تحتفل الكنائس الغربية (الكاثوليكية والانجيلية) في جميع انحاء العالم اليوم الاحد، بالأحد الأول لما يسمى "زمن المجيء" او "احد اضاءة الشموع" وهو عبارة عن الزمن الذي يفتتح السنة الليتورجية ويحضر المؤمنين لعيد الميلاد خلال الآحاد الأربعة القادمة. قبل الاحتفال بعيد ميلاد الرب يسوع المسيح. فالكنيسة الانجيلية في اوروبا تحتفل بهذا الوقت على مدار اربع آحاد والتي بها يقرأ من الكتاب المقدس قراءات خاصة، ويضاء في الاحد الاول شمعة ثم في الاحد الثاني شمعتان والاحد الثالث ثلاث شمعات وفي الاحد الرابع اي اسبوع قبل الميلاد فيضاء اربع شمعات معلنين بذلك مجيء الميلاد.
ما هي معاني هذا الزمن وما هي المشاعر التي تنعش المؤمنين خلاله؟
منذ بدأ الخليقة وخاصة بعد خطيئة آدم وحواء، وعد الله بإرسال مخلص للبشرية، فأرسل الآباء مثل ابراهيم ويعقوب واسحق، والأنبياء مثل موسى وأشعيا وارميا، وأعطى الشعب اليهودي النبؤات والكتب المقدسة لكي ليحضر لمجيء هذا المخلص الذي سيخرج من نسل آدم وحواء ومن أصل داود الملكي. وقد تحقق هذا المجيء التاريخي عندما تم "ملء الزمان" بولادة ربنا يسوع المسيح في مغارة بيت لحم من مريم العذراء بقوة الروح القدس، وهذا ما نسمية المجيء الأول أو التاريخي الذي تم في الزمن الماضي قبل ألفي سنة وفي بلادنا بالذات. لقد تم هذا الحدث العظيم في الماضي وقلب التاريخ وغير وجه الأرض.
ولكننا نؤمن بأن السيد المسيح سيأتي في نهاية الأزمنة عند نهاية العالم ليدين الأحياء والأموات، وهذا ما نسميه "المجي الثاني" أو "المجيء الأخروي" الذي سيتم في المستقبل، علماً بأن لا أحد يعرف متى سيحدث هذا، فالسيد المسيح ذاته قال "لا أحد يعرف الوقت ولا الساعة" وأعطى تشابيه كلها تدل على أنه سيتم بغته وفجأة وفي ساعة لا يعلمها أحد، فتارة يقول بأن الوقت سيأتي في الليل مثل اللص السارق، وتارة يقول بأنه سيكون بسرعة وفي لمحة بصر كما البرق، وحيناً يقول بأنه سيأتي فجأة كما تداهم ساعة المخاض والولادة المرأة الحامل. لذلك يوصي بالسهر والاستعداد والانتظار لكي لا يأتي الرب فيجدنا نائمين: "وما أقوله لكم، أقوله للناس أجميعين: اسهروا". إن مجيء المسيح أمر محتوم، وإن لم نعلم الساعة، وأن لا مفر من المثول بين يديه في ساعة معلومة لديه. لذلك لا بد من الاستعداد لتلك الساعة بالعودة إلى الله بالتوبة وبانتظاره في الصلاة والاشتياق إليه على الأمل والرجاء: "كما تشتاق الأيل إلى جداول المياه، كذلك تشتاق إليك نفسي يا الله".
نعم لربما ينظر البعض لهذا الاحتفال (زمن المجيء قبل عيد الميلاد المجيد) كتقليد ولا قيمة له، ولكن الاهم من هذا، هو تجهيز نفوسنا ليس للعيد بل لصاحب العيد، ونتذكر في هذا الوقت ان الرب آت لامحالة. فيكون لنا هذا الوقت محفز ان نتكلم مع اقربائنا واحبائنا واصدقائنا وفي مجتمعنا عن ولادة الرب ليس التي حصلت قبل الفي عام في مغارة بيت لحم وطبعا هذا مهم، بل ان نركز الحديث عن ولادة يسوع في قلوبنا ودعوة الخطاة الى قبول يسوع مخلص لهم، فيسوع يريد الآن ان يولد في مغارة تختلف عن مغارة بيت لحم. يريد ان يولد في قلب كل انسان ليضيء هذا القلب المظلم بشمعة الايمان شمعة الرب يسوع الذي قال "انا هو نور العالم"، وبعد هذه الولادة الجديدة للرب يسوع في قلوبهم يضمن الناس الخلاص فيؤهلون للمجيء الثاني أو "المجيء الأخروي".
ادعوك في هذه المناسبة ان تستغل هذا الوقت "زمن المجيء" ان تتكلم عن مجيء الرب وليكن الرب معك ويعطيك نعمة خاصة ان تكون سبب في اضاءة شمعة الايمان في انسان قلبه مظلم، " يباركك الرب ويحرسك. يضيء الرب بوجهه عليك ويرحمك. يرفع الرب وجهه عليك ويمنحك سلاما".
وكل عام وانت بالف خير
ماران آثا "الرب آت"
القس حاتم جريس