معارضة المعلّقات العشر (٢) معلّقة طرفة بن العبد

24 ديسمبر 2010 - 17:27 بتوقيت القدس

أقتبس من الرابط المذكور أدنى: {على الرغم من حشد الأوصاف والتشبيهات الكبيرة، التي تفنَّن بها طرفة في مقطع طويل تجاوز الأربعين بيتاً، لكي يكشف لنا عن أصالة ناقته وخصائصها الجسدية الكثيرة، إلّا أن هذه الملحمة تكاد تستقطب كل قيمتها في مجموعة الأبيات التي توصف عادة بالحكمة. وهي أعمق ما قاله شاعر جاهلي، وكشف فيها عن موقف ميتافيزيقي إطلاقي. وهي الأبيات التي يخاطب فيها الشاعر زاجره عن التمتع بملذات الحياة. فلا يجد ثمّة معنى للعيش إلا بثلاث وسائل: هي الفروسية والخمرة والمرأة. ومن هنا يبرز الموقف الوجودي للشاعر مليئاً، عنيفاً بالتحدي للموت والزوال. مسرفاً في ذلك التيار الحيوي الشاب المرح واليائس معاً، الذي ميَّز جيل الشعراء الشباب في العصر الجاهلي، كاٌمرئ القيس وتأبّط شراً والشَّنْفري والأعشى في بعض مذاهبه والنابغة في جانبه الحيّ التلقائي. ومن الغريب أن تنبض تلك الأفكار وتشعّ من جوهر هذا الفتى، وهو ما عاش إلا القليل، لكنه عاش العريض المليء من التمتع والمعاناة... إلخ} انتهى. وقد اخترت منها الأبيات التالية:

لِخوْلة أطلالٌ ببُرْقةِ ثهْمَدِ -- تلُوحُ كبَاقِي الوَشْمِ فِي ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفاً بهَا صَحْبي عَلَيَّ مَطِيَّهُمْ -- يقوْلون لا تهلكْ أسَىً وَتجَلَّدِ
وَوَجْهٍ كأَنَّ الشَّمْسَ ألْقتْ رِدَاءَهَا -- عَليْهِ، نقِيِّ اللَّوْنِ، لمْ يَتخدَّدِ
عَلى مِثلِهَا أمْضِي إذا قالَ صَاحِبي -- ألا ليْتنِي أفدِيكَ مِنهَا وأفتدِي
وجَاشتْ إليْهِ النَّفْسُ خوْفاً وخالَهُ -- مُصَابَاً وَلوْ أمْسَى عَلى غيْرِ مَرْصَدِ
إذا القوْمُ قالوا مَنْ فتىً خِلتُ أنَّنِي -- عُنِيْتُ فلمْ أكْسَلْ وَلمْ أتبَلَّدِ
وَلسْتُ بحَلاَّلِ التِّلاعِ مَخافةً -- ولكِنْ مَتى يَسترفِدِ القوْمُ أرفِدِ
فإنْ تَبْغِنِي فِي حَلْقةِ القوْمِ تلْقنِي -- وإنْ تقتنِصْنِي فِي الحَوَانِيتِ تَصْطَدِ
نَدَامَايَ بِيضٌ كالنُّجُومِ وَقيْنةٌ -- ترُوحُ عَلينا بَيْن بُرْدٍ ومَجسَدِ
ومَازالَ تشرابي الخُمُورَ ولذَّتِي -- وبَيْعِي وإنفاقِي طَرِيفِي ومُتلدِي
إلى أنْ تحَامَتنِي العَشِيْرَةُ كُلُّها -- وأُفرِدْتُ إفرادَ البَعِيرِ المُعَبَّدِ
فإنْ كُنْتَ لا تسْطِيعُ دَفْعَ مَنِيَّتي -- فدَعْـنِي أبادِرْهَا بمَا مَلكَتْ يَدِي
أرَى قبْرَ نَحَّامِ بَخِيْلٍ بمَالِهِ -- كقبْرِ غوِيٍّ فِي البَطَالةِ مُفسِدِ
أرَى المَوْتَ يَعْتامُ الكِرَامَ ويَصْطَفِي -- عَقِيلةَ مَالِ الفاحِشِ المُتشدِّدِ
وظُلْم ذوِي القرْبَى أشدُّ مَضَاضَةً -- عَلى المَرْءِ مِن وَقعِ الحُسَامِ المُهَنَّدِ
سَتُبدِي لكَ الأيَّامُ مَا كُنْت جَاهِلاً -- ويَأْتِيْكَ بالأخْبَارِ مَن لمْ تزَوّدِ
ويَأْتِيْكَ بالأخْبَارِ مَن لمْ تَبِعْ لهُ -- بَتاتاً ولمْ تضْرِبْ لهُ وقتَ مَوْعِـدِ
http://www.almoallaqat.com

المعارضة
----------

لِسَـارة َ أقوالٌ بها الحُبّ يَبتـدي – أُحِبّكَ يا هذا بقـرْبكَ مَعْـبَدي

فبُعْـدُكَ أضناني وشلّ عزيمتي – عن الشّغل ما أهملتُهُ يتبدّدِ ١

إذا غِبتَ عنّي فترة ً خِلتُ أنني -- عَمِيتُ فلا ميّـزتُ أمسِيَ عَـن غـدي

أرانِيَ أسدلتُ السِّتارَ على الهـوى – بلا رجعةٍ تُرجى فإنْ شِئتَ أزهَدِ

أتذكُرُ لمّا حِرتَ في أمرِ خِطبتي؟ – وسَعْيك في إرضاء قلبي المُجَمّدِ

لقد هامَ بيْ في الحَيّ تِسعُون عاشِقاً -- وتِسعَة ُ كُتّابٍ وقَيِّمُ مَسْجدِ

تجنّبْتُهُمْ طُرّاً وآثرتُ عُـزلة ً -- لعلّ تؤاسيني وللصَّحِّ أهتدي

خلعْتُ حِجَابَ العقل لمْ ألتزمْ بهِ -- وراجَعْتُ نفسيْ بَعْدَ طُول تردّدِ

أللدِّين دخلٌ في شؤون تمدُّني؟ – ورَبْط مَصِيري بالغموض المُخلَّدِ

تصفّحْتُ أوراق التراثِ بتؤدَةٍ -- فلمْ ألقَ عاراً مِثلهُ في مُجَلَّدِ

تبرّأ منّي أقربُ الناس للحَشا – وأمْطرَني وَهْمَاً وسَيلَ توعّـدِ

فأيقنتُ أني لمْ أرَ النورَ حُرّة ً -- وأدركتُ أنّ الدِّين أبغضُ مُفسِدِ

تخلّيتُ عن داري ومالي ومهنتي – وأسرعتُ صَوبَ النُّورِ والحقُّ في يَدِي

وسافرتُ في الآفاق أرْثيْ لصَفحةٍ – ظلاميّةٍ قاسَيتُها بتـنهّدِ

إلى أنْ تلاقينا على القطر والنّدى – وكأسٍ رشفناها ثُناءً كمَوحَدِ

فأصْغِ إلى نبضِيْ ودَارِ سَجيّتي – تجدْ لكَ ظِلّاً في براءةِ مَقصَدِي ٢

تفيّأْ بهِ ما دُمتَ كالدُّرِّ خالِصَاً -- وهيِّئْ لهُ أعـشاشَ طيرٍ مُغرِّدِ

زرَعْـنا بذور الحبّ قمْحاً مُبَارَكاً – ونخلاً وكَرْماً بالأحِبّةِ نقتدي

فمَا لزُؤانٍ سَلّة ٌ مِن سِلالهِ -- ولا حِصّة ٌ للزارعِ المُتفرّدِ

على الحُلْو والمُرّ اٌتخذنا قرارَنا – مَعَاً مُذ كتبْنا سِفرَ آخِر مَوعِـدِ

فمَن يَبْنِ بيتاً فوق صَخرٍ يُعَلِّهِ -- ومَن يَزرعِ المعروفَ إيّاهُ يحصُدِ

***

أيَا سَارَتا عَهْداً عليّ أصُونهُ -- ووَعْـداً إذا أخّـرتُ لا تتشدّدي

فإنْ عاقـني وقـتي اٌتّصَلتُ مُخَـبِّراً -- وإنْ غِـبتُ عـن عـينيكِ لا تترصّدي

فما فرّق البُعدُ المُؤقَّتُ بيننا – وفي الرّوح ترنيمُ الوصالِ المُؤكّدِ

لقد حاصَرَتني في الزمان نوائِبٌ -- وضايقني أنّي قليلُ التّجلّدِ

رواسِـبُ منها يوجعُ الصّدرَ ذِكرُها -- ترفّعْتُ عَمّا فاتَ لمْ أتقـيّدِ

فصَبْراً جميلاً يا فنارَ مرافِئِي – وبوصلة المُشتاقِ والمُتشرِّدِ

مَطافُ حَريقِ الشَّوق خمْرٌ جديدة ٌ -- إذا عُتِّـقتْ ساغتْ لجَـفنٍ مُسّهَّدِ

ونالَتْ رِضى عينيكِ منها ثمالتي – وصَحْوي على اٌستفقادها وتجدُّدي

فليس التلاقي مِن جديدٍ يشدّنا – إلى عُـشِّـنا لكنْ جديدُ التَّودّدِ

------------------------------------------

١ ما أهملتُهُ يتبدّدِ؛ ما: شَرطيّة تجزم فِعلين
٢ دارِ: فعل الأمر من دارى- يُداري
_____________________

الحلقة الثالثة: مُعلّقة زهـير بن أبي سُلمى

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا