إن التغييرات السياسية الأخيرة التي تمر بها بلادنا بشكل خاص والبلدان العربية المجاورة بشكل عام قد أثارت ولا تزال تُثير الكثير من الأفكار والمبادئ، وألهبت الكثير من المشاعر التي كلما حاولت الانتفاض في أحشائنا، نقوم بإخمادها خوفًا وحياءً من إثارة جلبة وبركان لا نقدر أن نلجمه ونسيطر عليه!
أنا مسيحية...عربية....فلسطينية... وُلدتُ في دولة إسرائيل وأحمل الهوية والجنسية الإسرائيلية.هل باختياري؟ طبعًا لا.
كلما سُئلت في خارج البلاد عن هويتي، أغوص في دوامة كبيرة من الارتباك والحيرة والتردد! فمن أنا؟ أأقول أنا من فلسطين؟ ولكنني أسكن داخل إسرائيل! أأقول أنا من إسرائيل؟؟ ولكنني فلسطينية وبفخر، ولا أريد أن أُحتسب كإسرائيلية أو قد يظن البعض بأنني يهودية! أأقول أنا من القدس فأترك الإجابة والجزم على الطرف الآخر؟؟ ولكن القدس هي نواة الزوبعة وخليط الهويات والقوميات والمعتقدات!! خليطٌ من المشاعر والأفكار ينتابني، فيترك الحنين والشوق في قلبي أحيانًا كثيرة فأتمنى لو أنني وُلدتُ في مكان وبلدٍ آخر يسهل فيه الجزم فيمن أكون وما أكون!
وفي الاتفاقية الأخيرة لتحرير الأسرى والجندي جلعاد، تضاربت المشاعر والمبادئ والمعتقدات...فرحتُ بطبيعة الحال كثيرًا لتحرير الأسرى كوني فلسطينية؛ ولكنني تساءلتُ كمسيحية: هل يصح أن يتحرر شخص قام بقتل متعمد بحجة الدين والشهادة؟ موافقتي على ذلك تستنكر عقيدتي ومبدأي وإيماني! ومن جهة أخرى، فرحتُ كمسيحية لعودة الفتى جلعاد لحضن والديه اللذين أذابهما الاشتياق والقلق والحنين...ولكنني تساءلت بدوري كفلسطينية، كيف لي أن أفرح لجندي قام باجتياح وغزو فلسطين؟
تخبُّطات كثيرة تُشعرنا بالحيرة والفوضى في كل حواسنا... فما هو المفروض وما هو الواجب؟
ولكنني أجزم هنا بأنني وقبل أي تعريف آخر، أقول بأنني مسيحية وابنة الرب...لذا من واجبي أن أغفر 7 مرات 70مرة ، باختياري وبقلب يملأه السلام والمحبة؛ ليس فرضًا ولا عنوةً.
وبقلب المسيحية أصلي أن يملأنا الرب بكل نعمة لنرى وجهه ونلمس حضوره وننظر انعكاسه في كل أمورنا. حياتنا هنا في إسرائيل، كعرب "48" ، ليست سهلة أبدًا وهي مملوءة بالمشاحنات والنزاعات والتضاربات والعنصرية اليومية المتفشية والآخذة بالازدياد أكثر وأكثر، وحدَّتها أصبحت موجعة ومؤلمة أكثر...فليت الرب يتعامل في القلوب ويستخدمنا كسفراء لنكون صانعي سلام ومصالحة بين الله والناس أولاً؛ وبين القوميات ثانيًا...بنعمة الرب وسلطانه... إذ "لا بالقوة ولا بالقدرة، بل بروحي قال رب الجنود."