أصبحت البرامج التلفزيونية هي المؤثر الأول على الثقافة الشعبية العامة بين الأمم عامة والمتأخرة خاصة. وهكذا تؤثر المحطات الفضائية المختلفة روتانا ، MBC (على قنواتها) ، الجزيرة ، LBC، المنار والعربية وغيرها على مفاهيم الناس ومعتقداتهم العامة ومن هنا أهميتها. أؤمن انه علينا كمسيحيين مؤمنين ان لا نعتكف بعيداً عمّا يهتم به الناس حولنا إذا أردنا التأثير والوصول لشعبنا.
كسب المسلسل السوري "باب الحارة" شعبية كبيرة في العالم العربي بأسرة وهكذا تم استحداثه لمدة خمسة أعوام خلال شهر رمضان . وتابع الملايين من الخليج إلى شمال أفريقيا المسلسل الجذاب من أيام الاحدعشري والزعيم أبو صالح مروراً بالعقيد ابو شهاب والحلاق /الحكيم ابو عصام وحتى الشهم ابو حاتم وغريمه العميل الملازم نمر الذي غش أهل حارة الضبع بشخصية زائفة هي شخصية مأمون بيك.
وقد بث المسلسل مفاهيم ايجابية وسلبية في آن واحد فمجد الشهامة ، النخوة ، التعاضد الاجتماعي والوطنية من جهة كما مفاهيم رجعية عن المرأة والأخذ بالثأر من الجهة الأخرى.
وقد برزت الممثلة القديرة منى واصف في دور الأرملة المسيحية ذات الشجاعة الأسطورية أم جوزيف في المسلسل العام الماضي وتتابع هذا العام أيضا.
ويستحق دور ام جوزيف وقفة لتأثيره على المفاهيم الشعبية لملايين المشاهدين، إذ لم يستثن بسام الملا دور المسيحيين في الصراع القائم بين أهل الحارة البواسل والدرك الفرنسي وأعوانه العملاء وأوكل دوراً رئيسياً لشخصية أم جوزيف.
وبحسب المسلسل، فانّ لام جوزيف ابنة متزوجة وتعيش في منطقة أخرى من سوريا وابنان ، احدهم توفي في المهجر والآخر يعيش هناك بعيداً عنها. يعتصر الألم قلب أم جوزيف التي رغم خشونتها وشجاعتها تعاني بحسرة من هذا الفراق. وقد أصاب المسلسل حقيقة مرة يعاني منها المسيحيون وهي الهجرة للغرب.
كما أن التأكيد على محبة أهل حارة الضبع المسلمين لهذه المرأة المسيحية ومحبتها وتقديرها هي لهم تعكس رؤية مثالية فيها رسالة رائعة خاصة في زمن التزمت والتشرذم وزمن يعاني فيه المسيحيون الأمرين من بطش واضطهاد في بعض الدول العربية.
وقد تم تصميم شخصية أم جوزيف كامرأة تتكلم ما في قلبها ولا تهاب أحدا وتقابل الرجال بوجه سافر ولا تحتاج لأن يحميها رجل ما. وهكذا كانت لحد معين نسخة معاكسة لباقي نساء المسلسل. كما أنها تستخدم في المسلسل المصطلحات المحكية المميزة للنساء المسيحيات دون خجل مثل "الرب يحميك" ، "العذراء تباركك" وغيرها. بغض النظر عن موافقتنا على هذا القول أو ذاك غير أن مجاهرتها وعدم إخفاءها لإيمانها وانتماءها هو مثال طيب.
وقد بالغ كاتب النص فجعل ام جوزيف بطلة ومناضلة مسلحة من العيار الثقيل فكانت تخرج من بيتها ليلاً وتتصيد ببندقيتها الجنود الفرنسيين المرابطين في حارات الشام وترديهم قتلى كالذباب.
إن "لاهوت تحرر" هذا المرأة غريب ليس عن إيماننا المسيحي فحسب بل أيضا عن تاريخ المسيحيين العرب في الشرق. فهم كانوا دائماً وطنيين باستقامتهم وعلمهم ومساهمتهم الجبارة في الثقافة والأدب والعلم لكنهم نادراً ما اعتمدوا العنف في النضال ضد المحتًل.
كعرب مسيحيين انجيليين وبغض النظر عن وجهة نظرنا لمجمل دور ام جوزيف، غير ان دور هذه المرأة المسيحية الأبية في مسلسل باب الحارة هو خطوة تثقيفية للمشاهدين العرب حول التعددية والدور الهام للمسيحيين منهم.