"كللت السنة بجودك وأثارك تقطر دسما" (مزمور 65 وعدد11) لقد خلق الله هذه الكرة وجعلها مركز أحداث الكون، ثم اختار منها بلادنا هذه أي الأراضي المقدسة، لكي تكون مركز أحداث المعمورة، ثم انتقى منها المدينة المقدسة "القدس"، وأخيرا أعلن الله خطته الأزلية، إذ "لما جاء ملء الزمان أرسل الله ابنه مولودا من امرأة تحت الناموس ليفتدي الذين تحت الناموس لننال التبني" (غلاطية 4: 4-5).
وهكذا جعل الله ابنه الوحيد- ألاقنوم الثاني في الثالوث الأقدس- مركزا لأحداث التاريخ، فما قبله دعي بـ "قبل الميلاد"، وما بعده دعي بـ "بعد الميلاد"، وهكذا صار لنا المسيح مركز الحياة أيضا، ومركز البركات السماوية، فالله أعطانا المسيح، هدية السماء للأرض لأجل الخلاص والفداء، فكيف لا يهبنا معه كل شيء، فبركات الله تغمر المسكونة وخيراته تكفي بل تزيد عن حاجات الساكنين فيها "فإنه يشرق شمسه على الأشرار والصالحين ويمطر على الأبرار والظالمين".
ويتساءل البعض هل حقا علينا أن نسبح الله، ونقول له: "كللت السنة بجودك ..." (مزمور65: 11) ونحن نرى أحباءنا في أماكن كثيرة يعانون المشقات العنيدة والآلام، وأخوتنا في بلاد الحروب المستمرة يفارقون الحياة زرافات زرافات، وأعزاءَنا في البلاد الناميّة يتضورون جوعا حتى الموت؟!!
وأتساءل ترى ما سبب ذلك؟ أليس السبب هو أنا وأنت؟
ففي اعتقادي أنّ يد الله لم تقصر عن تسديد احتياجات البشرية، ولم تمنع الخلاص والرجاء، بل غمرتنا بالمحبة السامية والبركات السماوية. أما سبب مشاكل إخوتنا وأخواتنا ومشاكلنا فيتوقف عليّ وعليك. فكم من مرة منعنا بطريقة و بأخرى إيصال بركات الله لمن يحتاجها؟ كم من مرة اعتقدت أنا واعتقدت أنت بأن مالي هو لي وحدي، وليس لغيري وكذلك أنت؟! كم من مرة بخلنا بفضلاتنا وبكمالياتنا التي بإمكانها أن تملأ احتياج الكثيرين؟!
كم من مرة بخلنا بالسلام والمحبة على إخوتنا، في بيوتنا بين أهالينا وأقربائنا، في مجتمعاتنا الصغيرة والكبيرة، في بلادنا وبين ذوينا، ومن ثم نتساءل "كيف يستطيع شعب أن يكره شعبا آخرَ ونحن جميعنا بشر"؟ وكيف تقوم أمة على أمة ونحن أبناء البشرية؟
ليتنا نتدرب على المحبة من أعماق القلب ونزجلها بعضا لبعض على المستوى الشخصي، لنعلم الشعوب جمعاء أن المحبة والسلام والإيمان والرجاء، كلها تولد في القلوب أولا بميلاد الرب يسوع المسيح في حياتنا، وتنمو وتترعرع نحو شباب أخضر دائم مع مجيء كل سنة جديدة، فالمحبة والسلام الحقيقيان لا يعرفان معنى الشيخوخة، أما الإيمان والرجاء فهما منبع الشباب.
لذلك أخلص إلى القول بأن نتأمل في الحياة والطبيعة، ونتعلم منهما درسا لحياتنا، كقول الرب يسوع "لا تهتموا لحياتكم بما تأكلون وبما تشربون. ولا لأجسادكم بما تلبسون. أليست الحياة أفضل من الطعام والجسد أفضل من اللباس، أنظروا إلى طيور السماء، أنها لا تزرع ولا تحصد ولا تجمع إلى مخازن، وأبوكم السماوي يقوتها، ألستم أنتم بالحري أفضل منها... ولماذا تهتمون باللباس، تأملوا زنابق الحقل كيف تنمو! لا تتعب ولا تغزل. ولكني أقول لكم أنه ولا سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها، فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا في التنور يلبسه الله هكذا أفليس بالحري جدا يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان. فلا تهتموا للغد، لأن الغد يهتم بما لنفسه يكفي اليوم شره". (متى 6: 25-34).
في الختام أعرف بأن لنا ربا كريما سخيا، يستطيع أن يُقبِل إليه كل متعب ومهموم وضال مع انبثاق صباح السنة الجديدة، ومع نور كل صباح، وسيجد فيه ضالته، فما علينا سوى أن نلقي بهمومنا عليه، معترفين أنه مخلصنا الذي افتدانا من الخطية وعبوديتها وحررنا من قيودها، فالرب يسوع يدعو قائلا:
"تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال وأنا أريحكم. احملوا نيري عليكم وتعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم. لأن نيري هين وحملي خفيف"
(متى 11: 28-30).
لمجد الرب: عزيز دعيم