العالم أصبح قرية صغيرة. فمشتقات الانترنت مثل الفيسبوك والسكايب والتويتر واللينكد جعلت التواصل سهل وفي متناول الإصبع وفأرة الكمبيوتر. ولا يقتصر التواصل الأسهل على التواصل الالكتروني بل أيضاً التواصل الحقيقي وجهاً لوجه بين الناس من مختلف الأجناس إذ أن التنقل الجوي أصبح رخيصاً ومتوفراً للجميع أيضا. التواصل يقود لتعامل او تجاهل.
بوجودنا في بقعة الأرض التي وطأت رجلا الرب عليها - تتاح لنا الفرصة للتواصل مع الطوائف الموجودة في بلادنا كما مع الضيوف السياح من أنحاء العالم المختلفة الذين يفدون لبلادنا للسير في خطى الرب. هل نتجاهل الشعوب الأخرى أم نتعامل معها وكيف؟
كعرب مسيحيين في البلاد نميل أحياناً كثيرة للاستعلاء على الشعوب التي نعيش بينها او نختلط بها. يطغى علينا انتماؤنا الديني العالمي وليس الروحي فنعتقد أننا أحسن من غيرنا. هذا المنطق يسير كالآتي: ان كانت دول العالم الأول مثل أمريكا او أوروبا "مسيحية" ونحن مسيحيين أيضا- فعندها نحن راقيين ... نعتقد انه بسبب مستوى تعليمنا العالي ورفاهيتنا وترفنا النسبيين أننا ارقي شأناً من غيرنا. نزور دول مجاورة فنتأفف من "كسلهم" ونعاملهم كأننا أمراء في بلاد العبيد. أحيانا كثيرة نردد المقولة: "هذا متخلف"، "هؤلاء متأخرين"، "هذا قروي" (أو بالأحرى "أروي" باللكنة المدنية "المتحضرة") وغيرها.
لا يليق هذا برسالتنا كحاملين اسم الرب. فالرب اشتهر بوضعه أسس للمساواة بين البشر كما لم يفعل احد- لا من قبله ولا بعده. تعامل يسوع مع جميع أفراد المجتمع مهما انحط قدرهم في أعين الناس. تعامل مع السامرية الزانية واليهودي المسكون بالشياطين في جنيسارت ومع زكا العشّار المكروه ومع نيقوديموس اليهودي ألناموسي. كما رفع يسوع قدر المرأة ووضع كل الأمم على قدم المساواة: "ليس يهودي ولا يوناني ، لا ذكر ولا انثى ، لا عبد ولا حر...." (غلاطية 3 : 28 ).
كانت ترنيمتي المفضلة في طفولتي "حُمرٌ، سُمرٌ، سودٌ ، بيض-كلهم يحبهم". لربما كان السبب لذلك هو كوني طفل عربي فلسطيني عشت في انجلترا بين الأولاد الانجليز البيض .وكان بعض الطلاب ينادونني "باكي" (مختصر باكستاني) لاني أسمر البشرة واسود الشعر بخلاف بياضهم الساطع أو ذلك الممتزج بالاحمرار والشعر الأشقر. كانت هذه الترنيمة الجواب الشافي لهذا "الاضطهاد". تشجعت منها لأنها أكدت أن الكل سواسية ويسوع أحب الجميع دون تفرقة.
أبدع الرب في خليقته للإنسان فأوجد الأجناس المختلفة من أعراق البشر، وهكذا يعلّمنا هذا الانفتاح والتواصل قبول خليقة الله ونبذ العنصرية والفئوية والتعصب والانغلاق.
أكثر ما أحب في كاتدرائية البشارة للآتين في الناصرة الصور التي أرسلتها الكنائس الكاثوليكية من الشعوب المختلفة لتُعلق في أرجاء الكنيسة الواسعة. أبدع الفنانون برسومات من حياة الرب والرسل. فهنا العائلة النصراوية المقدسة وأفرادها وقد رسموها كذوي البشرة السوداء. في صورة اخرى رسموا يسوع والتلاميذ كالصينيين. كل شعب رأي يسوع على شاكلته. يعكس ذلك جانباً جميلاً من التجسد.
ضرورة معاملة كل الشعوب بالمساواة والقبول هي وصية هامة ومترتبة على رسالتنا وتمثلنا بربنا، ولكن هناك أيضا فوائد برغماتية لنا كعرب عامة وكمسيحيين في كنيسة الرب خاصة . الفوائد تنعكس في تعلمنا الكثير من الشعوب الاخرى وخاصة من كنيسة الرب فيها. نتعلم من الأمريكان حماسهم وكرمهم، من اليهود استغلالهم للفرص ، من المصريين روح الدعابة ، من الكوريين واليابانيين نشاطهم، من الأفارقة حبهم للعبادة، من الأوروبيين عمقهم وتاريخهم ومن كثير من الآسيوين تضحيتهم للرب تحت وطأة الاضطهاد.
ان كنيسة الرب جامعة واجتهاداتها متنوعة مما يزيدها جمالا . في ذلك اليوم المهيب سنقف أمام عرش الرب وبأيدينا سعف النخيل مع الجمع الكثير الذي لم يستطع احد ان يعده من كل الامم والقبائل والشعوب والالسنة (رؤية 7: 9). ألا يتوجب علينا أن نتعامل معهم بمحبة واحترام منذ الآن تحضيراً لذلك للقاء العظيم؟