(متى 1: 18-25)
ولادة السيد المسيح كانت ولادة عجيبة، إذ كانت في فكر الله منذ البدء و كان الله يعلن لأنبيائه عنها شيئاً فشيئاَ عبر العصور و القرون. و بينما غدت الحضارات و الإمبراطوريات تتوالى، كان الله يعد مسرح التاريخ لاستقبال هذا المولود العجيب. و لقد اختار الله العذراء المباركة ليحل فيها هذا المولود و هي بعد فتاة مخطوبة لم تعرف رجلاً (أي لم تكن بعد على اتصال بزوج).
قام الله بإرسال ملاكه جبرائيل للعذراء مريم بأقوالاً عديدة سجلها الوحي الإلهي لنا. سوف أقتبس من هذا الحدث الآيات التالية:
"سلام لكِ أيتها المنعم عليها. الرب معكِ. مباركةٌ أنت في النساء. إضطربت العذراء لهذه الأقوال و هذه التحية، فقال لها الملاك لا تخافي لأنكِ وجدتِ نعمة عند الله و ها أنتِ ستحبلين و تلدين إبناً و تسمينه يسوع. فقالت مريم هوذا أنا أمة الرب ليكن لي كقولك" (لوقا 1 : 28 – 37).
نعم كانت ولادة يسوع المسيح عجيبة! لقد أطاعت العذارء مريم رسالة الملاك المرسلة من قبل إله السماء من الروح القدس. أما خطيبها يوسف فإذ لم يكن له علمٌ بما هو حاصل لخطيبته فقد إضطرب من وطأة هذا الخبر! و حيث كانت العذراء مريم كاملة التوكل على الله، فقد قام الله بإعلان الأمر لخطيبها أيضاً، إذ. نقرأ كيف ظهر نفس الملاك جبرائيل ليوسف في حلمه، بينما كان متفكراً في كل هذه الأمور، مؤكداً على أن حبل العذراء هو فعلاً من قبل الروح القدس. و إذ كان يوسف و مريم يعرفا عن نبوات العهد القديم فقد قام الملاك بتذكير يوسف بنبوة إشعياء النبي "هوذا العذراء تحبل و تلد إبناً و يدعون إسمه عمانوئيل الذي تفسيره الله معنا" (إشعياء 7: 14).
و لم تكن ولادة المسيح من عذراء الحدث الوحيد الذي تنبأ عنه الأنبياء، بل قد اشتملت هذه النبوات أن مولود السماء سوف يولد في مدينة بيت لحم، مدينة داود. فمثلاً نقرأ ما كتبه النبي ميخا: " أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكوني بين ألوف يهوذا فمنك يخرج لي الذي يكون متسلطاً على إسرائيل ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل" (ميخا 5: 2).
و تسرد لنا كلمة الله في العهد الجديد كيف أن قدرة الله السرمدية قد كانت تعمل من وراء الستار بالرغم من قسوة الظروف و إستبداد حكام و ولاة ذلك العصر لتتميم تلك الخطة الأزلية العظيمة! فبينما أن يوسف و مريم كلاهما من نسل داود و بالتالي أصلهم من بيت لحم، إلا أنهما كانا يعيشان بمدينة الناصرة. و قبل موعد الولادة بأيام قليلة تضطر هذه العائلة الجديدة البسيطة أن تقوم برحلة سفر شاقة و طويلة لا نفع لهم فيها و لكن بسبب قوانين الإستعمار الروماني التي كانوا مضطرين أن يخضعوا لها، كان ينبغي لهم تسجيل أسماءهم لإحصاء التعداد السكاني بهذه المدينة. ظاهرياً يبدو أنهم أناس مغلوب على أمرهم يتحكم في مصيرهم إمبراطور مستبد يريد أن يفتخر بعدد النفوس التي يُخضعها تحت سيطرته. و لكن في واقع الأمر نجد أن المسيطر الحقيقي للأحداث كان هو الله، إذا أنه سمح بوجود ذلك الظرف في حياتهم لكي تتم النبوات المذكورة و لكي يكشف لهم عن أهدافه و قدراته و يحقق من خلالهم كل وعوده المذكورة في نبوات العهد القديم.
و لا يسعنا الوقت أن نتحدث عن كم النبوات الهائل التي تحققت خلال حياة السيد المسيح، ليس فقط عن ولادته، بل أيضاً عن آلامه و موته و صعوده و غيرها من أحداث. لكن في نفس الوقت هناك جزءاً من هذه النبوات لم يتم تحقيقه بعد و هو الجزء الخاص برجوعه للأرض ليملك، إذ يقول النبي حجي عن مولود بيت لحم الذي صعد إلى السماء "هي مرة بعد قليل فأزلزل السموات و الأرض و البحر و اليابسة و أزلزل كل الأمم و يأتي مشتهى كل الأمم (أي يسوع المسيح) و أملأ هذا البيت مجداً قال رب الجنود..." (حجي 2: 6، 7).
المسيح هو الملك و المخلص و المسيا الممسوح و الديان و الغفور و الرحيم. و السبب في إنتظاره على تحقيق هذه النبوة هو أنه يريد الجميع أن يقبلوا إلى معرفة طريق الخلاص لئلا يهلكوا، فهو لم يأتِ ليدين العالم بل ليَخْلُص به العالم (يوحنا 3: 17). جاء ليطلب و يخلص ما قد أهلكه و أفسده الشيطان (لوقا 19: 1). كما يقول لنا الرسول بطرس: " لا يتباطأ الرب عن وعده كما يحسب قوم التباطؤ، لكنه يتأنى علينا و هو لا يشاء أن يهلك أناس بل أن يُقبل الجميع إلى التوبة" (2 بطرس 3: 9).
نستطيع الآن أن نطلب من مولود بيت لحم، الملك العجيب، أن يخلصنا من خطايانا التي ارتكبناها و التي أطعنا الشيطان في عملها. نستطيع الآن أن نطلب منه أن يمنحنا حياة أبدية فهو مانح الحياة. " كل شيء به كان ،و بغيره لم يكن شيء مما كان. فيه كانت الحياة و الحياة كانت نور الناس" (يوحنا 1: 3، 4).
نعم، ولادة المسيح و صلبه و موته وقيامته و رجوعه للأرض عجيبة. فمَن على الأرض قامت السماء بالإعلان عن تفاصيل مجيئه بهذا الشكل العجيب فيأتي هو فعلاً و يحقق كل ما كُتب عنه عبر السنين المتناثرة بشكلٍ دقيق! هو الرب! هو الطريق و الحق و الحياة!
و كل عام و أنتم و الوطن بخير!
بقلم القس د. منير قاقيش
رئيس مجلس الكنائس الإنجيلية المحلية في الأراضي المقدسة