم نتأمل فيما هو فضيلة — أعلى درجات الأخلاق والسلوكيات التي تمجّد الله، في كل جانب من جوانب الحياة. هذا هو المستوى الذي يدعونا الله لنبلغه، وبه نكون شهودًا حيّين ليسوع في هذا العالم.

كل يوم، اسأل نفسك:

“هل حياتي تُظهر المسيح؟ هل أنا إعلان حي له؟”

كما أن إعلانًا رائعًا لبسكويت الشوكولاتة يجعلك تشتهي تذوقه، هكذا يريد الله أن تكون حياتك — إعلانًا يجذب الناس للمسيح.

وأخيرًا، فلنفكر في كل ما هو مستحق الحمد — أي ما يُمجد الله، ويُعلن صلاحه في العالم.

هذا هو جوهر التفكير الكتابي: أن نرفض الاعتماد على التفكير الإيجابي الذي يرتكز على قدرات الإنسان المحدودة، ونتمسك بدلاً من ذلك بالخضوع لله، طالبين منه أن يغيّرنا ويملأنا برؤيته، ليقودنا نحو حياة مليئة بالحق، والسلام، والرضا، والإثمار الروحي.

أخيرًا نقول: اليوغا، التنويم المغناطيسي، قانون الجذب، التفكير الإيجابي بشكله الباطني، “العلاج بطاقة الكون”، و”شيفرة الكون”. جميع هذه المفاهيم تقود في النهاية إلى رفض الإيمان بالله الثالوث، وإنكار حقيقة أن الله هو خالق الكون، ومصدر كل محبة وحكمة وسلام وشفاء. في المقابل، تزعم بدعة العصر الجديد أن “الكون هو الله”، وأنه طاقة غير شخصية يمكن التحكم بها وتسخيرها من خلال ممارسات معينة لبلوغ السلام والذكاء والصحة وتحقيق الذات.

لكن الحقيقة أن ما يسمونه “طاقة” ليس سوى مفهوم غيبي مأخوذ من عبادة الأرواح وآلهة وثنية كآلهة الهندوس واليونان. أما ما يُختبر خلال ممارساتهم من حالات غيبوبة أو شعور بالطاقة، فلا علاقة له بأي قوة مادية، بل هي تجارب روحية مضللة، بعيدة كل البعد عن عمل الله وروحه القدوس.

لذلك، فإن الإيمان بوجود “طاقة كونية” قادرة على التأثير في حياة الإنسان من خلال التأمل أو الممارسات، هو إيمان باطل، يتعارض جذريًا مع العقيدة المسيحية، ويُعد انحرافًا عن الإيمان بالله الخالق، ضابط الكل، الذي بيده وحده الشفاء والحياة والحق.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا