عندما نصعد الجبل

صوت الرب يرشدنا لنقرر قرارات حكيمة، وحتى نسمع هذا الصوت، نحتاج أن نفصل أفكارنا وقلوبنا عن ضوضاء العالم ومشاغل الحياة، وهنا نحن محتاجين أن نصعد الجبل وننفرد بالإله.
11 نوفمبر 2016 - 02:01 بتوقيت القدس

صعود الجبل

لو أردنا أن نَضرِبَ مثلاً ونتكلم عن الصمود والثبات، تكون الصورة الأولى الذي نفتكر بها هي صورة الجبل، فنقول:"ثابتٌ وصامدٌ مثل الجبل"، أو التعبير الشائع في لغتنا: "يا جبَل ما يهِزَّك ريح!" 

هنالك في الكتاب المقدس رموز متعددة ومختلفة للجبل: ففي بعض المواقع، رمز الجبل الى التحديات والصعوبات (من أنت أيها الجبل العظيم؟ أمام زُرُبابل تَصيرُ سهلاً- زكريا 4: 7)، وفي موضع آخر تحدث عن مكان العون والقوة (أرفع عيني إلى الجبال من حيث يأتي عوني- مزمور 121). الجبل دائماً رمز الشموخ، رمز الثبات، رمز القوة. وعلى النقيض، فإن أردنا أن نتكلم عن الإحباط، الحزن، الهزيمة، الموت، فإننا نتذكر الوادي (وادي ظل الموت-مزمور 23)، (عابرين في وادي البكاء- مزمور 84). 

أظن أننا جميعاً، على حدٍّ سواء، مررنا في وديان في مرحلة معينة من حياتنا: ضيقة مادية، أزمة صحية، مشكلة في العمل، أزمة عاطفية... ولربما طالَ مكوثنا في هذا الوادي المظلم، وهبطت حياتنا الروحية لتصير ملائمة مع تواجدنا في هذا الوادي. لكن الرب يدعونا للمرتفعات، للقمم، لنتسلق قمم المجد والبركة، فهو الذي قال: "وتكون في الارتفاع فقط ولا تكون في الانحطاط.." (تثنية 28: 13). فهَلُّمَّ بنا نصعد اليوم إلى جبل الرب (إشعياء 2: 3)، لنحظى بلقاء خاص مع الحبيب، فالجلوس معه يحلو ويطيب، ونلقاه لصلاتنا هو المُجيب.

ونقرأ في صفحات الكتاب المقدس، في عهديه القديم والجديد، عن أشخاص صعدوا الجبل، وتحولت حياتهم تحولاً مُذهلاً، واستخدمهم الرب استخداماً عظيماً. ونتعلم من قصصهم عِبَراً ودروساً ثمينة، نعم، فالإمتيازات والبركات التي تنتظرنا عندما نتقدم ونصعد إلى الجبل كثيرة، وفي مقالي هذا سأركز على ثلاثة منها.. على الجبل نحن نتمتع ب:

سماع صوت الله (خروج 3): عندما نتأمل في حياة موسى في الإصحاحين السابقين، فإننا نرى الطفل الذي نجا بمعجزة من أمر فرعون بأن يُقتل كل ذكر من الشعب العبري، وكيف وجدته ابنة فرعون وأخذته إبناً لها، ومن ثم كيف قتل الحارس المصري وهرب الى مديان. حقاً يا لها من تركيبة عجيبة، تثير الدهشة في حياة موسى. ووسط كل هذه الفوضى والضوضاء التي قامت في حياته، وبينما كان يرعى الغنم في البرية، قاطعه صوت الرب من خلال عليقة مشتعلة بالنار، ووَكَّلَهُ بمهمة تحرير شعبه من العبودية في مصر. وقد نكون في مرحلة معينة في حياتنا مثل موسى، خائفين، هاربين، ضعفاء ومترددين، لكن عندما يقاطعنا الرب ويتكلم لنا بصوته، فنتحول تحويلاً جذرياً، ونمتلأ قوة، ونذهب لنتمم أمر الرب. صوت الرب يعطي قوة، يزيل التشويش والإضطراب، صوت الرب يمنح السلام. فهل تحتاج أن تمتلأ حياتك بالقوة ؟ هل تشتاق أن تتحرر من الضعف والتردد، وأن تتمم قصد الله وإرادته في حياتك؟ هيّا ثبت عينيك نحو الجبل، إصعد اليه وتمتع بلقاء مع الإله الحي الذي يُغَيّر ويُحَرّر، دعهُ يسمعكَ صوته ويهبك الشجاعة حتى تعيش لمجده. 

صوت الرب يرشدنا لنقرر قرارات حكيمة، وحتى نسمع هذا الصوت، نحتاج أن نفصل أفكارنا وقلوبنا عن ضوضاء العالم ومشاغل الحياة، وهنا نحن محتاجين أن نصعد الجبل وننفرد بالإله. ويُقَدّم لنا المسيح بنفسه مثالاً على ذالك، فبعد ان خرج الى الجبل ليصلي، وبعد أن أمضى الليل كله بالصلاة، دعا تلاميذه عندما كان النهار واختار منهم إثني عشر (لوقا 6: 12). لم يحتَر يسوع في ذلك، ولم يربكه اختيار التلاميذ، لأنه كانَ مقاداً بالروح، وكان قراره لإختيارهم مشَبَّعاً بالصلاة طوال الليل. أشجعك عزيزي الشاب، ، أمام أي قرار، أي اختيار، أو عندما يحاربك الشك والخوف والإرتباك، عندما تظن أنّ الهك لا يراك، اشجعك بأن تتقدم وتصعد الجبل، وأن تخطو خطوة نحو الإمتلاك. امتلاك السلام، الأمان، الفرح، القوة والحكمة. 

رؤية مجد الله (لوقا 9: 28): لقد حظي ثلاثة تلاميذ من بين الإثني عشر الباقين، بمشهدٍ بَهرَ العيون وأسرَ الألباب. هيئة يسوع تتغير، ووجههُ ولباسهٌ غدا لامعاً، وها موسى وإيليا يظهران بجانبه بمَجدٍ، وعاين التلاميذ هذا المجد (فَلَمّا استيقظوا رأوا مجده- الآية 32). حقاً ما أعظم الإمتياز والبركة التي حظي بها كل من بطرس، يعقوب ويوحنا، حيث عاين هؤلاء الثلاثة أعظم معجزات المسيح، المعجزات التي أظهرت وأثبتت مجد وقوة وسلطان يسوع. تمتع هؤلاء الثلاثة بعلاقة قريبة وخاصة مع المسيح، كانوا من أصحاب الدائرة القريبة له، فهُم الذين رأوه يقيم إبنة يايرس (لوقا 8: 51)، وها هم يرونه مرة أخرى يتجلى بعظمته وهيبته. فإذا أردتَ أن ترى مجد الرب في حياتك، فالعلاقة القريبة والحميمة معه هي المفتاح. فباقي التلاميذ كانوا يسيرون مع يسوع ويروا معجزاته، لكن لم يتمتعوا بهذه الحميمية بالعلاقة معه، بل كانت علاقتهم مبنية على المعجزات وتسديد الإحتياجات. 

إقترب من الرب اليوم كما لم تفعل من قبل، ضعه في المُقَدّمة وأعطه الأولوية دائماً، سَلّمهُ كل دوائر حياتك، فستختبر االبركة والقوة، وسنعاين مجد الله.

إعلان محبة الله: إذا أردنا أن نتكلم عن المحبة والطاعة، فإننا نذكر ابراهيم مثالاً(تكوين 22)، عندما طلب الله منه أن يأخذ اسحق ابنه وحيده ويقدمه ذبيحة، وها هو ابراهيم يطيه هذا الأمر بدون أي تردد أو جدال، وفي الصباح الباكر حَضَّر كل اللازم لتقديم الذبيحة، لكن الرب يقاطع المشهد مقاطعة مذهلة، ويرسل كبشاً ليقدمه إبراهيم نيابةً عن ابنه. ومرت السنين تلو السنين، ليتحقق وعدُ الرب الأمين، بإرساله ابنه الحبيب ليكون ذبيحة فداء لنا أجمعين، بسفكه على الصليب دمه الثمين. على جبل الجلجثة، رفع يسوع وسط لصين، على صليبٍ من خشب، سُمّرَت يداه ورجلاه بالمسامير، وغُرُزَ اكليلُ شوكٍ في الجبين، ومع كل هذا نراه يصلي للجنود الآثمين:"يا أبتاه اغفر لهم!" 

ما أعظم حبَّ يسوع وغفرانه، حقاً لستُ أعلم، أيهما أعظم، هل قوته وسلطانه، أم محبته وحنانه؟ 
لقد امتزجت قوة يسوع بمحبته بمشهد الصليب، وارتجفت القلوب لهذا المنظر الرهيب، لكن لا يكفي فقط التأثر بهذا الحدث، وكأننا نشاهد فيلماً أو نقرأ قصة تقشعرُّ لها الأبدان، ويتأثر بها كل الكيان، وبعد فترة يطويها النسيان! 

لقد قدّم يسوع لنا أعظم رسالة: "ليسّ لأحدٍ حبٌّ أعظمَ من هذا: أن يَضَعَ أحدٌ نفسَهُ من أجلِ أحبّائِه" (يوحنا 15: 13)

ولم تكن هذه الكلمات مجرد شعار، لكن محبة حقيقية، صادقة، كاملة، تبرهنت بأعظم دليل. 

هل تشعر عزيزي القارئ، أنك فقدت محبتك الأولى للرب، ولم تعُد تتمتع بتلك العِشرة والحلاوة في العلاقة معه، بالتمتع بسماع صوته يهمس لك في حيرتك؟ 

هل تشتاق أن يكون حضوره ومجده أمراً ثابتاً وملموساً في كل جوانب ودوائر حياتك؟

هيا تَقَدّم وانفض عنكَ الفشل، ثبت عينيكَ عليه واصعَد إلى الجبل. 

لتتمتع بقوة الرب وتختبر منه أعظم عمل.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا