الفنون الجميلة في الكتاب المقدَّس – ج1

قد يكتشف الباحث في الكتاب المقدَّس أن الله قد خصّ الإنسان بالعقل والحُلْم، ما نتج عنهما مواهب التفكير والتأمّل والتصوّر والتعبير بحريّة تامّة، موزّعة بين الناس بدرجات. فأصبحت الفنون، المذكورة في...
19 يوليو 2015 - 15:33 بتوقيت القدس

ورد معنى الفنّ وأنواعه في معجم المعاني الجامع. أقتطف منه التالي- بتصرّف: (الفَنُّ: جملةُ الوسائل التي يستعملها الإِنسان لإِثارة المشاعر والعواطف ولا سيّما عاطفة الجَمال، كالتصوير والموسيقى والشعر. والفَنُّ: مهارةٌ يَحكُمُها الذوقُ والمواهب. والجمع: فنون. والفنّ للفنّ: مبدأ ينادي بأن قيمة الفنّ في ذاته. والفنّ للمجتمع: مبدأ ينادي بأن قيمة الفنّ في خدمته للمجتمع. ومن أنواع الفنون؛ التعبيريّ: هو ما يعتمد على الانطباعات الذاتيّة. والفنون الشَّعبيَّة: هي التي ترتبط بالجماهير وتُعبِّر عنها. وفنون القول: أساليبه. والفنون الأدبيَّة: أنواع معالجات الآداب كالنثر والشعر والرواية. والفنون الأدائيّة: هي التي تؤدَّى أمام الجمهور، كالرَّقص والدِّراما والموسيقى. والفنون التشكيليَّة: فنون مرئيّة، كالرَّسم والتّصوير والنّحت والهندسة المعماريّة، تهدف إلى تخطيط معروضات فنِّيَّة وتشكيلها وتصويرها فتثير في الأفراد الإحساس بالجَمال. وفنّ النَّحْت: صنع التماثيل والتصاميم كنحت الرخام وتشكيل الصلصال وصبّ المعدن في قالب. والفنّ المعماريّ: فنّ تشييد المنازل. والفنُّ السَّابع: كل ما يتعلّق بحِرَفيّة الفنّ السِّينمائيّ من قواعد وأصول واصطلاحات خاصّة بتسجيل الصُّور المرئيّة المتحرِّكة وطريقة عرضها على الجمهور) انتهى الاقتباس.

وقد يكتشف الباحث في الكتاب المقدَّس أن الله قد خصّ الإنسان بالعقل والحُلْم، ما نتج عنهما مواهب التفكير والتأمّل والتصوّر والتعبير بحريّة تامّة، موزّعة بين الناس بدرجات. فأصبحت الفنون، المذكورة في التعريف أعلى، من ثمار هذه المواهب. والهدف منها في رأيي هو: 1 أنْ يعرف الإنسانُ الله أكثر فأكثر فتقصر المسافة التي يحتاج إليها الإنسان لمعرفة الله. مثالًا: كلّما زاد الاقتراب بينك وبين صديقك زادت معرفة أحدكما بالآخر. 2 أن يستخدم الإنسان هذه المواهب في بناء نفسه من الداخل، بالتعليم والتهذيب. وبناء حياته من الخارج، بالعمل الشريف لكسب الرزق وتأمين لقمة العيش مع التزام الظهور في التعامل مع الناس مظهرًا حسنًا ولائقًا ومحترمًا بالإضافة إلى صفاء النيّة. 3 أنْ يسهم تاليًا مع أخيه الإنسان في بناء المجتمع على أسس متفَّق عليها، صحيحة ومريحة ومقْنِعة. فطوبى لمن استفاد وطوبى لمن فكّر في خدمة غيره: {مَجَّانًا أَخَذْتُمْ، مَجَّانًا أَعْطُوا}+  متّى 10: 8

1 الفنون الأدبيّة في الكتاب المقدَّس

لقد سبق تصنيف الأسفار التالية على أنها أسفار شِعرية: أيُّوب، المزامير، الأمثال، الجامِعَة، نَشيد الأنشاد. فأقتطف التالي من دراسة قام بها د. دِكْ وُودوُرد بحسب ترجمة د. بيار فرنسيس- بتصرّف: (صُنِّفت هذه الأسفار بالشِّعرِيَّة بهدفِ تمييزِها عن أسفارِ الناموس والأنبياء والأسفار التاريخيَّة. وقد أَخَذَت الأسفارُ الشِّعرِيَّةُ مَكَانَها بينَ أسفارِ الوَحي، لأنَّ الشعرَ هو لُغَةُ القَلب، واللهُ يَعرِفُ مقدارَ أهَمّيَّة ما تُشيرُ إليهِ الأسفارُ المُقدَّسَةُ بأنَّهُ قَلبُ شَعبِه. في هذه الأجزاء من الكِتاب المُقدَّس، يتكلَّمُ اللهُ إلى قُلوبِ شعبِه المُتألِّم في أيوب، والعابِد في المزامير، والمُنهَمِك بالأُمورِ اليَوميَّة للحياةِ الزَّوجِيَّة والعائِليَّة وتربيَةِ الأولادِ والتَّعامُلِ التِّجارِي في الأمثال، والمُشكِّك في الجامعة، وأخيرًا يتكلَّمُ اللهُ إلى قُلُوبِ شعبِهِ عندما يُعَبِّرُونَ عن بَهجَةِ الوحدَةِ الجَسدِيَّةِ الحميمَة بينَ الزَّوجِ والزَّوجَةِ في نشيدِ الأنشاد. يُظهِرُ اللهُ إهتِمامَهُ الحَيَويّ بِقُلُوبِنا من خلالِ إعطائِنا خمسَةَ أَسفَارٍ في هذه المَكتَبَة الشِّعريَّة المُقدَّسَة، التي تُشَكِّلُ لغة القَلب. فبينما نقرَأُها، علينا أن نتَحَسَّسَ إصبَعَ اللهِ يضغَطُ على قُلُوبنا- أي على إنسانِنا الدَّاخِليّ- مُلِحًّا علينا بأن نَكُونَ صادِقِينَ في إيمانِنا، وأن نتغَيَّرَ من خلالِ اختبارنا لله منَ الدَّاخِلِ إلى الخارِج. لِهذا أعطانا اللهُ هذه الأسفار) انتهى.

قلت: جميل! لكنْ يؤسفني أنّ الدّارس لم يلتفت في تعريفه إلى المعاني الرمزية والروحية في سِفر نشيد الأنشاد وإن كان مسيحيًّا. في وقت سبق لي التنويه، في أزيد من مناسبة، بأنّ لهذا السِّفر مَعنيَيْن: حرفي ورمزي- روحي. لا يوجد عيب في أيٍّ منهما. أمّا الفكر المضطرب والمُلوَّث بوسخ ثقافة غريبة عن الكتاب المقدَّس فيجد في سِفر نشيدِ الأنشاد عيوبًا. عِلمًا أنّ الفهم الساذج أو المغلوط من جهة ما ليس حجّة على هذا السِّفر! فطوبى لمن نظَّف فِكْرَهُ مِن وَسَخ تلك الثقافة قبل البدء بقراءة هذا السِّفر وسائر الأسفار. وعلى مَن أراد أنْ يحترم نفسه وعقله وتجنّب النقد المضادّ أن يعود إلى أي تفسير مسيحي، من مرجع مسيحي، إذا ما صعب عليه الفهم أو غاب.

أمثلة من الأسفار الشِّعريَّة

1 سِفر أيّوب
إنّ سِفر أيّوب أقدم كتاب في العالم. وقصة أيّوب حقيقية، حدثت ثم صاغها شعرًا موسى النبي إذ كان شابًّا، قبل الخروج من مصر- بحسب آراء غالبيّة المحقِّقين (1) وإلّا فإنّ السِّفر كُتِب قبل خروج بني إسرائيل من مصر بأجيال كثيرة. وأيّوب شخصيًّا مذكور في حزقيال 14: 20 مع نُوحَ ودَانِيآلَ في العهد القديم وفي رسالة يعقوب 5: 11 في العهد الجديد. وقد وُضِع السِّفر في بداية الأسفار الشعرية والسِّفر كلّه تقريبًا قد صِيغ شعرًا ابتداءً بالأصحاح الثالث حتى الثاني والأربعين: الآية 6 والشعر العبراني يختلف عن سواه من الشعر، لا يهتم بالوزن ولا القافية، إنّما في كل بيتين متتاليَين منه أو ثلاثة يظهر جَمال المعنى. لذا فإنّ محاولة ترجمة الشعر العبراني لا تُضيع جَمالَه.

أمّا في الشعر العربي فإني أتفق مع ما ورد في كتاب "قضايا الشعر المعاصر" لشاعرة العراق الفذّة نازك الملائكة، رائدة الشعر الحديث، بأنّ القصيدة يجب أن تلتزم الوزن الشعري (أي موسيقى الشِّعر من خلال أحد بحور الشعر الثمانية عشر في عِلم العروض) وقافية واحدة في الأقلّ. وإلّا فلا تجوز تسميتها قصيدة. وأمّا آباء الشعر العربي فغالبيّتُهُمْ، ممّا وصلني، من قبائل مسيحية نصرانيّة كالمُهَلْهِل بن ربيعة التغـلبي وليلى العفيفة ومنهم شعراء المعلَّقات العشر. 

أخيرًا فإنّ أيّوب كان رمزًا ليسوع المَسِيح المتألِّم؛ إذ كان أيّوب بارًّا وكاملًا نسبيًا والمسيح كامل 100% وبلا خطيئة. وانتصر أيوب على تجربته ولم يجدِّف على الله وانتصر المسيح في التجربة على الجبل وأمّا على الصليب فانتصر على إبليس. أيوب بعد مجده صار في حالة حقيرة. والمسيح أخلى ذاته آخِذًا صورة عبد. أيوب عاد بعد التجربة إلى مجده والمسيح، بعد القيامة من الموت، صعد إلى السماء.
وإليك عددًا من الآيات في سِفر أيّوب:
{لَيْتَ كَلِمَاتي الآنَ تُكْتَبُ. يا لَيْتَها رُسِمَتْ فِي سِفْرٍ، ونُقِرَتْ إِلَى الأَبَدِ فِي الصَّخْرِ بقَلَمِ حَدِيدٍ وبرَصَاص. أَمَّا أَنا فقَدْ عَلِمْتُ أَنَّ وَلِيِّي حَيٌّ، والآخِرَ على الأرضِ يَقُومُ، وبَعْدَ أَنْ يُفْنى جِلْدِي هذا، وبدُونِ جَسَدِي أَرَى اللهَ. الّذي أَرَاهُ أَنا لِنَفْسي، وعَيْنايَ تَنظُرَانِ ولَيْسَ آخَرُ. إلى ذلِكَ تَتُوقُ كُلْيَتايَ في جَوْفِي}+ أيّوب 19: 23-27

2 سِفر المزامير

إنّ المزامير جمع المزمور. وهو لفظة عِبرانيّة معناها النشيد أو القصيدة أو التسبيحة. عددها 150 (وفي الترجمة السّبعينيّة 151) وغالبيّة المزامير بقلم داود النبي والملك ولهذا سُمِّيت باٌسمه. والباقي بقلم كلّ من موسى النبي (مز 89) وسليمان الحكيم (مز 71 و127) وآساف اللاوي المذكور في سِفر أخبار الأيّام الأوّل\ 16 وغيره. أمّا بنو قورح ويدوثون فمعلوماتي تقول إنهم كانوا يتغنّون بها بالأصوات والآلات الموسيقيّة ولم يكتب أحد منهم أيّ مزمور.
وإليك عددًا من الآيات في سِفر المزامير:
مز 90: 1-4 لموسى النبي: يا رَبُّ، مَلْجَأً كُنْتَ لَنا فِي دَوْرٍ فدَوْرٍ. مِنْ قَبْلِ أَنْ تُولَدَ الجِبَالُ، أَوْ أَبْدَأْتَ الأَرْضَ والمَسْكُونة، مُنْذُ الأَزَلِ إِلَى الأَبَدِ أَنْتَ اللهُ. تُرْجعُ الإِنسَانَ إلى الغُبَارِ وتَقُولُ: «ارْجِعُوا يَا بَنِي آدَمَ» لأَنَّ أَلْفَ سَنَةٍ فِي عَيْنَيْكَ مِثْلُ يَوْمِ أَمْسِ بَعْدَ مَا عَبَرَ، وكَهَزِيعٍ مِنَ اللَّيْل.

المزمور الأوّل لداود الملك والنبي:
1 طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الأشرار، وفي طريق الخُطاة لم يقف، وفي مجلس المستهزئين لم يجلس.
2 لكن في ناموس الرب مسرّته، وفي ناموسه يَلْهَجُ نهارًا وليلًا.
3 فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه، التي تعطي ثمرها في أوانه، وورقها لا يذبل. وكل ما يصنعه ينجح.
4 ليس كذلك الأشرار، لكنَّهم كالعُصَافةِ الَّتي تُذَرِّيها الرِّيح.
5 لذلك لا تَقُومُ الأشرار في الدِّين، ولا الخُطاة في جماعة الأبرار.
6 لأَنَّ الرَّبَّ يَعْلَمُ طَرِيقَ الأَبرار، أمَّا طَرِيقُ الأشرار فتَهْلِك.

مز 127: 1-2 لسليمان الملك: إِنْ لَمْ يَبْنِ الرَّبُّ البَيْتَ، فبَاطِلًا يَتْعَبُ البَنَّاؤُون. إِنْ لَمْ يَحْفَظِ الرَّبُّ المَدِينَةَ، فبَاطِلًا يَسْهَرُ الحَارِسُ. بَاطِلٌ هُوَ لَكُمْ أَنْ تُبَكِّرُوا إلى القِيَام، مُؤَخِّرِينَ الجُلُوسَ، آكِلِينَ خُبْزَ الأتعاب. لكِنَّهُ يُعْطِي حَبِيبَهُ نَوْمًا.

ويسرّني أن أذكر أنّ العهد الجديد قد استشهد بعدد كبير من آيات العهد القديم ولا سيّما المزامير. لعلّ خيرَ مثال قولُ الرَّبِّ يسوع المسيح على الصَّليب: {إِيلِي، إِيلِي، لِمَا شَبَقْتَنِي؟ أَيْ: إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذا تَرَكْتَنِي؟}+ متّى 27: 46 ومرقس 15: 34 فقد لفت به انتباه اليهود إلى مزمور داود المرقّم 22 في النسخة العبرانيّة والذي بدايته: {إِلهِي، إِلهِي، لِمَاذا تَرَكْتَنِي، بَعِيدًا عَنْ خَلاَصِي، عَنْ كَلامِ زَفِيرِي؟} مُذكِّرًا اليهود به ومؤكِّدًا لهم أنّه هو المسيح الذي ينتظرون. أمّا الذي لم يدرس الكتاب المقدّس ولم يتعمّق فيظنّ أن قول المسيح يعني (معاتبة الله على ترك ابنه مصلوبًا) أو يظنّ أن (اللاهوت تخلّى عن الناسوت أو انفصل) حاشا. ولهذا وغيره؛ دعوتُ النقّاد، ولا سيّما ذوي الأفكار الغريبة، للعودة إلى التفسير المسيحي قبل أن يفسِّروا بحسب أذواقهم. 

3 سِفر الأمثال

في البداية؛ معلوم أنّ هذا السِّفر بقلم سليمان الحكيم، باستثناء الأصحاحين الثلاثين والحادي والثلاثين (في رأي غالبية علماء الكتاب المقدّس) وأنّه سِفر غزير بالحكمة ومكارم الأخلاق وسائر الفضائل ولا سيّما خوف الله وعشرة الناس وتدبير البيت ونظام العائلة وسياسة المملكة وما أشبه. وإليك عددًا من آياته:
أمث 1: 7-9 مَخَافَةُ الرَّبِّ رَأْسُ المَعْرِفة، أَمَّا الجَاهِلُونَ فيَحْتَقِرُونَ الْحِكْمَةَ والأَدَب. اِسْمَعْ يَا ابْنِي تأدِيبَ أَبيكَ، ولا تَرْفُضْ شَرِيعَةَ أُمِّك، لأَنَّهُمَا إِكْلِيلُ نِعْمَةٍ لِرَأْسِكَ، وقلائِدُ لِعُنُقِك.

4 سِفر الجامعة

وهذا أيضًا بقلم سليمان الحكيم. يتضمّن بيان أباطيل جميع ما في الدنيا إذ جرّب سليمان كلّ شيء فيها، وإذ كان مَلِكًا مقتدِرًا وعظيمًا مِن كلّ وجه. وإليك عددًا من آياته:

مقتطفات من الأصحاح الأوّل:- أنا الجامعة كنت مَلِكًا على إسرائيل فِي أُورُشَلِيمَ. ووَجَّهْتُ قلبي للسؤال والتفتيش بالحكمة عن كل ما عُمِلَ تحت السماوات. هو عناء رديء جعلها الله لبني البشر لِيَعْنُوا فِيه. رأيت كل الأعمال التي عُمِلَتْ تحت الشمس فإذا الكُلّ باطل وقَبْضُ الرِّيحِ. اَلأَعْوَجُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَوَّمَ، والنَّقْصُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يُجْبَر… ووَجَّهْتُ قلبي لمعرفة الحكمة ولمعرفة الحماقة والجهل، فعرفت أنّ هذا أيضًا قبض الريح. لأَنَّ فِي كَثْرَةِ الحِكْمَةِ كَثْرَةَ الغَمّ، والَّذِي يَزِيدُ عِلْمًا يَزِيدُ حُزْنًا.

5 سِفر نشيد الأنشاد

وهو بقلم سليمان الحكيم أيضًا. ومعناه أجمل الأناشيد أو أجمل الترانيم أو أعظم الأغاني وأشرفها. وهو سفر شعري صغير في ثمانية أصحاحات، يتضمّن محبّة العريس (المسيح) عروسه (الكنيسة) وغرام العروس بالعريس. والمزيد عبر الانترنت تحت عنوان: [لمحة هامة سريعة عن سفر نشيد الأنشاد] وإليك عددًا من آياته:
مقتطفات من نهاية الأصحاح الأوّل:- هَا أَنْتِ جَمِيلَةٌ يَا حَبِيبَتِي، هَا أَنْتِ جَمِيلَة. عَيْناكِ حَمَامَتَانِ. هَا أَنْتَ جَمِيلٌ يَا حَبِيبِي وحُلْوٌ، وسَرِيرُنا أَخْضَرُ. جَوَائِزُ بَيْتِنا أَرْزٌ، ورَوَافِدُنا سَرْوٌ.

وإليك تفسير الآية الثانية من الأصحاح الأوّل- ترجمة فاندايك: {لِيُقَبِّلْنِي بِقُبْلاَتِ فَمِهِ، لأَنَّ حُبَّكَ أَطْيَبُ مِنَ الْخَمْرِ} بقلم الخوري يوسف داود: (بهذه الكلمات بيّنت الكنيسة القديمة أي اليهوديّة شدّة الشّوق الذي به كانت تشتاق إلى مجيء المسيح إلى الأرض واتّصاله بها. ثمّ بيّنتْ هذه العروسُ الرّوحيّة سبب عشقها، وهو طيب حبيبها المراد به الحقّ والنِّعمة اللذان جلبهما المسيح لجنس البشر) انتهى.

ويقول العلّامة أوريجانوس: [إن الكنيسة في العهد القديم كانت كفتاة صغيرة غير ناضجة، لم تتمتع بصحبة العريس نفسه مباشرة بل تمتعت بصحبة أصحابه، أي الملائكة والآباء والأنبياء، ومن خلالهم تقبَّلَت قبلات الله التي هي تعليم العهد الجديد ووصاياه. كانت في طريق النمو، تسير نحو النضوج لترى عريسها قادمًا إليها على جبال الناموس وتلال النبوّات فالتهب قلبها بالحب نحوه، قائلة: "ليأتِ وينزل إليّ ويقبّلني بنفسه على الصليب، ليضمَّني إليه بالحب العملي فأتّحد معه" وهذا ما أعلن الرسول بولس في بداية رسالته إلى العبرانيين إذ كتب: "الله بعدما كلَّم الآباء بالأنبياء قديمًا بأنواع وطرق كثيرة، كلَّمَنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه…" كلَّمَنا بقبلات الحُبّ العملي المباشر] انتهى. ولم أجد تفسيرًا مسيحيًّا على خلاف هذه المعاني وتلك بين الطوائف المسيحيّة.

.….

أخيرًا؛ لا شكّ عندي في أنّ الله هو ربّ الفنون الجميلة وأنّه أحبَّها طالما سُخِّرتْ لتسبيحه وتمجيده. ولا شكّ أيضًا في أنّه يُحبّها حينما يُسخِّرها الإنسان لخدمة أخيه الإنسان. إنّما أحَبَّ الله الإنسان (يوحنّا 3: 16) وأوصاه بأنْ يُحِبَّ الرَّبَّ إلهَهُ وصيّة هِيَ الأُولى والعُظمى وأوصاه في الوقت عينه بأن يحبّ أخاه الإنسان (متّى 22) فمَن قال بخلاف ما تقدّم فأنصحه بتنظيف فكره من الثقافة الغريبة.


1 المعلومات مقتطفة من مقدّمة سِفر أيّوب بقلم الخوري يوسف داود السرياني الموصلي، مترجم الكتاب المقدَّس الدومنيكاني إلى العربيّة الصادر عام 1871 في الموصل. ومن مقدّمة شرح سفر أيّوب بقلم القس أنطونيوس فكري.

2 اسم نشيد الأنشاد في العِبرية שיר השירים شِير هّشّيريم.

¤ ¤ ¤

• في ج2 فنّ آخَر

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا