الميلاد: قصة القصص وحكاية الحكايات (2) أفعال وردود أفعال

من بين كل ما قيل ويقال لا يمكن لنا أبدا أن ننكر نعمة وبركة القديسة العذراء مريم والقديس يوسف النجار في خطة الله وفي روعة الميلاد
04 يناير 2022 - 19:33 بتوقيت القدس
الميلاد: قصة القصص وحكاية الحكايات (2) أفعال وردود أفعال

في قصة ميلاد المسيح تتلاقى خيوط وتجتمع مفارقات تختلط فيها جميع الالوان الزاهي منها والقاني لتقدم لنا أحلى صورة، صورة فداء الله للإنسان. وتختلط الروايات وتتشابك المعطيات والأحداث والظروف لتعزف لنا مجتمعة لحن: "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وبالناس المسرة"، وتعلن البشارة للقاصي والداني، للجالسين في ظلال الموت الذين يشرق عليهم النور، ولقاطني قصور الملوك الذين يمضون في ظلام دامس حتى المنتهى. وما بين ملاك وانسان وملك ذي سطوة ونفوذ يعلن الحق للفقير والغني، للعالم والجاهل، لطيب القلب ولقاسي القلب. وبين هذا وذاك تمضي خطة الله الأزلية في طريقها المحدد.

في هذا المقال سنتحدث بنعمة الرب عن فئات وأنماط وأفراد وجماعات وكيف تباينت وتفاوتت ردود أفعالهم تجاه قصة ميلاد المسيح مجيئه بأرضنا لفداء الانسان. 

القديسة العذراء مريم ويوسف النجار

من بين كل ما قيل ويقال لا يمكن لنا أبدا أن ننكر نعمة وبركة القديسة العذراء مريم والقديس يوسف النجار في خطة الله وفي روعة قصة الميلاد، والحديث عنهما يطول ويحتاج للكثير من السرد والتفصيل ما بين حياة بسيطة نقية وتقوى واتضاع بالغي الأثر وطاعة وخضوع وإيمان وتسليم للمشيئة الإلهية وإنكار للذات وتحمل للألم والمخاطر و... 

ولا تنتهي القصة عند ذلك الحد، بل تستمر القصة بتفاصيلها للمنتهى. ان حياة أولئك القديسين تضرب لنا مثالا ونموذجا ولا أروع لحياة أحبت الله وأكرمته فاستخدمها الله وتمجد فيها. ويا ليتنا نتعلم الدروس.

الرعاة: الاستجابة الرائعة والسريعة

يقول الوحي المقدس:

" وكان في تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيته، وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب اضاء حولهم فخافوا خوفا عظيما. فقال لهم الملاك: «لا تخافوا. فها انا ابشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. انه ولد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح الرب.  وهذه لكم العلامة: تجدون طفلا مقمطا مضجعا في مذود.  وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوي مسبحين الله وقائلين: "المجد لله في الأعالي وعلى الارض السلام وبالناس المسرة". ولما مضت عنهم الملائكة الى السماء قال الرعاة بعضهم لبعض: "لنذهب الان الى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذي أعلمنا به الرب". فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعا في المذود. فلما رأوه أخبروا بالكلام الذي قيل لهم عن هذا الصبي. وكل الذين سمعوا تعجبوا مما قيل لهم من الرعاة. واما مريم فكانت تحفظ جميع هذا الكلام متفكرة به في قلبها. ثم رجع الرعاة وهم يمجدون الله ويسبحونه على كل ما سمعوه ورأوه كما قيل لهم". 

نعم، إنهم الرعاة الساعون بفرح وراء الرؤيا والإعلان السماوي المبارك. كان الرعاة يهودا يرعون في منطقة ليست بعيدة عن بيت لحم. وكانوا هم في مجموعهم قوما بسطاء في علمهم وفي عملهم، أو ربما هم من أدنى فئات المجتمع يمتهنون مهنة عامة الناس في ذلك الوقت، لكننا نرى كيف كان استجابتهم سريعة حاسمة ورائعة لبشارة الملاك. وهنا ربما نسأل أنفسنا، ترى هل ترانا نحن لدينا نفس الاستجابة ونفس السرعة والعجلة والاهتمام والتكريم والفرح والتقدير الذي قدموه أولئك الرعاة البسطاء لطفل المذود الوليد؟ يا ليتنا نفعل.

مجوس من المشرق... عبء ومشاق سفر وطاعة وهدايا

كان المجوس يختلفون اختلافات جوهرية وهامة عن الفئة التي تحدثنا عنها سابقا من نواح كثيرة ومتعددة، فبينما كان الرعاة يهودا كان المجوس أممين وثنيين، وبينما كان الرعاة أناسا بسطاء من عامة الشعب كانت فئة المجوس من كبار القوم والعلماء الذين يحظون بمكانة متميزة في المجتمع وعند العامّة. وبينما أعلنت البشارة للرعاة بإعلان ملائكة السماء قاد الله النجم لكي يرشد المجوس علماء الفلك لمكان ميلاد المولود. وبينما لم يكن للرعاة ما يقدمونه من هدايا للطفل الوليد إلا أن المجوس أتوا وقدموا الهدايا له. وبينما استغرق الوقت قليلا للرعاة ليصلوا للطفل الوليد في موضع ولادته، فقد استغرق الأمر وقتا أطول من المجوس ليبلغوا غايتهم بزيارة الصبي، مما جعل هيرودس يتحقق منهم ومن علمائه حول زمن ميلاد الطفل ومن ثم يقتل الأطفال من سنتين فما دون ليكون متأكدا ـ حسب ظنه الذي خاب بمشيئة الرب المحتومة ـ من كونه قد تخلص من الملك المزعوم!

ومع كل تلك الاختلافات والتباينات التي ذكرناها بين فئتي الرعاة والمجوس، ربما لم يتفق المجوس مع الرعاة إلا في أمرين اثنين رائعين ألا وهما فرحهما بالمولود واستجابتهما السريعة الإيجابية والرائعة لإعلان أخبار الخبر السار. وأعود لأكرر وأقول يا ليتنا في عيد الميلاد نكرم الطفل الوليد ونقدم له كل حب وتقدير وإكرام لأنه هو مستحق.

سمعان الشيخ وحنّة النبيّة ... مشوار تقوى وانتظار طويل ينال المكافأة الأخيرة

ويحدثنا البشير لوقا في سرده لقصة الميلاد عن هذين التقيين كثيري الأيام الذين بلغا من العمر أرذله، لكن شعلة محبتهما وأشواقهما للرب لم تنطفأ أو تخمد، بل كانت في لهيبها متقدة ومستعرة. سمعان الذي تلقى وعدا بالروح القدس ألا يموت إلا بعد أن يكون قد تحقق حلمه برؤيا الله المتجسد والذي لم يكن له أحلام سوى ذلك فيصلي أخيرا: “الآن تطلق عبدك بسلام لأن عيني قد رأتا خلاص الله" بعد أن تنبأ بإعلانات وروئ عن الطفل الوليد. وحنّة النبية الأرملة التي لم تبارح الهيكل بأصوام وصلوات نهارا وليلا حتى سن الرابعة والثمانين، أي تقوى هذه استحق بها كليهما أن يرى خلاص الله المتجسد. يا ليتنا نتمثل بهما.

هيرودس الملك... سحابة ظلمة وسط إشراق نور متزايد!!

وما كنت أود أن أختم هذه القصة الجميلة وأولئك الأبطال القديسين بالحديث عن سواد وسط نهار مضيء ومشرق لكن ما باليد حيلة!

يقدم لنا الوحي المقدس شخصية شريرة ورديئة نفثت سمها على كل من حولها. شخصية امتلأت بالخوف والكره والغل والحقد على كل من حولها فلم تتورع حتى على قتل أطفال أبرياء لقرية بأكملها من دون أن ترمش لها عين أو يرتجف لها جفن! ما هذه القسوة والبشاعة والكراهية؟! وتخبرنا كنت التاريخ بعدها كيف أن هذا الملك قتل زوجته وابنا له، وأصيب آخر أيامه بأمراض لا شفاء منها قتلته أخيرا وأنه في شره كان يعلم أن لا أحد من رعيته كان يحبه، فمات ميتة الأشرار الأردياء فلم يحزن عليه أحد!!

كلمة أخيرة .....

أصلي أن تحتفل بعيد الميلاد هذا العام بمعنى وعمقا وبُعدا مختلف. وأصلي أن تكرم الرب كما أكرمه كل من تحدثنا عنهم ليكون للميلاد بحياتك معنى ومغزى حقيقيا. أرجوك. إكرم طفل المذود الوليد في عيد الميلاد، إن هذا هو المعنى الحقيقي للعيد، وكل عام وأنت بخير.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا