إشارات إلى العهد القديم – ج16 ثانيًا: بيتي بيت الصلاة ‏

مكتوب: بيتي بيتَ الصّلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص! إذ يدخل الرب أورشليمنا الداخليّة إنّما يدخل إلى مقدسه، يقوم بنفسه بتطهيره، فيصنع ‏سوطًا يطرد به باعة الحمام ويقلب موائد الصيارفة...
25 مارس 2016 - 13:46 بتوقيت القدس

ذكرت في ج16- أوّلًا- الإشارة الأولى من بين خمس إشارات في الأصحاح الحادي والعشرين من إنجيل ربّنا يسوع المسيح بتدوين متّى البشير. فإليك الإشارتين الثانية والثالثة مع التفسير- بتصرّف الكاتب:

‏الإشارة الثانية
‏{مكتوب: بيتي بيتَ الصّلاة يُدعى. وأنتم جعلتموه مغارة لصوص!}+ متّى 21: 13 وأيضًا في ‏مرقس 11: 17 ولوقا 19: 46 والإشارة إلى أشعياء 56: 7 وإلى إرميا 7: 11‏

وإليك باختصار مقالتين من التفسير المسيحي؛
الأولى: [إذ يدخل الرب أورشليمنا الداخليّة إنّما يدخل إلى مقدسه، يقوم بنفسه بتطهيره، فيصنع ‏سوطًا يطرد به باعة الحمام ويقلب موائد الصيارفة وهو يقول: {مكتوب بيتي بيت الـصلاة... ‏الآية} فما هو هذا السوط إلا الروح القدس الذي يرسله الابن من عند الآب ليبكِّت على خطيّة ‏ويهب التوبة الداخليّة ويعطي حِلًّا من الخطيّة خلال الكنيسة؟! بالروح القدس الناري يعيد ‏الرب لمقدسه فينا قدسيَّته التي فقدناها بتحويل حياتنا الداخليّة، عن حياة الصلاة، إلى عمل ‏تجاري حتى في الأمور الروحيّة، عِوض أن يكون القلب خزانة إلهيّة تضم في داخلها السيِّد ‏المسيح نفسه كنزًا سماويًا لا يفنى، غير مرتبك بحسابات الصيارفة وتجارة الحمام، فينزع عنه ‏سلام الله الفائق ليقتني لنفسه ارتباكات زمنيّة خانقة للنفس.‏
يرى القدّيس جيروم¹ "أنّ الكهنة اليهود كانوا يستغلِّون عيد الفِصح حيث يأتي اليهود من العالم ‏كلّه لتقديم الذبائح، فحوَّلوا الهيكل إلى مركز تجاري، أقاموا فيه موائد الصيارفة ليقدّموا ‏القروض للناس لشراء الذبائح، يقدّمونها لا بالربا إذ تمنعه الشريعة، وإنما مقابل هدايا عينيّة، ‏هي في حقيقتها رِبًا مستتر"...‏

هذه صورة مؤلمة؛ فيها يتحوّل هيكل الرب عن غايته، ويفقد الكهنة عملهم الروحي، ويحوِّلون ‏رسالتهم إلى جمع المال. وكما يقول العلاّمة أوريجينوس²: "ليُطرَدْ كل إنسان يبيع في الهيكل، ‏خاصة إن كان بائع حمام... أي يبيع ما يكشفه له الروح القدس (الحمامة) بمالٍ ولا يُعلّم ‏مجَّانًا، فإذ يبيع عمل الروح، يُطرَد من مذبح الرب" ...‏

يفقد الرعاة عملهم الروحي ويحوِّلون كلمة الله ومواهب الروح القدس وعطاياه إلى تجارة. ‏وكما يقول القدّيس جيروم: "يدخل يسوع كل يوم إلى هيكل أبيه ويطرد من كنيسته في كل ‏العالم أساقفة وكهنة وشمامسة وشعبًا موجِّهًا إليهم الاتهام ذاته، إنهم يبيعون ويشترون. وما ‏أقوله عن الكنائس يطبِّقه كل واحد على نفسه، إذ يقول الرسول بولس: {أنتم هياكل الله وروح ‏الله ساكن فيكم}+ 1كورنثوس 3: 16 فليَخْلُ بيت قلبنا من كل تجارة ومن كل رغبة للحصول ‏على هدايا، لئلا يدخل الرب ثائرًا ويُطهّر هيكله بلا تراخٍ بطريقة أخرى غير السوط، فيُقيم من ‏مغارة اللصوص وبيت التجارة بيتًا للصلاة"... وقد علَّق القدّيس جيروم على سوط الرب ‏هكذا: "يظن معظم الناس أن أعظم معجزاته هي إقامة لعازر من الأموات أو تفتيح عينيّ ‏المولود أعمى... وفي نظري أن أعجَبَها هي أن شخصًا واحدًا منبوذًا بلا اعتبار (أي ليس له ‏مركز ديني معيَّن) قُدِّم للصلب استطاع أن يضرب بسوط الكتبةَ والفرّيسيّين الثائرين ضدّه، ‏الذين شاهدوا بعيونهم دمار مكاسبهم. فإذ طرد الجمع الكبير وقلب الموائد وحطَّم الكراسي، فإنّ ‏لهيبًا ناريًا ملتهبًا خرج من عينيه، وعظمة لاهوته شعّت على وجهه، فلم يتجاسر الكهنة أن ‏يمدُّوا أيديهم عليه"]- بقلم القمّص تادرس يعقوب.‏

والثانية: [لقد اعتبَرَ السيد المسيح الهيكل³ بيت أبيه. فهو المكان الذي وضع عليه الرب اسمه ‏في القديم. لكنه صار دنِسًا وحجر عثرة للناس. إنما هدف الله أن يكون بيته بيت الصلاة ‏للشعوب كلِّها، كما أُعلِن مِن قبْل: {آتِي بِهِمْ إلى جَبَلِ قُدْسِي، وأُفَرِّحُهُمْ في بَيتِ صَلاتي، وتَكُونُ ‏مُحرَقاتُهُمْ وذبائِحُهُمْ مقبولة على مَذبَحي، لأنَّ بَيتي بَيتَ الصَّلاة يُدعَى لِكُلّ الشّعوب}+ أشعياء ‏‏56: 7 ففي ذلك اليوم من المستقبل إذ يحلّ الملكوت، لتصبح أورشليم بالحقيقة مركز العبادة ‏في الدنيا، سيظهر هيكل جديد، وتلتجئ إليه الأمم كلّها]- بقلم الواعظ هنري أ. أيرونسايد

الإشارة الثالثة

‏{أَمَا قَرَأْتُمْ قَطُّ: مِن أَفواه الأطفال والرُّضَّعِ هَيَّأْتَ تَسبيحا؟}+ متّى 21: 16 والإشارة إلى سِفر ‏المزامير 8: 2  ‏
وفي التفسير المسيحي: [كلّما مُجِّدَ يسوع اغتاظ أولئك الرؤساء العظام. فأجابهم يسوع من ‏المزمور الثامن. وأما أضداده على الأرض فيُسكتهم الله حتى بتسبيحات الصغار الذين كانوا ‏في تلك الساعة ينطقون بما يُناسب مجده. راجع-ي ما قال في شأن الأولاد الصغار (متّى 19: ‏‏14) ونرى هنا فرقًا عظيمًا بين أفكار الصغار وبين أفكار الكبار. فقد امتلأ الصغار تسبيحًا ‏بإلهام من الله. في حين امتلأ الكبار غيظًا وغضبًا (يوحنا 19:12) حتّى تآمروا على قتله ‏‏(مرقس 18:11) فيا للعار! انظر-ي قول المسيح: {أَحمَدُكَ أيُّها الآبُ رَبّ السَّمَاء والأرض، ‏لأنّكَ أَخفَيتَ هذه عن الحُكَماء والفُهماء وأعلَنتَها للأطفال}+ متّى 25:11]- بقلم الأخ بنيامين ‏بنكرتن.‏

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا