عائض القرني: آمَنتُ بالمَسِيح– ج4 إلهام تصريحات ترامب

تدعو قصيدة الشيخ القرني إلى اعتناق الإسلام بطريقة مُسالِمة، على خلاف ما جرت العادة عبر التاريخ الإسلامي، رُبّما قصد منها تبييض وجه ما من وجوه الإسلام، وتحديدًا انتشار الدَّعوة إلى الإسلام بالسَّيف
10 مارس 2017 - 23:22 بتوقيت القدس

تدعو قصيدة الشيخ القرني إلى اعتناق الإسلام بطريقة مُسالِمة، على خلاف ما جرت العادة عبر التاريخ الإسلامي، رُبّما قصد منها تبييض وجه ما من وجوه الإسلام، وتحديدًا انتشار الدَّعوة إلى الإسلام بالسَّيف، آمِلًا نسيان غير المسلمين الخيارات الإسلامية الثلاثة التالية، والتي مَذاقُ أفضلِها أمَرُّ من العلقم. فرأيت القصيدة ضاربة ثلاثة عصافير بحجر واحد؛ 

أوّلا: دعوة المسيحيّين الناطقين بالعربية، وما خفِيَ عن القرني اعتراضهم على القرآن منذ فجر الإسلام؛ مثالًا: اعتراض وفد من نصارى نجران على إحدى مغالطات محمد المنسوبة إلى جبريل: (إنّ مَثَل عيسى عند الله كمَثل آدم خلقه مِن تراب ثم قال له كُنْ فيكون)- آل عمران:59 إذ قالوا له- بتصرّف: [إن كنت صادقًا فأرِنا عبدًا (يُحيي الموتى ويُبرئ الأكمه ويخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه)- آل عمران:49 لكنه الله! فسَكَتَ حتى أتاه جبريل فقال؛ يا محمد: لقد كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إنّ اللَّهَ هُوَ المَسِيحُ ابنُ مَريَم (المائدة:17) فقال محمد: يا جبريل، إنهم سألوني أن أخبرَهم بمَثَل عيسى. قال جبريل: مَثَلُ عيسى عند الله... إلخ]- تفسير الطبري لآل عمران:59 لكنّ المعلوم في قانون الإيمان المسيحي، الموقِّع عليه ما بين 250- 318 أسقفًا معظمهم من الشرق في القرن الرابع الميلادي: أنّ المسيحيّ يؤمن بإله واحد، وأنّ المسيح مولود من العذراء غير مخلوق، وهو مساوٍ لله- الآب- في الجوهر!... إلخ.

هذا مع التحفّظ على بعض ما نقل الطبري من ناحيتين؛ الأولى: أنّ رواية وفد نصارى نجران متعلِّقة بسورة آل عمران، فما الدليل على أنّ سورة المائدة كانت "منزلة" يوم جاؤوا إلى محمد معترضين، هذا لأن سورة المائدة من أواخر السور (تسلسلها 112 حسب تاريخ النزول) بينما تسلسل آل عمران 89 إذ "نزلت" بعد سورة الأنفال (انظر-ي قائمة سور القرآن على ويكيبيديا) فكيف قال جبريل لمحمد (لقد كفر الذين قالوا... إلخ من المائدة:17) قبل نزول المائدة؟
والثانية: أنّ "خلق الطير من الطين" خرافة، ربّما احتجّ النصارى بها لأنها من ضمن قول محمد (آل عمران:49) فلا يعني احتجاجهم أنهم صدّقوها، لكنّهم واجهوه بكلامه، مثلما واجه أحَدُ الأمراء أحَدَ خُدّامِه العشرة بالقول {مِن فمِك أدينك أيُّها الخادِمُ الشِّرِّير}+ لوقا 19: 22 في أحد أمثال السيد المسيح.

وبالعودة إلى محمّد إذ قال (ادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادِلْهُمْ بالّتي هي أحسن...)- النحل:125 فإنّه فعل خلاف قوله، كما جرت العادة، إذْ خَيَّرَ نصارى نجران ما بين ثلاثة؛ إمّا الإسلام أو الجزية أو الحرب، فأقرّوا بالجزية (انظر-ي تفسير القرطبي لآل عمران:59 و61) هذا عوض إقناعهم بحجّة مُقنِعة؛ فما الدليل على أنّ جبريل أخبر محمّدًا عن "عيسى" ولم يتأثّر محمد بشائعات زمانه معتبرًا أنها من الإنجيل إذ لم يكن مترجمًا إلى العربية؟ لا دليل. وكلّ افتراء في القرآن، سواء أكان على الكتاب المقدَّس أم على أهله، قد جاء به محمد مِن ثقافة ما لا تمتّ بأيّة صِلة بالكتاب المقدَّس.

لكنّ القرني ظنّ أنّ محمّدًا أحبّ عيسى إذ "بَشَّرَ بأحمد" حسب الصّفّ:6 فأدّى له خدمة لمّا نفى عنه البُنُوّة لله وغيرها، لم يخطر في ذهن القرني أنّ محمّدًا اقتبس سيرة عيسى من مصادر لم تعترف بها الكنيسة؛ منها الذي رُويَ فيه تكلُّم عيسى في المهد، ومنها اتّهام اليهود السيدة العذراء... إلخ. لكنّ "خدمة" أحمد ذكّرتني بـ"خدمات" أدّاها الدواعش لربّ القرآن، القدامى منهم والجدد؛ إذ قتلوا بعض المسيحيّين وهجّروا بعضهم واحتلّوا الأرض ونهبوا الأملاك وحوَّلوا بعض الكنائس إلى جوامع وسبوا النساء وباعوا الأطفال... إلخ محقِّقين عبر تاريخهم الدَّمَويّ إحدى نبوّات السَّيِّد المَسِيح {سيَطرُدونَكُم مِنَ المَجامِعِ، بل تَجيءُ ساعة يَظُنُّ فيها مَنْ يَقتُلُكم أنَّهُ يُؤدِّي فَريضةً لله}+ يوحنّا 16: 2 فإمّا أحبّ محمد عيسى فالمفترض به أوّلًا أن يبحث عن سيرة عيسى مِن مصدر معترف به لدى الكنيسة، وتحديدًا الإنجيل! وتقتضي المحبّة ثانيًا أنْ يوصي أتباعه بأن يحبّوا أهل الكتاب، وإنْ كذّبوا دعوته، لا أنْ يحرِّض عليهم أتباعه، سواء في القرآن- التوبة:29 وفي الحديث (اغزوا تبُوكَ تَغنَمُوا بَناتِ الأصفر ونِساءَ الرُّوم)- رواه الطبري عن مجاهد في تفسير التوبة:49 حتّى ارتكبوا جرائم حرب "مقدَّسة" إسلاميّا. وأسألك تاليًا- أخي المعتدل المتسامح- كيف أحبّه في وقت أخرج أتباعه من ديارهم الكائنة في شبه جزيرة العرب واحتلّها ونهبها وأسكن فيها جنوده، أفجَهِلتَ الحديث العنصري (لأخرجنّ اليهود والنّصارى من جزيرة العرب حتّى لا أدع فيها إلّا مُسلِما) ممّا في الجزء الأوَّل من المقالة أم تجاهلت؟ 

ثانيا: دعوة الغرب إلى اعتناق الإسلام بدليل ترجمة القصيدة إلى الانكليزية، كأنّ مسيحيّي الغرب "أغبياء" لم يفهموا القرآن على حقيقته، ولا مثَّلتِ الإسلامَ داعِشُ وأخواتها. أغبياء؛ ما عندهم مترجمون يتقنون العربية ليدركوا أنّ القصيدة تطعن في الإنجيل، سيكتفون بمشاهد الصلب "الدّالّة" على احترام السعودية الصليب- أبرز رموز المسيحية- إذ سبق لها احتضان "حوار الأديان" كما أنّ وسائل إعلام الغرب "ضيّقة النِّطاق" فخَفِيَ عن الغرب احتقار السعودية الإنسان وهضم حقوقه؛ كحُرّيّة الرّأي، والتّظاهر السّلمي، وسُلطة السُّعودي المُطْلَقة على المرأة السعودية وهي من مرادفات الاستعباد، وعقوبات السعودية الرهيبة في الأماكن العامة. أغبياء؛ يجهلون اعتبار السعودية غير المسلمين السُّنّة كفّارًا ومشركين، وتاليًا لم يفقهوا معنى (إنّما المُشرِكون نجس فلا يَقْرَبوا المسجدَ الحَرام بعد عامهم هذا...)- التوبة:28 فما حَذَّروا رعاياهم من السّياحة في مكّة خصوصًا ومن حِيازة الكتاب المقدَّس في أرجاء المملكة عموما، ولا وصلتهم الصورة التالية.
فأقول باختصار: كلّا؛ إنّما عرف الباحثون الغربيّون عن الإسلام ما لم يخطر في أذهان كثيرين؛ إليك- مثالًا- حلقة سؤال جريء 476 مخطوطات قديمة تكشف حقائق خطيرة عن الإسلام
youtube.com/watch?v=asg2WKkuB6o

ثالثا- حسب اجتهادي وتحليلي: محاولة استمالة ترامب إلى السعودية في حال فوزه بالرِّئاسة، للحفاظ على صداقتها المبنيّة مع إدارات أميركية سابقة، بعد تصريحات أدلى بها خلال حملته الرّئاسيّة، ذاع صيتها يومًا بعد يوم، والمسلمون مِن بين الذين اعتبروها مُغرِضة، ولا سيّما الشّقّ المتعلِّق بحِرمانهم من دخول أميركا، ما قبل تحديد الدول السبع فيما بعد، وإن كانت تصريحات ترامب مِن حقّه في الحفاظ على أمن بلاده من الإرهاب الإسلامي ومن الهجرة غير المشروعة، أفليس من جقّ كلّ دولة ذات سيادة على أرضها تشريع ما يناسب مواطنيها من قوانين واتّخاذ ما يلزم من قرارات؟ والجدير ذكره خلال حملة ترامب أنّ مجلس النّوّاب الأميركي أقرّ تشريعًا يسمح لعوائل ضحايا إرهاب الحادي عشر من سبتمبر 2001 بمقاضاة الحكومة السعودية على الأضرار التي لحقت بالعوائل، مقدّرة بمليارات الدولارات. فباتت تصريحات ترامب، المعزَّزة بتشريع مجلس النواب، مصدر إلهام القرني بمشروع الفيديو الدَّعَوي، في أغلب الظّنّ، في محاولة لإظهار الإسلام على غير حقيقته التي صوّرها الشيخ السعودي أسامة بن لادن للعالم عمومًا وللأميركان خصوصا. فلمّا فاز ترامب بالرئاسة في التاسع من نوفمبر 2016 اقتنص القرني أقرب فرصة مناسِبة لإطلاق مشروعه- حلول عيد الميلاد المجيد وإلّا فأنّ عيد القيامة المجيدة يتأخّر عليه حتّى فصل الربيع- بانتظار تغيير نظرة ترامب تجاه المسلمين عمومًا وتجاه السعودية خصوصا، لذا ساهم القرني بنشاط خاصّ، لخدمة دينه ووطنه، مساهمة هدفُها الثاني، بعد الدَّعوي، هو استمراريّة مصالح السّعوديّين في أميركا على قدم وساق، ما لم تكن للقرني أيضًا مصلحة شخصية، والله أعلم.
 
فالسؤال بعد ما تقدَّم؛ هل رخّص مؤلِّف القرآن إقامة المسلمين صداقة حتّى مع الشيطان الأكبر- أميركا؟ والجواب: نعم؛ في إطار التَّقِيّة الإسلاميّة؛ حسب الاستثناء القرآني التالي: (لا يَتَّخِذِ المُؤمِنونَ الكافِرِينَ أولياءَ... إلّا أنْ تتّقوا مِنهم تُقاة...)- آل عمران:28 والمعنى في تفسير الطبري: [إلّا أنْ تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتُظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هُمْ عليه من الكفر، ولا تُعِينوهُمْ على مُسلم بفِعل] ولا يخفى أنّ محمّدًا قد رخّص الكذب في ثلاث. فالتقية والكذب في الإسلام كارثتان لا ينبغي السكوت عنهما.
ولا بُدّ من القول بالمناسبة؛ حاشا الله- الإله الواحد الحيّ القُدُّوس- من الباطل المنسوب إليه في مكان ما ولا سيَّما القرآن. إليك التالي من وصايا الله في العهد القديم:
{لا تَسرِقوا ولا تَغدُروا ولا يَكذِبْ بَعضُكُم على بَعض. لا تَحلِفوا باَسْمي كَذِبًا ولا تُدَنِّسوا اَسْمي، فأنا الرّبُّ إلهُكُم. لا تَظلِموا أحدًا ولا تَسلُبوه. لا تَحتَفِظوا بأجرةِ الأجيرِ عِندَكُم إلى الغَد...}+ لاويّين 19: 11-13
{وهذِهِ هيَ الأمورُ التي يجبُ علَيكُم أنْ تعمَلوها: كَلِّموا بَعضُكُم بَعضًا بالحَقّ، واَقْضُوا في مَحاكِمِكُم بالعَدلِ لِيَحِلَ السَّلام}+ زكريّا 8: 16
وفي العهد الجديد بلسان بولس الرسول- في رسالته إلى أهل كُولُوسِّي:
{أمَّا الآنَ فتَخَلَّصوا مِنْ كُلِّ ما فيهِ غَضَبٌ ونَقمَةٌ وخُبثٌ وشَتيمَة. لا تتلفَّظوا بالكَلامِ البَذيء، ولا يكذِبْ بَعضُكُم على بَعض، لأنَّكُم خَلَعتُمُ الإنسانَ القَديمَ وكُلَّ أعمالِه، ولَبِستُمُ الإنسانَ الجَديدَ الّذي يتَجَدَّدُ في المَعرِفةِ على صُورَةِ خالِقِه}+ كولوسي 3: 8-10

وفي رأيي: خيرٌ للقرني أن يعرض الفيديو المذكور على مساجد السعودية في أعقاب صلاة الجمعة، لعلّ أئمّتها يكفّون عن الدعاء على غير أهل السُّنّة، بعد اكتشاف "محبّة محمّد" في قصيدة القرني: (عِيسَى بنَ مَريمَ يا حَبيبَ مُحمّدِ) وسؤالي: لماذا ظهرت محبّة محمد الآن بالتحديد، أي إبّان فوز ترامب برئاسة أميركا، حتّى أصبح المسلمون والمسيحيون في هذا الوقت "إخوة" حسب المقال المذكور في الجزء الثاني من المقالة؟ ومن جديد؛ كيف أحبّه والسعودية تحظر بناء كنيسة على أرضها حتّى لأتباعه الذين استقدمتهم من الخارج للعمل على بنائها وتطويرها ومعالجة المرضى من مواطنيها، في وقت سمحت لخطباء مساجدها، من أهل السّنّة والجماعة، بتكفير العالم غير السّنّيّ، ومنه الخبراء الأجانب والعمّال، وبالدعاء عليه، فهل عملت السعودية بخلاف سُنّة محمّد أم في ضوئها؟ هذا في داخل المملكة، أمّا خارجها فقد موّلت بؤر الإرهاب، سواء أكانت البؤرة الواحدة منها على شكل مسجد أم معهد أم جامعة أم جمعيّة خيريّة، ودعمت "الجهاديّين" معنويًّا ومادّيًّا حيثما وجدت لأهل السُّنّة مَوَاطِئَ أقدام، لنشر الفكر الوهّابي وتوسيع دائرة الإرهاب القرآني، والتفصيل في حلقة سؤال جريء 391 مملكة الكراهية- السعودية والإرهاب العالمي 
youtube.com/watch?v=4qaoIMWAdY4

وسؤالي تاليًا إلى الأخ الداعية؛ ماذا فعلتَ مِن محاولة لكبح جماح زملائك التّكفيريّين، سواء في الداخل وفي الخارج، إمّا كنت أهلًا للتسامح والاعتدال؟ وأمّا بعد كتابة قصيدتك- القرآنية- وإنشادها في مقطع فيديو، سألتمس العذر لكلّ مَن يقول عن مشروعك الدعوي: هذا ضرب جديد من الرِّياء السعودي! عِلمًا أنّه ليس جديدًا من نوعه؛ إذ سبق إليه أسوتك "الحسنة" لمّا حاول- مثالًا- استمالة اليهود إلى جانبه فأقرّ بأنهم شعب الله المختار: (فضّلناهم على العالمين)- الجاثية:16 المكّية والبقرة:47 أولى سور المدينة، لا أدري ما كان محمد داريًا سبب ذلك التفضيل! فالسبب هو التالي:
أزمَعَ الله- جلّ شأنه- على أن يجيء السيد المسيح- له المجد- من نسل بني إسرائيل (يعقوب بن إسحق بن إبراهيم) فاقتصرت النبوّات عليهم دون غيرهم، تمهيدًا لمجيئه، فلا نبيّ لله مِن خارج نسلهم، لا قبل المسيح ولا بعده! لعلّك قرأت مقالتي- النّبوّة والنّبيّ- المدوَّن رابطها في ج2 من هذه المقالة.
أمّا بعد فلمّا كشف اليهود النقاب عن بطلان دعوة محمد لهذا السبب ولغيره (جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت)- المائدة:60 المدنية بل مِن أواخر السور.
ـــ ـــ

أخيرًا؛ أرحِّب بك أخًا في الإنسانية وفقيهًا مسالِمًا وشاعِرًا واعِدًا، لكنّ دعوتك، المفترض بها حُسن النّيّة، مرفوضة جملة وتفصيلا، غير مرحَّب بها بين المسيحيّين لأنّهم عرفوا الحقّ، وقد حان دورك لتعرفه، كما عرفوه، ولتشهد له أيضًا دون سواه.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا