الوصيّة الخامسة ج4: إكرام الأهل وتحدّيات الحياة

سأتطرق في هذا القسم الى عصيان الأبناء لوالديهم، وأسباب ونتائج هذا العصيان. كذلك سأقدّم أمثلة من الكتاب المقدّس عن آباء وأمهات أحسنوا تربية أولادهم وبناتهم، وعن ممن أساؤوا في تربيتهم
16 يونيو 2016 - 19:21 بتوقيت القدس

الجزء الرّابع

تأمّلنا في الأجزاء الثلاثة السّابقة في موضوع التربية المسيحية ومراحل نمو الإنسان وضرورة زرع حق الله في قلبه منذ الطفولة. وفي هذا الجزء الرّابع والأخير من التّأملات في الوصيّة الخامسة، سأتطرق الى عصيان الأبناء لوالديهم، وأسباب ونتائج هذا العصيان. كذلك سأقدّم أمثلة من الكتاب المقدّس عن آباء وأمهات أحسنوا تربية أولادهم وبناتهم، وعن ممن أساؤوا في تربيتهم. قال الشّاعر العربي المسيحي  زهير بن أبي سلمى في معلّقته المعروفة: "وَمَنْ لَم يُكَـرِّمْ نَفْسَـهُ لَم يُكَـرَّمِ". فمن لا يكرم نفسه بعصيان الله، لا يمكن أن يكرمه الله، بعكس الأب الكريم أو الأم الكريمة، والّذان يتحلّيان بالخير والشرف والفضيلة.

نقرأ في سفر الملوك الأول 19:2 عن موقف مشرّف للملك سليمان الحكيم عندما جاءت أمّه اليه حيث يجلس على كرسي الملك: "فَدَخَلَتْ بَثْشَبَعُ إِلَى الْمَلِكِ سُلَيْمَانَ لِتُكَلِّمَهُ عَنْ أَدُونِيَّا. فَقَامَ الْمَلِكُ لِلِقَائِهَا وَسَجَدَ لَهَا وَجَلَسَ عَلَى كُرْسِيِّهِ، وَوَضَعَ كُرْسِيّاً لِأُمِّ الْمَلِكِ فَجَلَسَتْ عَنْ يَمِينِهِ". بهذا التصرف اللائق أكرم الملك سليمان أمه بإظهار الاحترام والتقدير بشكل كامل وأمام جميع الموجودين في بلاط الملك. كان الملك سليمان الحكيم يقول بعمله هذا: أنت يا أمي إنسانة محترمة ومهمة، وأنا أحبك وأعاملك باحترام وخشوع.

لا بدّ لمعظم النّاس أن يعترفوا بكلِّ نزاهة وتجرّد بأنّهم مقصِّرين في إكرام والديهم. فأغلبهم لا يزورون والديهم إلّا ما ندر، وسبب تقصيرهم قد لا يكون لأنهم لا يريدون ذلك، ولكن بسبب كثرة مشاغل وأعمال واهتمامات النّاس. وكثيرون منّا يشعرون بتوبيخ الضمير، ويوقفهم صوت الأب أو الأم معاتباً أحياناً ليقول لهم: لماذا لا تزورننا؟ أنا وأمك وحدنا في البيت، ونحتاج إلى من يؤنسنا ويملأ علينا حياتنا. تعال لنتحدث ونصرف وقتاً مع بعضنا البعض.

عندما تترك البيت أيّها الشّاب وأيَّتها الصّبيّة، تذكر أن تتصل هاتفياً، أو ترسل بطاقة أو رسالة عاديّة أو الكترونيّة تظهر فيها محبتك للأهل، وافتقادك لهم، وبأنك تفكر بهم وتصلي من أجلهم ومن أجل صحتهم الجسدية والنفسية.

نقرأ في سفر الأمثال 27:3 "لاَ تَمْنَعِ الْخَيْرَ عَنْ أَهْلِهِ، حِينَ يَكُونُ فِي طَاقَةِ يَدِكَ أَنْ تَفْعَلَهُ". اعمل أشياء رائعة وجميلة ومفرحة لأهلك قدر استطاعتك. فمجرّد كلمة لطيفة أو عبارة محبّة مع أب أو أم، تساوي بالنسبة لهما الدنيا وما بها من مال وعزّ وجمال.

وما أكثر الأولاد والبنات الذين لا يتذكرون الأهل نهائياً، ولكن عند وفاة الأهل يصرفون المال في إعداد الطعام ووضع أكاليل الورود والنعي في الصحف. ولكن ما فائدة كل هذه المصاريف إن كنت لم تتذكر أهلك في أيام حياتهم؟! بل إن صرفك للمال بعد موتهم قد لا يكون بسبب إكرامك وحبك لأهلك، بل لكي تظهر أمام النّاس، وليقولوا عنك خيراً. أي أن الدافع هو الأنانية وحب الظهور وليس حب الأهل.

يوجّه الله في الكتاب المقدّس كلمات مباشرة وقويّة الى الأبناء والبنات محذّراً إيّاهم من ممارسة أي عمل شرير ضد والديهم. وللأسف الشّديد، فإن جيل اليوم معرض للسقوط في الخطيّة وارتكاب مثل هذه التّصرفات الرّدية لأسباب عديدة أهمها التّاثير السّلبي للقيم والأخلاق والحضارة والثّقافة السّائدة في أيّامنا. ومن جملة هذه الخطايا والشّرور:

1.طرد الأهل من البيت وتدمير حياتهم. نقرأ في سفر الأمثال 26:19 "الْمُخَرِّبُ أَبَاهُ وَالطَّارِدُ أُمَّهُ هُوَ ابْنٌ مُخْزٍ وَمُخْجِلٌ".
2. شتم الأهل. نقرأ في سفر الأمثال 20:20 "مَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يَنْطَفِئُ سِرَاجُهُ فِي حَدَقَةِ الظَّلاَمِ"؛ وأمثال 11:30 "جِيلٌ يَلْعَنُ أَبَاهُ وَلاَ يُبَارِكُ أُمَّهُ".
3. احتقار الأهل. نقرأ في سفر الأمثال 22:23 "اِسْمَعْ لأَبِيكَ الَّذِي وَلَدَكَ، وَلاَ تَحْتَقِرْ أُمَّكَ إِذَا شَاخَتْ"؛ وأمثال 17:30 "اَلْعَيْنُ الْمُسْتَهْزِئَةُ بِأَبِيهَا، وَالْمُحْتَقِرَةُ إِطَاعَةَ أُمِّهَا، تُقَوِّرُهَا غُرْبَانُ الْوَادِي، وَتَأْكُلُهَا فِرَاخُ النَّسْرِ". وأيضاً في سفر الأمثال 20:15ب "الرَّجُلُ الْجَاهِلُ يَحْتَقِرُ أُمَّهُ".
4. سلب الأب والأم. نقرأ في سفر الأمثال 24:28 "السَّالِبُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ وَهُوَ يَقُولُ: "لاَ بَأْسَ" فَهُوَ رَفِيقٌ لِرَجُل مُخْرِبٍ".
5. ضرب الأم والأب. نقرأ في سفر الخروج 15:21-17 "وَمَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلاً. 16وَمَنْ سَرَقَ إِنْسَانًا وَبَاعَهُ، أَوْ وُجِدَ فِي يَدِهِ، يُقْتَلُ قَتْلاً. 17وَمَنْ شَتَمَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلاً". 

عوامل تشجع الأبناء غير المؤمنين على عدم إكرام والديهم:

1. تأثير التكنلوجيا المعاصرة. كان الإبن حتّى عقود قريبة يتعلم مهنة الأب، وما يزال هذا الأمر منتشراً الى حدٍّ ما في مجتمعات كثيرة. ولكن هذا الوضع قد تغيّر بشكل كبير في السّنوات الأخيرة. ففي أيّامنا، يتعلم الأبناء والبنات أموراً متنوّعة وكثيرة لم يسمع بها الأهل، وينظرون لوالديهم وكأنّهم متخلفين ويعيشون خارج الزمن.
2. كثرة الطلاق وإنفصال الأهل، وتشتت الأبناء بين الأم أو الأب. أي تفتت الأسرة أو حتى عدم وجود أسرة بالمعنى المتعارف عليه. فالأسرة الصحيحة تتكون من أب وأم وأولادهم. ولكن بسبب انتشار خطية الزنا والإنحراف الجنسي بكل أشكاله القذرة، نجد اليوم أولاداً وبناتاً لا يعرفون إلّا الأم فقط، أو لا يعرفون معنى الأمومة إن كانوا متبنين من قبل رجلين منحرفين جنسياً. ولا يعرفون معنى الأبوّة إن كانوا متبنين من إمرأتين تعيشان في النجاسة والخطيّة مع بعضهما البعض.

عقاب من لا يكرم أباه وأمه في الكتاب المقدّس: أوحى الله في الكتاب المقدّس كلاماً يحذّر فيه الأبناء والبنات من السّقوط في خطية عصيان الوالدين أو الإساءة اليهم بشكلٍ أو بآخر. فالله يريد جيلاً أميناً يحب الله ويحب والديه ويكرمهم الإكرام اللّائق بهم. لذلك يقول محذّرا بأن الأبناء الأشرار يشكّلون مصدر حزن للأهل، ويدعوهم الى التوبة والتّوقف عن حياة الخطيّة. نقرأ في سفر الأمثال 1:10 "اَلابْنُ الْحَكِيمُ يَسُرُّ أَبَاهُ، وَالابْنُ الْجَاهِلُ حُزْنُ أُمِّهِ". وفي سفر الأمثال 25:17 "الابْنُ الْجَاهِلُ غَمٌّ لأَبِيهِ، وَمَرَارَةٌ لِلَّتِي وَلَدَتْهُ". كما ويوجه الله أنظار الأبناء والبنات الى أنّ عدم طاعة الوالدين يعتبر واحد من الشّرور الّتي تؤدّي إلى إعلان غضب الله. نقرأ في رومية 30:1 عن بعض هذه الخطايا، ونلاحظ أن عدم طاعة الوالدين هي إحدى تلك الشّرور: "نَمَّامِينَ مُفْتَرِينَ، مُبْغِضِينَ ِللهِ، ثَالِبِينَ مُتَعَظِّمِينَ مُدَّعِينَ، مُبْتَدِعِينَ شُرُورًا، غَيْرَ طَائِعِينَ لِلْوَالِدَيْنِ".

يذكر الكتاب المقدّس نوعين من العقاب للأولاد والبنات الّذين قد يرتكبون شرّاً أو خطيّة معيّنة ضد والديهم:

1. القتل: نقرأ في سفر التّثنية 18:21-21 "إِذَا كَانَ لِرَجُل ابْنٌ مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِ أَبِيهِ وَلاَ لِقَوْلِ أُمِّهِ، وَيُؤَدِّبَانِهِ فَلاَ يَسْمَعُ لَهُمَا. 19يُمْسِكُهُ أَبُوهُ وَأُمُّهُ وَيَأْتِيَانِ بِهِ إِلَى شُيُوخِ مَدِينَتِهِ وَإِلَى بَابِ مَكَانِهِ، 20وَيَقُولاَنِ لِشُيُوخِ مَدِينَتِهِ: ابْنُنَا هذَا مُعَانِدٌ وَمَارِدٌ لاَ يَسْمَعُ لِقَوْلِنَا، وَهُوَ مُسْرِفٌ وَسِكِّيرٌ. 21فَيَرْجُمُهُ جَمِيعُ رِجَالِ مَدِينَتِهِ بِحِجَارَةٍ حَتَّى يَمُوتَ. فَتَنْزِعُ الشَّرَّ مِنْ بَيْنِكُمْ، وَيَسْمَعُ كُلُّ إِسْرَائِيلَ وَيَخَافُونَ". وفي سفر الخروج 15:21-17 "وَمَنْ ضَرَبَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلاً. 16وَمَنْ سَرَقَ إِنْسَانًا وَبَاعَهُ، أَوْ وُجِدَ فِي يَدِهِ، يُقْتَلُ قَتْلاً. 17وَمَنْ شَتَمَ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يُقْتَلُ قَتْلاً". وفي سفر اللّاويين 9:20 "كُلُّ إِنْسَانٍ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ. قَدْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ. دَمُهُ عَلَيْهِ".

2. حياة بائسة ومصير قاسٍ: نقرأ في سفر الأمثال 20:20 "مَنْ سَبَّ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ يَنْطَفِئُ سِرَاجُهُ فِي حَدَقَةِ الظَّلاَمِ". وهذا التعبير يشير إلى حياة التعاسة والمعاناة في الجسد والنفس. ونقرأ أيضاً في سفر الأمثال 17:30 "اَلْعَيْنُ الْمُسْتَهْزِئَةُ بِأَبِيهَا، وَالْمُحْتَقِرَةُ إِطَاعَةَ أُمِّهَا، تُقَوِّرُهَا غُرْبَانُ الْوَادِي، وَتَأْكُلُهَا فِرَاخُ النَّسْرِ". وهذه إشارة إلى نهاية الحياة بشكل مأساوي، وعدم دفنه بعد موته.

أمهات وآباء ذكر الكتاب المقدّس بأنهم عملوا ما هو صالح وصائب من أجل أولادهم:
1. إبراهيم الذي يعتبر أباً لشعوب وأمم كثيرة، وخاصة للمؤمنين بالرّب يسوع. نقرأ في سفر التّكوين 19:18 ما قاله الله عن إبراهيم: "لأَنِّي عَرَفْتُهُ لِكَيْ يُوصِيَ بَنِيهِ وَبَيْتَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَنْ يَحْفَظُوا طَرِيقَ الرّب، لِيَعْمَلُوا بِرًّا وَعَدْلاً، لِكَيْ يَأْتِيَ الرّب لإِبْرَاهِيمَ بِمَا تَكَلَّمَ بِهِ".
2. يعقوب الّذي حرص على حياة أولاده وحمايتهم ورعايتهم (تكوين 20:24، 30).
3. يوسف الّذي طلب بركة الله لأولاده (تكوين 13:48-20).
4. أم النبي موسى التي دبّرت أمر نجاته من الموت وهو طفل صغير (خروج 2:2-3).
5. منوح أب شمشون الذي صلّى لله بحرارة ليرزقه أطفالاً، وعندما ولد ابنه شمشون أنذره لخدمة الله (قضاة 8:13).
6. حنة أم النبي صموئيل التي كانت إمرأة صلاة، والّتي قدّمت ابنها صموئيل لخدمة بيت الله (صموئيل الأول 28:1).
7. النبي والملك داود الذي صلّى بحرارة من أجل شفاء ابناً له من المرض، والذي كان حريصاً جداً على حياة وسلامة ابنه أبشالوم (صموئيل الثاني 5:18، 33).
8. المرأة الشونمية التي أحبت ابنها الذي ولد لها بمعجزة من الله، والتي ضحّت كثيراً وطلبت من نبي الله أليشع أن يأتي الى بيتها ويصلي من أجل ابنها (ملوك الثاني 19:4-20).
9. أيوب الذي أحب أولاده وبناته، وكان يصلّي من أجلهم كلّ يوم، ويقدم قرابين لله بالنّيابة عنهم (أيوب 5:1).
10. أم الملك موئيل التي علّمت ابنها الحكمة والادب (أمثال 1:31).
11. خادم للملك هيرودس من الجليل، هذا الرّجل الذي كان يحب ابنه المريض، وصلّى وطلب من الرّب يسوع أن يشفيه (يوحنا 49:4-50).
12. أفنيكي أم تيموثاوس وجدته لوئيس اللّواتي عملن على تربية تيموثاوس بحسب كلمة الله، وعلّمنه حق الإنجيل ورسالة الخلاص، وحضّرنه ليكون خادماً للرّب يسوع المسيح (رسالة تيموثاوس الثانية 5:1).

آباء وأمهات أشرار ذكرهم الكتاب المقدّس:

1. أم ميخا التي أخذت أموال من ابنها واستخدمتها لعمل تمثال منحوت وآخر مسكوب (قضاة 1:17-5).
2. عالي الكاهن الذي لم يحسن تربية أولاده (صموئيل الأول 13:3). وأكرمهم أكثر من الله بدافع الأنانية والرّبح المادي (صموئيل الأول 29:2).
3. الملك شاول الذي لم يطع الرّب وتسبب في قتل أولاده (صموئيل الأول 33:20).
4. عثليا بنت عمري، أم الملك أخزيا، التي شجعت ابنها على عمل الشر (أخبار الأيام الثاني 1:22-3).
5. الملك منسى الذي عبد البعل ونجوم السماء وأحرق أولاده بالنار (أخبار الأيام الثاني 1:33-6).
6. هيروديا امرأة فيلبس التي خانت زوجها وتزوجت أخوه الملك هيرودس، والتي تآمرت مع ابنتها سالومي على قطع رأس يوحنا المعمدان (مرقس 24:6).

توبيخ الله للأهل الأشرار: وصايا الله مقدّسة، والتّعدّي عليها يستحق التّأديب والعقاب من الله العادل والقدّوس، ويشمل ذلك تأديب الأهل الّذين يكونون سبب عثرة لأولادهم من البنين والبنات.

1. الرّب يعاقب الأهل الذين يهملون في تربية أولادهم. نقرأ في سفر صموئيل الأول 13:3 "وَقَدْ أَخْبَرْتُهُ بِأَنِّي أَقْضِي عَلَى بَيْتِهِ إِلَى الأَبَدِ مِنْ أَجْلِ الشَّرِّ الَّذِي يَعْلَمُ أَنَّ بَنِيهِ قَدْ أَوْجَبُوا بِهِ اللَّعْنَةَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَرْدَعْهُمْ".

2. الرّب يوبّخ الأبناء والبنات بسبب خطية السّير في طرق أهلهم الرّدية. نقرأ في سفر إرميا 14:9 "بَلْ سَلَكُوا وَرَاءَ عِنَادِ قُلُوبِهِمْ وَوَرَاءَ الْبَعْلِيمِ الَّتِي عَلَّمَهُمْ إِيَّاهَا آبَاؤُهُمْ". كما نقرأ في رسالة بطرس الأولى 18:1 "عَالِمِينَ أَنَّكُمُ افْتُدِيتُمْ لاَ بِأَشْيَاءَ تَفْنَى، بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ، مِنْ سِيرَتِكُمُ الْبَاطِلَةِ الَّتِي تَقَلَّدْتُمُوهَا مِنَ الآبَاءِ". نلاحظ هنا انّ سيرة الأبناء الباطلة كانت نتيجة تربية الأهل الخاطئة.
3. يحذّر الله الأهل من أن لا يكونوا مثالاً ردياً لأبنائهم، حزقيال 18:20 "وَقُلْتُ لأَبْنَائِهِمْ فِي الْبَرِّيَّةِ: لاَ تَسْلُكُوا فِي فَرَائِضِ آبَائِكُمْ، وَلاَ تَحْفَظُوا أَحْكَامَهُمْ، وَلاَ تَتَنَجَّسُوا بِأَصْنَامِهِمْ". عاموس 4:2 "هكَذَا قَالَ الرّب: «مِنْ أَجْلِ ذُنُوبِ يَهُوذَا الثَّلاَثَةِ وَالأَرْبَعَةِ لاَ أَرْجعُ عَنْهُ، لأَنَّهُمْ رَفَضُوا نَامُوسَ اللهِ وَلَمْ يَحْفَظُوا فَرَائِضَهُ، وَأَضَلَّتْهُمْ أَكَاذِيبُهُمُ الَّتِي سَارَ آبَاؤُهُمْ وَرَاءَهَا".

يعلن لنا الوحي المقدّس حقيقة تستحق التفكير والإنتباه، وهي قوله أن عصيان الوالدين وعدم إكرامهم يعتبر أحد أهم علامات الأيام الأخيرة، لأن عدم طاعة الأهل والتمرد عليهم يدل على سقوط أخلاقي وحضاري بشع للغاية. وقد بدأنا نلمس ظواهر لهذا العصيان في مجتمعات كثيرة في عالمنا. نقرأ في تيموثاوس الثانية 1:3-2 "وَلكِنِ اعْلَمْ هذَا أَنَّهُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ سَتَأْتِي أَزْمِنَةٌ صَعْبَةٌ، 2لأَنَّ النّاس يَكُونُونَ مُحِبِّينَ لأَنْفُسِهِمْ، مُحِبِّينَ لِلْمَالِ، مُتَعَظِّمِينَ، مُسْتَكْبِرِينَ، مُجَدِّفِينَ، غَيْرَ طَائِعِينَ لِوَالِدِيهِمْ، غَيْرَ شَاكِرِينَ، دَنِسِينَ" وفي مرقس 12:13 "وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ"، وكذلك في متى 21:10 "وَسَيُسْلِمُ الأَخُ أَخَاهُ إِلَى الْمَوْتِ، وَالأَبُ وَلَدَهُ، وَيَقُومُ الأَوْلاَدُ عَلَى وَالِدِيهِمْ وَيَقْتُلُونَهُمْ". 

كذلك فإن أحد علامات الأيام الأخيرة هي قيام الأهل أنفسهم برفض أولادهم وتسليمهم للموت كما نقرأ في لوقا 16:21 "وَسَوْفَ تُسَلَّمُونَ مِنَ الْوَالِدِينَ وَالإِخْوَةِ وَالأَقْرِبَاءِ وَالأَصْدِقَاءِ، وَيَقْتُلُونَ مِنْكُمْ". ونعرف جميعاً أن هذه الظاهرة في ازدياد مستمر، حيث يرسل الأهل أولادهم للموت بحجة الشهادة من أجل الدين أو رب وإله الدين. أو من خلال نبذ أولادهم وإلقائهم في حاويات النفايات أو في الخلاء أو برك المياه والأنهر بقصد موتهم والتخلص منهم.

علينا كآباء وأمهات أن نعلِّم أولادنا كيف يحترموننا ويكرموننا. وأفضل طريقة للتعليم تكون بالعمل والمثال وليس فقط بالكلام، أي بأن يكون الأهل أنفسهم قدوة صالحة لأبنائهم وبناتهم، ويكرمون آباءهم وأمهاتهم المتقدّمين بالعمر. من المعلوم أن تربية الطفولة المبكرة تنعكس في مراحل الحياة المتقدمة، والأسرة التي بها أولاد متمردون ولا يطيعون الأهل، هي أسرة بحاجة إلى العودة إلى الله، وخصوصاً رب الأسرة، لأن الإبن المتمرد قد يتمرد في كِبَرِهِ على كل شيء، ويفشل في الحياة.

احترم أباك وأمك، وكن في مشيئة الله. ولكن هنا قد يعترض شخص أو أكثر قائلاً: ولكن أبي لا يستحق الإحترام، فهو يسكر أو لا يعمل أو يضرب أمي أو يغيب كثيراً عن البيت ولا نراه. أو قد يقول أن أمي دائماً خارج البيت، ولا تهتم بنا، ولا تعد لنا الطعام، ولا تساعدنا في الدروس وغيرها من الخطايا التي يمكن أن يرتكبها الأهل.

في العودة إلى الوصيّة، نقرأ قول الله القدوس: "أكرم أباك وأمك". فالوصيّة جاءت بدون أية شروط، وبدون أية ارتباطات أخرى. أي أن الله يريد أن نكرم أهلنا بغض النظر عن أي أمور سلبية قد توجد في حياتهم. إن كان الأهل خطاة، فإن أهم وأفضل طريقة لتطبيق الوصيّة الخامسة تكون في الصلاة إلى الرّب وبحرارة من أجل هؤلاء الآباء والأمهات حتى يغيّرهم الله ويتوبوا ويتجددوا بالإنجيل. فالصلاة للأهل، سواء كانوا صالحين أو أشرار، هي من أروع وأعظم وأهم الطرق في إكرام الأهل.

صلِّ من أجل أبيك الذي يسكر، أو لا يريد أن يعمل، أو يغيب عن البيت. تخلص من مشاعر الغضب تجاهه. فمن يحمل مشاعر سلبية تجاه أهله، سيأخذ هذه المشاعر إلى حياته الزوجية، والغضب الدفين ضد الأهل سينفجر على الزوجة والأولاد، مما قد يعرض الأسرة للمآسي والآلام.

أطلب من الرّب يسوع أن يملأ قلبك بالمحبَّة تجاه والديك. صلي إلى الرّب أن يعطيك القوة بروحه القدوس لكي تطيعه، وأن تظهر الطاعة عملياً في إكرام الوالدين. تذكر أن أهلك أعطوك الحياة وأعطوك الحب وصرفوا عليك حتى كبرت وبدأت تعتمد على نفسك. لذلك أشكرهم على كل عطاياهم وتضحياتهم ومحبتهم. وستكون كلمات الشكر والتقدير بالنسبة لهم أجمل هدية يأخذونها منك. 

أدعو كل واحد منا أن يقبل الرّب يسوع مخلصاً لحياته. وإن كنت مؤمناً، فجدد عهودك مع الرّب، وأطلب منه أن يملأ قلبك بالمحبَّة لأبيك وأمك رومية 5:5 "وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا". وأكرمهم من مالك ومن وقتك ومن صحتك. زرهم واسأل عنهم، واهتم بحاجاتهم، واستمع إلى همومهم، وبهذا تدخل السعادة إلى قلوبهم. فعندما تتجدد بالإيمان، يتغير قلبك ويمتلئ بالمحبَّة لله وللنّاس، وخصوصاً الأهل، وتصبح لديك رغبة داخلية ملحّة في إكرام الأهل نتيجة إكرامك لله وقبولك للرب يسوع مخلصاً لحياتك.

ليبارككم الرّب في حياتكم جميعاً
آمين.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا