"قصّة للجليليين فقط"
ولدت وترعرت وآمنت والآن أعيش وأخدم المسيح في الجليل. أسميته الجليل القديم بسبب قصة ساسردها لكم ومن لا يعرفها فليحسبها كقصص "كليلة ودمنة" ويستخلص منها العِبر!!... هي عاصفة في فنجان، لكن ما في الفنجان أسكر البعض وسمّم غيرهم، لكنه كان مقزّزًا لكثيرين من أهل الجليل.
بدأت القصة بأخوين كلّ منهما فطينٌ لم أرَ مثلهما في الحنكة وذلاقة اللسان، درسا اللغات فأجاداها وأبدعا، ولا أعلم ان كانا قد أنهيا دراستهما لأنهما قليلاً ما عملا، رغم أن من كان يحمل عندها "شهادة" في اللغات، كان لا يجد أية صعوبة في إيجاد عمل في التدريس أو في غيره.
كان ميلاد الزوبعة دمدمات واتهامات وانقسامات ودائمًا بدعوى البحث عن القداسة... خرجا من كنيستهما وخرج معهما كل أفراد عائلتهم. خلال أسابيع ويا للعجب، كانا يتباحثان مع عائلة كنسية أخرى، لكن أولئك لم يقبلوهم فاتجهوا الى عائلة كنسية ثالثة. أقنعا الكنيسة الثالثة فرسمتهما قسّين بسرعة، ربما لأنهم رأوا حجم "كنيستهما" من أقرباء وأنسباء وأتباع مخلصين.
في هذه الفترة كان القسّيسان يكتبان ويترجمان عن الحق الكتابي والاجتماع الى اسم الرب وحده، لكن كانت هناك "طبخة" تنضج على نار هادئة. ابتدأت الأقاويل في الكنيسة الجديدة التي ترأساها بأن كل الوضع في "كل" المنطقة مُزري روحيًا وأن الحاجة هي الى تغيير المكان. تحوّلت الإشاعات الى تصريحات واضحة وخلال شهور باع كل أعضاء الجماعة ما عندهم من بيوت وأراضي وسافروا بعيدّااااااااا. بعض النساء تركن أزواجهنّ وتبعوهما وأولاد تركوا عائلاتهم، وتركوا "كنيستهم" اشلاءً فتحطمت بيوت كثيرة وأدميت قلوب كثيرة... بل وأكثر من ذلك.
طبعًا ليس لنا أن نجزم ان كانت هذه ديماجوجية، غسل دماغ أم حلم يقظة لجليل جديد! لكن كثيرين قالوها صراحةً: "راحوا وريّحونا".
آه أيها الجليل القديم... ألا تعلم أن الجليل الجديد صار موجودًا، وليس فقط انه يستهزئ بك، بل ويهدّد ويتوعّد من يشكّك في وجوده ويحني الرأس إجلالاً ويقفل الفم تمامًا وإلاّ !!!!
إيّاك أيها الجليل القديم أن تقول كلمة على تلك القيادة الحكيمة أو تلك الخطوة "التاريخية" أو تتساءل عن الطاعة العمياء من الأتباع الأتقياء البسطاء واحذر أن تتعجّب من مسرح الدمى الذي يتمسّح بالمسيح.
إن جرؤت أن تتلفّظ بكلمة، فمن هناك ستُشنّ عليك صواريخ الفيسبوك "الروحية" وكل مواقع "التقاتل" الاجتماعي. أكثر من ذلك فانّ إله تلك القبيلة سيجيبك بنفسه ويعلّمك درسًا لن تنساه.
هششششششش يا جليل... لا تقل بدعة ولا سيطرة ولا تحزّب ولا جسدانية ولا ولا... وإلاّ!!!
أرجو أن تسمحوا لي بعد هذه القصة أن أقول بعض الكلمات للتشجيع والتعضيد لمن بقوا في الجليل:
أرى في الجليل كثير من المؤمنين بالمسيح والخدام المخلصين وأشكر الله من أجلهم وأتعلّم منهم.
نعم هناك كمٌ كبير من المشاكل في الجليل كما في كل مكان آخر، هناك أيضًا من ينادون بالمسيح لكن حالتهم الروحية صعبة وشهادتهم المسيحية ضعيفة. أقول بدموع: " أوضاعنا الروحية متهالكة وكنائسنا فيها الكثير من التشتت والألم والأنانية وأحيانًا الانقسام ".
تعوّدنا في الجليل على حياة الرفاهية، فصار التبشير بالمسيح قليلاً جدّا، وكثيرون يهملون الكلمة المقدّسة فصار كثير من التعليم في كنائسنا هو مجرّد كلام وأفكار شخصية. أما عن الرعاية الحقيقية فما أندرها!!
هل في هذا كله ما يدفعنا الى الإحباط؟ ربما، لكن الله الذي لم يعطنا روح الفشل هو نفسه الذي يعطينا القوة لنعود وننهض والمحبة لنقوم ونبني والنُصح لنفهم ونميّز كيف نعمل في صفّ الله بأفضل صورة. إنها مسؤوليتنا وعلى كل منّا أن يواظب على الصلاة لأجل الجميع ويتعب في خدمتهم.
كان نحميا بعيدًا عن اخوته، بل ويحيا في رغد، لكن وضع بيت الله واخوته المتألمين كسر قلبه. رغم كونهم في شرٍّ عظيم وعار، انتظر نحميا الرب بالصوم والصلاة والبكاء حتى فتح له بابًا ليرجع خادمًا لهم رغم مركزه الرفيع.
وكلمة لمن تركونا: ليت الرب يوقظكم...المحلّة ليست مكانًا بل حالة يا من تترنّح بلقب الدكتوراة (لا أعلم من أية جامعة انترنِتية!!).
الحاجة ليست لتغيير المكان بل لتغيير القلب وتجديد الذهن والسعي الدؤوب في حياة الايمان.
أعرف كثيرًا من القادة في الجليل القديم وطبيعي أن هناك من يتأثر بهم ويعيد كلامهم وأحيانًا حتى يقلّد حركاتهم، لكني لم أسمع أن أحدًا منهم أقنع أعضاء كنيسته أن يبيعوا بيوتهم ومقتنياتهم ويتبعوه (يعيلوه).
يا رب، افتح عيون تلك الخراف المخدوعة لترى ما حدث لها وتستيقظ من سباتها وتعود لتتمسّك بك وحدك يا راعي الخراف الصالح.
أخيرًا.. أحبك أيها الجليل ففيك عَبَق ربّي وحبيبي الجليلي العظيم وفيك اخوتي واخواتي، أهلي وأصدقائي وأصلي للرب أن يعطينا جميعًا قوة لنستمر في حياة العبادة والخدمة لإلهنا الحبيب الى أن يعود.