نقرأ في الكتاب المقدس، وخاصة في سفر التكوين، عن دعوة الله لإبرام أن يخرج من أرضه وعشيرته وبيت أبيه، لكي يريه الأرض التي سيعطيه إياها الرب، ووعده ببركات عظيمة.
أطاع إبرام الدعوة وخرج من أور الكلدانيين إلى حاران، وبعد موت أبيه تارح واصل مسيره نحو أرض الموعد. وما زال الله يدعو كل واحدٍ منّا أن نترك “أرضنا القديمة” لكي نمتلك الأرض الجديدة. لم يتردد إبرام في ترك حياته القديمة وعبادة الأوثان لكي يمتلك الجديد، ونحن أيضًا علينا أن نترك عاداتٍ وتقاليد قديمة لا تمجّد الرب في حياتنا: نمط الحياة القديم بكل غشٍّ وخداع، وحياة الزنى والدعارة والغدر، وحياة الكذب والسرقة، وأمور أخرى لا يقبلها الله. علينا أن نختار ونقرّر: هل نحيا الحياة القديمة أم الجديدة؟ هل نعبد الله أم المال؟ هل نعيش لذواتنا وشهواتنا أم لله ولمجده؟
بعدما خرج إبرام من حاران كان عمره خمسًا وسبعين سنة، وهذا يبيّن لنا أن الوقت حاضر دائمًا، وأنه لا يكون متأخرًا أبدًا؛ بل اليوم هو وقت مقبول ووقت خلاص لمن يسمع الدعوة ويطيع. وبعد خروج إبرام من حاران أمره الله أن يسير أمامه وأن يكون كاملًا، لكي يتبارك هو ونسله ويدخل أرض الموعد، ولكي تتبارك به جميع أمم الأرض، بأن يأتي المسيح من نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب ويهوذا، ومن نسل بوعز وعوبيد ويسّى والملك داود وسليمان، ومن نسل راحاب وراعوث الموآبية وثامار، ومن نسل يوسف ومريم، يسوع المسيح ابن الله، الذي باسمه تنال الأمم والشعوب الخلاص والحياة الأبدية.
أطاع إبرام وسار مع الله، الذي أعلن عن نفسه أنه الإله القدير، وهو وحده القدير الذي غيّر حياة أبرام (أب عالٍ) إلى إبراهيم (أب لجمهور من الأمم). ونحن أيضًا علينا أن نرفع اسم الآب القدوس عاليًا في حياتنا، لكي نكون سبب بركة لكثيرين في عائلاتنا وكنائسنا ومدارسنا وأماكن عملنا، فنكون سبب بركة وخلاص لكثيرين لمعرفة المخلّص والرب يسوع المسيح. وكما أوصى الكتاب الشعب القديم أن يكونوا قديسين كما أن الرب قدوس، وكما علّمنا يسوع أن نكون كاملين كما أن الآب كامل، ليس بمعنى أننا صرنا كاملين، بل أننا نسير في الطريق نحو الهدف: نحو القداسة والتكريس للرب وملكوته.
بارك الله إبراهيم ببركات روحية ومادية كبيرة، لكن إبراهيم لم يركّز أنظاره على الأمور الأرضية والدنيوية الزائلة، بل كان يتنقّل من مكانٍ لآخر وهو يبني الخيام، لأن قلبه لم يتعلق بهذا العالم الفاني. كذلك قام إبراهيم ببناء المذابح لأنه كان رجل عبادة وصلاة، وأدرك أن كل البركات في حياته هي من إحسانات الله له ولنسله، لذلك لم يتردد في الخروج من أور الكلدانيين، بل ثبّت قلبه وأنظاره نحو أورشليم السماوية التي صانعها وبارئها الله. وكذلك كان على استعداد أن يقدّم ابنه إسحاق على المذبح لله. لذلك نقرأ عن إبراهيم أنه كان رجل الإيمان وخليل الله.
أمر الله إبراهيم بالختان علامة للعهد بينهما. ومع أن الختان كان في الجسد، فإن عهدنا الجديد مع مخلّصنا ربنا وإلهنا يسوع المسيح هو عهد الدم: دم ابن الله الذي سُفك على عود الصليب لغفران خطايانا وخلاصنا ونيل الحياة الأبدية معه في ملكوت السماوات. لم يعد الأمر ختان الجسد، بل ختان القلب والحياة الجديدة بعمل الروح القدس فينا.
كثيرًا ما نطلب من الرب البركة أو الشفاء أو التحرير، لكن الله ما زال يدعونا أن ندخل معه في عهد أبدي من خلال دم ابنه يسوع المسيح: أن نترك الحياة القديمة ونتبعه في حياة جديدة، حياة السلام والفرح والمحبة، حياة التكريس والتقديس، حياة ختان القلب ومعمودية الماء. لأننا لا ننتفع شيئًا لا بالختان ولا بالغرلة، بل الخليقة الجديدة وحدها هي التي تنفع.
أوصى الرسول بولس تيموثاوس بأهمية الأمانة في حياة المؤمن، ونحن اليوم مدعوون أن نكون أمناء مع الله، محذّرًا من إنكار الله لأن من ينكره ينكره أيضًا. ولكن إن كنّا غير أمناء، فهو يبقى أمينًا، لأنه لا يقدر أن ينكر ذاته.
فهل نستجيب لهذه الدعوة المباركة؟ أن نترك الحياة القديمة ونسير مع الله في جدة الحياة، لأن الله هو إله العهد والوعد. وكما خرج إبراهيم من أور الكلدانيين وثبّت قلبه وأنظاره إلى أورشليم السماوية، علينا نحن أيضًا أن نترك كل ما هو قديم ولا يمجّد الله، وأن نثبّت قلوبنا وأنظارنا وكياننا نحو أورشليم السماوية. لأنه عن قريب سوف يرجع سيدنا، ملك أورشليم، يسوع المسيح، لكي نكون معه إلى أبد الآبدين. آمين.
