الولادة الجديدة: الطريق إلى ملكوت الله

في لقاء نيقوديموس مع يسوع، انكشف سر عظيم من أسرار الإيمان المسيحي، وهو ضرورة الولادة الجديدة من الماء والروح للدخول إلى ملكوت الله. فالولادة الجديدة ليست طقسًا خارجيًا ولا انتماءً دينيًا شكليًا، بل هي عمل داخلي عميق يغيّر القلب والكيان بفاعلية كلمة الله وبقوة الروح القدس
18 أغسطس - 10:16 بتوقيت القدس
الولادة الجديدة: الطريق إلى ملكوت الله

نقرأ في إنجيل يوحنا الإصحاح الثالث عن اللقاء المبارك بين نيقوديموس رئيس لليهود ويسوع، عندما جاء نيقوديموس ليلًا معترفًا ليسوع بأنه جاء من عند الله بسبب الأعمال التي يعملها.

جاء نيقوديموس ليلًا، ربما بسبب الخوف والقلق من رؤساء اليهود والفريسيين، لان نيقوديموس كان رئيسًا لليهود وكان عضوًا في السنهدرين.
لكن نيقوديموس تغلب على كل الظروف والمخاوف وجاء ليسوع، ومعنى اسم نيقوديموس "المُنتصر على الشعب"، وبالفعل انتصر نيقوديموس على الرأي العام والفكر السائد الذي كان مضاد ليسوع وجاء للقائه والحوار معه.

نحن أيضًا بحاجة لكي "ننتصر على الشعب"، ان ننتصر على أفكار الخوف السائدة في المجتمعات والدول، بل أفكار وتعاليم يجب علينا ان نرفضها بشكل قاطع لأنها مناقضة لتعاليم المسيح والإنجيل.

لم يكن رد يسوع مباشرًا لسؤال نيقوديموس، بل حول الرب يسوع الحديث عن أعماله وأنه جاء من عند الله، الى موضوع فائق الأهمية، بل ركيزة وأساس في الإيمان المسيحي، وهو الولادة من فوق أو الولادة الجديدة.
أعلن يسوع بشكل قاطع وواضح أنه بدون الولادة من فوق بالماء والروح، لا يمكن لنا ان نرى أو ندخل ملكوت الله، ويا له من إعلان صارم وواضح، ويجب علينا ان لا نستهين بعد بموضوع التجديد الداخلي للقلب والكيان، وان لا نستهتر بموضوع "المُتجددين"، كأن التجدد أصبح عند البعض دين أو عقيدة أو حتى طائفة!!!

أعلن يسوع انه فقط من خلال الماء والروح نحن نولد من فوق، وفي تعاليمه تكلم الرب يسوع عن الماء الحي الذي هو رمز لكلمة الله والروح القدس الذي يسكن في المُؤمن.
نقرأ في رسالة يوحنا الأولى الإصحاح الخامس أنه كل من يُؤمن أن يسوع هو المسيح فقد وُلِد من الله.
لم يتحدث يوحنا انه بالأعمال الحسنة أو الانتماء الديني أو الطائفي، بل فقط بالإيمان بيسوع المسيح.
عندما يقول يوحنا "كل من يُؤمن"، بمعنى ان النعمة والأيمان مقدم للجميع، لأن الإيمان بالخبر، والخبر بكلمة الله، ولأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل أبنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية.

أعلن الرسول بطرس في رسالته الأولى الإصحاح الأول عن أهمية وقوة كلمة الله العاملة في قلوب المؤمنين، لأننا نحن مولودون ثانية، لا من زرع يفنى، بل مما لا يفنى، بكلمة الله الحية الباقية الى الأبد.
وكما تنمو البذرة في قلب الأرض عندما نسقيها كل يوم بالماء، هكذا تنمو "بذرة" كلمة الله في قلوبنا كل يوم لتخلق فينا الطبيعة الإلهية، ونختبر أعظم اختبار وهو الولادة الجديدة أو الولادة من فوق، بكلمة الله الإنجيل العامل فينا بقوة وسلطان وعمل الروح القدس فينا.

لكن الإيمان المسيحي هو ليس حبر على ورق، أو فقط تعاليم ونظريات، بل هو إيمان عامل بالمحبة، وهو إيمان لاختبار شخصي مع الله وتغيير جذري لحياة المؤمن كما تغير ابرام الى إبراهيم، وساراي الى سارة، ويعقوب الى إسرائيل، وسمعان الى بطرس وشاول الطرسوسي الى بولس، لان الإيمان المسيحي الحقيقي هو إيمان مبني على كلمة الله ويغير الداخل والكيان بشكل مطلق، كما قال يوحنا المعمدان، انه ينبغي ان أنقص انا، وهو المسيح يزيد...

أختبر الرسول بولس عمل المسيح الذي يغير الحياة بالكامل في لقائه معه في الطريق الى دمشق، وبعد هذا اللقاء تكرس بولس لمحبة المسيح وخدمة وملكوته، وأعلن لنا اعلان مبارك جدًا انه:
" أِن كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة، الأشياء العتيقة قد مضت، هوذا الكل قد صار جديدا ولكن الكل من الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح ". (رسالة بولس الثانية الى كورنثوس 17:5).
كل مؤمن حقيقي أختبر قوة فاعلية كلمة الله في حياته، بإرشاد وعمل الروح القدس، لا بُد ان يختبر الولادة الجديدة، ولا بُد ان يُبغض ويترك بمعونة ونعمة الله الأمور العتيقة، مثل الزنى والقتل والسرقة والغش والخداع والتكبر والانشقاق والبغضة، وأن يمتلئ من الروح القدس وثمر الروح الذي هو:
" محبة فرح سلام، طول اناة لطف صلاح، ايمان وداعة وتعفف". (رسالة بولس الى اهل غلاطية 22:5).
هل اختبرنا في حياتنا الولادة الجديدة التي هي من فوق؟
هل اختبرنا التغيير الجذري والداخلي من أعماق القلب بقوة وعمل كلمة الله بالروح القدس؟
لأنه بدون الولادة الجديدة لا يمكن لنا ان نرى أو ندخل ملكوت الله!
لأنه ان لم يسكن ملكوت الله فينا اليوم، فغدًا لن نسكن نحن ملكوت الله في السماء!
لأن الملكوت هو شخص ربنا يسوع المسيح، وإعلان سلطانه ومجده لنا، لأن يسوع المسيح هو الماء الحي وهو كلمة الله، ولان روح المسيح هو العامل فينا ومن خلالنا، ولأن يسوع المسيح هو الوحيد الطريق والحق والحياة، وفقط به نأتي الى والآب ونكون بشركة مقدسة معه الى أبد الآبدين، آمين.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا