إن هذه الثلاثة مبادئ، التي تعكس طبيعة الله، إن أدركناها وآمنا بها، نجعل الله يفتدي الضيق لمجده العظيم وبأفضل طريقة. ونستطيع أن نطبقها في كافة أنواع الضيقات ولا سيَّما الضيقات السياسية.
عندما تمادى شعب إسرائيل في زمن إرميا النبي في الخطية وعبادة الأوثان، وبعد النداءات الكثير من النبي إرميا والتي استمرت لفترة 23 عامًا كما قال:
" 3 ... هَذِهِ الثَّلاَثِ وَالْعِشْرِينَ سَنَةً صَارَتْ كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَيَّ فَكَلَّمْتُكُمْ مُبَكِّراً وَمُكَلِّماً فَلَمْ تَسْمَعُوا."
يتابع إرميا ليروي للشعب ملخصًا عن مجمل هذه النداءات:
" 4 وَقَدْ أَرْسَلَ الرَّبُّ إِلَيْكُمْ كُلَّ عَبِيدِهِ الأَنْبِيَاءِ مُبَكِّراً وَمُرْسِلاً فَلَمْ تَسْمَعُوا وَلَمْ تَمِيلُوا أُذُنَكُمْ لِلسَّمْعِ 5 قَائِلِينَ: ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ عَنْ طَرِيقِهِ الرَّدِيءِ وَعَنْ شَرِّ أَعْمَالِكُمْ وَاسْكُنُوا فِي الأَرْضِ الَّتِي أَعْطَاكُمُ الرَّبُّ إِيَّاهَا وَآبَاءَكُمْ مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ. 6 وَلاَ تَسْلُكُوا وَرَاءَ آلِهَةٍ أُخْرَى لِتَعْبُدُوهَا وَتَسْجُدُوا لَهَا وَلاَ تَغِيظُونِي بِعَمَلِ أَيْدِيكُمْ فَلاَ أُسِيءَ إِلَيْكُمْ." إرميا 25.
من خلال دراسة عامة للنصوص في فترة ما قبل وخلال تسلط الاحتلال البابلي، ممكن أن نستخلص هذه الثلاثة مبادئ، عن طبيعة الله، التي ستساعدنا اليوم أيضًا على معرفة الله وتتميم مشيئته، وافتداء الضيق بالإيمان للأفضل لكنيسته وشعبه.
هذه المبادئ هي (الله: صالح – عارف – قادر ):
- الإيمان بأن الله صالح ويريد الأفضل لأجلي ولأجل شعبي.
- الإيمان بأن الله عارف ما هو الأفضل لأجلي ولأجل شعبي.
- الإيمان بأن الله قادر على كل شيء – ثـقة وتسليم.
1- الإيمان بأن الله صالح ويريد الأفضل لأجلي ولأجل شعبي.
كلَّم الله الشعب مرارًا وتكرارًا كلام رجاء وتشجيع لكي يؤكد لهم أن مشيئته لهم كاملة، صالحة ولا تحتوي أي عيب مهما صغُر :
" 10 لأَنَّهُ هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ. إِنِّي عِنْدَ تَمَامِ سَبْعِينَ سَنَةً لِبَابِلَ أَتَعَهَّدُكُمْ وَأُقِيمُ لَكُمْ كَلاَمِي الصَّالِحَ بِرَدِّكُمْ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ. 11 لأَنِّي عَرَفْتُ الأَفْكَارَ الَّتِي أَنَا مُفْتَكِرٌ بِهَا عَنْكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ أَفْكَارَ سَلاَمٍ لاَ شَرٍّ لأُعْطِيَكُمْ آخِرَةً وَرَجَاءً."
ويتابع الله ليبرز هدفه الصالح من وراء سماحة للضيق السياسي، وهو لكي يرجع إليه الشعب ويطلب وجهه:
" 12 فَتَدْعُونَنِي وَتَذْهَبُونَ وَتُصَلُّونَ إِلَيَّ فَأَسْمَعُ لَكُمْ. 13 وَتَطْلُبُونَنِي فَتَجِدُونَنِي إِذْ تَطْلُبُونَنِي بِكُلِّ قَلْبِكُمْ."
عندها يستجيب الرب ويرد سبي الشعب بعد تنقيته لهم:
" 14 فَأُوجَدُ لَكُمْ يَقُولُ الرَّبُّ وَأَرُدُّ سَبْيَكُمْ وَأَجْمَعُكُمْ مِنْ كُلِّ الأُمَمِ وَمِنْ كُلِّ الْمَوَاضِعِ الَّتِي طَرَدْتُكُمْ إِلَيْهَا يَقُولُ الرَّبُّ وَأَرُدُّكُمْ إِلَى الْمَوْضِعِ الَّذِي سَبَيْتُكُمْ مِنْهُ." أرميا 29 (أيضًا 3: 22).
إذًا عندما يمر شعب في حرب ظالمة مثلاً أو كوارث طبيعية أو ضيقات ومجاعات، يجب أن ندرك أن خطة الله من نحو ذلك الشعب هي صالحة وكاملة. بالرغم من تعسر فهمنا عن كيف ممكن أن يكون هذا ونحن نرى أمامنا، في وسط الضيق، عكس الصالح تمامًا.
فلكي نستطيع أن نثق أن الرب صالح وأن خطته من نحو شعبي كاملة وليست فيها أي عيب، نحتاج إلى الإيمان.
2- الإيمان بأن الله عارف ما هو الأفضل لأجلي ولأجل شعبي.
مثل باقي الشعوب التي تمر في ظل احتلال وظروف سياسية سيئة، كانت هناك آراء عديدة متضاربة في وسط الشعب عن ما هو الأفضل لهم:
فيوجد هناك من كان يظن أنهم يجب أن يخوضوا كفاحًا مسلحًا ضد الاحتلال البابلي (2 ملوك 24: 20)، وضد المتعاونين معهم (2 ملوك 25: 22 و25)، وكان هنا أيضًا توجه للتحالف بين يهوذا ومصر بعد هزيمة يوشيا الملك وتعيين المصريين يهوياقيم بعده (2 أخبار 36: 4). ويوجد من اعتقد أنه من الأفضل أن يهاجروا إلى مصر لطلب الأمان والاستقرار والهروب من الموت والخطر (2 ملوك 25: 26 وإرميا 42).
أما إرميا فنقل إليهم دعوة الله للشعب بأن يبقوا في أورشليم، وأن يخضعوا لسيادة البابليين، لكي لا يذهبوا إلى السبي ويستقروا في أرضهم:
" 5 إِنِّي أَنَا صَنَعْتُ الأَرْضَ وَالإِنْسَانَ وَالْحَيَوَانَ الَّذِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ بِقُوَّتِي الْعَظِيمَةِ وَبِذِرَاعِي الْمَمْدُودَةِ وَأَعْطَيْتُهَا لِمَنْ حَسُنَ فِي عَيْنَيَّ 6 وَالآنَ قَدْ دَفَعْتُ كُلَّ هَذِهِ الأَرَاضِي لِيَدِ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكِ بَابِلَ عَبْدِي وَأَعْطَيْتُهُ أَيْضاً حَيَوَانَ الْحَقْلِ لِيَخْدِمَهُ. 7 فَتَخْدِمُهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَابْنَهُ وَابْنَ ابْنِهِ حَتَّى يَأْتِيَ وَقْتُ أَرْضِهِ أَيْضاً فَتَسْتَخْدِمُهُ شُعُوبٌ كَثِيرَةٌ وَمُلُوكٌ عِظَامٌ 8 وَيَكُونُ أَنَّ الأُمَّةَ أَوِ الْمَمْلَكَةَ الَّتِي لاَ تَخْدِمُ نَبُوخَذْنَصَّرَ مَلِكَ بَابَلَ وَالَّتِي لاَ تَجْعَلُ عُنُقَهَا تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابَلَ إِنِّي أُعَاقِبُ تِلْكَ الأُمَّةَ بِالسَّيْفِ وَالْجُوعِ وَالْوَبَإِ يَقُولُ الرَّبُّ حَتَّى أُفْنِيَهَا بِيَدِهِ ... 11 وَالأُمَّةُ الَّتِي تُدْخِلُ عُنُقَهَا تَحْتَ نِيرِ مَلِكِ بَابِلَ وَتَخْدِمُهُ أَجْعَلُهَا تَسْتَقِرُّ فِي أَرْضِهَا يَقُولُ الرَّبُّ وَتَعْمَلُهَا وَتَسْكُنُ بِهَا."
إرميا 27 (جدير بالذكر أن الدعوة لم تكن فقط لشعب الرب، بل لملوك شعوب أخرى مثل: أدوم، موآب، بني عمون، صور، وصيدون، الأعداد 1-3).
أراد الله أن يجعلهم يدركون أنه هو الذي يعرف تمامًا ما هو الأفضل لهم. ويقنعهم بأن اختيار الله هو الأفضل، الذي سيؤدي إلى إرجاعهم إليه، مما سيئول للأفضل لهم ولأولادهم وسيحقق الأمان والاستقرار والعدل أيضًا:
" 39 وَأُعْطِيهِمْ قَلْباً وَاحِداً وَطَرِيقاً وَاحِداً لِيَخَافُونِي كُلَّ الأَيَّامِ لِخَيْرِهِمْ وَخَيْرِ أَوْلاَدِهِمْ بَعْدَهُمْ." إرميا 32.
(أما بخصوص تعريف: ما هو الأفضل؟ وبحسب أي معايير؟ سيكون العنوان للتأمل القادم).
3- الإيمان بأن الله قادر على كل شيء – تسليم.
بالرغم من أن إرميا تعذب من جميع الأطراف (مراثي 3: 1-19)، وحتى من أقربائه اتهم بالخيانة الوطنية والعمالة لبابل (37: 13-14 و38: 4)، وأيضًا تألم مثله مثل أي شخص يحب شعبه لما آلت إليه حالة الشعب من أسى وألم (مراثي 1: 8-11). لكن بالرغم من هذا، قد بقي عنده رجاء وأمل بأن الله صالح وهو قادر على كل تغيير كل شيء، وفي أي وقت، وأعلن هذا في صلاته لله قائلاً:
" 17 آهِ أَيُّهَا السَّيِّدُ الرَّبُّ هَا إِنَّكَ قَدْ صَنَعْتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِقُوَّتِكَ الْعَظِيمَةِ وَبِذِرَاعِكَ الْمَمْدُودَةِ. لاَ يَعْسُرُ عَلَيْكَ شَيْءٌ." إرميا 32.
وثبت هذه الصلاة الله، برده أنه فعلاً لا يعسر عليه شيء:
" 27 هَئَنَذَا الرَّبُّ إِلَهُ كُلِّ ذِي جَسَدٍ. هَلْ يَعْسُرُ عَلَيَّ أَمْرٌ مَا؟ " إرميا 32.
يجب أن نؤمن أن الله قادر أن يغير الوضع السياسي في بلادنا بين ليلة وضحاها. الله قادر أن يُخَلِّص الأمة في يوم واحد، كما سبق وقال في زمن النبي أشعياء:
" 8 مَنْ سَمِعَ مِثْلَ هَذَا؟ مَنْ رَأَى مِثْلَ هَذِهِ؟ هَلْ تَمْخَضُ بِلاَدٌ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ أَوْ تُولَدُ أُمَّةٌ دَفْعَةً وَاحِدَةً؟ فَقَدْ مَخَضَتْ صِهْيَوْنُ بَلْ وَلَدَتْ بَنِيهَا! 9 هَلْ أَنَا أُمْخَضُ وَلاَ أُوَلِّدُ يَقُولُ الرَّبُّ أَوْ أَنَا الْمُوَلِّدُ هَلْ أُغْلِقُ الرَّحِمَ قَالَ إِلَهُكِ؟" أشعياء 66.
صلاة:
نعم يا رب نؤمن بأن مشيئتك من نحو شعبي كاملة وليس فيها أي عيب. نؤمن أنك أنت وحدك الذي تعرف ما هو الأفضل لشعبي. نستسلم لإرادتك، ونشكرك على المكان والظروف اللذان وضعتنا فيهما. نسلمك مصير بلادنا وشعبنا، ونثق أنك أنت الذي لك كل سلطان في السماء وعلى الأرض، وأنت القادر على كل شيء ولا يعسر عليك أمر.
" 7 وَإِنْ تَكُنْ آثَامُنَا تَشْهَدُ عَلَيْنَا يَا رَبُّ فَاعْمَلْ لأَجْلِ اسْمِكَ. لأَنَّ مَعَاصِيَنَا كَثُرَتْ. إِلَيْكَ أَخْطَأْنَا. 8 يَا رَجَاءَ إِسْرَائِيلَ مُخَلِّصَهُ فِي زَمَانِ الضِّيقِ لِمَاذَا تَكُونُ كَغَرِيبٍ فِي الأَرْضِ وَكَمُسَافِرٍ يَمِيلُ لِيَبِيتَ؟ 9 لِمَاذَا تَكُونُ كَإِنْسَانٍ قَدْ تَحَيَّرَ كَجَبَّارٍ لاَ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُخَلِّصَ؟ وَأَنْتَ فِي وَسَطِنَا يَا رَبُّ وَقَدْ دُعِينَا بِاسْمِكَ.
لاَ تَتْرُكْنَا! " إرميا 14.