وصية الوصايا التي تركها لنا الرب يسوع المسيح قبل صعوده الى السماء هي المحبة، ليست تلك البشرية بل التي مصدرها قلب الله. فهو من اوصى احبوا بعضكم بعضًا كما احببتكم انا، لانه ليس حُب اعظم من هذا، بان يضع احد نفسه من اجل احبائه.
هل تُهَيمِن وتسود محبة الرب في قلوبنا تجاه الاخوة في الكنيسة؟ كل الاخوة بغض النظر ما هي الخلفية او العمر او الجنس والمركز الاجتماعي؟ هل احب اخوتي محبة غير مشروطة بما يُقدموا هم لي من احترام وتقدير وعرفان، او حتى اي عطية مادية او زيارة بيتية؟ هل فكرنا ان نبادر نحن اولًا بهذه الامور ولا ننتظر ان يبدأ الآخر بذلك، حتى لو لم نفهم بعضنا البعض دائمًا او حتى لو اختلفنا الرأي، هل عندنا المحبة والجُرأة والمبادرة بذلك؟
علينا ان نتأمل كل يوم بمدى علاقتنا مع الاخوة في الكنيسة، لان هذه كانت الوصية الاولى والاخيرة، أَحِب الله من كل قلبك، وأَحِب قريبك كنفسك، احب اخاك في الكنيسة كنفسك، تمنى له الخير والبركة والازدهار والتقدم الروحي وفي كل مجال، بل يجب علينا ان نكون سبب بركة احدنا الآخر، مقدمين احدنا الآخر بالكرامة، ولا اطلب واركز دائمًا على اهدافي واحلامي ورغباتي، ولا اهتم بتلك للآخرين، السنا نحن الجسد الواحد، لنا آب ورب واحد، وسقينا روح واحدة؟
اعلن يسوع للتلاميذ انه في آخر الايام سوف تبرد محبة كثيرين، هذا الانذار هو ليس "لاهل العالم"، بل لمن اختبر محبة الرب له، لكنه لم يثبت بل ولم ينموا بمحبة الرب، وسمح لمحبة العالم ان تدخل الى القلب بل وتمتلكه بالكامل، نسى واهمل وصية الرب بان نحب بعضنا بعضًا، كما احبنا هو حتى النهاية، حتى الموت على عود الصليب. ليس فقط اهمال المحبة، بل عدم وجودها فتح ابواب اخرى ليست من عند الرب، روح الانشقاق والانقسامات داخل الكنيسة الواحدة، او مع كنائس اخرى من نفس الطائفة او حتى من طوائف اخرى، ونقول الحق اهم، والتعليم اسمى، وسحقنا بحقنا وتعليمنا ذلك الاخ المسكين المحتاج الى ابتسامة بسيطة، زيارة بيتية، ربما رغيف خبز او حتى كأس ماء بارد ! نسينا ان نصلي احدنا للآخر ليل نهار او نرفع ايدي اخوتنا في الكنيسة، كما رفع حور وهارون يدي موسى عبد الرب.
ما الافضل، ان اصلي لاخي في الكنيسة واهتم باحتياجاته الروحية، النفسية والمادية، او ان اطعن به بمذمات لها اول وما لها آخر، انتقادات غير نافعة ليس للمتكلم ولا للسامع، واستغياب اخي المؤمن بكلام سيء ومُؤذي امام اخوة اخرين او حتى مع من هم من خارج الكنيسة، ما الافضل؟!
اذا كنا بالفعل نحب بعضنا بعضًا في الكنيسة الواحدة، او حتى مع كنائس اخرى، يجب علينا ان نخضع كما اوصى الرب على لسان بولس الرسول، بان نكون خاضعين بعضنا لبعض في خوف الله (افسس 21:5)، وهذا الخضوع احدنا للآخر اساسه خضوعنا لله، لكي نقاوم ابليس فيهرب منا (يعقوب 7:4)، لان كل من يحب الله، لا بُد ان يخضع لله وترتيبه، لانه يثق بمحبته، يثق بقدرته وحكمته، واذا كنا خاضعين بالفعل من كل قلوبنا لله، فلا بُد ان نخضع احدنا للآخر، ان كان بالفعل الروح الواحد ساكن فينا، وليس روح آخر مُضاد للمسيح يسكن ويهيمن ويدمر كل فكر بالمحبة والخضوع في الكنيسة، وهذا الروح يمكن لنا ان نغلبه فقط اذا خضعنا لله، وبطاعة الله ان نخضع احدنا للآخر.
حتى من عنده روح النبوة، عليه ان يتواضع ويخضع للانبياء الاخرين، لان ارواح الانبياء خاضعة للانبياء، لان الله ليس اله تشويش بل اله سلام، كما في جميع كنائس القديسين (كورنثوس الاولى 32:14)، وان كان بيننا ارواح تشويش وانقسامات، ربما لاننا نفتقد احيانًا لروح الخضوع، بل والمحبة ايضًا!
حتى بطرس، خادم الرب المبارك، لم يكن متعاليًا ومتكبرًا على الاخوة، بل كان يعلم ويُخاطب الكنائس بروح الوداعة والمحبة، وسطع هذا الامر عندما خاطب شيوخ الكنيسة، انه الشيخ رفيقهم (بطرس الولى 1:5)، ولم يكلمهن بانه الرسول الذي له سلطان سماوي، بل بروح وديعة متواضعة وخاضعة، اكتسبها من رب المجد يسوع بالروح القدس، اوصى ان يرعوا رعية الله لا عن اضطرار بل باختيار، ولا لربحٍ قبيح بل بنشاطٍ، ولا كمن يسود على الانصبة، بل صائرين امثلة للرعية.
كذلك اوصى الاحداث، بان يخضعوا للشيوخ، وبان نكون جميعًا خاضعين بعضنا لبعض، وبان نتسربل بالتواضع، لان الله يقاوم المستكبرين، واما المتواضعون فيُعطيهم نعمة.
كذلك كاتب رسالة العبرانيين، اوصى بان نذكر مرشدينا الذي كلَّمونا بكلمة الله، وان ننظر الى نهاية سيرتهم ونتمثَّل بايمانهم (عبرانيين 7:13). ليس فقط ان نذكر الكلمة، بل بان نكون عاملين بها، بان نطيع مرشدينا ونخضع لهم، لانهم يسهرون لاجل نفوسنا كانهم سوف يُعطون حسابًا، لكي يفعلوا ذلك بفرح، لا آنين، لان هذا غير نافع لنا (عبرانيين 17:13).
من السهل جدًا ان اطعن واذِم اخوتي في الكنيسة، خاصة الخدام منهم، ان انتقد كل ما يعملون، ان كان ما يفعلونه غير كامل او انه ليس حسب فكري الشخصي ورغباتي، او حتى ان كان جيدًا، كذلك ان اتمرد ولا اكون خاضعًا للترتيب الالهي في الكنيسة وخدامها.
لكن ان اختار ان اكون خاضعًا، وديعًا ومحبًا لاخوتي في الكنيسة وخدامها، هذا الامر يتطلب مجهودًا وبان اقول لا للأنا وكبريائها، لاني اذا كنت بالفعل أؤمن اني انتمي الى جسد المسيح اي الكنيسة، يجب علي ان احب اخوتي واكون خاضع لهم، وخاصة الخدام منهم الذي يسهرون على الرعية ليل نهار، لانهم يسيرون في خطى الراعي الصالح، ربنا يسوع المسيح، الذي وعدنا بالحياة الابدية، وبحياة افضل هنا على الارض، اذا كنا نحن ايضًا نسير في خطى السيد، التي اساسها المحبة والخضوع.