عائض القرني: آمَنتُ بالمَسِيح– ج2 الكيل بمِكيالين

أنّ الفيديو يتضمن مشاهد تمثّل صلب السيد المسيح، أمام بضعة شهود عيان! فهل اعترف صاحب هذا الفيديو بالصلب؟ فالجواب: كلّا؛ لأنّ القصد من عرضها، في أغلب الظّنّ، هو ترديد الأسطوانة الإسلامية
21 فبراير 2017 - 00:07 بتوقيت القدس

قرأت مقالًا آخر عن فيديو الداعية القرني، الذي دعا فيه المسيحيّين إلى اتّباع "أحمد" بقصيدة أنشدها الأخ موسى العميرة ونشرت رابطه في ج1 من هذه المقالة، فعلّقت على المقال باختصار فيما بين قوسين صغيرين ممّا يأتي، إذ وصفت كاتبة المقال الفيديو بأنّه [حلقة ضمن مشروع “العذراء والمسيح” الذي يهدف إلى توثيق عُرى (روابط، جمع عروة) رسائل الأنبياء الكرام وإظهار جمال العلاقة اﻷخويّة بين النبيَّين عيسى ومحمد عليهما السلام (نبيّ في نظرك! ثمّ لا علاقة بينهما البتّة؛ فالفرق الزمني بينهما أزيد من 600 سنة، أمّا توجّهات الثاني فكانت منحرفة بزاوية 180⁰ عن توجّهات الأوّل) في رسالة إلى المسيحيّين العرب (لماذا تُرجمت القصيدة إلى الانكليزية؟ فغاية الرسالة إذًا الوصول إلى أماكن أبعد) خلال احتفالهم بأعياد الميلاد المجيد للتأكيد على أن المسلمين يحبّون عيسى وأمّه البتول مريم عليهما السلام (من جهة ويقتلون أتباعهما من جهة أخرى أو يفرضون عليهم إمّا الجزية أو الدخول في الإسلام. فمحبة المسلمين "عيسى" لا تعني بالضرورة محبّتهم المسيحيّين، إذ كشف ضعف السلطة الحاكمة في بلد ذي غالبية إسلامية عن وجود حقد دفين إزاء المسيحيّين وعن وجود خلايا إرهابية شبه نائمة، كما فعل "الإخوان" بالأقباط في مصر وفعلت داعش وأخواتها في العراق وسوريا) ويؤمنون برسالته (التي نسبها إليه مؤلّف القرآن بأنه "بشّر بنبيّ يأتي من بعده اسمه أحمد" أمّا الحقيقة فإنّ السيد المسيح حَذّر سواء مِن "أحمد" ومِن سواه! فلا تمتّ رسالة عيسى المزعومة إلى رسالة السيد المسيح الخَلاصيّة بصِلة) وبالعلاقة بينه (أي بين عيسى) وبين أخيه محمد (وهل يُخرج الأخ أهل أخيه من ديارهم فلا يدع فيها إلّا مسلما؟) الذي لم يُرغِم أحدًا على الدخول في الإسلام (بدليل التوبة:29 ولم يرغم أبا سفيان على دخوله وسيف العبّاس على رقبته في أعقاب "فتح" مكّة، قبل انضمام الأوّل إلى قائمة المؤلَّفة قلوبهم) فأوصى بحسن التعامل مع غير المسلمين (بدليل التوبة:5 و29 و73 وغيرها كثير) وقد أوصانا بذلك مع المسيحيّين خصوصًا (أين الوصية؟ هات دليلًا من القرآن أو من حديث صحيح) فهُمْ إخوة لنا (أشكرك؛ هذا منطق سليم دالّ على تحلّيكِ بأخلاق رفيعة المستوى، بعيدًا عن الكراهية التي زرعها محمد في قلوب المسلمين ضدّ غيرهم ولا سيّما اليهود، وفق ما وصلنا من قرآن ومن حديث صحيح. فمنطقك هذا مسيحيّ الأصل، إذ جاهر المسيحيّون بأنّ المسلمين وسائر الناس، إخوة لهم في الإنسانية، انطلاقًا من سموّ أخلاق الكتاب المقدَّس!)... وقد جرى تصوير هذا المقطع في مدينة طرابزون التركية واستغرق تصويره شهورًا عدّة...]- بتصرّف، عن مقال ياسمين محمود في 25 ديسمبر 2016 على موقع "المرسال" الالكتروني.

فإن سأل سائل: هل حَذَر السيد المسيح من أحمد شخصيّا؟ فالجواب في البداية؛ لا نبيّ من بعد المسيح حسب الإنجيل! تاليًا؛ حَذَّر المسيح مِن قيام أنبياء كذبة، بدون ذكر اسم واحد منهم (متّى 24: 11 و24 ومرقس 13: 22) فقاموا بالعشرات من جنسيات مختلفة، أي حَذّر من أفعالهم ولا سيّما تضليل الناس وخصوصًا شعب الله والمختارين منهم إذا أمكن.
وإليك إشكاليّات النبوّة ممّا في مقالتي: النّبوّة والنّبيّ

فالواضح أنّ مقال ياسمين إنشائي- مدرسي، ممّا يدرَّس في مدارس الدول المعرَّبة والمؤسلمة وممّا يترجَم إلى دول الغرب، بعيدًا عن الحقائق التي تعجّ بها كتب التراث الإسلامي، ممّا تمّ التعتيم عليه والتستّر. لكن الانترنت فضح كلّ ما عُتِّم عليه و كلّ ما سُتِر: {فما مِنْ خَفِيّ إلّا سيَظهَرُ ولا مِنْ مكتومٍ إلاّ سَينكَشِفُ ويَعرِفُهُ النّاس}+ لوقا 8: 17 و12: 2 وانظر-ي أيضا متّى 10: 26 ومرقس 4: 22 

ـــ ـــ

ضوء على مشاهد الصلب في فيديو القرني

أوّلًا أنّ الفيديو يتضمن مشاهد تمثّل صلب السيد المسيح، أمام بضعة شهود عيان! فهل اعترف صاحب هذا الفيديو بالصلب؟ فالجواب: كلّا؛ لأنّ القصد من عرضها، في أغلب الظّنّ، هو ترديد الأسطوانة الإسلامية (كيف تخلّى الله عن ابنه وقت الصلب ولم ينقذه من أعدائه) لكن لو قرأ الإسلاميون الإنجيل بعقل منفتح، بعيدًا عن مغالطات القرآن، لعرفوا أنّ غاية الله من إرسال ابنه كانت لإنجاز مهمّة الصلب، كما في النبوّات بالضبط، فيحصل المؤمن-ة بهذا الفداء العظيم على الخلاص الأبدي، لأنّ السيد المسيح دفع ثمن خطايا العالم أجمع يوم صُلِبَ عليه ومات، خلال حكم الوالي الروماني بيلاطس البنطي، فصالح المؤمن-ة به مع الله، بعدما أخطأ آدم وحوّاء {لأنّ أجرة الخطية هي الموت، وأمّا هِبَة الله فهي الحياة الأبدية في المسيح يسوع ربّنا}+ رومية 6: 23
لكنّ المسيح قام من الموت في اليوم الثالث، محقِّقًا أيضًا ما تنبّأ به الأنبياء، وظهر لكثيرين ولا سيّما رسله ومنهم تلاميذه. فآمنوا به جميعًا بعد القيامة. ثمّ حلّ عليهم الروح القدس- روح الحقّ- الذي وعدهم المسيح به، فانطلقوا في أصقاع الأرض كارزين بالإنجيل ومحور كرازتهم هذه الآية: {هكذا أحَبَّ الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كلّ مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية}+ يوحنّا 3: 16 ثمّ قُتِلوا لمجد اسمه باستثناء يوحنّا الإنجيلي.

فكيف يخلِّص الله ابنه من الصلب وهو الذي أرسله لكي يُصلَب، هل يناقض الله نفسه، وهل ينسخ الله (أي يغيّر) الكلام الذي أوحى به إلى الأنبياء؟ حاشا الله. ليس في الكتاب المقدّس كلّه ناسخ ومنسوخ، ولا فيه ناقض ومنقوض؛ بل قال السيد المسيح له المجد:
{لا تظنّوا أنّي جئتُ لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمِّل}+ متّى 5: 17
أي ما جاء السيد المسيح لينقض شريعة موسى ولا نبوّات الأنبياء عنه، إنما جاء ليكمِّل.

ثانيًا أنّ السعودية على رأس قائمة الدول التي منعت عرض فيلم الرسالة على أرضها، على رغم موافقة "الأزهر" ربّما لتصوير حمزة- عمّ محمد (بأداء الفنان الراحل عبدالله غيث في النسخة العربية) فاغتيل مصطفى العقّاد- مُخرج الفيلم- في عمّان سنة 2005 مع ابنته، لكنْ كُتِبَ في جريدة الرياض (أن تنظيم القاعدة أعلن عن مسؤولية اغتيال العقّاد لأنّه فكّر في إخراج فيلم يتناول حياة زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن) انتهى.
فالسؤال الآن: كيف سَمَحَ الشيخ عائض القرني لنفسه، وهو داعية إسلامي سعودي، بعرض مشاهد مثّلت صلب السيد المسيح، في الفيديو الذي أنتجه أو ساهم في إنتاجه، وهو على دراية بتحريم عرض صورة واحدة لمحمد، أليس هذا كيلًا بمكيالين، أما خالف القرني مقولة محمد بلسان ربّه (لا نُفَرِّق بَين أحد من رُسُلِه)- البقرة:285 ومثلها آل عمران:84 أم أنّه فضّل محمّدًا على عيسى، موافقًا مقولة محمد بلسان ربّه أيضا (تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعضَهُمْ عَلَى بَعض)- البقرة:253 والإسراء:55؟ بغضّ النظر عن التناقض ما بين هاتين المقولتين.

وقد يتنبّه القارئ هنا إلى تمثيل عدد من الكفّار أدوارًا لمؤمنين في نسخة "الرسالة" الانكليزية، مثل الأميركي أنتوني كوين (بدَور حمزة) واليونانية إيرين باباس (بدَور هند بنت عتبة) فالسؤال: ألم يكن في العالم الإسلامي كلّه مَن يستطيع إتقان أدوار الكفّار في شأن إسلاميّ صِرف، أم أنّ المسلمين عادة ما يستحسنون بضائع الكفار، كما استحسنت السعودية "الدكتوراه" و"الماجستير" ممّا في ج1 من المقالة؟ ترى في الصورة التالية الفنّانتين الكبيرتين منى واصف وإيرين باباس.

قد يردّ ناقد على سؤالي بـ "أنّ الفنّ لا دين له، وأنّ كوين من أشهر الممثلين وباباس من أشهر الممثلات، ما يسهم في ربح أعداد كبيرة من المشاهدين والمشاهدات لتغطية نفقات الفيلم والحصول على عائدات مالية ودعائية... إلخ" فأردف: حتّى على حساب المبادئ. لكنّ تبريرات المسلمين لا تغطّي على حقيقة النفاق الإسلامي ولا على هبوط أخلاق شيوخهم الذين دعوا على الكُفّار في أعقاب صلاة الجمعة، في وقت استعملوا صناعات الكفار؛ من الإبرة إلى الساعة إلى الجوّال إلى الحاسوب إلى القارب إلى الطائرة، سواء في بيوتهم وشوارعهم ومكاتبهم ومزارعهم ومصانعهم ومختبراتهم ومستشفياتهم... إلخ. فما قلت فيهم "يا للخزي والعار" لأنّي أصلّي من أجلهم كي يشرق الله بنوره على عقولهم فيتبيّنوا الحقّ ويترفّعوا عن الباطل.
وإليك صورة توسّط فيها الراحل العقّاد الرّاحلَين كوين وغيث:- 

ثالثًا من جهة المسيحيّين؛ كيف سمح القرني لنفسه بتصوير شخص السيد المسيح، ضاربًا مشاعر عدد من طوائف المسيحيّين عرض الحائط؟ هذا لأنّ بين المسيحيّين في الشرق والغرب أزيد من طائفة تنهى عن تصوير السيد المسيح- وفق آية توراتية:
{لا تَصنَعْ لَكَ تِمثالًا مَنحُوتا، ولا صورة ما ممّا في السماء من فوق، وما في الأرض من تحت، وما في الماء من تحت الأرض}+ الخروج 20: 4
عِلمًا أنّي اختلفت معها! لأنّي أؤمن أنّ السماء تفرح بكلّ عمل لمجد الرّبّ؛ سواء أكان أدبيًّا أم عِلميًّا أم فنّيّا. ولي مقالة بهذا الصدد على صفحات موقع لينغا تحت عنوان:
الفنون الجميلة في الكتاب المقدَّس

رابعًا أيّة مرجعيّة مسيحيّة سمحت للقرني بتصوير مشاهد صلب السيد المسيح؟ هذا لفحص سلامة نيّة القرني وفحص اتّفاق المشاهد مع قصة الصلب الإنجيلية، كثقب يَدَي المسيح ورِجْلَيه- تحقيقًا لنبوّة داود النبي {ثقبوا يديّ ورجليّ}+ المزمور  22: 16 بالإضافة إلى صَلب اللّصّين على جانبي صليب المسيح- تحقيقًا للنبوّة القائلة {سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَة، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذنِبِين}+ إشعياء 53: 12 وبالإضافة إلى حضور شهود عيان كثيرين؛ منهم تلميذه يوحنّا الإنجيلي وأمّه والنساء اللائي كنّ يخدمنه وقائد المئة الروماني وعدد من رؤساء اليهود والعسكر الروماني الذي نفّذ حكم الصلب.
وإلّا فإنّ مَشَاهد القرني متفقة مع مشاهد صلب متّهم بـ (محاربة الله ورسوله) وفق المائدة:33 حيًّا؛ بربط يَدَيه ورجليه على خشبتَي صليب داعشي أو عثماني، بدون ثقب اليَدَين بمسامير ولا الرِّجلَين، محكومًا عليه بالموت جزاء له، سواء أعَلى تهمة منسوبة إليه أم على ذنب ثبت للحاكم أنّه اقترفه. فمشاهد القرني على أيّة حال تُخالف الحقيقة الإنجيلية القائلة إنّ السيد المسيح إنسان كامل بلا خطيئة، أي بلا ذنب، إذ قال لليهود: {مَن منكم يبكّتني على خطيئة؟}+ يوحنّا 8: 46 فما عرف القرني، ولا رسوله، أنّ السيد المسيح، البريء من أيّة خطيئة أو نقص أو عيب، قد حَمَل خطايا العالم كلّه على الصليب، وقد قال يوحنّا المعمدان مُشيرًا إلى المسيح: { هُوَذا حَمَلُ الله الّذِي يَرفَعُ خَطِيَّةَ العَالَم!}+ يوحنّا 1: 29 وتأمَّل-ي أيضًا في نبوّة إشعياء المذكورة أعلى! فشتّان ما بين مقترف ذنبًا، محكوم عليه بالموت ليدفع ثمن ذنبه فقط، وبين البريء الذي دفع ثمن ذنوب العالم أجمع بدمه الثمين، نيابة عنهم! عِلمًا أنّ المسيح صُلِبَ بإرادته، ومات بصفته إنسانًا لا إلها! لأنّ {الله روح}+ يوحنّا 4: 24 روح أزلي وأبدي! فلم ينفصل لاهوت المسيح عن ناسوته بموت جسده، لهذا قام بقوّة سُلطانه الإلهي، في اليوم الثالث كما في كتب الأنبياء.

خامسًا ليت القرني قارن مشاهد الفيديو التي حاول بها تزوير حقائق إنجيلية باستثناء {إكليل الشوك} وقد عرفها القاصي كما الدّاني، مع مشاهد فيلم "براءة المسلمين" الذي اعتبره المسلمون مُسيئًا إلى رسولهم، فغضب كثير منهم وخرج في مظاهرات وعاث فسادًا في بقاع مختلفة من الأرض، أبرزها مقتل كريستوفر ستيفنز- السفير الأميركي لدى ليبيا- وجنديّين من مشاة البحرية الأميركية وموظف أميركي.
فالحقيقة أنّ الفيلم المذكور ما أساء إلى سيرة رسول الإسلام بافتراء ما أو تزوير، ولا سيّما المدوَّنة في كتب تفسير القرآن وفي الصَّحِيحَين، وإن عارضت شخصيات مسيحية بارزة، من طوائف مختلفة، إخراج الفيلم، لأنّ طريقة التمثيل جرحت مشاعر الجهلاء بالسيرة، ومنها قصة زينب بنت جحش التي في سورة الأحزاب وقصة كلّ "امرأة مؤمنة وهبت نفسها للنبي" في السورة نفسها. فبات الجهل سيد الموقف، لأنّ المعترضين من المسلمين لم يقارنوا ما بين المشاهد التي اعتبروها مسيئة وبين الحقائق التي اعترف بها مفسِّرو القرآن المعتمَدون، لكي يتأكّدوا مِن أنّ المخرج لم يُخرج شيئًا ما من جعبته. لهذا تجنّب شيوخهم الحديث عن أحداث الفيلم تاريخيّا، لم يحاول أحدهم تكذيب حدث واحد منها، لا عبر قناة فضائية ولا عبر الانترنت، حسب علمي، فلم يفتح أحدهم فاه إلّا بإدانة تصوير الفيلم على أنّ صاحبه حاول "تشويه" صورة كلّ من الإسلام والمسلمين... إلخ.

فشتّان ما بين مشاهد فيديو القرني التي حاول من خلالها تزوير الحقائق، عمدًا أو جهلا، ما ليس في الإنجيل، وبين مشاهد الفيلم "المُسيء" التي عكست فقرات من سيرة محمد التي في كتب المسلمين.

أمّا بعد فأنّ جميع ردود الأفعال، ممّا لدى المسلمين، كانت انفعالية ومستهترة، للدفاع عن إله ضعيف دعاهم في القرآن إلى الجهاد في سبيله. بينما دعا الإله الحقيقي أتباعه إلى {محبّة الأعداء} ونهى عن {الانتقام لأنفسهم} وعن {مقاومة شرّ بشرّ} بنصوص إنجيلية صريحة وواضحة، لأنّ له النقمة والجزاء (التثنية 32: 35) فإذا ردّ أحد أتباع الإله الحقيقي على أحد المفترين على إيمانه فالحجّة المقنعة سلاحه والمنطق المهذَّب من أخلاقه والمحبة تدفعه واللطف يرافقه، لم تهزّه ريح صفراء من افتراء ابن إسحاق- دجّال الدّجاجلة في نظر أنس بن مالك- على الإنجيل بأنّ اسم أحمد مكتوب فيه، ولا همّه ظهور "إنجيل برنابا" المزيَّف في القرن الخامس عشر الميلادي، ولا تأثّر بافتراءات الدّجّال أحمد ديدات على الكتاب المقدَّس أواخر القرن الماضي باقتطاع آيات من سياقها لتفسيرها على ذوقه، ولا أرّقته رواية "شيفرة دا فينشي" المترجمة إلى خمسين لغة حتى الآن. فلم يخرج المسيحيّ في تظاهرة ضدّ مُفتر ولم يحرق بناية ولم يقتل أحدًا ولم يُدِنْ! لأنّ الدينونة معطاة للسيد المسيح (يوحنّا 5: 22) ولأنّ إيمانه مبنيّ على صخر.
وإليك عرض جانب آخر من ردود فعل متشابهة لدى المسلمين:-
سؤال جريء 393 شارلي إيبدو وردود فعل المسلمين

استخدام المسيحي حقّ الرّدّ على الشبهات

ذكرت في ج1 من المقالة أنّ قصيدة القرني مستوحاة من القرآن. وأضيف: لا لمحة إنجيلية فيها غير عنوانها "آمنت بالمسيح" ومعلوم للمسيحيّين أنّ مؤلِّف القرآن خالف الكتاب المقدَّس بشكل عام. صحيح أنّ القرني لم يأتِ بشيء واحد من عنده ضدّ الإنجيل، إنّما لخّص للقارئ-ة عددًا من مواقف "محمد" من "عيسى" بطريقة شعرية. ورُبَّ شاعر يشجّعه على كتابة قصائد من هذا الطراز، لأنّها تؤكّد للباحث-ة عن الحقّ عددًا من مواقف محمد، لكنّي في الوقت عينه أحذّره من التعاطف معها قبل التأكّد من صحّتها، آخِذًا في الاعتبار أنّ القرآن من تأليف محمد، خير له أن يستبعِد نسبته إلى الله، كما استبعد الشِّيعِيّان: مصطفى جحا- الصحافي اللبناني المغدور، وأحمد القبانجي- المفكّر العراقي، وكما استبعد السُّنِّيّان: الراحل معروف الرصافي- الشاعر العراقي، وحامد عبد الصمد- الكاتب المصري، وملايين غيرهم ولا سيّما من شماليّ أفريقيا ومن جنوبيّ شرقيّ آسيا، باعتراف أزيد من فضائيّة، عربيّة وإسلاميّة! فليستمرّ القرني في محاولته الدعوية كما يحلو له، لا أحد من المسيحيّين يمنعه، لكنْ ليس على حساب الإنجيل! وإلّا فمِن حقّ المسيحي استخدام حقّ الرَّدّ على كلّ من يحاول التشكيك في إيمانه وتاليًا تكفيره!
فالغريب أنّ القرني تجاهل الإنجيل تمامًا كأنه لم يسمع به، وإنْ زاد عدد مؤلّفاته، الفقهية منها والأدبية، على خمسين كتابا!

قطعًا؛ ليس في وسع القرني المؤمن حاليًّا بأنّ القرآن "موحًى به من الله" أن يتّفق معي بأن القرآن منسوب إلى الله، أي لا علاقة له بالله، وليس في إمكانه أن يُصدّق تورّط مؤلِّف القرآن في الافتراء على الإنجيل قبل 1438 سنة متّبعًا الشُّبهات التي حامت حوله منذ القرن الأوّل الميلادي، فاقتبس منها أفكاره عن المسيح وعن أتباعه. ما دفع بعض المسيحيّين، ومنهم شخصي المتواضع، إلى استخدام حقّ الرّدّ، أيًّا كان صاحب الشبهة وأيًّا كان متّبعها! لأنّ كلّ شبهة على الكتاب المقدَّس تُعتبَر في نظر المسيحيّين من أعمال الشيطان؛ إذ قاوم صليب المسيح عبثًا ففشل وانهزم من قوّة الصليب. فسعى إلى إعاقة التبشير بخلاص المسيح وما يزال، إلى أن يُلقيه الله في النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ له ولمَلاَئِكَتِه (متّى 25: 41) لذا حثّ الإنجيل المسيحيّين على الرّدّ على كُلِّ مَنْ يَطلُبُ مِنهم دَليلًا على الرَّجاء الّذي فيهم:
{ولَو تَألَّمتُم في سَبيلِ الحَقّ، فهَنيئًا لكُم! لا تَخافوا مِنْ أحد ولا تَضطَرِبوا، بَلْ قَدِّسوا المَسيحَ في قُلوبِكُم وكَرِّموهُ رَبّا، وكونوا في كُلِّ حينٍ مُستَعِدِّينَ لِلرَّدِّ على كُلِّ مَنْ يَطلُبُ مِنكُم دَليلًا على الرَّجاءِ الّذي فيكُم. وليكُنْ ذلِكَ بوَداعَة واحترام، مُحافِظينَ على سلامَةِ ضَميرِكُمْ، حتّى إذا عُومِلتُم بسُوء، يَخزى الّذينَ عابوا حُسنَ سيرَتِكُم في المَسيح}+ 1بطرس 3: 14-16

فمعركة المسيحي في الحقيقة هي ضدّ إبليس وملائكته، أي ضدّ قوى الشّرّ الرّوحيّة، ليست ضدّ إنسان، أيًّا كان عرقه وجنسه وثقافته، حتّى إذا اعتُبِرَ من الأشرار، على أمل في عودته عن صنع الشّرّ: {هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بمَوتِ الشِّرِّير؟ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبّ. أَلاَ برُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحيَا؟}+ حزقيال 18: 23 وانظر-ي أيضًا حزقيال 33: 11

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا