العالم يعلّق “العدّ التنازلي”: مدن كبرى تقلّص احتفالات رأس السنة

في تطوّر لافت هذا العام، اختارت مدن محورية حول العالم إلغاء بعض فعاليات ليلة رأس السنة أو تقليصها بشكل كبير. ويأتي ذلك وسط تقديرات تتحدث عن مخاوف أمنية متزايدة، من بينها خشية من اعتداءات أو احتجاجات قد تخرج من أوساط مسلمة في بعض الدول.
قبل 4 ساعات
العالم يعلّق “العدّ التنازلي”: مدن كبرى تقلّص احتفالات رأس السنة
لينغا

في سابقة غير معتادة بالنسبة لمدن اعتادت استقبال العام الجديد بحشود هائلة، قررت باريس وطوكيو والبندقية وبلغراد وهونغ كونغ إجراء تغييرات واسعة على احتفالات الساحات العامة في نهاية الشهر. الاتجاه العام واضح: خفض حجم التجمعات وتبديل جزء من العروض إلى صيغ أكثر سيطرة، على خلفية قلق متنامٍ من إدارة الحشود، وتأمين الجمهور، والتحديات اللوجستية التي باتت أثقل من أي وقت مضى. كما تتداول تقارير أن جزءًا من هذا التشدد مرتبط بمخاوف من خروج تظاهرات أو محاولات اعتداء في بعض المدن، بما في ذلك احتجاجات يُخشى أن يشارك فيها مسلمون في دول محددة.

باريس: الشانزليزيه بلا حفل حيّ… لكن الألعاب النارية باقية

في باريس، أُسقط من البرنامج الحفل الحيّ في جادة الشانزليزيه، والذي يُعد تقليديًا قلب احتفالات المدينة. المصادقة جاءت من الجهات الأمنية والبلدية في الدائرة الثامنة، مع التشديد على أن مشكلة المكان تكمن في الازدحام الهائل: الجادة قد تستقبل حتى نحو مليون شخص، وإدارة هذا الرقم في مساحة غير مهيأة لتجمّعات طويلة وكثيفة تُعد مخاطرة كبيرة. كذلك أُثيرت صعوبة إبقاء آلاف عناصر الشرطة منتشرين لساعات طويلة لضبط الحشود. وبدل الحفل المباشر، سيتم بث مادة مسجّلة عبر قناة France 2، بينما يُفترض أن تبقى عروض الألعاب النارية والإسقاطات الضوئية على قوس النصر ضمن الخطة.

طوكيو: شيبويا تُلغي العدّ التنازلي للسنة الرابعة

وفي طوكيو، تستمر بلدية شيبويا في قرار الإلغاء للعام الرابع تواليًا. الأسباب المعلنة تركزت على التجمهر المفرط وما يرافقه من سلوكيات منفلتة مرتبطة بشرب الكحول في الشوارع. وبدل الحدث المركزي، ستُشدد الإجراءات الأمنية حول محطة شيبويا مع تحذيرات واضحة ضد أي تجمعات كبيرة.

البندقية: قيود صارمة بدل الإلغاء الكامل

أما البندقية، ففضّلت فرض حزمة قيود مشددة بدل شطب الاحتفالات نهائيًا. من أبرزها منع استهلاك الكحول في الأماكن العامة في مواقع حساسة مثل محيط ساحة سان ماركو، إضافة إلى منع حمل رذاذ الفلفل وأغراض أخرى تُصنَّف خطرة. الهدف المُعلن هو تقليل المخاطر التي تفرضها طبيعة المدينة الضيقة، حيث يمكن لأي اكتظاظ أن يتحول سريعًا إلى خطر على السلامة أو إلى فوضى في ساحاتها التاريخية.

بلغراد: لا حفل عام بسبب المخاوف على سلامة العائلات

في بلغراد، أعلن رئيس البلدية إلغاء الحفل الجماهيري بدافع القلق على السلامة، مع التركيز على أن الأطفال يشكلون جزءًا كبيرًا من الجمهور في مثل هذه المناسبات. القرار يأتي أيضًا على خلفية تجارب سابقة شهدت احتكاكات أو مخاطر مرتبطة بالحشود. في المقابل، تبقى الاحتفالات الخاصة مسموحة.

هونغ كونغ: تقليص العرض فوق الميناء

وفي هونغ كونغ، تم الاتجاه إلى تقليص المشهد الاحتفالي فوق ميناء فيكتوريا، حيث استُبدلت الألعاب النارية بعرض ليزر أصغر. مجلس السياحة أكد أن الهدف هو حماية الجمهور في ظل أجواء سياسية غير مستقرة واحتمالات اضطراب، ضمن سياسة تسعى إلى خفض التجمعات المليونية.

تغيّر عالمي: “الأمان أولًا” بدل “الاحتفال الضخم”

هذه القرارات مجتمعة تعكس تحولًا أوسع: السلطات في أكثر من مكان باتت تفضّل حلولًا أقل مخاطرة—even إن بدت أقل بريقًا—وتستبدل الفعاليات المباشرة بعروض مسجّلة أو بإجراءات تقييدية مشددة.

أوروبا: موسم الأعياد تحت ضغط الخوف والكلفة

في أوروبا، يتداخل الحديث عن ليلة رأس السنة مع أجواء الميلاد التي باتت محاطة بقلق دائم من التهديدات وارتفاع كلفة الحماية. وبينما أعاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا التذكير بعبارة “نقول مجددًا: عيد ميلاد مجيد”، تبدو الصورة في القارة أكثر تعقيدًا: احتفالات خلف حواجز، انتشار أمني كثف، ونقاشات لا تهدأ حول هوية العيد ومعناه في الفضاء العام.

بعض التقارير تصف ما يجري كأنه مسار استنزاف لتقاليد الميلاد، تدفعه من جهة مخاوف من إرهاب جهادي، ومن جهة أخرى ضغوط ثقافية لإعادة تقديم العيد بمفردات أكثر “حيادًا” تحت عناوين الحساسية والشمول، بحيث تتراجع الرموز الدينية لصالح صيغ عامة لا تُثير اعتراضات.

وفي ألمانيا تحديدًا، تشير معطيات متداولة إلى قفزة كبيرة في تكاليف الأمن خلال السنوات الأخيرة، مع استثمارات بملايين على أنظمة حماية في مدن كبرى. وعلى خطٍ موازٍ، ظهرت في فرنسا ظاهرة إعادة تسمية بعض الفعاليات بعناوين مثل “أضواء الشتاء” بدل التسميات المرتبطة مباشرة بالميلاد، بينما سُجلت في بريطانيا حالات تقليص مظاهر مسيحية داخل عروض مدرسية باسم “الشمول”. كما تتحدث تقارير عن انتقال بعض المدارس في الدنمارك إلى فعاليات بديلة لتفادي حساسيات مرتبطة بمشاعر المسلمين.

ولم يبقِ الجدل محصورًا في الأسواق والشوارع؛ إذ برزت في برلين جولة تحمل عنوان “إنهاء استعمار عيد الميلاد”، وفي فيينا أثار معرض فني انتقادات بعدما قدّم تمثيلًا اعتبره كثيرون صادمًا للعذراء مريم، ما فُسّر على أنه مساس بالمقدسات وإهانة للرموز المسيحية.

ورغم هذا الواقع المعقّد، يقول زوار بعض أسواق برلين إن الحضور الشرطي المكثف يمنحهم شعورًا بالأمان، وإنهم يواصلون التردد على الأكشاك رغم غلاء المعيشة. وفي المقابل تظهر ردود فعل معاكسة، بينها ما أعلنه الناشط تومي روبنسون في بريطانيا عن نية تنظيم تجمع تحت شعار “متحدون من أجل يسوع في عيد الميلاد هذا”، دفاعًا عن الطابع التقليدي للعيد.

في المحصلة، لا يتعلق الأمر بإلغاء حفلات هنا أو تقليص فعاليات هناك فقط، بل بمشهد أوسع لعالم يتغير: أمن أكثر ثقلاً، حساسيات أعلى واستقطاب أشد، واحتفالات تُعاد صياغتها بين الخوف من المخاطر والرغبة في إبقاء مساحة للفرح العام.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا