جذور صلب المسيح – المشهد السّادس والأخير

لقد انسحب الناقد من مسرح الأحداث بعدما تمّت الإجابة على جميع تساؤلاته. وما يزال نقّاد آخرون يتساءلون، عبر الانترنت وفي الساحات الاجتماعية العامة منها والخاصة، عن قضية صلب المسيح
12 يونيو 2015 - 13:40 بتوقيت القدس

لقد انسحب الناقد من مسرح الأحداث بعدما تمّت الإجابة على جميع تساؤلاته. وما يزال نقّاد آخرون يتساءلون، عبر الانترنت وفي الساحات الاجتماعية العامة منها والخاصة، عن قضية صلب المسيح. لعلّ كلّ ناقد، سواء أكان مؤمنًا بالله أم ملحدًا، يكلّف نفسه قليلًا بقراءة الكتاب المقدّس والتاريخ قبل استعراض عضلاته النقدية. لأنّ طبيعة أسئلة الناقد كفيلة بتحديد مستواه العلمي. فيعرف المعلِّم ما كان الناقد حكيمًا أم جاهلًا. عِلمًا أنَّ الجهل من أخطر المصائب الكارثية على الجاهل نفسه وعلى حاضر المجتمع ومستقبله. وأنّ المتوقّع من فم الجاهل قول أيّ شيء بدون دراسة وتأمّل، كما أنّه يفتقر إلى المنطق السليم وإلى الحجّة وإلى الدليل. ولهذا ذكرت في مقالتي التي تحت عنوان "وقفة تأمّلية في طريق الجُلجُثة" أنْ لا مجال لإنكار صلب المسيح، الذي حدث أمام شهود عيان كثيرين، بسَطْر كِتابَةٍ واحِدٍ أو سَطرَيْن.

جذور صلب المسيح

المشهد السادس: يسوع أمام بيلاطس مرة ثانية وأخيرة

بيلاطُسُ- لكهنة اليهود: قَدْ قَدَّمْتُمْ إِلَيَّ هذا الإنسَانَ كَمَنْ يُفْسِدُ الشَّعْبَ. وهَا أنا قَدْ فَحَصْتُ قُدَّامَكُمْ ولَمْ أَجِدْ في هذا الإنسَان عِلَّةً مِمَّا تَشْتَكُونَ بهِ عَلَيْه. ولا هِيرُودُسُ أَيْضًا، لأَنِّي أَرْسَلْتُكُمْ إِلَيْه. وهَا لا شَيْءَ يَسْتَحِقُّ المَوْتَ صُنِعَ مِنْهُ. فأَنا أُؤَدِّبُهُ وأُطْلِقُهُ.

بيلاطُسُ- للعسكر: خُذوهُ واجلدوه.

المراقب: غاية بيلاطس من الجَلْد عبّرَتْ عن أمله في أن يكتفي اليهود بهذه العقوبة المؤلمة جدًّا فيتراجعوا عن الصلب، بعدما تأكّد أنّ يسوع غير مستحقّ الصلب، إذ لم يفعل ما يستوجب الموت (وليرى اليهود أن شكواهم ضدّه، بأنْ يُقيمَ نفسَهُ مَلِكًا، أصبحت نوعًا من الخيال. فها هو أمامهم قد تهرّأ جسمه من الجلدات وأثار الضحك والسخرية)+ القديس يوحنّا الذهبيّ الفم.

العسكر- باستهزاء: السَّلامُ يا مَلِكَ اليَهُود.

بيلاطس- لليهود: ها أَنا أُخْرِجُهُ إِلَيْكُمْ لِتَعْلَمُوا أَنِّي لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَةً. هُوَذا الإِنْسَانُ! فمَاذا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ بالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ الْيَهُودِ؟

المراقب: قال بيلاطس "هوذا الإنسان" ولم يقل "هوذا المُذنب" كأنّه يقول لليهود إنّ يسوع ما يزال في نظري مُنَزَّهًا عن أيّ ذنب يمكن أن يُسنَدَ إليه (تفسير القمّص تادرس يعقوب) أمّا قول بيلاطس {فمَاذا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ…؟} فالمراد به: مَاذا تُرِيدُونَ أَنْ أَفْعَلَ أكثر من هذا الحُكم: الجَلد بقسوة؟

اليهود- صارخين: اصْلِبْهُ!

بيلاطُسُ: وأَيَّ شَرّ عَمِلَ؟

اليهود- صارخين بشدّة: اصْلِبْهُ!

بيلاطُسُ ليسوع: أَمَا تُكَلِّمُنِي؟ أَلَسْتَ تَعْلَمُ أَنَّ لِي سُلْطانًا أَنْ أَصْلِبَكَ وسُلْطانًا أَنْ أُطْلِقَك؟

يسوع: ما كانَ لكَ سُلطةٌ عليَّ، لولا أنَّكَ نِلتَها مِنَ اللهِ. أمَّا الّذي أسلَمَني إلَيكَ، فخَطيئَتُهُ أعظَمُ مِنْ خَطيئَتِكَ.

بيلاطُسُ- للجموع: مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِي يُدْعَى المَسِيحَ؟

الجميع- صارخين: بَارَابَاس! خُذْ هذا! وأَطْلِقْ لَنا بَارَابَاسَ.

زوجة بيلاطس- برسالة: {إِيَّاكَ وذلِكَ البَارَّ، لأَنّي تَأَلَّمْتُ اليومَ كثيرًا في حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ}+ متّى 19:27

المراقب: إنّ يسوع بارّ بشهادة كثيرين وإن لم يكونوا من خاصّته؛ مثالًا: بيلاطس وزوجته ثم قائد المئة الروماني الذي رأى مشهد الصًّلب كاملًا: {ونادَى يَسُوعُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وقالَ: «يَا أَبَتَاهُ، في يَدَيْكَ أَسْتَودِعُ رُوحِي» ولَمَّا قالَ هذا أَسْلَمَ الرُّوحَ. فلَمَّا رَأَى قائِدُ المِئَةِ مَا كانَ، مَجَّدَ اللهَ قائِلًا: بالْحَقِيقَةِ كانَ هذا الإِنْسَانُ بَارًّا! وكُلُّ الْجُمُوعِ الَّذِينَ كانُوا مُجْتَمِعِينَ لِهذا الْمَنْظَر، لَمَّا أَبْصَرُوا مَا كان، رَجَعُوا وهُمْ يَقْرَعُونَ صُدُورَهُمْ}+ لوقا\23 

بيلاطس: لكنّي أَرِيدُ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ مَلِكَ اليَهُود.

اليهود: إِنْ أَطْلَقْتَ هذا فلَسْتَ مُحِبًّا لِقَيْصَرَ. كُلُّ مَنْ يَجْعَلُ نَفْسَهُ مَلِكًا يُقَاوِمُ قَيْصَرَ.

بيلاطس- خائفًا: ماذا أَفعَلُ بيَسُوعَ الَّذي يُدْعَى المَسِيحَ، بالَّذِي تَدْعُونَهُ مَلِكَ اليَهُود؟

الجَمِيع وعلى رأسهم كهنة اليهود: لِيُصْلَبْ!

بيلاطس: أَأَصْلِبُ مَلِكَكُمْ؟

رُؤَسَاءُ الكَهَنَة: لَيْسَ لَنَا مَلِكٌ إِلاَّ قَيْصَرَ!

بيلاطس- مذعورًا: إِنّي لا أَجِدُ عِلَّةً في هذا الإِنسان. لَسْتُ أَجِدُ فِيهِ عِلَّةً وَاحِدَة!

الجَمِيع- بصراخ قويّ جدًّا: لِيُصْلَبْ!

المراقب: (خَشِيَ بيلاطس من الوشاية لدى طيباريوس قيصر ضدّه، فقد عُرِف أنّ طيباريوس من أكثر الأباطرة انفعالًا. سَمِع لوشايات ضد كثيرين وكان لا يثق فيمن يخدمونه. كان بيلاطس مستعدًا أن يُطلِق يسوع، لكنه لم يكن مستعدًا أن يواجه اتهامًا بأنه فشل في مهمّته كصديقٍ لقيصر، فيدخل في متاعب مع روما، مهما كانت التكلفة)+ القديس أغسطينوس.

بيلاطس لليهود- بعدما أخَذَ مَاءً وغَسَلَ يَدَيْهِ قُدَّامَ الجَمْع: إِنّي بَرِيءٌ مِنْ دَمِ هذا البَارِّ! أَبْصِرُوا أَنْتُمْ!

جَمِيعُ الشَّعْب: دَمُهُ عَلَيْنا وعَلى أَوْلادِنا!

بيلاطس للعسكر: أَطْلِقوا بَارَابَاسَ، وأَمَّا يَسُوعُ فلْيُصْلَبْ!

المراقب: لا حُجّةَ لدى اليهود ليشتكوا بها على يسوع. وما آذى يسوع أحدًا، إنما العكس! لكنّ يسوع قد غفر لهم بِقَوله الخالد على الصَّليب: {يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ ماذا يَفعَلُون}+ لوقا\23 ما لم يفعل إنسان مِن قَبْلُ، تحت ظرف قاسٍ مثل هذا، إذ فاق تحمّله ما تحمّلت طبيعة البشر وما يمكن أن تتحمّل. فما أطْيَبَك يا إله المسيحيّة! وما أعدلك وأعظم غفرانك وأوسع رحمتك!

ولهذا برّأت الكنيسة الكاثوليكية اليهود من دم المسيح، اقتداءً بهذا الغفران، وإن قال أسلافُهُم: {دَمُهُ عَلَيْنا وعَلى أَوْلادِنا}+ متّى\27 وليست لهذه التبرئة علاقة بالسياسة، كما زُعِم. فالكنيسة تعلم أنّ الله {لَمْ يُرْسِلِ ابْنَهُ إِلَى الْعَالَمِ لِيَدِينَ العَالَمَ، بَلْ لِيَخْلُصَ بِهِ العَالَمُ}+ يوحنّا\3 لكنّه سيَدِينُ العالمَ في مجيئه الثاني، لأنّ الدينونة جُعِلتْ له: {والآبُ لا يَدينُ بِنَفسِهِ أحدًا لأنَّهُ جعَلَ الدَّينونةَ كُلَّها لِلإبن}+ يوحنّا\5 

وهذا كلّه قد جرى إذْ {هكَذا أَحَبَّ اللهُ العَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الوَحِيدَ، لِكَيْ لا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّة}+ يوحنّا 16:3 آمين.

يسوع على الصليب

أخيرًا؛ بعد بانوراما صلب المسيح وموته وقيامته في اليوم الثالث، كما تنبّأ أنبياء إسرائيل بالضبط وكما أنبأ المسيحُ نفسُهُ تلاميذَه في الإنجيل، راح إبليس يصنع الهرطقات والمشاكل، بعدما خاب ظنّه وعجز من تحقيق انتصار للشّرّ على الخير ومن ترجيح الموت على الحياة. فبقِيَ هو وأتباعه مستنكرًا الصلب إلى يومنا ومحاولًا نفيه بما أُوتي من قوّة وسيبقى إلى حين! لذا جهّز إبليس جيوشًا جرّارة لإبعاد الناس عن الله وعن مسيحه الخالد، مسيح المحبة والسلام والغفران والتسامح والتعايش بين الأمم، فصنع حروبًا محلّيّة وإقليميّة ودوليّة. وهو الآن على طريق صنع حرب ثالثة، لكي يفنى غالبية البشر من سطح الأرض، على أمل في انتصار إرادته. لكنّه سيَخِيب أيضًا، لأنّ الله محبّة! لذا فإرادة الله في استمرار الحياة، بالمحبة والسلام والخير والحرّيّة والديمقراطيّة وسائر حقوق الإنسان، هي التي تنتصر.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. Genny Daoud 12 يونيو 2015 - 18:49 بتوقيت القدس
حقيقة صلب المسيح حقيقة صلب المسيح
ليتمجد اسم الرب يسوع المسيح هليلويا
2. ابن ازمسيح 13 يونيو 2015 - 08:32 بتوقيت القدس
شكرا اخي رياض الرب يبارك أمين شكرا اخي رياض الرب يبارك أمين
نعلم أن أجرة الخطية هى موت (رو6: 23)، فالإنسان الذى يخطئ لا بد أن يموت، لكن شكراً لله الذى أرسل يسوع الذيح العظيم، ليدفع ثمن خطايانا فمات بدلاً عنا على صليب الحب، لذا فالمسيح فى معاملاته مع التائب: 1ـ يشفع فيه 2ـ يغفر خطاياه 3ـ لا يدينه أولا: المسيح يشفع في الخاطي التائب: اسمع ما قاله رسول المحبة يوحنا الحبيب في (1يو2 : 1): "ياأولادي أكتب إليكم هذا لكي لا تخطئوا وإن أخطا أحد فلنا شفيع عند الآب يسوع المسيح البار". لقد جاء المسيح ليشفع ويحامى ويترافع عنا أمام محكمة السماء، ودفع هو بذاته ثمن خطايانا على الصليب. ثانيا: المسيح يغفر خطايا التائب: فما أروع غفران المسيح للخطاة والعشارين. لهذا دُعى بحق محبٌّ للخطاة. وهذا واضح من موقفه من المرأة الخاطئة التى جاءت إليه، فغَفر لها خطاياها الكثيرة. إذا قال لها: "مغفورة لك خـطاياك" (لو7: 48)، وهو إلى الآن كما فى القديم يغفر ويطهر لأنه "قد جاء لكي يطلب ويخلص ما قد هلك" (لو19: 10). ثالثا: وهو لا يدين الخاطي التائب: (1) كثيراً ما يحارب الشيطان المؤمن ويرعبه بعقاب الله على خطايا الماضى الأثيم. وهو بذلك يبعده عن طريق التوبة محاولاً إرجاعه لحظيرة الشر والخطية. لكن الله كأب حنون لا يدين المؤمن على الخطايا التى تاب عنها بل قد قام المسيح بنفسه بتسديد ثمن خطاياه هذه مادام قد تاب عنها. لذا قال للمرأة الزانية (يو8: 11): "ولا أنا أدينك اذهبى ولا تخطئ أيضاً" (2) ما أروع هذه الكفارة الكافية بل والواقية من شكوك إبليس التى بها يحاول أن يشككنا فى غفران المسيح لخطايانا. فالرب يقول (إش43: 25): "أنا أنا هو الماحي ذنوبك لأجل نفسي وخطاياك لا أذكرها". (3) يقول القديس باسليوس الكبير: "يسوع حُبٌّ، يحبك ويحبنى، حتى فى لحظات عصياننا عليه وتجديفنا على اسمه، يتوق أن نرجع لنتمتع به، يقف كالشحاذ لعلنا نتحنن عليه فنعطيه القلب الذى له، الذى اشتراه بدمه، وإن لم نعطه ما هو له، لا يجبرنا على الدخول، بل يقف باكياً كما وقف عند دخوله إلى أورشليم".
3. الكاتب 14 يونيو 2015 - 00:26 بتوقيت القدس
شكرًا جزيلا شكرًا جزيلا
سلام الرب يسوع المسيح معك Genny Daoud وليتمجد اسم ربنا دائما- آمين. شكرا لك على اهتمامك. والرب يبارك حياتك شكرًا أيضا للأخ ابن المسيح. سرني اهتمامك والتفضل بهذا التعليق. والرب يبارك حياتك