إشارات إنجيل يوحنّا ج14 الله والمسيح واحد

الرب يسوع ليس مجرد طريق مِن جملة طرق عدّة، بل هو الطريق الوحيد: لا أحد يأتي إلى الآب إلّا به! إذًا الطريق إلى الله من خلال المسيح دون سواه
04 ابريل 2018 - 01:10 بتوقيت القدس

الله أو المسيح، لا فرق، لأن الله ظهر لنا بشخص المسيح، فالجوهر واحد والأعمال واحدة ولا سيّما المعجزات. مَن يقرأ الأصحاح الرابع عشر في إنجيل يوحنّا يجد 2كثرة منازل السماء. 6يسوع المسيح هو الطريق والحقّ والحياة؛ لا يأتي أحد إلى الله إلّا بالمسيح. 9اَلَّذِي رَآى المسيح رَأَى الآبَ. 10المسيحُ في الآب والآبُ فيه، الآبُ حالّ في الإبن- المسيح. 12-14 مَن آمن-ت بالمسيح يعمل أعمال المسيح باٌسم المسيح ويعمل أعظم منها، ومهما يسأل باٌسمِه فالمسيح يفعل 16و26الآب يُرسِل الروح القدس باٌسم المسيح. 27 سلام المسيح؛ المسيح هو الذي يُعطيه فتطمئنّ القلوب. 28قول المسيح: لأنّ أبي أعظم منّي.

وسأبدأ من حيث انتهيت؛ إذْ كتب الخوري يوسف داود- أحد مترجمي الكتاب المقدَّس إلى العربية في القرن الـ19 [معنى قول المسيح عن نفسه {28لأنّ أبي أعظم منّي} من حيث هو إنسان، لأنّه من حيث هو إله هو مساوٍ للآب، كما في رسالة بولس الرسول إلى فيلبّي- الأصحاح الثاني- فمُراد المسيح بهذه الكلمات أن يفهِّم التلاميذ أنّه مُزمِع أن يتألّم ويموت لئلّا يتعجّبوا بل {29يؤمنوا} إذا رأوا ذلك، وفهّمهم أنّ ذلك سيكون في ناسوته، لا في لاهوته! فلهذا قال: أبي أعظم منّي] انتهى.

وبالمناسبة؛ قال القدّيس أمبروسيوس، بتصرّف:
[لسبب تواضعه قال هذه الكلمات {أبي أعظم منّي}+ يوحنّا 14: 28 فاستخدمها خصومُنا ضدّه بطريقة خبيثة؛ يقولون مكتوب {أبي أعظم مني} لكن من المكتوب أيضا: {إِذْ كانَ في صُورَةِ الله، لم يحسِب خُلسة أن يكون معادِلًا للَّه (ترجمة ڤان دايك) أو: هُوَ في صُورَةِ اللهِ، ما اعتبَرَ مُساواتَهُ للهِ غَنيمَةً لَه- في الترجمة العربية المشتركة}+ فيلپي 2: 6 و{عظيم هو سرّ التقوى: الله ظهر في الجسد...}+ 1تيموثاوس 3: 16 و{أنا والآب واحد}+ يوحنّا 10: 30 وأنّ اليهود أرادوا قتله لأنّه {قال إنّ اللَّه أبوه معادِلًا نفسَه باللَّه}+ يوحنّا 5: 18 إلخ.

إنهم يقرأون نصًّا واحدًا متجاهلين نصوصًا أخرى كثيرة! لا يمكن أن يكون الناسوت أقلّ شأنًا من اللاهوت في مكان ما ومساويًا له في مكان آخر وفي الوقت نفسه. إنّما توجد عبارات أشارت إلى لاهوت المسيح، وأخرى أشارت إلى ناسوته] انتهى.

ـــ ـــ

أمّا بعد فأنّ في هذا الأصحاح عددًا من الإشارات إلى العهد القديم، إليك منها التالي:-

الإشارة الأولى

في قول المسيح [2في بَيتِ أبي مَنازِلُ كثيرة، وإلّا لما قُلتُ لكُم: أنا ذاهِبٌ لأهيّئ لكُم مكانًا 3ومتى ذَهَبتُ وهَيّأتُ لكُم مكانًا، أرجِعُ وآخُذُكُم إليّ لِتكونوا حَيثُ أكون}+
إشارة إلى آية العهد القديم: {فارتَحَلُوا مِنْ جَبَلِ الرَّبِّ مَسِيرَةَ ثلاثَةِ أَيَّام، وتابُوتُ عَهْدِ الرَّبِّ رَاحِلٌ أمَامَهُمْ مَسِيرَةَ ثلاثة أَيَّام لِيَلْتَمِسَ لَهُمْ مَنزِلا}+ سِفر العدد 10: 33

وإليك مقتطفات من التفسير المسيحي:-
[لا يوجد ذِكر لبيت الآب إلّا هنا، لكن الرب يذْكُرهُ كموجود ويقول إنّ فيه منازل كثيرة. يعني أنهُ واسع ويسعُهُ هو وإيّاهم أيضا. لا يوجد أقلُّ أساس للفكر الدارج بأن الرب يشير إلى درجات متفاوتة في المجد، لأن فكرًا كهذا لا يطابق الموضوع الذي أخذ يوضحه لأجل تعزيتهم، ولا نرى في موضوعٍ ما من الكتاب أننا نمتاز بعضنا عن بعض في بيت الآب، لأننا إنما ندخله من مجرد النعمة، كما يتضح من قرائن الكلام كلّها هنا، ونكون هناك جميعًا كأولاد الآب محبوبين. فبيت الآب موضع خصوصي، ولا شكّ عندي أنهُ المركز الأزلي للثالوث الأقدس، لا يتعلق بالسماوات المخلوقة التي قيل عنها: {في البدء خلق الله السماوات والأرض}+ تكوين 1:1 فالسماوات والأرض التي نعرفها قد تنجست نوعًا بواسطة دخول الخطيّة بين الخلائق العاقلة، فلا بدّ أنها تزول وتتغير (انظر-ي كولوسي 1: 16-20 وعبرانيين 1: 10-12 و12: 26-29 وبطرس الثانية 3: 10-13 ورؤيا 20: 11 و21: 1) هذا من جهة زوال السماوات وتغييرها التي نعرف الآن. أمّا بيت الآب الذي هو مركزنا الخاصّ كأولاده فليس في هذه السماوات المقترنة مع الأرض.

ينبغي أن نلاحظ أيضًا أن أورشليم السماوية الموصوفة في سِفر الرؤيا- الأصحاح الـ21 ليست هي بيت الآب، إذ قيل صريحًا عنها أنها تنزل من السماء من عند الله مرَّتين أي في بداءة الملكوت مدة الألف السنة (رؤيا 21: 1) ثم في بداءة الحالة الأبدية بعد دينونة الهالكين وتجديد السماء والأرض (رؤيا 21: 2) فهي مركز المسيح والقديسين لأجل ممارسة الملك سواء أكانت في الألف السنة أو في الحالة الأبدية...] بقلم بنيامين بنكرتن
ملاحظة: تجد-ين {الألف السنة} في سِفر الرؤيا ابتداءً بالآية الـ 20: 3

وفي تفسير ثان:-
[ذهاب السيد المسيح هو فتح للطريق، إذ يُعِدّ الموضع، ويعطي حقّ العبور به إلى مملكة المجد الأبدي. لقد عاد بذاكرتهم إلى موكب الشعب القديم حيث كان يتقدمهم ليلتمس لهم منزلا (العدد 10: 33) هكذا يتقدمهم السيد ليعبر بهم مسيرة الثلاثة أيام، أي مسيرة القيامة، والنصرة على الموت، ليجد الكل مواضع في السماء...]- بقلم القمّص تادرس يعقوب ملطي

وفي تفسير ثالث:- [يشير العدد 3 إلى الوقت الذي فيه سيأتي الرب أيضًا في الهواء، عندما يُقام الذين ماتوا بالإيمان، ويتغيّر الأحياء، وعندما يؤخذ حشد المفديَّين بالدم كلّهم إلى بيتهم السماوي (1تسالونيكي 4: 13-18؛ 1كورنثوس 15: 51-58) ومجيء المسيح هذا سيحدث حرفيًّا، وفيه سيعود الربّ بنفسه شخصيّا. وكما أن انطلاق المسيح رجوعًا إلى السماء هو أكيد، هكذا أيضًا مجيئُه ثانية. فرغبته هي أن يأخذ خاصّته ليكونوا معه طوال الأبدية]- بقلم وليم ماكدونالد

الإشارة الثانية

{5فقال له توما: يا سيد، نحن لا نعرف إلى أين أنت ذاهب، فكيف نعرف الطريق؟ 6أجابهُ يسوع: أنا هو الطريق والحقّ والحياة، لا يَجيءُ أحَدٌ إلى الآبِ إلاَّ بي}+
وهنا إشارات عدّة إلى العهد القديم، منها التالي:
{وتكون هناك سكّة وطريق يُقال لها "الطريق المقدسة" لا يعبر فيها نجس، بل هي لهم. مَن سلك في الطريق حتى الجهّال لا يضلّ. لا يكون هناك أسد، وحشٌ مفترس لا يصعد إليها، لا يوجد هناك، بل يسلك المفديّون فيها}+ إشعياء 35: 8-9
{في طريق وَصَاياكَ أَجرِي، لأَنَّكَ تُرَحِّبُ قلبي. عَلِّمنِي يا رَبُّ طَريقَ فرَائِضِكَ، فأَحفَظَها إلى النِّهاية}+ المزمور 119: 32-33
وفي ترجمة أخرى: {في طريق وصاياكَ سعيتُ عندما وسّعتَ قلبي. ضَعْ لي يا ربّ ناموسًا، في طريق حقوقك، فأتبعه كلّ حين}+

واقتطفت التالي من التفاسير المسيحية:
[صحّح السيد المسيح مفهوم تلميذه توما، فأعلن له أنه هو الطريق الذي يقودهم إلى الآب وإلى معرفته. إنه الطريق بتعاليمه وبمثاله وبذبيحته وبروحه. إنه الطريق الذي فيه تتحقق الوعود الإلهية كلّها (2كورنثوس 1: 20) لا يستطيع أحد أن يأتي إلى الآب إلاَّ به، ولا إلى معرفته ما لم يخبره الإبن عنه.
إنه الطريق الذي تحدّث عنه النبي إشعياء 35: 8-9
الطريق الذي قدّم فيه دمه ليعبر بنا إلى المقدس (عبرانيين 9: 12) فيه نتمتع بالصليب شجرة الحياة.

إنّه الحقّ، الذي فيه كملت الظلال والرموز الواردة في العهد القديم.
الحقّ الذي يبدّد كل ما هو باطل وما هو خطأ.
الحقّ الذي يحطّم كل خداع؛ ففيه نجد الثقة الحقيقية والحقيقة.

الحياة والقيامة: {احسبوا أنفسكم أمواتًا عن الخطيّة، ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا} رومية 6: 11
الطريق والحق والحياة، البداية والنهاية وما بينهما؛ به نبدأ الحياة، ونسلك الطريق، ونبلغ النهاية...]- بقلم القمّص تادرس يعقوب ملطي

وفي تفسير آخر:
[يوضح لنا هذا العدد الجميل أن الرب يسوع هو نفسه الطريق إلى السماء. فهو لا يكتفي بتوجيه أقدامنا نحو الطريق، بل أنه هو الطريق. فالخلاص هو في شخص الرب. فاقبَلْ هذا الشخص لنفسك تَنَلْ هذا الخلاص. كما أن المسيحية هي المسيح. والرب يسوع ليس مجرد طريق مِن جملة طرق عدّة، بل هو الطريق الوحيد: لا أحد يأتي إلى الآب إلّا به! إذًا الطريق إلى الله ليس من خلال الوصايا العشر، ولا القاعدة الذهبية، ولا ممارسة الفرائض، ولا الانتماء إلى كنيسة ما؛ بل من خلال المسيح دون سواه.
في أيامنا؛ ازداد عدد القائلين بعدم أهمية ما تؤمن به ما دمت مخلَّصا. كما أنّ الديانات كلّها تحتوي على بعض الخير والصلاح، بحسب زعمهم، وأنها جميعها تقود إلى السماء في نهاية المطاف. أمّا الربّ يسوع فقال: {لا يَجيءُ أحَدٌ إلى الآبِ إلاَّ بي}+
ثم أنّ الرب هو أيضًا الحقّ؛ هو ليس مجرّد شخص يعلَّم الحقّ، بل أنّه هو الحقّ. أنه تجسيم الحقّ. فالذين عندهم المسيح، عندهم أيضًا الحقّ. وهذا الحق غير متوافر في أي مكان آخر!
والمسيح يسوع هو الحياة؛ فهو مصدر الحياة الروحية والأبدية معا! والذين يقبلونه قد نالوا الحياة الأبدية بما أنه هو الحياة]- بقلم وليم ماكدونالد

ـــ ـــ

الإشارة الثالثة

{قال له فيلبُّس: يا سيّد أرِنا الآب وكفانا}+ والإشارة إلى سِفر الخروج 33: 18
وفي التفسير المسيحي:
إذْ تحدّث السيد المسيح عن الآب؛ اشتاق فيلبُّس أن يراه، لكنه لم يكن قادرًا بَعدُ؛
أوّلًا: لأنه أراد رؤية اللاهوت حِسِّيّا، أي أن يراه بالعين الجسدية كما رأى المسيح.
ثانيًا: سرّ عجزه عن الرؤية هو عدم رؤيته حقيقة المسيح، إذ رآه حسب الجسد دون أن يدرك لاهوته.
وأخيرًا: عدم إدراكه الوحدة الفريدة بين الآب والابن في الجوهر ذاته، فسأله: {يا سيّد أرِنا الآب وكفانا}+

طِلبة فيلبس تُشبه طلبة موسى النبي الذي اشتهى أن يرى مجد الله (الخروج 33: 18) حقًا أنّ في رؤية الله الشبع والكفاية، وهي طلبة تُفرح قلب الله، لكنّ الخطأ في طلبة فيلبس هو تجاهله وحدانيّة الإبن مع الآب، لأنه لم يتمتع بالتجلّي مثل بطرس ويعقوب ويوحنا، وأيضًا عدم إدراكه أنه حتى تلك اللحظات لم يعرف المسيح كما ينبغي ولا رأى جوهر لاهوته]- بقلم القمّص تادرس يعقوب ملطي

وفي تفسير آخر:
[طلب فيلبُّس من الرب إعطاءه إعلانًا خاصًّا عن الآب، فيكتفي بذلك. وقد فاته أن يدرك أنّ كلّ ما كان عليه الرب، وما فعله، وما قاله، إنما كان إعلانًا عن الآب.
لذا صحّح الرب يسوع بصبر مفهوم فيلبّس. عِلمًا أنّ فيلبُّس أمضى وقتًا طويلًا مع الرب، لأنه كان من الرعيل الأوّل من التلاميذ الذين دُعوا (يوحنّا 1: 43) إلّا أنّه لم يستوعب بعد الحقيقة الكاملة بشأن ألوهية المسيح ووحدته مع الآب. كذلك لم يعلم أنه في نظره إلى يسوع، كان في الواقع ينظر إلى الشخص الذي أعلن الآب بشكل كامل]- بقلم وليم ماكدونالد

ـــ ـــ

كلمة أخيرة

كتبت ما تقدَّم على نغمات أناشيد عيد الشعانين حسب الكنائس الغربية، الذي وافقه تاريخ مراجعة هذه المقالة، كالنشيد التالي؛ باللحن الرابع في الطقس البيزنطي ذي الألحان الثمانية الشهيرة: [الرَّبُّ هو اللهُ وقد ظَهَرَ لنا. فأقيمُوا عيدًا. وهَلُمُّوا نُعظِّمِ المسيحَ مُبتَهِجين. حامِلينَ سَعَفًا وأغصانًا ومُنشدينَ لهُ: مُبارَكٌ الآتي باسمِ الرَّبّ] وهو على يوتيوب تحت عنوان- الرب هو الله وقد ظهر لنا.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا