قطع راس يوحنا المعمدان

رقصت هيروديا في الوسط لكي يراها الجميع وأفاضت لذّة حسّية نابعة من كُفر. وطلبت راس المعمدان لان بذلك ضرب للشريعة {الراس يمثّل الشريعة} وبذلك كشفت فحشاء إسرائيل وخيانته سُنن الوصايا
31 يناير - 11:19 بتوقيت القدس
قطع راس يوحنا المعمدان

عيد من الدرجة الثالثة نحتفل به في 11 أيلول شرقي الموافق {29 آب غربي}.

نقرأ نص متى البشير، 12 _1 :14.

الانجيل

الآية 1 :"  فِي ذلِكَ الْوَقْتِ سَمِعَ هِيرُودُسُ رَئِيسُ الرُّبْعِ خَبَرَ يَسُوعَ".

في ذلك الزمان، أي يتغافل ولم يرد ان يسمع قبلا.

" هيرودس"، هيرودس الملك شخص، وابنه رئيس الربع شخص آخر. هيرودس هو انتيباس ابن هيرودس الكبير من امراته ملتاسي، حكم بعد موت ابيه في الجليل والسامرة وبيريا أي عبر الأردن.

امراته الأولى بنت الحارث ملك دمشق المذكور في 2 كو 32 :11، بعد ذلك رأى هيروديا امرأة أخيه فيلبس وهي بنت أخيه ارستوبولوس ابن هيرودس الكبير، فاغراها بترك زوجها وتزوّجها ولأجلها طلّق امرأته بنت الحارث. وبّخه يوحنا المعمدان على ذلك السلوك " الزنا"، وهو محرّم حسب الشريعة اليهودية، فهي ابنة وامرأة اخ حيّ، لو 19 :3.

" رئيس الربع _ ططراخا "

بعد موت هيرودس قسّم الرومان مملكته الى أربعة اقسام، فأخذ ابنه هيرودس رُبعها، وهو الذي قطع راس يوحنا المعمدان " السابق"، ولهذا السبب استحقّ عقابه وناله بعد وقت قصير {خُلع هيرودس انتيباس على يد الامبراطور كاليغولا وارسِل الى منفاه في فرنسا}.

" خبر يسوع "

صِيت المسيح بتعليمه ومعجزاته كان ذائعا، وانتشر حين ارسل تلاميذه ينادون به ويصنعون الآيات باسمه، فبلغ خبره لهيرودس ورغب في ان يراه، لو 9 :9 .

الآية 2:" فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ: «هذَا هُوَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ! وَلِذلِكَ تُعْمَلُ بِهِ الْقُوَّاتُ».".

" فَقَالَ لِغِلْمَانِهِ " المقولة المُعلنة، ان روح إيليا وقوّته قد استقرّتا في يوحنا، لذا قيل:” وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَقْبَلُوا، فَهذَا هُوَ إِيلِيَّا الْمُزْمِعُ أَنْ يَأْتِيَ." مت 14 :11، الروح في إيليا قد انتقلت بقوّة لتدخل في يوحنا. لهذا رأى هيرودس ان معمودية يوحنا وتعاليمه كلن لها فعل عجائبي في يسوع مع ان يوحنا لم يفعل اية معجزة.

" يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانُ قَدْ قَامَ مِنَ الأَمْوَاتِ"

خوف هيرودس من يوحنا وصل حتى بعد موته ومن خوفه تكلّم عن قيامته قائلا ذلك لعبيده فقط ظنا منه ان يسوع هو يوحنا، وذكر لوقا ان هيرودس:" فَقَالَ هِيرُودُسُ: «يُوحَنَّا أَنَا قَطَعْتُ رَأْسَهُ. فَمَنْ هُوَ هذَا الَّذِي أَسْمَعُ عَنْهُ مِثْلَ هذَا؟» وَكَانَ يَطْلُبُ أَنْ يَرَاهُ." لو 9 :9.

آمن اليهود كلهم بقيامة الأموات سوى:" الصدوقيون" وهيرودس مثلهم، مر 15 :8:" وَأَوْصَاهُمْ قَائِلًا: «انْظُرُوا! وَتَحَرَّزُوا مِنْ خَمِيرِ الْفَرِّيسِيِّينَ وَخَمِيرِ هِيرُودُسَ»". اي قوله ان يوحنا قام من الأموات منافضا لاعتقاده.

" وَلِذلِكَ تُعْمَلُ بِهِ الْقُوَّاتُ "

يوحنا لم يفعل شيئا من القوات، يو 1 :4:" فَلَمَّا عَلِمَ الرَّبُّ أَنَّ الْفَرِّيسِيِّينَ سَمِعُوا أَنَّ يَسُوعَ يُصَيِّرُ وَيُعَمِّدُ تَلاَمِيذَ أَكْثَرَ مِنْ يُوحَنَّا “وهيرودس قال ذلك خلاف اعتقاده.

الآيات 5 _3:" فَإِنَّ هِيرُودُسَ كَانَ قَدْ أَمْسَكَ يُوحَنَّا وَأَوْثَقَهُ وَطَرَحَهُ فِي سِجْنٍ مِنْ أَجْلِ هِيرُودِيَّا امْرَأَةِ فِيلُبُّسَ أَخِيهِ، لأَنَّ يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لَهُ: «لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ». وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ خَافَ مِنَ الشَّعْبِ، لأَنَّهُ كَانَ عِنْدَهُمْ مِثْلَ نَبِيٍّ.".

" فَإِنَّ "، أي الكلام الاتي تعليل وايضاح لقول هيرودس" قد قام من الأموات" .

" هِيرُودُسَ كَانَ قَدْ أَمْسَكَ يُوحَنَّا “، أي امسكه العسكر بأمر هيرودس، وليس هيرودس شخصيا امسكه.

" وَأَوْثَقَهُ وَطَرَحَهُ " اما بالقيود او بسجنه، وذلك نحو سنة ونصف سنة، وهو نصف الزمن من بدء تبشيره الى وفاته.

" في سجن" قال المؤرخ يوسيفوس ان السجن في قلعة ماخيروس شرقي بحر لوط.

" هِيرُودِيَّا "   أي بنت اريستوبولوس الذي قتله ابوه هيرودس الكبير وزوجها الأول فيلبس عمّها وهو ليس فيلبس رئيس الربع المذكور في لوقا 1 :3 :"  وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُوسَ قَيْصَرَ، إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ وَالِيًا عَلَى الْيَهُودِيَّةِ، وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ، وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ تَرَاخُونِيتِسَ، وَلِيسَانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الأَبِلِيَّةِ،" لأنّه لم يكن ذا منصب، تركته وتزوّجت اخاه هيرودس انتيباس عمّها وسلفها وهو طلّق امرأته بنت الحارث لأجلها ، بذلك اشتبك في حرب حمْية ابيها ولم ينجُ من تلك الحرب الا بواسطة الرومانيين. فنسب اليهود مصائبه الى قتله يوحنا المعمدان ظلما، كما ذكر ذلك المؤرخ اليهودي يوسيفوس.

" لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ "

حسب الشريعة اليهودية هذه العبارة. فضّل يوحنا مرارا نموذج الشريعة لأنها انبأت  عن المسيح وجاء يوحنا من الشريعة، اما هيرودس رئيس الشعب هو وعليه ان يتقبّل مصالح مواطنيه، لذلك نصح يوحنا هيرودس بان لا يتزوّج امرأة أخيه لان الشريعة حذّرت إسرائيل من ان يحذو حذو الأمم ويتلوّث بفكرهم، وبسبب توبيخ يوحنا الصارم لهيرودس سُجن وسُجنت الشريعة معه.

" وَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَقْتُلَهُ خَافَ مِنَ الشَّعْبِ "، خاف من الجميع، لم يقتل يوحنا ليس خوفا من قداسة يوحنا، بل من الشعب لأنه بمثابة نبي عند اليهود، وهيرودس لا يخاف الله بل من الشعب، فخوف الله وحده يمكنه اصلاح العقول ومنع الأعمال الاجرامية.

الآيات 10 _6 :" ثُمَّ لَمَّا صَارَ مَوْلِدُ هِيرُودُسَ، رَقَصَتِ ابْنَةُ هِيرُودِيَّا فِي الْوَسْطِ فَسَرَّتْ هِيرُودُسَ. مِنْ ثَمَّ وَعَدَ بِقَسَمٍ أَنَّهُ مَهْمَا طَلَبَتْ يُعْطِيهَا. فَهِيَ إِذْ كَانَتْ قَدْ تَلَقَّنَتْ مِنْ أُمِّهَا قَالَتْ: «أَعْطِني ههُنَا عَلَى طَبَق رَأْسَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ». فَاغْتَمَّ الْمَلِكُ. وَلكِنْ مِنْ أَجْلِ الأَقْسَامِ وَالْمُتَّكِئِينَ مَعَهُ أَمَرَ أَنْ يُعْطَى. فَأَرْسَلَ وَقَطَعَ رَأْسَ يُوحَنَّا فِي السِّجْنِ.".

" مولد هيرودس"، يجب ان ننتبه أولا من الناحية اللغوية، واستخدام" مولد" وليس " ميلاد". المولِد" مصدر وموضع الولادة" و" الميلاد" وقت الولادة"{بطرس البستاني محيط المحيط مكتبة لبنان 1944 }.

رقصت هيروديا في الوسط لكي يراها الجميع وأفاضت لذّة حسّية نابعة من كُفر. وطلبت راس المعمدان لان بذلك ضرب للشريعة {الراس يمثّل الشريعة} وبذلك كشفت فحشاء إسرائيل وخيانته سُنن الوصايا.

قطع الرأس، لأنه فضح امر هيروديا في البلاد اليهودية وهو حيّ ، وفي موته فضحها في كل المعمورة بواسطة تخليد ذكرها السيء في الكتب.

"فَهِيَ إِذْ كَانَتْ قَدْ تَلَقَّنَتْ مِنْ أُمِّهَا قَالَتْ "

أي تفهّمت واغريت وسرعة طلبها يدلّ على شدّة بغض هيروديا ليوحنا وقصدها الانتقام في اول فرصة، ولعلّها اغرت سالومي بذلك لهذه الغاية عينها.

" طلب راس المعمدان على طبق"

طلب راس المعمدان لأمرين: ان تتيقّن انه هو قُتل وليس غيره وأن تتشفّى من غيظها بمشاهدة وجه عدوّها قتيلا.

اتى بالراس على طبق، أي تحوّل البيت الى ميدان والمائدة الى مَرْبط في مُدرّج والمدعوون الى متفرجين ونضج الطعام وأصبح مذبحة والوليمة قتل دموي.

" فاغتم الملك" لم يكن اغتمام هيرودس شديدا ولم يشغل وقتا طويلا فهو كتأثّره السابق من وعظ يوحنا 20 :6 ومثل توقّف بيلاطس في الحكم على يسوع لذلك لم يمنع هيرودس اغتمامه عن ان يرتكب اثما آخر فوق لآثامه السابقة فخالف شريعة ضميره وشهادته أيضا.

" الملك" اللقب من باب العظمة والتعظيم.

" من اجل الأقسام"

الامر الذي حمله على إجابة سؤال سالومي: إلزام ضميره إياه ان يفي بوعده الذي أثبته بالحلف والثاني خوفه من ان يلومه المدعوون ويهزأوا به ان لم يفِ. ان كل وعد يأتيه الانسان بلا تأمل ونظر في عواقبه خطيئة، لأنه يعرضه لضرر نفسه وغيره في وفاته كما كان من امر يفتاح، قض 40 _3 :11 لذا يجب ان ننتبه لمّا نعِد بأمر ما ولا سيما ما نحلف عليه، جامعة 6 ،2 :5 .

" فأرسل وقطع راس المعمدان"

ارسل سيافا مر 27 :6 ، "فَلِلْوَقْتِ أَرْسَلَ الْمَلِكُ سَيَّافًا وَأَمَرَ أَنْ يُؤْتَى بِرَأْسِهِ." وحسب يوسيفوس ان السجن كان في قلعة ماخيروس {ذكرنا أعلاه} ونستنتج ان الاحتفال كان في تلك القلعة او بمكان قريب جدا استنادا لقول الصبية، مر 25 :6 :" فَدَخَلَتْ لِلْوَقْتِ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْمَلِكِ وَطَلَبَتْ قَائِلَةً: «أُرِيدُ أَنْ تُعْطِيَنِي حَالًا رَأْسَ يُوحَنَّا الْمَعْمَدَانِ عَلَى طَبَق».  " و " قطع راس يوحنا" كما اشبه يوحنا _ إيليا، هكذا اشبهت هيروديا بإيزابيل، والله يطالب الدم الذكي، اش 21 :26 لأنه هوذا الرب يخرج من مكانه ليعاقب اثم سكان الأرض.

الآيات 12 _11 :" فَأُحْضِرَ رَأْسُهُ عَلَى طَبَق وَدُفِعَ إِلَى الصَّبِيَّةِ، فَجَاءَتْ بِهِ إِلَى أُمِّهَا. فَتَقَدَّمَ تَلاَمِيذُهُ وَرَفَعُوا الْجَسَدَ وَدَفَنُوهُ. ثُمَّ أَتَوْا وَأَخْبَرُوا يَسُوعَ.".

احضره على صينية، هدية الافعوان للحيّة ذاك كان قتّالا للناس، يو 44 :8 :": أَنْتُمْ مِنْ أَبٍ هُوَ إِبْلِيسُ، وَشَهَوَاتِ أَبِيكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَعْمَلُوا. ذَاكَ كَانَ قَتَّالًا لِلنَّاسِ مِنَ الْبَدْءِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِي الْحَقِّ لأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌ. مَتَى تَكَلَّمَ بِالْكَذِبِ فَإِنَّمَا يَتَكَلَّمُ مِمَّا لَهُ، لأَنَّهُ كَذَّابٌ وَأَبُو الْكَذَّابِ.".

" الطبق" كأن الحديث عن وليمة.

" الصبيّة" هي سالومي تزوّجت عمّها فيلبس رئيس الربع وتزوّجت بعد موته ابن عمّها اريستوبولوس الثاني.

" وتلاميذه" أي تلاميذ يوحنا، مر 29 :6

تسليم راس المعمدان، يمثّل تسليم إسرائيل الشائن مجد الشريعة الى شهوة افراد هيرودس.

يروي لنا ابن الصليبي:" بعد ان اخذت هيروديا راس يوحنا الى أمها عادت الى الرقص. وكانت بركة ماء الى جانب المجلس فنزلت لترقص وعلى الحال غرقت فابتلعها حوت كبير. ولما لم يقدروا ان ينجّوها قطعوا راسها بالسيف الذي قُطع به راس يوحنا المعمدان، وللوقت قذفها الحوت وابتلعتها الأرض، وما زال راس المعمدان امام أمها تسخر به. فوضعوا امامها راس ابنتها فرجّت عينها لكثرة بكائها وسقطت على راس يوحنا. فلما سمع بيلاطس ما قد جرى ليوحنا أرسل وقتل كل المتكئين الذين كانوا في المجلس، من ذلك الوقت وقعت عداوة بينهما ولم يتصالحا الا في أيام آلام المسيح. وهيرودس هذا كان رئيس الربع فانتقم الله منه".

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا