يسيء المؤمنون أحيانًا فهم وصيّة الربّ يسوع هُنا إذ يعتبرونها نهيًا عن كل شكل من أشكال الحُكم. فمهما حصل من أمر، يقولون بكلّ تقوى، «لا تدينوا لكي لا تدانوا». لكنّ يسوع لم يقصد قطُّ أن نتخلّى عن قدرتنا على التمييز والحكم ويحتوي العهد الجديد على أمثله كثيرة تتضمّن إدانة مبرَّرة لحالة الآخرين، وسلوكهم أو تعليمهم للغير. أضف إلى ذلك أنّ هناك مجالات متعدّدة ينبغي فيها على المؤمن أن يتّخذ قرارًا، وأن يميّز بين الصالح والرديء، أو بين الحسن والأفضل.
على الرغم من سوء الفهم الشائع حول "لا تدينوا"، فإن الكتاب المقدس يُخبرنا بوضوح كيف، ومن، وماذا ندين. فيما يلي بعض المبادئ التي ينبغي ان توجهنا..
كيفية الحكم:
1. لا تحكم كأصدقاء أيوب.
حاول أصدقاء أيوب أن يُخبروا أيوب أن مشاكله علامة على أن الله يعاقبه فوبخهم الله. فإذًا لا ينبغي أن نُلقي باللوم في المصاعب على أفعال الشخص أو مواقفه إلا إذا كان ذلك واضحًا. على سبيل المثال، يُمكننا الحكم على إصابة شخص بسرطان الرئة بسبب التدخين، أو وقوعه في حادث سيارة بسبب قيادته تحت تأثير الكحول. ولكن لا ينبغي أن نُلقي باللوم في المرض أو المأساة على خطايا لا علاقة لها بالمشكلة.
2. لا تحكم بحسب المظهر
"فَقَالَ الرَّبُّ لِصَمُوئِيلَ: «لاَ تَنْظُرْ إِلَى مَنْظَرِهِ وَطُولِ قَامَتِهِ لأَنِّي قَدْ رَفَضْتُهُ. لأَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَنْظُرُ الإِنْسَانُ. لأَنَّ الإِنْسَانَ يَنْظُرُ إِلَى الْعَيْنَيْنِ، وَأَمَّا الرَّبُّ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ إِلَى الْقَلْبِ»." (1 صم 16: 7).
"لاَ تَحْكُمُوا حَسَبَ الظَّاهِرِ بَلِ احْكُمُوا حُكْمًا عَادِلًا»." (يو 7: 24).
3. لا تحكموا على أساس المنصب أو الثروة
"يَا إِخْوَتِي، لاَ يَكُنْ لَكُمْ إِيمَانُ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، رَبِّ الْمَجْدِ، فِي الْمُحَابَاةِ. فَإِنَّهُ إِنْ دَخَلَ إِلَى مَجْمَعِكُمْ رَجُلٌ بِخَوَاتِمِ ذَهَبٍ فِي لِبَاسٍ بَهِيٍّ، وَدَخَلَ أَيْضًا فَقِيرٌ بِلِبَاسٍ وَسِخٍ، فَنَظَرْتُمْ إِلَى اللاَّبِسِ اللِّبَاسَ الْبَهِيَّ وَقُلْتُمْ لَهُ: «اجْلِسْ أَنْتَ هُنَا حَسَنًا». وَقُلْتُمْ لِلْفَقِيرِ: «قِفْ أَنْتَ هُنَاكَ» أَوِ: «اجْلِسْ هُنَا تَحْتَ مَوْطِئِ قَدَمَيَّ»." (يع 2: 1-3).
4. لا تحكموا بقسوة
"لأَنَّ الْحُكْمَ هُوَ بِلاَ رَحْمَةٍ لِمَنْ لَمْ يَعْمَلْ رَحْمَةً، وَالرَّحْمَةُ تَفْتَخِرُ عَلَى الْحُكْمِ."(يع 2: 13).
5. انظر الى نفسك اولا
متى 7: 1-4 : “لا تدينوا لئلا تُدانوا. لأنه كما تدينون تُدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم. لماذا تنظر إلى القذى الذي في عين أخيك، ولا تفطن للخشبة التي في عينك؟ كيف تقول لأخيك: دعني أخرج القذى الذي في عينك، والخشبة في عينك دائمًا؟”
"لِذلِكَ أَنْتَ بِلاَ عُذْرٍ أَيُّهَا الإِنْسَانُ، كُلُّ مَنْ يَدِينُ. لأَنَّكَ فِي مَا تَدِينُ غَيْرَكَ تَحْكُمُ عَلَى نَفْسِكَ. لأَنَّكَ أَنْتَ الَّذِي تَدِينُ تَفْعَلُ تِلْكَ الأُمُورَ بِعَيْنِهَا!" (رو 2: 1).
6. احكم وفقًا لحق الله، وليس الآراء البشرية
"وَأَمَّا الرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ لاَ يُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ." (1 كو 2: 15).
"أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً؟ فَبِالأَوْلَى أُمُورَ هذِهِ الْحَيَاةِ!" (1 كو 6: 3).
من الأسباب التي تدفع البعض إلى الاعتقاد بأنه لا ينبغي لنا كمؤمنين أن نُدين أو نصدر احكامًا: أننا جميعًا خطاة وهذا صحيح، لكن الكتاب المقدس يُعلمنا ان نحكم لكي نعزل الشر المعروف من وسطنا. والبعض يرى ان الإدانة وظيفة الله، وليست وظيفة المؤمن. لكن الله وفي مواضع عديدة في الكتاب المقدس يأمر الأفراد والكنائس بإدانة الخطية والخطاة لأسباب مُختلفة. قسم آخر يرى الإدانة بغيضة ومعه حق. لكننا عندما ندين (نحكم) كما يأمر الكتاب المقدس، ونقول الحق بمحبة ووداعة ( غلاطية ٦: ١ ؛ أفسس ٤: ١٥ )، فهذا هو أقصى ما يُمكننا فعله من محبة. نفقد ملحنا ونخفي نورنا عندما نرفض الحكم على الناس وتحذيرهم كما يأمر الله (راجع متى 5: 13-15).
علينا أن نتوقف عن قول "لا تدينوا" في المواقف التي يقول فيها الكتاب المقدس العكس. فعلى سبيل المثال يقول الكتاب في
(أفسس ٥: ١١) : "لا تشتركوا في أعمال الظلمة غير المثمرة، بل بالحري وبّخوها".
ايضا علينا فضح التعاليم الكاذبة (أعمال الرسل ١٧: ١١): توضح لنا ان يهود بيرية كانوا أشرف من يهود تسالونيكي، إذ تلقوا الرسالة بحماسة شديدة، وفحصوا الكتب المقدسة كل يوم ليتأكدوا من صحة ما قاله بولس. وايضا ينبغي الحكم على التأثيرات السيئة
(مزمور ١٠١: ٣): "لاَ أَضَعُ قُدَّامَ عَيْنَيَّ أَمْرًا رَدِيئًا. عَمَلَ الزَّيَغَانِ أَبْغَضْتُ. لاَ يَلْصَقُ بِي." (مز 101: 3).
الرسالة الكلية للكتاب المقدس تأمرنا بعدم الإدانة بطرق غير لائقة؟
نسمع هذه العبارة مرارا “ احكم على الخطية وليس على الخاطىء” هل هذا القول الشائع صحيح؟ في الواقع، إنه ليس غير صحيح فحسب؛ بل إنه مستحيل. يمكننا أن نكره الخطيئة ونحب الخاطئ ، ولكن لا يمكننا الحكم على الخطيئة دون الحكم على الخاطئ. لماذا؟ لأن الخاطئ مسؤول عن الخطيئة. لا تحدث لنا الخطيئة فحسب، بل نختارها. لا يتعين علينا أن نقرأ كثيرًا في الكتاب المقدس لتبديد هذه الفكرة. انظر إلى حكم بولس على الخطاة في 1 كورنثوس 6: 9-11
“أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ الظَّالِمِينَ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ؟ لاَ تَضِلُّوا: لاَ زُنَاةٌ وَلاَ عَبَدَةُ أَوْثَانٍ وَلاَ فَاسِقُونَ وَلاَ مَأْبُونُونَ وَلاَ مُضَاجِعُو ذُكُورٍ، وَلاَ سَارِقُونَ وَلاَ طَمَّاعُونَ وَلاَ سِكِّيرُونَ وَلاَ شَتَّامُونَ وَلاَ خَاطِفُونَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ”.
"لأَنَّهُ مَاذَا لِي أَنْ أَدِينَ الَّذِينَ مِنْ خَارِجٍ؟ أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ تَدِينُونَ الَّذِينَ مِنْ دَاخِل؟" (1 كو 5: 12).
حكم على الرفاق السيئين 1 كورنثوس 15: 33 : "لا تضلوا فإن المعاشرات الردية تفسد الاخلاق الجيدة"
"فَإِنَّكُمْ تَعْلَمُونَ هذَا أَنَّ كُلَّ زَانٍ أَوْ نَجِسٍ أَوْ طَمَّاعٍ - الَّذِي هُوَ عَابِدٌ لِلأَوْثَانِ - لَيْسَ لَهُ مِيرَاثٌ فِي مَلَكُوتِ الْمَسِيحِ وَاللهِ." (أف 5: 5).
ختامًا، من خلال الأمثلة العديدة. يأمر الكتاب المقدس: 1.حكم الكنيسة الرسمي على الخطاة ( 1 كورنثوس 5: 5-8 ؛ متى 18: 15-17 ) 2. الحكم الشخصي على الخطاة (1كورنثوس 5: 9-12 ) وذلك لحماية أنفسنا (1كورنثوس 15: 33؛ 2 كورنثوس 6: 14-18 ). وتحذير الخاطئ ( أفسس ٤: ١١-١٥ ؛ متى ١٨: ١٥ ؛ يعقوب ٥: ١٩-٢٠ ).
تقع على عاتقنا مسؤولية أن نكون ملحًا ونورًا، والدينونة الصحيحة للخطاة (تتم برحمة ودون افتراء أو نفاق).