تكلم الرسول بولس كثيرًا عن الصليب في رسائله، ووضع الصليب كأساس للإيمان بالله اذ قال مرة أني لا اعزم ان اعرف شيء بينكم الا يسوع المسيح واياه مصلوبًا.
لماذا هذه الاهمية الكبرى للصليب؟
هل هو مجرد يوم نحتفل به بذكرى عيد الصليب؟
هل هو انتماء عائلي او حتى ديني؟
نقرأ في الكتاب المقدس عن الصليب حتى في العهد القديم، كوسيلة للتعذيب والقتل، بل ومكتوب في الناموس انه ملعون كل من عُلِّق على خشبة!!
فاين الفخر واين القوة التي تكلم عنهما بولس؟
عندما ندرس كلمة الله نرى ان الرب اعطى حرية للإنسان من دافع المحبة، لان المحبة الحقيقة لا تقمع الارادة، بل تُعطي حرية الاختيار والمُعتقد، ما بين الموت او الحياة، البركة او اللعنة، ان نتبع فكر الله او فكر العالم، المصير الابدي مع الله في الملكوت او في الجحيم.
في رسالة بولس الرسول الى اهل كورنثوس الاصحاح الاول، أعلن الرسول حقيقة قوية جدًا: " ان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة، اما عندنا نحن المُخلَّصين فهودي قوة الله ".
نرى من خلال هذه الآية المباركة ان مصير الانسان الابدي هو اما الهلاك او الخلاص الابدي، ولا يوجد مصير آخر.
الهلاك الابدي لكل من يرفض محبة وخطة الله للخلاص لكل من يُؤمن، لان الله ليس عنده محاباة، بل كل من يأتي اليه بتوبة حقيقية وايمان صادق بعمل الفداء الكفّاري الذي أكمله يسوع على عود الصليب، ينال غفران الخطايا، الخلاص والحياة الابدية.
لماذا إذًا يقول الرسول بولس ان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة؟
لان الانسان الذي يجهل محبة ودعوة الله له، ويرفض بإرادته وادراكه التام لعواقب هذا الاختيار، فمصيره الدينونة الرهيبة والهلاك في الجحيم، في بحيرة النار الى الابد.
صلاتي اخوتي ان نأخذ الامر بفائق الاهمية، لان الامر يتعلق بمصيرنا الابدي، ومن يرفض المسيح وعمل الصليب الكفاري فقد وضع نفسه تحت دينونة الله.
يتابع بولس بالإعلان بان الصليب هو قوة الله للخلاص لكل من يُؤمن.
اي قوة هذه في الصليب؟
الصليب الذي مات عليه يسوع، نرى فقط الهزيمة وانتهاء كل امل؟
لكن قوة الله سطعت بالصليب لان يسوع أخذ خطايانا في جسده، ووهب لنا جميعا الغفران، والتحرير من قوة الخطية، كذلك حررنا من قبضة ابليس وحتى الموت لن يسود على كل مؤمن، لان يسوع بعد موته قام وأصبحنا ابرار امام الله لان يسوع بموته وقيامته اتم عمل الفداء، والآب القدوس اقام يسوع لان رضي بهذا العمل المبارك.
أعلن بولس في رسائله انه غير مستحق لهذه النعمة المباركة، لأنه كان قاتلًا ومُفتريًا.
لكن عندما ظهر له يسوع في الطريق الى دمشق، تغيرت حياة شاول الطرسوسي وأصبح الرسول المبارك بولس، وهو من كتب في رسالة غلاطية 20:2: " مع المسيح صُلبت، فأحيا لا انا، بل المسيح يحيا فيَّ ".
يُعلن هنا بولس عن المعنى الحقيقي للصليب، انه كما مات عليه يسوع وقام في اليوم الثالث، هكذا كل مؤمن حقيقي يموت عن ذاته وشهواته وخطاياه في طبيعته القديمة، ويقوم بالمعنى الروحي الى حياة جديدة وشركة مقدسة مع الله الآب القدوس وابنه يسوع المسيح بمعونة الروح القدس.
وهنا نُدرك عُمق محبة الله لنا، الذي أرسل ابنه يسوع لكي يموت عنا جميعا، وهكذا ندرك عمق معنى ان نموت مع يسوع، ونحيا كل يوم معه متممين ارادته في حياتنا الى يوم رجوعه ومجيئه الثاني ليدين الاحياء والاموات.
اي فخر لنا اذًا واي فضل من كل ما اتمه المسيح على الصليب؟
أعلن بولس في رسالته الى اهل غلاطية الاصحاح السادس:
" اما من جهتي، فحاشا لي ان افتخر الى بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي وانا للعالم ".
بولس لم يفتخر بانتمائه الديني او العرقي، ولا بمعرفته للكتب المقدسة، بل افتخر فقط بالصليب، لأنه بالصليب أُهين وأُحتقر ومات مخلصه وربه والهه يسوع المسيح، واي فخر آخر غير الصليب، فقد قال عنه بولس بانه نفاية لا أكثر!
فما هو فخرنا نحن؟
انتماء ديني او عرقي او الغنى وامتلاك الامور المادية، او اي منصب مرموق في المجتمع ام مكان العمل؟
صلاتي ان نحسب كل شيء خسارة مثل بولس من اجل ان نربح المسيح، ونربح حياتنا الابدية على حساب النعمة بإيماننا بالرب يسوع، الذي احبنا وأسلم نفسه لأجلنا.
وعندما ندرك هذه المحبة الفائقة المعرفة، فلا بُد ان نموت عن العالم بالمعنى الروحي، والعالم يموت لنا من خلال الصليب، لان محبة العالم بمعنى محبة الشهوة والخطية والفكر الشرير، هي عداوة لله!
فماذا نختار أخوتي،
ان نبقى في الجهل الروحي ونهلك الى مصير أبدى رهيب في الجحيم، بإنكار يسوع المسيح وعمله الكفاري على الصليب، ام نقبل دعوة الله لنا جميعا، بان نتوب توبة حقيقية قلبية، وندرك محبة ونعمة الله المُخلصة لجميع الناس، ونكون مع الله في ملكوته الى ابد الآبدين؟
الله بدافع محبته اعطى حرية الاختيار لكل انسان ولد في هذا العالم، وهو يريد ان جميعنا نقبل يسوع المسيح الطريق والحق والحياة، الذي به وحده نأتي الى الآب، لكي نتحرر من الجهل الروحي، وندرك قوة الله للخلاص لكل من يؤمن، القوة التي تحررنا من عبودية الخطية والشيطان والعالم، لكي نكون مع الله في ملكوته الى الابد، آمين.