هل يَدِين الرب شعبه؟‎‎

ان الذي يحبه الرب يؤدبه ويجلد كل ابن يقبله. ان كنا نحن آباء وأمهات ارضيين نحب اولادنا واذا أخطأوا نؤدبهم فكم بالحري الآب السماوي
12 مارس 2022 - 09:27 بتوقيت القدس
هل يَدِين الرب شعبه؟‎‎

نقرأ في الكتاب المقدس عن اعلان محبة الله لشعبه، الذي آمن به وبابنه يسوع المسيح مخلصًا وربًا، كذلك عن محبة الله لكل الامم والشعوب كما اعلن يوحنا في الانجيل الاصحاح الثالث عن محبة الله للعالم.

لكن في المزمور 14:135 نقرأ ان الرب يدين شعبه، فكيف ممكن ان يدين الله شعبه الذي احبه وافتداه بدم ابنه يسوع، ومن ناحية اخرى نقرأ في رسالة بولس الرسول الى اهل رومية انه لا شيء من الدينونة الان على الذين هم في المسيح يسوع (رومية 1:8)، وغالبًا عندما نقرأ هذا العدد لا نكمل حتى النهاية، عندما يقول الرسول انه لا دينونة للسالكين ليس حسب الجسد بل حسب الروح.

فهل هناك تناقض بين هذه الاعلانات المقدسة ؟

نقرأ في رسالة العبرانيين الاصحاح 12 ان الذي يحبه الرب يُؤدبه، ويجلد كل ابن يقبله، وان كنا نحن آباء وأمهات ارضيين نحب اولادنا ونريد الخير لهم، واذا أخطأوا فاننا نوجههم واحيانا نؤدبهم ايضا، فكم بالحري الآب السماوي بمحبته الكاملة، يريد الخير لشعبه ولاولاده، واذا زاغ احدهم عن الحق فان الله يسمح بالتأديب لكي يسترد كل خروف ضل عن طريق الخلاص.

فهذا ما نقرأه في نفس المزمور 135، يقول الكاتب ان الرب يدين شعبه، لكن في القسم الآخر من نفس العدد يقول "وعلى عبيده يشفق"، لان كل تعاملات الله مع خليقته بدافع المحبة، كذلك مع شعبه واولاده فانه يدين شعبه، لكنه يفعل ذلك بدافع الشفقة والمحبة لكي يستردهم اليه.

كما قرأنا في رومية 8، انه لا دينونة على من يسلك بالروح، لان الروح القدس الساكن في قلوبنا لا بُد ان يملء حياتنا بالمحبة والبِر والتواضع والقداسة وكل ثمر الروح القدس، لكن ان كان فينا بعض اعمال الجسد وان سلكنا فيها بشكل متواصل (ومن منا ليس لديه ضعفات وزلات !)، فان الله يأتي "بدينونة" على هذه الخطية او الزلّة او العادة السيئة التي في حياتنا، ليس لكي يهدمنا او يحبطنا بل بالعكس، لكي ينقي ويقدس قلوبنا بروحه المبارك، لاننا ان قلنا ان ليس فينا خطية جعلنا الله كاذب، وحاشا ان يكون هذا !!

نقرأ في العهد القديم خاصة في اشعياء وارميا كيف زاغ شعب الرب عن الوصية المقدسة، وابتعد عن الله الذي دعاه لكي يتبعه وبان يكون نور للعالم.

لكن الشعب القديم ابتعد عن الله وخان العهد، وهذا ما نقرأه في اشعياء الاصحاح 13عن دينونة الله لاورشليم ويهوذا، فيقول في العدد 14 "ان الرب يدخل  في المحاكمة مع شيوخ شعبه ورؤسائهم ولماذا ؟

لانهم أكلوا الكرم وسلبوا البائس وسحقوا الشعب وطحنوا وجوه البائسين؟
فهل يرضى الرب بهذا، ولا يوبخ بل ويعاقب ايضا؟
لكي يسترد قلوب رؤساء الشعب بل اورشليم ويهوذا ايضا؟

كذلك في كتاب ارميا الاصحاح الثاني نقرأ كيف ترك شعب اسرائيل الرب، وكيف وبخ الرب قائلًا :

"ان شعبي عمل شرَّين، تركوني انا ينبوع المياه الحيَّة، لينقروا لانفسهم آبارًا مشققة لا تضبط ماءً ". ( ارميا 13:2).

فهل يترك الله شعبه في هذا الفخ وهذه الخداع؟
بل يقول الرب:
"هأنذا أحاكمك لانك قلت لم أُخطئ" !! (ارميا 35:2).
كذلك قال الرب عن هذا الشعب:
"قد بررت نفسها العاصية اسرائيل اكثر من الخائنة يهوذا". ( ارميا 11:3 ). 

وما زلنا نسمع هذا الكلام وهذه النغمة حتى في ايامنا هذه، انا لم اسرق ولم اقتل ولم ازني ولم اغش، لكن هل هذا صحيح ؟! ففاحص القلوب والكلى هو الله وحده.

لكن النبي ارميا يتابع بروح النبوة قائلًا:
"ارجعي ايتها العاصية اسرائيل يقول الرب، لا اوقع غضبي بكم لاني رؤوف، يقول الرب، لا احقد الى الابد". (ارميا 12:3).

وما زالت دعوة الرب الاله للجميع بان يرجعوا عن الخطية ويتوبوا الى الله من كل القلب من خلال صليب المسيح وسفك دمه على الصليب، لاننا نعيش الان في زمن النعمة حيث ما زال باب السماء مفتوح للجميع، وحتى ولو كانت خطية في القلب، فان الرب يريد استرداد شعبه واولاده اليه، لكي يدين الخطية في قلوبنا جميعا، لان من يرفض هذا التأديب وهذه الدينونة الآن، لا بُد ان يلاقي دينونة عادلة رهيبة، في بحيرة النار والكبريت الى الابد !!

ربما يقول البعض ان هذا الكلام الصعب وهذا التحذير الصارم كان في ايام عصيان اسرائيل ويهوذا، على فم اشعياء وارميا فقط!
لكننا الان نحن في عهد النعمة، ولا دينونة علينا!
وان يسوع جاء لكي يخلص الجميع لا لكي يدين.
هذا الكلام صحيح، لكنه لمن قبل من كل القلب عمل النعمة وتاب عن خطاياه من كل القلب.

ففي رسالة بولس الى اهل كورنثوس الاولى اصحاح 11 نقرأ تحذير بولس للكنيسة وقت المشاركة في عشاء الرب، حيث كان بينهم انشقاق واستهانة واشتركوا بعشاء الرب !!

فقال بولس الرسول ان الذي يأكل ويشرب بدون استحقاق، يأكل ويشرب دينونة لنفسه، غير مميز جسد الرب، ومن اجل هذا كان كثيرون ضعفاء ومرضى، وكثيرون يرقدون (اي يموتون !!).

لكن الرسول يُعلن انه لو كنّا حكمنا على أنفسنا لما حُكم علينا، ولكن اذ قد حُكم علينا، نُؤدب من الرب لكي لا ندان مع العالم !!!

أخوتي، هذا كلام صعب جدا وجهه الرسول للكنيسة التي كان فيها انشقاق وخطية واستهانة احدهم بالآخر، وفي نفس الوقت كانوا يشاركون معا بعشاء الرب !!

انها ايام توبة ورجوع الى الله من كل القلب، لكي لا ندان مع العالم كما قال رسول الامم.

وان قلنا ان هذه المشاكل وهذه الخطايا كانت فقط في كنيسة كورنثوس، فان كاتب رسالة العبرانيين يُعلن بشكل صريح وواضح بان من خالف ناموس موسى فعلى شاهدين او ثلاثة شهود يموت بدون رأفة، فكم عقابًا أشر تظنون انه يُحسب مستحقًا من داس ابن الله، وحسب دم العهد الذي قُدِّس به دنسًا، وازدرى بروح النعمة ؟؟!! (عبرانيين 28:10).

فاننا نعرف الذي قال :
"لي الانتقام، انا أجازي يقول الرب ".
وايضًا :
"الرب يدين شعبه ". (عبرانيين 30:10).

لنسمع وصية بطرس الرسول :

"فلا يتألم أحدكم كقاتل، او سارق، او فاعل شر، او متداخل في امور غيره، ولكن ان كان كمسيحي، فلا يخجل، بل يمجد الله من هذا القبيل. لانه الوقت لابتداء القضاء من بيت الله، فان كان اولًا منا، فما هي نهاية الذين لا يطيعون أنجيل الله ؟! (رسالة بطرس الاولى 15:4). 

لنقول كلنا مع داود من كل القلب : " اختبرني يا الله واعرف قلبي، إمتحنّي واعرف أفكاري، وانظر ان كان فيَّ طريقٌ باطلٌ، واهدني طريقًا ابديًا ".

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا