أين وكيف أجد الراحة

07 أكتوبر 2007 - 01:00 بتوقيت القدس

من يريحني؟ ومن في طمأنينة يسكنني؟

سؤال لربما نسأله في هذه الأيام: فمن منا لا يبحث عن الراحة ومن لا يجدّ وراء الطمأنينة ومن لا يريد أن يزوّد حياته بمعونات كثيرة تعينه في غربة حياته على الأرض؟

العالم من حولنا عالم تعب ليس فيه من يستطيع ان يرشد الى مكان الراحة  ولا من يقدم المعونة. ولربما نجد في كلمات  بطرس الرسول كما جاءت  في انجيل لوقا ٥:٥، ملخصًا جميلاً لحياة الانسان: "فَأَجَابَ سِمْعَانُ: يَا مُعَلِّمُ قَدْ تَعِبْنَا اللَّيْلَ كُلَّهُ وَلَمْ نَأْخُذْ شَيْئاً". فحقًا إن حالة الانسان هي حالة التعب المُستمر والعيشة وسط الليل الحالك, وفي كل تعبه لن يمسك شيئًا يستطيع ان يروي به ظمأه ويريحه، وحتى لو كان له كل معطيات الحياة فلن يجد فيها ما يكفيه ويُشبع قلبه. ولنا صورة لهذا في حياة سليمان الملك كما نقرأ عنها في سفر الجامعة وقد كان له كل ما يشتهيه قلبه ولكن ملخص كل ما كان له انه باطل وقبض الريح.

اذًا أين أجد الراحة والمعونة؟ فقط عند الرب الطيب الغالي الذي قال "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (متى ١١: ٢٨). أخي المؤمن  اعلم وثِق انه ليس في هذا العالم من يستطيع  ان يقدم لك الراحة، ولربما من أروع الاثباتات لهذا نراها في شخصية أيوب الذي قال عن أصدقائه الذين حاولوا جاهدين ان يسندوه ويريحوه "معزون متعبون كلكم"، "أطباء بطالون كلكم" ألا يُُعلمنا هذا أن سعينا وركضنا يجب أن يكون لحبيبنا الغالي وحدهُ! ما دُمت في البرية والصحراء القاحلة فلن تجد سندًا لقلبك سوى شخص الرب الغالي وليت حالك يكون كما كان حال عروس النشيد التي قيل عنها "مَنْ هَذِهِ الطَّالِعَةُ مِنَ الْبَرِّيَّةِ مُسْتَنِدَةً عَلَى حَبِيبِهَا؟" (نشيد ٨: ٥).

ألم يقُل فيه المرنم :

شخصه طبيب نفسي            صوته ايضًا علاج

الاصحاح الرابع عشر من سفر أخبار الايام الثاني يذكر لنا كلمة الراحة خمس مرات ولكنها مقرونة بأمور يتوقع الله ان يراها في أولاده ( وحتى ان فشلوا أحيانا فإله كل نعمة, منتظر ومستعد لمد يد المعونة) فيهديهم ويمتعهم بالراحة الدائمة. يكلمنا هذا الإصحاح عن آسا الملك وهو أحد ملوك يهوذا الإثني عشر الذين عملوا المستقيم في عيني الرب:

 ١. أول ما يذكره الوحي عن آسا الملك هو انه: "عَمِلَ آسَا مَا هُوَ صَالِحٌ وَمُسْتَقِيمٌ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ إِلَهِهِ"

 ٢أخبار (١٤: ٢).

كلمة إلهه تفيد العلاقة الشخصية فآسا خصص الله له، ولسان حاله كان كما قالت عروس النشيد "حَبِيبِي لِي" فكم علينا ان نهتم بالعلاقة الشخصية المستمرة مع الله التي بدونها لن نتذوق اي معنى للراحة، علاقة فيها نشتاق أن نتمتع برضى الرب علينا وفيها نعيش حياة تُسِر قلبه.

٢. علينا ان نفحص أعمالنا هل كل منا يستطيع ان يلخص حياته بأنه عمل أو على الأقل اجتهد ليعمل ما هو صالح ومستقيم في عيني الرب؟ وهل أعمالنا وحتى خدماتنا تعمل بالنور الإلهي والرب راضٍِ عنها وتسر قلبه؟

٣. نقرأ في العدد الخامس هذه الكلمات: "واستراحت المملكة أمامه" ولكنها لم تُكتب إلا بعد ان نزع آسا المذابح الغريبة والمرتفعات وكسر التماثيل وقطع السواري، فلكي ننال الراحة من الرب علينا نزع الأصنام من حياتنا التي قد تكون الشهوات, الطمع, محبة المال, المعاشرات الردية, الوجود تحت نير مع غير المؤمنين وكل ما هو غير مرضٍ في عيني الله كما تكشفه لنا كلمته الغنية.

ولكن وبكل روعة وكما عوّدنا الكتاب الثمين انه حين يطلب منا عزل الأمور السلبية فهو يوجهنا الى عمل الأمور الإيجابية .

ننزع الأصنام من حياتنا ولكن  نطلب الرب. ننزع المذابح الغريبة ولكن نعمل حسب الشريعة والوصية, نعمل حسب كلمة الله الغنية. لنا مثال رائع من رسالة بطرس الاولى والاصحاح الثاني, فالعدد الاول يقول:"فَاطْرَحُوا كُلَّ خُبْثٍ وَكُلَّ مَكْرٍ وَالرِّيَاءَ وَالْحَسَدَ وَكُلَّ مَذَمَّةٍ"،  ولكن يأتِ ليطلب "اشْتَهُوا اللَّبَنَ الْعَقْلِيَّ الْعَدِيمَ الْغِشِّ لِكَيْ تَنْمُوا بِهِ".

وحين نفعل هذه الأمور السابق ذكرها سنتذوق معنى الراحة الحقيقية،  فالمسؤلية واقعة على الرب في ان يعطينا كامل الراحة وهذا ما نراه في ٢ اخبار ١٤: ٦ حيث يقول - "لأَنَّ الرَّبَّ أَرَاحَهُ".

تذكر أخي المؤمن بأن المقصود بالراحة ليس توفير الحاجيات الزمنية ومتطلبات الحياة، فالكتاب من جهة هذه يقول على فم المرنم: "أَيْضاً كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ وَلَمْ أَرَ صِدِّيقاً تُخُلِّيَ عَنْهُ وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزاً" (مزامير ٣٧: ٢٥) وأيضًا قال الرب يسوع بنفسه "لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟" (متى ٦: ٢٥)، بل القصد في الراحة هو السلام وسط ضغوطات الحياة،  المقصود ليس راحة الجسد ولا راحة النفس بل راحة الروح.

استفانوس كان يُرجم ولكن كان يُصلي لأجل راجميه لأن روحه مستريحة. وأنت في بُعدك عن الرب أنت مُتعب لأن روحك مُتعبة. ضميرك يؤنبك في بُعدك فلا يوجد لديك راحة. الراحة الحقيقية هي الشبع والإكتفاء بيسوع المسيح ورفض كل أمور العالم ولسان حالك يكون "ومعك لا أريد شيئًا في الأرض". الراحة الحقيقية هي علمك ومعرفتك أنك في عالم فارغ زائل وما أنت إلا غريب ونزيل وعما قريب ستكون مع الرب مُتمتعًا وفرحان به.

الرب ايضًا يريدنا ان نتمتع بالراحة في اجتماعاتنا، ولكي ننال هذا هنالك أمور من الواجب علينا ان نجتهد فيها لكي تتواجد في اجتماعاتنا ( اولاً طبعًا قيادة ورئاسة الرب في الاجتماع) وهذه الأمور الثلاثة هي:

١. أسوار : علينا ان نحيط اجتماعاتنا بأسوار الصلاة فنجاهد جميعنا بالصلاة للرب لكي تُحفظ اجتماعاتنا من دخول أمور قد تُتعب الجماعة.

٢. أبراج : كم نحتاج ان يكون وسطنا اخوة بوابين ومراقبين ولهم أعين كهنوتية فحين يرون الخطأ والخطية يسرعون بروح النعمة لإصلاح الحال.

٣. أبواب : يجب أن تكون أبواب المؤمنين الشخصية مغلقة، فلا يجد العدو لدى المؤمن ثغرة صغيرة يدخل من خلالها لكي يُتعب الإجتماع ( السهوات من يشعر بها) مثلاً أخ صانع خلافات وانشقاقات.

 وبعد ان بنى شعب الرب هذه الأمور يقول الوحي في نهاية العدد السابع "ان الرب أراحهم من كل جهة".

الشيء الغريب ان الإصحاح يُكلمنا عن الراحة ولكن الحالة تتغير من العدد التاسع, اذ يبدأ ليُكلمنا عن حروبات سيواجهها شعب الرب. ولنا في هذا درس هام جدًا نستطيع أن نطبقه علينا.

حين يكون المؤمن في شركة مع الرب فحتمًا سيعرف كيف يتكل على الرب ويطلب المعونة منه واثقًا ان الرب يقاتل عنه "الرَّبُّ يُقَاتِلُ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ تَصْمُتُونَ»" (خروج ١٤: ١٤). على المؤمن وهو وسط الضيقات ان يعلم انه ليس له قوة، وحين يتيقن من هذا سيختبر ما جاء في العدد الحادي عشر، إن الرب يريد ان يخلص من ليس له قوة وهي ذات الكلمات التي قالها يهوشفاط في ٢ اخبار ٢٠: ١٢- "يَا إِلَهَنَا أَمَا تَقْضِي عَلَيْهِمْ لأَنَّهُ لَيْسَ فِينَا قُوَّةٌ أَمَامَ هَذَا الْجُمْهُورِ الْكَثِيرِ الآتِي عَلَيْنَا وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ مَاذَا نَعْمَلُ وَلَكِنْ نَحْوَكَ أَعْيُنُنَا". فلكي تنال المعونة وتنتصر في الحرب اعمل الآتي :

١. اعترف بعدم قدرتك.

٢. لا تعمل ما لا تعلم، فأنت حتمًا لا تعلم ما ينبغي أن تعمل.

٣. ارفع عينيك نحو الرب طالبًا منه المعونة.

قل له: "يا رب أنا لا شيء، أنا مسكين لا أستطيع أن أفعل شيئًا بدونك". 

ولكن هذا عليك فعله وقوله وانت في جو الشركة والعلاقة الشخصية مع الرب فلاحظ ما يقوله الشعب في العدد الحادي عشر من الاصحاح "ساعدنا ايها الرب الهنا " و " أيها الرب انت الهنا" مرة اخرى يُخصص الشعب وملكهم  الرب لهم. اجتهد لتكون لك مع الرب علاقة شخصية، تحبه وتبغي رضاه في كل يوم حينئذ ثِقْ ان النُصرة من عند الرب وهذا ما نراه في العدد الثالث عشر " انكسروا امام الرب وامام جيشه" فالحرب أصبحت حرب الرب وهو الذي يُحامي عنك ويُحارب حربك ويعطيك الراحة الحقيقية كما قال داود في فترة هروبه من ابشالوم ابنه "بِسَلاَمَةٍ أَضْطَجِعُ بَلْ أَيْضاً أَنَامُ لأَنَّكَ أَنْتَ يَا رَبُّ مُنْفَرِداً فِي طُمَأْنِينَةٍ تُسَكِّنُنِي" (مزامير ٤: ٨).

كانت حالته تبدو صعبة فهو هارب من وجه ابن من أراد قتله ولكن وسط هذه الحالة يقول "بسلامة اضطجع" لأنه عرف ان يلتصق بالرب معطي الراحة الحقيقية.

دون معيّة الرب لك ستنكسر وتنحني ولكن بمعونة الرب سينكسر الأعداء أمامك وتكون بالرب أعظم منتصر.

ليتنا أخي وأختي نجتهد لنوجَد دائما بقرب الحبيب وتحت الأشعة الإلهية التي بها نُطهّر ذواتنا من كل دنس الجسد ونلجأ للرب في كل ضيقاتنا عالمين ان راحتنا الحقيقية عنده وحده وله كل المجد.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. jeries baransi 07 يونيو 2011 - 19:59 بتوقيت القدس
رائع رائع
صدقني يا اخ ايهاب انهاا مقالة رائعه لقد استخدمتهاا كعظه في الخدمه اشجعك لمست فيك روح الوعظ والتشجيع انت موهوب استمر بنعمة الرب الرب يباركك فقد لمست قلبي بهذه الكلمات واستفدت منهاا كثيراا هللوياا