إشارات إلى العهد القديم – ج12‏: يونان والحوت، مفتاح الملكوت

في هذا الأصحاح إشارتان إلى العهد القديم، في قول السيد المسيح: جِيلٌ شِرِّيرٌ فاسِقٌ يَلتَمِسُ آيَة، ولا تُعطى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونانَ ‏النَّبيّ ، والثانية: وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات...
29 ديسمبر 2015 - 00:25 بتوقيت القدس

وصلت بالبحث في الإنجيل، بتدوين متّى البشير والرسول، إلى الأصحاح السادس عشر. وفيه ‏بحسب تسلسل الآيات 6 قول الرب يسوع لتلاميذه أن يتَحَرَّزوا من خَمِير (تعليم) الفَرِّيسِيِّينَ ‏والصَّدُّوقِيِّين 16 اعتراف بطرس وجزاؤه 21 إنباء يسوع بموته وقيامته 24 شرط اتّباع السيد ‏المسيح: {إِنْ أَرَادَ أَحَدٌ أَنْ يَأْتِيَ وَرَائي فلْيُنكِرْ نَفسَهُ وَيَحْمِلْ صَلِيبَهُ ويَتْبَعْنِي} آمين.‏

وفي هذا الأصحاح إشارتان إلى العهد القديم، هما التالي: ‏
الأولى: في قول السيد المسيح: {جِيلٌ شِرِّيرٌ فاسِقٌ يَلتَمِسُ آيَة، ولا تُعطى لَهُ آيَةٌ إِلاَّ آيَةَ يُونانَ ‏النَّبيّ}+متّى 16: 4 ‏
والإشارة إلى سِفر يونان وتحديدًا قصّته مع الحوت.‏

يونان والحوت

وإليك تفسيرًا مسيحيًّا بقلم بنيامين بنكرتن- بتصرّف: [عاد قوم من الفرّيسيِّين والصَّدُّوقيِّين ‏يقصدونه ليجربوه. لقد كان الفريقان مضادّين لبعضهما بشدة من جهة معظم تعاليم الكتاب ‏المقدَّس، لكنهما اتّحدا في رفض الرب يسوع- المَلك الموعود به- وإذ كانوا يعرفون الأنبياء ‏عَلِموا بوجود آيات\علامات مزمع حدوثها قبل ظهور المَسِيّا. فجاءوا إلى يسوع وسألوه أن ‏يُريهم آية من السماء، أي من الآيات الدالة على حُلول عصر المسيا، ذلك ليس لأجل معرفة ‏الحق بل {لِيُجَرِّبُوهُ- متّى 16: 1} فوبَّخهم الرب يسوع على عدم إيمانهم إذ كانوا قادرين على ‏تمييز وجه السماء من جهة أحوال الجو، وأمّا علامات الأزمنة فلا يستطيعون تمييزها. لو ‏كانت عيونهم مفتوحة لرأوا أنّ معجزات المسيح كلها هي علامات الدهر الآتي الدالة على ‏حضور المَلك.‏

لقد كان المَسِيّا في وسطهم، ربّ السماء والأرض كان معهم، لكن {الظُّلْمَة لَمْ تُدْرِكْهُ- يوحنّا 1: ‏‏5} كانوا عميانًا فلم يستطيعوا أن يدركوا أمجاده الأدبية والروحية. كانت أمامهم أعظم آية ‏أعطاها الله للإنسان: شخص ابنه الحبيب الذي تنكسف أمامه الآيات كلها. لكن عدم الإيمان، ‏أمام نور أبهر من لمعان الشمس، لا يزال يطلب أيضًا ضوء شمعة!‏

فأجابهم الرب هذه المرة جوابًا مختصرًا جدًا ثمَّ {تَرَكَهُمْ ومَضَى - متّى 16: 4} لماذا يصرف ‏وقتًا أكثر معهم وقلوبهم الغليظة قد أعمت عيونهم (متّى 13: 15)؟ فلم يُجِبْهم سوى أن الله يردّ ‏على طلبتهم ويعطيهم آية يونان النبي. وهي آية رجل اختفى عن شعب اليهود جائزًا في رمز ‏الموت (البحر) ثم رُدَّ إليهم ثانية. فهي ترمز إلى الموت والقيامة. وعندما تمّت الآية، إذ قام ‏الرب يسوع من الأموات، لم يقتنع أولئك المقاوِمون...] انتهى

الثانية:‏
في قول السيد المسيح: {وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات فكلّ ما تربطه على الارض يكون ‏مربوطًا في السماوات. وكل ما تحلّه على الارض يكون محلولًا في السماوات}+متّى 16: 19‏
والإشارة إلى الوارد في العهد القديم {وأجعل مفتاح بيت داود على كَتِفه، فيَفتح وليس مَن ‏يُغلق، ويُغلق وليس مَن يَفتح}+إِشَعْيَاء 22: 22 ‏

وفي التفسير المسيحي؛ كتب القمّص تادرس يعقوب في تفسيره- بتصرف: [إن كان ملكوت ‏السماوات عملًا إلهيًّا يعلنه الآب في قلوبنا بالروح القدس في ابنه، فقد قدّم مفاتيح هذا الملكوت ‏بين يديّ الكنيسة، لا لتسيطر، إنما لتخدم البشريّة. لقد تسلّمت السلطان لا لتعمل بذاتها بل ‏بالروح القدس الساكن فيها. فتشترك العروس في عمل العريس نفسه، لتنال كرامة الشركة ‏معه على أن تتم إرادته الإلهيّة في سلوكها.‏

مفتاح الملكوت في الحقيقة هو في ملكيّة ابن داود نفسه الذي يفتح ولا أحد يُغلق، ويُغلق ولا ‏أحد يفتح، فإن كان السيّد قد وهب كنيسته هذا المفتاح الإلهي إنّما يأتمنها عليه ويبقى هو ‏العامل سرّيًا في داخلها، يعرف من يستحق فيفتح له خلالها ومن يتركه خارجًا يغلق عليه] ‏انتهى.‏

ثمّ أضاف القمّص تادرس عددًا من أقوال آباء الكنيسة القدامى، إليك منها اثنين:-‏
الأوّل: [ليت الذي يربط غيره أو يحلُّه أن يكون هو نفسه بلا لوم، فيوجد مستحقًا أن يربط أو ‏يحلّ في السماء. من يقدر أن يغلق أبواب الجحيم بفضائله تُعطى له مفاتيح ملكوت السماوات ‏كمكافأة. فإنه إذْ يبدأ إنسان في ممارسة كل نوع من الفضيلة يكون كمن يفتح لنفسه أبواب ‏السماء، إذ يفتحها الرب بنفسه، فتكون الفضيلة عينها هي باب السماء ومفتاحه. كل فضيلة ‏إنّما هي ملكوت السماوات]+ بقلم العلامة أوريجينوس.‏

والثاني: [الأساقفة والكهنة الذين لا يفهمون هذا الأمر (فيحكمون بلا تمييز) يأخذون لأنفسهم ‏نوعًا من كبرياء الفرّيسيّين فيظنّون أنهم يقدرون أن يدينوا الأبرياء ويغفروا للمجرمين؛ لكن ‏الله لا ينظر إلى حكم الكهنة وإنما إلى حياة الذين يُدانون]+ بقلم القديس جيروم.‏

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا