(تعليق بخصوص فيديو الكاهن بيتر مدروس)
في تصريحه المثير في الفيديو المنشور في موقع اليوتيوب والذي نشره موقع لينغا، يعتبر الكاهن بيتر مدروس المعمدانيين والإنجيليين منحرفين و يستشهد بزمرة صغيرة من احدى قرى الجليل والتي هاجرت من اسرائيل الى البرازيل ليؤكد ادعائه هذا. من ثم، يبدأ الكاهن بكيل الاتهامات واحدة تلو الاخرى للمعمدانيين.
يبدو لي ان من يريد تسلق سلم الشهرة يقوم بالهجوم علينا. قبل شهرين سبقه مثيله الكاهن الأرثوذوكسي جبرائيل نداف باتهام واضح للمعمدانيين بانهم ارهابيين. يعني الموضوع صار إرهاب في إرهاب واصبحنا نحن "ملطشة" للذين يريدون التسلق على ظهورنا واعادة الاسطوانة المشروخة ذاتها.
السؤال الاهم ما هي حقيقة تلك الجماعة التي هاجرت الى البرازيل والتي اشار اليها الكاهن مدروس في حديثه؟ هي مجموعة من المسيحيين الذين شكلوا كنيسة في قرية ابو سنان ولاحقا انضمت هذه المجموعة الى الطائفة المعمدانية وبعد سنوات، قام القائمون عليها بنشر تعاليم غريبة، مثل دعوة الجماعة الى ترك اسرائيل والهجرة الى البرازيل، لان اسرائيل سوف تتعرض الى حروبات وكوارث طبيعية فيجب عليهم الهروب من اسرائيل واللجوء الى البرازيل لانها بلد آمنة، فتجاوب معهم البعض ورفضهم البعض الاخر. أما الذين هاجروا فاغلبهم تربطهم روابط أسرية وعائلية.
استهجن غالبية الإنجيليين والمعمدانيين هذا التصرف ولم يقبلوه وخصوصا ان هذا الامر غريبا جدًا عن إيماننا وعقيدتنا وكنيستنا ويعد سابقة. هذه الجماعة الصغيرة لاتمثل الجسم الانجيلي ولا المعمداني فتصرفها هو فردي وهم يمثلون انفسهم في هذا الامر والله سوف يحاسبهم وليس نحن.
لا يستطيع اي من كان الحكم على طائفة او دين او جماعة كبيرة من خلال تصرفات فردية شاذة من قبل مجموعة صغيرة في الجسم الاكبر والا لقلنا ان الأرثوذكس والأرمن هم إرهابيون بعد موقعة المكانس الشهيرة التي دارت رحاها بين الأرمن و الارثوذوكس في كنيسة المهد قبل عدة شهور وحوادث شبيهة سابقة تمت في كنيسة القيامة والتي تدخلت الشرطة الاسرائيلية عدة مرات لفض النزاع، و لولا ذلك لكانت الخسائر البشرية جسيمة. أيجوز لنا اتهام الكنيستين الأرمنية والأرثوذوكسية بالإرهاب بسبب تصرفات طائشة وغير مسؤولة لعدد من الكهنة والرهبان؟
ايجوز لنا اتهام الكنيسة الكاثوليكية بالشذوذ الجنسي بسبب الفضائح الجنسية لبعض الكهنة والرهبان الكاثوليك حول العالم والتي انتشرت في جميع وسائل الاعلام المرئية و المسموعة؟ بالطبع لا والكنيسة الكاثوليكية بريئة من تلك التصرفات الشاذة وهكذا الحال بالنسبة للكنيسة المعمدانية فلا علاقه لها بتصرفات مجموعة معينة او أفراد داخل الجسم الكبير إن كانوا رجال دين او من الشعب.
بالعودة الى الفيديو حيث يعطي الكاهن مدروس علامة 3% له و 97% للجمهور الذي حضر محاضرته و يقول التالي: "الذين حضروا المحاضرة قالولي ما يلي" ثم يستطرد كلامه بوصف الفئة التي هاجرت بانها اورثوذكسية الاصل و "مسكينة" وتم الاغرار بها. بعد ذلك يتحدى من له كلام مناقض لكلامه ان ياتي بالدليل واما دليله هو فيقول :"انا اللي بعرفه علم اليقين حسب ما سمعت" !! اعجبتني روح الدعابة عند الكاهن مدروس عندما ذكرنا بمسلسل"غوار" الذي كلنا كبرنا و نحن نشاهد مقالبه الطريفة في "حسني البورزان" الذي اراد الهجرة الى البرازيل وكان دوما يردد جملته الشهيرة والتي اقتبسها الكاهن لدعم مصداقية كلامه" اذا اردنا ان نعرف ماذا يحدث في البرازيل، يجب ان نعرف ماذا يحدث في ايطاليا". اقتباس الكاهن مدروس هذا ذكرني ايضا في مسرحية عادل امام الشهيرة "شاهد ما شفش حاجة" و خصوصا الجملة الشهيرة في مقطع محاكمة قاتل الراقصة، "والدليل قالوله".
الكاهن مدروس يقول قالوا لي فهم "قالوله" ثم يعرف علم اليقين كيف؟ "قالوله". لا يخلو حديث الكاهن مدروس من عدم الدقة والتي تفقده المصداقية. هو يقول ان المجموعة سلمت جوازاتها الاسرائيلية في مطار اللد وهذا الكلام غير صحيح البتة ثم يقول ان احدهم توفى ولم تسمح له الحكومة الاسرائيلية بدفنه في اسرائيل وهذا ايضا كلام عار عن الصحة بحسب ما أكّده لنا اقارب تلك المجموعة.
لا يتوقف الكلام هنا بل يتهم المعمدانيين بانهم وراء تحقيق مخطط ارئيل شارون بالترانسفير ومرة اخرى الدليل على صحة كلامه هو "قالوله". يبدو لنا بحسب كلام الكاهن مدروس أن الانجيليين والمعمدانيين هم السبب في اتساع ثقب الاوزون وارتفاع درجة حرارة الارض وارتفاع اسعار النفط عالميا ومحليا والسبب وراء الكوارث الطبيعية وخروج المنتخب السعودي لكرة القدم من كأس العالم والى ما شابه ذلك. من هو المسؤول ايها الكاهن عن هجرة الالاف من المسيحيين الفلسطينين من بيت لحم ورام الله وغيرها من المدن الفلسطينية؟ وماذا عن هجرة نصف المسيحيين في العراق تقريبا ودول عربية اخرى؟ اهم المعمدانيين؟ الكنيسة المعمدانية والانجيلية بشكل عام تؤمن بالتبشير بالكلام وبالعمل وان على الفرد ان يكون شهادة حسنة عن المسيح وان يضيء نوره في الكلام والسلوك كما امر الرب يسوع المسيح داخل مجتمعه، فلذلك فالكنيسة الانجيلية لا تشجع على الهجرة بل على العكس، تشجع على بقاء المسيحيين الوطنيين في بلادهم ليكونوا شهودًا فعالين عن المسيح وحقيقة الامر ان نسبة وعدد المسيحيين الانجيليين العرب الذين هاجروا بلادهم اقل بكثير جدا من باقي الطوائف المسيحية العربية الاخرى.
يتحدث الكاهن عن الدعم المادي والسياسي وهنا أسال حضرة الكاهن. كيف تعيش وتدفع مصاريف حياتك اليومية انت وجميع رجال الدين؟ الا تؤمّن الكنيسة لكم دعمًا ماديًا يلبي احتياجاتكم المادية؟ وماذا عن باقي المصاريف المادية والنشاطات والفعاليات الروحية والاجتماعية وغيرها التي تقوم بها كنائسكم. اليس هناك دعمًا ماديا لها؟ اذًا فانتم مدعمون ماديًا. من المحزن ان اغلب مباني الكنائس المعمدانية والانجيلية في البلاد هي مباني مستأجرة لقلة الدعم المادي بينما اغلب كنائسكم واوقافكم هي ملك للكنيسة.
يفتقر حديث الكاهن مدروس الى الموضوعية والتي لا تلائم ممن يوصف بالعلامة. كنت اتمنى ان ارى هذا العلامة يتكلم عن نقاط محددة في تعاليم الانجيليين "المضللة" او كلام يرتقي الى مستوى فكري عالي ولكن حديثه كان لا يزيد عن كلام استهزاء لا سند له ولا يليق بالثوب الذي يلبسه ولا بالدرجات العلمية التي يحملها.
الا يمارس الكاهن مدروس نوعًا من "الارهاب الفكري و الديني" بحيث يعتبر أرائه ضد المعمدانيين هي "منزلة و موحى بها" ولا يعطي المجال للطرف الاخر بالرد وان يعتبرنا "كفارًا" ان جاز التعبير لاننا نخالف بعض مبادئ ايمانه؟
لا اقول ان المعمدانيين والانجيليين هم كاملون، فهناك أخطاء تحدث داخل كنائسنا ولا نخجل ان نكشفها ونحاول اصلاحها وقد كتب العديدون من الكتاب الانجيليين في موقع لينغا وامام الجميع عن تلك الاخطاء ومع ذلك نحن نؤمن بالمحاسبة الصادقة والتوبة والتغيير ولاننا غير كاملين، نسمح لنعمة المسيح ان تكملنا.
ملاحظة: هذا المقال هو رأي خاص ولا يعبر بالضرورة عن موقف رابطة الكنائس المعمدانية في اسرائيل او مجمع الكنائس الانجيلية.