يقول الملحدون ان الكون ظهر من ذاته تحت قوى الطبيعة الغامضة بعملية الانفجار العظيم، ولكنهم لم يعطوا تفسيرا من أوجد مادة الانفجار وطاقته ومن أين جاءت وما سبب التفجير ومن الذي تحكم في تكوين الجسيمات والذرات والغازات وغبار النجوم ومن أوجد قوانين الفيزياء وثوابتها الدقيقة وسيطر على استمرار بقاء الكون الى اليوم دون ان يتكرر حادث الانفجار العظيم لمرة اخرى؟ كيف وجدت المادة والكتلة والطاقة والزمان من العدم؟
كما يقول الملحدون واتباع نظرية التطور ان الحياة ظهرت الى الوجود تحت ظروف الصدف والعشوائية في تجمع المواد الكيميائية والأحماض الأمينية في الماء مكونة أول خلية حية تنبض بالحياة بكل متطلباتها من تنفس وتغذية وإفراز وانقسام وتكاثر . وتطورت تلك الخلية بعد ان وفرت الطبيعة لها كل مستلزمات البقاء والحماية من الموت أو الانقراض بفعل عوامل الطبيعة القاسية. ان تلك الخلية الحية تطورت عبر مليارات السنين إلى كائنات متعددة الخلايا ، ثم اسماك ثم حيوانات برمائية ثم كائنات برية وحشرات وطيور تبيض وزواحف وثدييات تلد حتى وصلت الى مرحلة القرود الدنيا ثم العليا ، ثم القرود الشبيه بالإنسان وقد انتصب عمودها الفقري لمتطلبات ظروف الحياة والجري وراء الغذاء والدفاع عن النفس بدلا من تسلق الأشجار حتى وصل التطور إلى ظهور الإنسان النياندرتال ثم إنسان كرومانيون ، و كان هذا الجنس – كما يزعمون – يشبه الإنسـان الحالي شبهاً تاماً في جميع صفاته الخارجية، فقد أكدت المجلـة العلميـة "ساينس دايجست Sciences Digest " بأنَّ دماغ الإنسان ما زال في تناقص من حيث الحجم منذ إنسان كرومانيون، وهذا دليل على التراجع لا على التطور نحو الأفضل.
ودليل التطوريين هو ما وجدوه من هياكل عظمية وجماجم لقرود منقرضة ومستحاثات مطمورة في التراب والصخور ودراستها بالمقارنة مع بعضها البعض ومع الإنسان الحديث.
واستنتاج الأفكار العلمية منها.
اما المتدينون والمؤمنون بوجود الله الخالق الازلي - الابدي ذو القدرة غير المحدودة على الخلق والابداع فهو من خلق الكون بكل ما فيه من نجوم ومجرات وكواكب بضمنها الأرض المسكن الملائم للحياة، وخلق عليها النباتات والحيوانات ثم كان قمة الخلق والإبداع الإنسان خلقه على صورته ومثاله بروح ونفس وجسد ويمتلك عقلا ذكيا مفكرا ليكون سيد المخلوقات على الأرض. ويستدل المؤمنون بذلك من الكتب المقدسة التي يتبعها أصحاب الديانات السماوية الثلاث. فخالق الحياة هو الله وليس الصدف والعشوائية بتصميم ذكي ومبدع.
ما أركز عليه في هذا المقال هو هل عامل الصدفة والعشوائية التي يستند عليها أصحاب نظرية التطور في التكوين والحياة هي أقرب للكمال من قدرة خالق عظيم وحكيم مقتدر، لم نره ولكن نستدل على وجوده من عظمة مخلوقاته وعجائب صنعه في الكون وفي أنفسنا، وفي دقة قوانينه التي بها يحكم الكون والحياة.
هل تستطيع الصُدف ان تجمع عناصر كيميائية لتكوين أحماض أمينية معقدة التركيب تحت ظروف حرارة وشرارة برق لتكون منها خلية حية ذات غشاء يتحكم بطريقة غامضة في إدخال الغذاء وإخراج الإفرازات، ذات نواة تحمل بداخلها أعقد نظام لنقل الشفرات الوراثية من الكروموسومات والدي ان اي، مع وجود السيتوبلازم الضروري لبقاء النواة والخلية على قيد الحياة؟
كل هذا الخلق العجيب في خلية واحدة فماذا نقول عن جسم الانسان الذي يحتوي على مليارات الخلايا المتخصصة في الشكل والوظيفة، خلايا الدماغ لا تشابه خلايا القلب ولا خلايا العظام تشابه خلايا الكبد والمعدة والأمعاء والرئتين، كل لها وظيفتها الخاصة بها.
نتسائل من وضع تلك الأنظمة التخصصية لكل جزء من الجسم؟ من خلق الغرائز في المخلوقات كالخوف والرغبة الجنسية للتكاثر والحزن والفرح؟ هل هي نتاج التطور العشوائي ايضا، ام قوانين الصدف هي من اوجدتها؟
لابد من التفكير بوجود قوة عظمى تدير الكون وخلائقه التي لا تُعد ولا تُحصى. من يضبط قوانين فيزياء الكون وثوابته ابتداءً من الجسيمات والذرات وانتهاءً المجرات والنجوم؟
تغور في أعماق الكون والفيزياء الذرية والكونية ونقارن هل يمكن للصدف والعشوائية ان تخلق مثل تلك القوانين الصارمة في دقتها ام خلقت بقدرة خالق عظيم، قدير، جبار، حكيم.
يقول علماء فيزياء الكون: الحرارة تشع من قلب النجوم المستعرة الى سطحها الخارجي عن طريق الإشعاع والحمل. اكتشف عالم فيزياء الفلك براندون كارتر نظرية البنية النجمية، وهي ان في النجوم قوتان كهرومغناطيسية وقوى الجاذبية، وان نسبة القوة الاولى للثانية قريبة للغاية من 10 مرفوعة للأس 40 ( 1040) ، وهذا رقم خيالي وكبير جدا، فإن كانت قوة الجاذبية أقوى بقليل من القوة الكهرومغناطيسية، فستكون النجوم كافة من النوع الناقلة للحرارة بالإشعاع. وبهذه الحالة لا تكون الفرصة متاحة لتكون الكواكب ومنها الأرض التي وجدت عليها الحياة.
ولو كانت قوة الجاذبية أضعف من الكهرومغناطيسية، فستكون كافة النجوم ناقلة للحرارة عن طريق الحمل وبهذه الحالة لن تكون السوبرنوفا، وفي كلتا الحالتين كانت احتمالات ظهور الحياة مستحيلة.
فهل كان عامل الصدفة هو المتحكم بين القوتين لتكوين الكواكب وايجاد الحياة، ام قدرة خالق حكيم عليم الذي قدر كل شيء بمقدار؟
ليجيب العقل والمنطق على هذا السؤال.
حقيقة فيزيائية أخرى تدل على الضبط الدقيق لقوانين الكون وعظمة ضابط الكون ومسيّره.
يقول عالم الفيزياء النظرية والفلكي البريطاني بول ديفيس مؤلف كتاب (لغز ملائمة الكون للحياة) : تبلغ النسبة بين كتلة النيوترون والبروتون 1.001، يعني ان البروتون يحمل تقريباً نفس كتلة النيوترون الأثقل بنسبة 1 \ 1000 فقط. هذه النسبة الضئيلة جدا لها أهميتها في تحديد نسبة الهيدروجين إلى الهيليوم في الكون. كما أنها تمكن النيوترونات الحرة من التحلل، فإذا كانت النيوترونات أخف ولو بقدر طفيف جدا فلن تتمكن من التحلل دون الاستعانة بطاقة خارجية، ولو كانت النيوترونات أخف ولو بنسبة 1 \ 100 فستكون كتلتها أقل من كتلة البروتونات وسينقلب الحال وقتها وتتحلل البروتونات إلى النيترونات وبوزيترونات، وهذا له تداعياته على تكون ونشأة الحياة، لأنه من دون البروتونات لا توجد ذرات العناصر ولا كيمياء، ولن تُخلق المادة المكونة لأجسام الكائنات الحية.
فمن ضبط نسبة ال 1(\ 1000) بهذه الدقة لتكون عاملا مؤثرا في وملاءمتها لنشأة الحياة؟
هل هي الصدفة من تحكمت بها أم خالق مقتدر حكيم؟
يعطينا علم فيزياء الكون مثال آخر على عظمة الخالق ومدى تحكمه في إبداع خليقته وفي موازين الكون بكل دقة.
يُغَطى اشعاع الخلفية الكوني بتموجات او اضطرابات مهمة للغاية، إذ أنها تعكس بذور البنية الكلية للكون، هذه البذور نشأت في التفاوتات الكمية التي وقعت إبان تضخم الكون، هذه التفاوتات لهم حجم صغير، حوالي جزء واحد في كل مائة ألف جزء وتسمى أصغر من واحد على مائة ألف، واحد على مليون مثلا فيمنع هذا المجرات والنجوم لو أكبر جزء في العشرة آلاف جزء أو أكثر فستكون المجرات أكثر كثافة من الكون وهذا سيؤدي الى المزيد من التصادمات النجمية المخلة بنظام الكواكب. وإذا كان كبيرا للغاية فسينتج عن ذلك ثقوب سوداء عملاقة بدلا من عناقيد النجوم.
فلابد ان يستقر في نطاق ضيق محدود متحكم به بقدرة الهية خارقة كي يسمح بتكون نجوم مستقرة طويلة العمر تسمح بتكون كواكب مثل الأرض التي نسكنها.
فهل الصدف تحكمت بالرقم؟
يقول الفيزيائي بول ديفيز: يمكن تشبيه الكون بألة مصممة بدقة متناهية تتحكم فيها مفاتيح
وضبطها ضبطا دقيقاً، وإلا لكان الكون غير صالح للوجود وللحياة. ويضيف، في فيزياء الجسيمات الدقيقة وهي المكونات الأصغر من الذرة يوجد عشرين مفتاح او ثابت لضبط التحكم بالذرات واجزائها
يحوي علم الكونيات حوالي عشرة ثوابت ومفاتيح، أي ثلاثين ثابتا فيزيائيا تتطلب الضبط الدقيق بهامش لا يتجاوز الواحد بالمائة كي يكون الكون ملائماً للحياة. ومع ذلك هذه الحساسية الغاية في الدقة تبدو غير مهمة مقارنة بأكبر لغز يحيط بالضبط الدقيق على الاطلاق لخلق الكون والحياة واستمرارية بقائه وهي الطاقة المظلمة.
الطاقة المظلمة هي قوة طرد أو (جاذبية مضادة) كونية تبُعِد المجرات بعضها عن بعض بمعدل متزايد، وهي تعمل حتى في حالة عدم وجود المادة العادية على الاطلاق.
أي ان الكون مليء بطاقة مظلمة أي غير مرئية وما يرتبط بها من ضغط سالب، وهذا المزيج هو ما يخلق الجاذبية المضادة.
تتنبأ ميكانيكا الكم بأنه حتى الفضاء الخاوي أي (الذي لا يحوي فوتونات) يمتلئ بجسيمات افتراضية تحمل طاقة على غرار الجسيمات العادية وكذلك مقدار من الضغط السالب المطلوب لتوليد قوى طرد كونية من النوع الذي افترضه انشتاين.
وجد علماء الفيزياء ان القيمة المناسبة للطاقة المظلمة أقل بمقدار 10120 من قيمتها الطبيعية وذلك لأسباب يجهلونها ولا يعزونها الى قدرة الله في التحكم بالكون، ولو كان هذا المقدار 10119 وليس 10120 لما كانت هناك مجرات ولا كواكب ولا حياة.
فمن يتحكم في كل ذلك؟ هل هو الله الضابط الكل ام قدرة الصدف والعشوائية؟
المؤمن يقول الله الخالق للكون هو المتحكم الأول والأخير فيما خلق.