عندما يزأر عدوك

من أصعب المواقف والمشاعر التي قد يصطدم بها المرء في حياته هي الإحساس بـ "الظُلم". وقد تتكون ردود فعل مختلفة من شخص لآخر تجاه الظالم؛ إذ ربما قد يُبدي استياء ورد فعل عنيف مما يقلب الموقف ضده، أو قد يصمت عندما يجد نفسه مُحاطًا بأصابع الاتهام فيدخل عقله في حالة غيبوبة ويشرد الفكر ويتصلّب الجسد أمام هذا الموقف الصعب، أو لربما قد يحاول من خلال كلماته المُبعثرة أو الرزينة تصحيح الموقف وضبطه
17 فبراير 2012 - 11:00 بتوقيت القدس

من أصعب المواقف والمشاعر التي قد يصطدم بها المرء في حياته هي الإحساس بـ "الظُلم". وقد تتكون ردود فعل مختلفة من شخص لآخر تجاه الظالم؛ إذ ربما قد يُبدي استياء ورد فعل عنيف مما يقلب الموقف ضده، أو قد يصمت عندما يجد نفسه مُحاطًا بأصابع الاتهام فيدخل عقله في حالة غيبوبة ويشرد الفكر ويتصلّب الجسد أمام هذا الموقف الصعب، أو لربما قد يحاول من خلال كلماته المُبعثرة أو الرزينة تصحيح الموقف وضبطه! في كل الأحوال هي ردود فعل قد تُعتبر تلقائية ولا إرادية إذ وُجدت الشخص على المحك ودون سابق إنذار، لذا لا يمكننا لوم رد فعله أمام تظلُّم واتهام وإدانة قاسية إلاّ في حال أخطأ!

من الغريب أن رد فعل الرب يسوع في هكذا موقف كان متميزًا جدًا وقد يكون غير مفهوم للكثيرين منا! فعندما وجد الرب يسوع نفسه في هذا الموقف كان رد فعله أن رفع صلاة قلبية من أجل ظالميه: "يَاأَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ". (لوقا 23: 34)

هل أصف هذا الموقف بالمُسالِم؟ طبعًا لا! فالإنسان المُسالم هو الذي يُحاول فضّ نزاع أو استياء من خلال إجابة أو رد فعل هادئ ورزين، خِشية منه أن يسوء الحال والعلاقة! بينما كان رد فعل الرب يسوع تجاه إساءة ظالميه أكثر من ذلك بكثير، كانت جبروت وقوّة ومحبة كبيرة وغامرة. أحبهم بشدة بينما كانوا يهمُّون بغرز المسامير في جسده ويشتمونه ويهزؤون منه...عجبًا! أتساءل بحق وأنا أتأمل في هذا الموقف... ألم يشعر بالغضب والاستياء لأنه مظلوم ويُدان بهذا الشكل الحقير والمؤلم؟ ألم يشعر بالحسرة؟ بغصّة في حلقه وقلبه...؟ ألم يشعر بحرارة التظلُّم تسري في جسده وأحشائه وأفكاره؟ ألم يتساءل لماذا؟ لماذا يفعلون بي هذا وأنا لم أفعل بهم سوء؟ لماذا ينتقمون مني بسخط وغضب؟ الكثير والكثير من المشاعر والهواجس التي قد تتخبط في داخلنا أمام جسد ضعيف مُتألم وأيادٍ ظالمة قاسية... ما عدا شعور المحبة! فمن أين أتت كل هذه المحبة العظيمة التي دفعته لكي يُصلي بحرقة واهتمام وصدق حقيقي كي لا يُدان ظالموه، بينما جسده ينزف ويرتعش ألمًا وبردًا وقسوةً؟!!

حقًا يعجز الفكر واللسان أمام هذه المحبة العظيمة وغير المشروطة. يسوع أحبهم برغم خطيئتهم العظيمة، وهو يحبك ويحبني تمامًا كما نحن، دون تجمُّل أو بهاء أو سلطان أو مال أو سُلطة. وبالرغم من أخطائنا وماضينا وحالنا. "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ" (يوحنا 3:16).

وكانت كلماته بالتحديد لتلاميذه ولكل من يؤمن به: "اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَنْ يُؤْمِنُ بِي فَالأَعْمَالُ الَّتِي أَنَا أَعْمَلُهَا يَعْمَلُهَا هُوَ أَيْضًا، وَيَعْمَلُ أَعْظَمَ مِنْهَا" (يوحنا 14: 12)

ويبقى التأمل هنا في بعض التساؤلات؛ أبإمكاني أن أرفع صلاة جبّارة وصادقة كالتي رفعها الرب يسوع عندما أجد نفسي أمام موقف صعب وظُلم قاهر؟ أحاجتي إلى التبرير والتوضيح للطرف الآخر عن حقيقة الموقف هي أمر ضروري ومهم أم لا؟ أيُعتبر صمتي استسلامًا وضعفًا واعترافًا أم قوة وحكمة ونُصرة؟ أعتقد بأننا لا نستطيع الجزم فيما لو كان هذا التفكير والفعل صحيح أم لا، لكن بالإمكان الإجماع في ضرورة استيعاب الموقف وإبداء رد فعل مسيحي يتسم بروح الوداعة والمحبة تجاهه... ومع التدريب والمجاهدة والرغبة الصادقة بإمكان المرء أن يصل إلى أسمى وأرقى الأوضاع والأحوال، "فكل من يُجاهد يضبط نفسه في كل شيء" (1 كورنثوس 9: 25)

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. نعنع 17 فبراير 2012 - 09:30 بتوقيت القدس
حلو كثير حلو كثير
منال انا ارى هذه هي القوه الحقيقيه في اتكالنا على الرب وليس على قوتنا في التغلب على الظلم .. الرب يباركك كنت احتاج الى هذه الكلمات:)
2. humam 17 فبراير 2012 - 13:52 بتوقيت القدس
باركك الله باركك الله
المسامحة في المفهوم المسيحي هي من منظلق القوة لا من منطلق الضعف الرب يباركك