نشكر كل من الدكتور حنا كتناشو على طرحه لموضوع "من هو المسيحي: من الطائفة إلى الكنيسة" والأخ خادم الرب القاضي جميل ناصر عن مقالته : "تعريف المسيحية"، حيث يقدم كل منهما وجهة نظره عن موضوع هام لا يشيخ ولا يعتق!
لقد بذل الأخ جميل ناصر جهدًا لا باس به ليظهر لنا الفرق بين تعريف المسيحية والثمار الناتجة عنها، والسبيل إليها. ولكن عندما أراد الإجابة عن سؤال ماهية المسيحية نراه يستخدم نفس الوسيلة التي رفضها قبل أسطر قليلة. فإن تعريف المسيحية كحياة المسيح في الفرد لا يمكن أن يكون تعريفًا للمسيحية "بكل بساطة"، لأن هذا الموضوع لا يمكن حسمه بهذه البساطة. لقد صرح الكتاب وأوضح عما هو ليس "مسيحية" فيقول :"إن المسيحية ليست طائفة ولا عقيدة ولا ممارسات وفرائض!".
وإن كانت المسيحية ليست طائفة ولا عقيدة ولا ممارسات ولا فرائض ولكن لا وجود للمسيحية دون كل ما سبق!
فمشكلة المسيحية الحقيقية ليست الطائفة بل الطائفية! فإن روح الطائفية التي ترفض الآخر وتقزّم المختلف وتكفر وتهرطق الذي ليس "منا"، هي المشكلة الحقيقية! تضم المسيحية اليوم المئات من الطوائف المختلفة والمتعددة وهذا أمر واقع يجب التعايش معه والتحدي الحقيقي للمؤمنين هو كيفية القبول والتعامل مع الآخر على مستوى الطوائف بنفس البلد وحتى الأديان الأخرى. إن التقوقع الانغلاق (وعادة يطلق عليه باسم "الانفصال عن الشر") ومقاطعة كل من لا ينضوي تحت "مظلتنا" يضر باسم المسيح ولا يأتي له بالمجد وهكذا نساهم في إغلاق أبواب الملكوت أمام الذين يتشوقون لهذا.
تتألف المسيحية من العديد من العقائد الأساسية والتي إن رفضها أحد لا يمكن اعتباره "مسيحياً"، وبغض النظر عما إذا إدّعى بسكنى المسيح فيه أم لا! فكل العقائد المختصة بشخص المسيح ولاهوته وعمله على الصليب وقيامته وكفايته للخلاص هي أمور لا يمكن التنازل عنها ومن يرفضها لا يمكن أن يكون مسيحياً – ولا ننسى أن كل هذه العقائد مشتقة من الكتاب المقدس وليست من أفكار بشرية!
كذلك الأمر بالنسبة للممارسات والتي لا يمكن التغاضي عن أهميتها عند الحديث عن المسيحية الحقيقية! تفتقر اليوم الكنيسة عامة في البلاد والإنجيلية خاصة إلى تطبيق دعوة المسيح في التوجه للبعيدين عن الله ومشاركتهم ليس فقط بالإنجيل بل بأوجاعهم وآلامهم وأحزانهم وأفراحهم واحتياجاتهم! لا مفر من انخراط الكنيسة في المجتمع الذي تحيا فيه لأن هذا هو مجال خدمتها المحلية (على الأقل!!). إن ممارسة حياة الإيمان لا تحتاج إلى عشرات من سنين الإيمان والتحضير المضني بل إلى رغبة حقيقية بخدمة من مات لأجلنا ومحبة لعالم هالك لا رجاء له دون المسيح.
أما الفرائض المسيحية فهي قليلة وليس هدفها تمييز المؤمنين عن أهل العالم بل فعل طاعة وثبات للمؤمن بمن أحبه ومات من أجله. فمشكلة الكنيسة اليوم ليست مع الفرائض الكتابية بل تلك التي يحاول البشر فرضها على المؤمنين للمحافظة على "نقاوة" الجماعة! أو بالأحرى السيطرة بالكامل على كل شيء داخل الكنيسة. وغني عن القول هنا أنه لا يوجد هناك أي جماعة أو كنيسة تعبد الله بدون طقوس معينة وثابتة، لذلك فلنتوقف عن مهاجمة الطقوس وكأنها هي الشر بذاته! إن الإنسان وقلبه الشرير هو المشكلة الحقيقية والذي لا علاج له إلا عند أقدام الصليب!
ليس الهدف في هذه العجالة تقديم تعريف للمسيحية يمكن الافتخار به، بل هي محاولة لإظهار الحق فيما يخص أمرًا جوهريًا يطال إيماننا وممارساتنا ويؤثر على حياتنا وخدمتنا وكنيستنا ونظرتنا نحو الآخر وكيفية التعامل معه !
بقلم : أ. ج.