تتحدث وسائل الإعلام المختلفة عن أسطول الحرية الذي يحمل العشرات من الناشطين الدوليين ويتجه إلى قطاع غزة لتقديم المساعدات الإنسانية لفلسطيني القطاع. اعترضت القوات البحرية والجوية الإسرائيلية هذا الأسطول. وكانت النتيجة مقتل تسعة عشر شخصا على الأقل وجرح العشرات. ولقد جُرح أيضا بعض الجنود الإسرائيلين. وتفاقمت الأوضاع وتدعو الكثير من القيادات العربية إلى اضراب عام لجميع الناس وإلى الإشتراك في المظاهرات. فما هو موقفي كمسيحي؟ وما هي المبادئ الكتابية التي تتحدث عن هذا الأمر؟ طبعا، هذا الموضوع شائك ومتشابك ويُعالج عادة في مساقات الأخلاقيات المسيحية التي تُعرض في كليات اللاهوت. لهذا ارجو من القارئ ان يضبط توقعاته. فلن يتحدث هذا المقال القصير إلا عن جانب محدد وهو الطريقة التي قرأ فيها السيد المسيح الجريدة في لوقا 13: 1 – 5. وارجو أن يحفز المقال كتابا آخرين للحديث عن الأخلاقيات الكتابية والمسيحية في سياق القضايا الاجتماعية والسياسية في بلادنا.
جاء الصحفيون إلى المسيح وأخبروه عن كوارث الحياة إذ قتل بيلاطس قوما من الجليليين وخلط دمهم بذبائحهم (لو 13: 1) وانتشرت الأخبار المتعلقة ببرج سلوام الذي وقع وتسبب بقتل ثمانية عشر شخصا (لو 13: 4). ولقد تحدى يسوع التحليل الأخباري والمنظار الصحفي الذي يستثني دور الله ومسئولية القارئ. وخلافا للخط النبوي الذي ينتقد بحق الظالمين ويناصر المظلومين، لم يُركز السيد المسيح تحليله على ظلم السلطة السياسية أو شناعة المجزرة التي فعلها بيلاطس أو فساد المهندسين والبنائين ورجال الأعمال، ولم يحاول إدانة المقتولين وشرح أسباب عقابهم أو تبرير السلطة السياسية من تهمة الظلم والإفراط في استخدام القوة.
كان موقف يسوع مفاجئا إذ حول الخبر الصحفي إلى رسالة دينية تدعو إلى التوبة. خاطب يسوع الصحفيين والشعب نافيا التفاسير الخاطئة والمضللة ومحاربا التفاسير التي تجعلنا في أعلى سُلم التطور الأخلاقي وتجعل الآخرين مثالا للفساد. وأكد رفضه للتوجهات التي تجعل الإنسان كقلعة منيعة لا تتأثر بما يدور حولها ولا تبالي بآلام ابناء بلدنا. لقد رفض يسوع الإستعلاء الأخلاقي الذي يلوم من يُعاني أو العزلة التي تتجاهل ما يدور حولها. ورفض الانتقاد المُحرِّض الذي يثير العواطف دون ترجمتها بصورة بناءة.
ولكن كيف تعامل يسوع مع الموقف وكيف نفهم جوابه؟ يبدو لي أن السيد المسيح يريدنا أن نفسر كل ما يدور حولنا في ضوء علاقتنا مع الله. فيجب أن تقودنا الأزمات السياسية إلى التوبة. فنعود إلى الله ونشهد أن بلادنا ناقصة في محبتها بسبب النقص في المحبة في حياتي أنا أولا وبسبب محبتي بالكلام واللسان وليس بالعمل والحق. وبلادنا ناقصة في مفهومها عن العدالة والحق بسبب المرات الكثيرة التي كان من الممكن أن اتكلم أو اكتب عن الحق فصمت. وبلادنا تفتقر إلى السلام بسبب انعزال كنيسة الرب عن المجتمع وعن قضاياه. وكنائسنا تفتقر إلى الإستراتيجيات الكتابية التي تعيننا على التعامل مع أزمات المجتمع بصورة كتابية مليئة بالرحمة والمحبة والعدالة.
في ضوء ما سبق، ادعو إلى فتح كل الكنائس والدعوة إلى يوم صلاة لأجل كل المصابين ولأجل السلام ولصانعي القرار. أدعو الكنائس وكل اتباع يسوع المسيح إلى يوم توبة نسأل فيه أنفسنا: يا رب كيف نبارك أهل غزة والجنود الإسرائيلين؟ كيف ننشر اسم المسيح ورسالته في قريتنا ومدينتنا فنبدأ في تغيير العقليات التي تستثني مركزية الله ومحبة الإنسان؟ كيف نتحدث في سياق التوبة بدلا من الاستعلاء الأخلاقي. أذنبنا بعدم محبتنا لجيراننا المسلمين في أم الفحم وفي غزة ومواقع أخرى وأذنبنا في عدم التأكيد على كرامة الإنسان الذي خلقه الله على صورته. أنا اكثركم ذنبا فارحمنا يا رب! اذنبنا بعدم محبتنا لجيراننا اليهود بصمتنا وعدم رفع راية محبة المسيح وعدالته. وساعدنا يا رب أن نفعّل كل طاقاتنا وامكانيات كنائسنا ومؤسساتنا في نشر المحبة والعدالة ورحمة المسيح وبركاته. حينها لا نغير المجتمع فحسب بل نتغير نحن انفسنا ونزداد شبها بربنا يسوع المسيح.