إشارات إنجيل يوحنّا إلى العهد القديم ــ ج1 المسيح الكلمة الأزلي

أنّ يوحنّا، بإرشاد من الروح القدس، انتقى من كلام المسيح ما يثبت ألوهيّته ولا سيّما الآيات التي نطق بها المسيح ردًّا على أسئلة الفرّيسيّن (أحبار اليهود) وعلى اعتراضهم على كونه المسيح ابن الله
19 نوفمبر 2016 - 22:54 بتوقيت القدس

قلّما خلا أصحاح (فصل) في العهد الجديد (الإنجيل) من إشارة إلى آية واردة في العهد القديم أو أزيد. وقد ذكرت في أولى حلقات السلسلة السابقة (1) أنّ [الهدف من هذه المقالة هو تبيين أهميّة الإشارة وليس تحديد الإشارة فحَسْبُ! لأن التحديد معروفٌ لدى اللاهوتيّين وبعض العامّة وموجودٌ ضمن تفسير الكتاب المقدّس] فلم تقتصر إشارات العهد الجديد إلى العهد القديم على إنجيل متّى.

أمّا سبب اختياري إشارات إنجيل يوحنّا في هذه السلسلة فيعود إلى تميّز إنجيل يوحنّا عن غيره بالتركيز كثيرًا على لاهوت المسيح، أي طبيعة المسيح الإلهية، ابتداء بالآية الأولى: {في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله}+ يوحنّا 1:1 مع وضوح تقديم اللاهوت على الناسوت- طبيعة المسيح الإنسانية ما عدا الخطيئة: {والكلمة صار جسدًا وحلّ بيننا}+ يوحنّا 1: 14
وهذا لا يعني أن الإنجيليّين الآخَرين أغفلوا ذكر لاهوت المسيح، لأنّ الكتاب كلّه موحًى به من الله (2تيموثاوس 3: 16) فإليك أمثلة على ذكر كلّ منهم لاهوت المسيح:
{ليس كُلُّ مَنْ يقولُ لي: يا رَبُّ، يا رَبّ! يَدخُلُ ملكوتَ السماوات. بل الذي يَفعَلُ إرادةَ أبي الذي في السماوات}+ متّى 7: 21 
{وإنْ قالَ لكُما أحَد: لماذا تفعَلانِ هذا؟ فقولا: الرَّبُّ مُحتاجٌ إليه}+ مرقس 11: 3
{ولماذا تدعونني: يا رَبُّ، يا رَبُّ، وأنتُمْ لا تفعَلونَ ما أقولُه؟}+ لوقا 6: 46
{نعمة ربّنا يسوع المسيح مع روحكم أيّها الإخوة}+ آخر رسالة بولس الرسول إلى غلاطية.
{لأنَّهُ هكذا يُقَدَّمُ لَكُمْ بِسِعَةٍ دُخُولٌ إلى مَلَكُوتِ رَبِّنا ومُخَلِّصِنا يَسُوعَ الْمَسِيحِ الأَبَدِيّ}+ 2بطرس 1: 11
{يَعقُوب، عَبْدُ اللهِ والرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيح، يُهدِي السَّلاَمَ إلى الاثْنَيْ عَشَرَ سِبْطًا الَّذِينَ في الشَّتَات}+ بداية رسالة يعقوب الرسول.
{يَهُوذا، عَبْدُ يَسُوعَ الْمَسِيح، وأَخُو يَعْقُوب... لأَنَّهُ دَخَلَ خُلْسَةً أُناسٌ قَدْ كُتِبُوا مُنذُ القدِيمِ لِهذِهِ الدَّيْنُونةِ، فُجَّار، يُحَوِّلُونَ نِعمَةَ إلهِنا إلى الدَّعَارة، ويُنكِرُونَ السَّيِّدَ الوَحِيدَ: اللهَ ورَبَّنا يَسُوعَ الْمَسِيح}+ من رسالة يهوذا الرسول.

كما ورد في نبوءات العهد القديم عن ميلاد السيد المسيح، ما يدلّ على أنّ المسيح موجود منذ الأزل، كما في يوحنّا 1:1 وأيضًا {قَبلَ أنْ يكونَ إبراهيمُ أنا كائن}+ يوحنّا 8: 58 لكنّه لم يكن ظاهرا، ومعلوم ألّا أزليّ إلّا الله:
{لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابنا، وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيبا، مُشِيرا، إلهًا قديرا، أبًا أبديّا، رئيس السلام}+ إشعياء 9: 6
{أمّا أنتِ يا بَيتَ لَحم أفراتَة، وأنتِ صَغيرَة أنْ تكوني بَينَ أُلوف يَهوذا، فمِنكِ يَخرُجُ لي الذي يكونُ مُتَسَلطًا علَى إسرائيل، ومَخارِجُهُ منذُ القديم، منذُ أيّامِ الأزل}+ ميخا 5: 2

كما أنّ يوحنّا، بإرشاد من الروح القدس، انتقى من كلام المسيح ما يثبت ألوهيّته ولا سيّما الآيات التي نطق بها المسيح ردًّا على أسئلة الفرّيسيّن (أحبار اليهود) وعلى اعتراضهم على كونه المسيح ابن الله (متّى 26: 63) معادلًا نفسه بالله (يوحنّا 5: 18 وانظر-ي فيلبي 2: 6) في وقت نجد أيضًا أنّ {المسيح ابن الله} في بداية إنجيل مرقس وفي لوقا 4: 41 وقطعًا في يوحنّا 1: 34 و6: 69 و11: 27 و20: 31

بوحنا الانجيلي

إشارات إنجيل يوحنّا\ الأصحاح الأوّل

نقرأ في الأصحاح الأوّل من إنجيل يوحنّا، بما فيه من إشارات- حسب هامش الخوري يوسف داود، مترجم الكتاب المقدَّس إلى العربية ما قبل سنة 1875- عن 1 المسيح كلمة الله و15 شهادة يوحنّا المعمذان و40 تلاميذ يسوع الأوَّلين.

الإشارة الأولى
لفت الخوري المذكور- رحمه الله وغفر له- إلى رقم الآية التي في سفر إشعياء إذْ أجاب بها يوحنّا المعمذان على أسئلة الفرّيسيّين واللاويّين الذين أرسلهم اليهود إليه مِن أورشليم. فقال: {أنا صوت صارخ في البَرِّيَّة: قوِّموا طريقَ الرّبّ، كما قال إشعياء النبي}+ يوحنّا 1: 23 فالإشارة إلى آية العهد القديم: {صَوتُ صَارِخٍ في البَرِّيَّة: أَعِدُّوا طَرِيقَ الرَّبّ. قَوِّمُوا في القَفْرِ سَبيلًا لإِلَهِنا}+ إشعياء 40: 3
عِلمًا أن الخوري لم يبخل على قرّاء الكتاب المقدَّس في الإشارة إلى الإنجيليّين الآخَرين الذين وردت هذه الآية، وغيرها، في إنجيل كلّ منهم؛ انظر-ي آية يوحنّا المذكورة في متّى 3:3 ومرقس 1: 3 ولوقا 3: 4 لكنّي سأركّز على الإشارات إلى آيات العهد القديم، كما جرت العادة في سلسلة إشارات إنجيل متّى المذكور رابط حلقتها الأولى في الهامش.

أمّا التفسير المسيحي لهذه الإشارة- بتصرّف: [أشرق النور الحقيقي في الظلمة فابتدأت أفكار الناس تضطرب. حضر الخالق نفسُهُ في وسط العالم الذي سبق وكوَّنهُ وجاء إلى خاصتهِ الذين اختارهم آنِفًا وأعطاهم نبوّات عديدة لكي يهيّئهم لقبولهِ متى جاء بملء نعمته. فصوت يوحنا المعمدان، كسابق له، بلغ إلى أورشليم من الخارج؛ فأهلها اليهود أرسلوا بعض الكهنة واللاويين ليسألوهُ: من أنت؟ فاعترف ولم ينكر. المرجَّح عندي أنّ هذه الجملة تشير إلى شهادتهِ للمسيح إذ أعترف بهِ ولم ينكر ما سبق وشهد عنهُ للجموع قبل وصول المذكورين هنا إليه. غير أنها تحتمل أيضًا أنهُ أعترف بإرساليتهِ الخاصة ولم ينكرها.
ولكن الاعتراف والإنكار هما غالبًا باعتبار ذات المسيح لا لشخص الخادم ولا خدمته. فأقَرَّ "أني لست المسيح" ويظهر من إقرارهِ هذا أن موضوع شخص المسيح كان مذكورًا قبلا، فبعدما أعترف بهِ يوحنا (المعمدان) ولم ينكرهُ أقرَّ عن نفسهِ أنهُ ليس هو. فسألوهُ إذًا ماذا؟ إيليا أنت؟ هذا السؤال يشير إلى انتظارهم إيليّا النبي قبل يوم الرب بحسب ملاخي 4: 5 فأجابهم صريحًا أنهُ ليس إيليا بذاتهِ الذي لابدَّ من حضورهِ شخصيًّا في الوقت المعيَّن.

ثمّ سألوا: أنبيّ أنت؟ فسؤالهم هذا مبني على كلام موسى عن ظهور نبي عظيم بينهم، مثل موسى، يكون لهُ سلطان أن يُنشِئ لإسرائيل نظامًا جديدًا فيطلب إليهم أن يطيعوهُ (انظر-ي التثنية 18: 15-19) لكنهم غلطوا في تفسيرهم هذه النبوة لأنها تشير إلى المسيح نفسهِ كنبيّ أقامهُ الله في وسطهم وأوصاهم بأن يسمعوا له. انظر-ي قول الله: {هذا هو ابني الحبيب الذي بهِ سررت لهُ اسمعوا}+ متّى 3: 17 و17: 5 ومرقس 9: 7 ولوقا 9: 35 و2بطرس 1: 17 فلما رفضوهُ طالبهم الله وقاصَّهم إلى هذا اليوم.
قال موسى: {يُقيمُ لكُم الرّبُّ إلهُكُم نبيُا مِنْ بَينِكُم، مِنْ إخوَتِكُم بَني قومِكُم مِثلي، فاَسمَعوا لهُ}+ التثنية 18: 15 يعني: يكون من وسط إسرائيل! وقولهُ {مِن أخوتكم} تفسير لذلك، أي أنهُ يكون أخًا أو واحدًا من إخوتهم، فلا يمكن أن يكون أجنبيّ الجنس أو مِن أُمّة أخرى خلاف إسرائيل! فاليهود فهموا بالصواب أنّ هذه النبوة لا بدَّ أن تتم لهم... ثم سألوهُ أن يعطيهم جوابًا صريحًا رسميًّا عن نفسهِ وخدمتهِ لكي ينقلوا الجواب إلى االيهود الذين أرسلوهم إليه]- بقلم الأخ المنتقل: بنيامين بنكرتن.

ـــ ـــ

الإشارتان الثانية والثالثة

هما في الآية: {فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وقالَ لَه: وَجَدْنا الَّذي كَتَبَ عَنهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ والأَنبِيَاءُ يَسُوعَ ابنَ يُوسُفَ الَّذي مِنَ النَّاصِرَة}+ يوحنّا 1: 45
وكلمة "الأنبياء" معطوفة على موسى، فتقدير الكلام: وَجَدْنا الَّذي كَتَبَ عَنهُ مُوسَى في النَّامُوسِ وكتب عنه الأَنبِيَاء. فالإشارة الثانية إلى التكوين 49: 10 والتثنية 18: 15 و18 أمّا الإشارة الثالثة فهي إلى الأنبياء الذين كتبوا عن مجيء المسيح:- إشعياء 40: 10 وإرميا 23: 5 وحزقيال 34: 23 و37: 24-25 ودانيال 9: 24-25 

وفي التفسير المسيحي- بتصرّف:
[نثنائيل هو نفسه برثلماوس للأسباب التالية: 
أ. الإنجيليون الذين أشاروا إلى برثلماوس لم يذكروا نثنائيل، والذين ذكروا نثنائيل لم يشيروا إلى برثلماوس.
ب. كلمة برثلماوس ليست اسمًا لشخص ما، بل تعني "ابن بطليموس" وأن اسمه الحقيقي هو نثنائيل.
ج. تحدّث يوحنا الإنجيلي عن نثنائيل كواحدٍ من الرسل عندما ذهب معهم للتصيّد (يوحنّا 21: 2-4) بعد قيامة السيد المسيح، فظهر لهم السيد المسيح عَلَى الشَّاطِئ... 

أمّا بعد فإنّ قول فيلبُّس يكشف عن غيرته في البحث في الكتاب المقدس وخصوصًا الناموس والأنبياء، حيث ألهب قلبه الشوق لرؤية يسوع، أو المَسِيّا، القادم من بيت داود. أخيرًا قد وجد ذاك الذي يعلن ذاته لطالبيه.
ذكر فيلبّس عن السيد المسيح إنه "يسوع" أي "يهوه مخلّص" ليعلن لنثنائيل إنه المخلِّص الذي طالما تحدث عنه الناموس والأنبياء. أما دعوته "ابن يوسف" فلا تعني أنه من زرعه، إنما ليؤكد أنّه من بيت داود الذي جاء منه يوسف]- بقلم: القمّص تادرس يعقوب ملطي.

وأقول في النهاية؛ لقد اتضح أن إله العهد الجديد هو إله العهد القديم الذي أتى إلى العالم من فيض محبّته العالم ليكمّل الناموس بالنعمة؛ تأمّل-ي في قول السيد المسيح له المجد عن تكميل الناموس، أو انظر-ي التفسير المسيحي: {لا تَظُنُّوا أَنِّي جئْتُ لأَنقُضَ النّامُوسَ أَوِ الأنبياء. مَا جئتُ لأنقُضَ بَلْ لأُكَمِّل}+ متّى 5: 17 وتأمّل-ي في نعمته سواء في الدنيا وفي الآخرة إذ قال: {السارق لا يأتي إلّا ليسرق ويذبح ويهلك، وأمّا أنا فقد اتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل}+ يوحنّا 10:10

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا