وقفة بين الكتاب المقدَّس وبين غيره – ج3: حِفظ كلام الله

ومن المنطق أن يختار الله من أتقيائه لحفظ كلامه والعمل بوصاياه وأحكامه، وتاليًا نقله إلى ‏أولادهم وتحفيظهم إياه إلى الأبد. ومن المنطق أيضا اختيار الله مجيءَ المسيح المخلِّص من ‏نسل إسرائيل المؤمن بالله
09 أكتوبر 2015 - 22:21 بتوقيت القدس

تخص هذه الوقفة حِفظ كلام الله؛ 1. المباشر، منه ومن ملائكته، إلى رجال الله، الأنبياء منهم ‏وغير الأنبياء 2. الموحى به من الله.‏

فمِن رجال الله الأنبياء: موسى وداود وحزقيال وغيرهم. عِلمًا أنّ النبوّات لم تقتصر على ‏الرِّجال فحَسبُ! بل تنبّأت النساء أيضًا (1) وإن لم تَكتُبْ إحداهنَّ سِفرًا، عِلمًا أنّ في العهد ‏القديم سِفرًا بإسم امرأة من غيرهنّ، وتحديدًا: سِفر راعوث. أمّا الأتقياء ممّن لم يوصفوا ‏كأنبياء في العهد القديم: إبراهيم الخليل وإسحق ويعقوب (إسرائيل فيما بعد) وأيّوب ويشوع بن ‏نون وغيرهم كثير. وممّن لم يوصفوا كذلك في العهد الجديد: يوسف البارّ (متّى 1: 19) ‏خطيب مريم أمّ يسوع وسِمعان الشيخ (لوقا 2: 25) بينما شَمِل كلامُ الله- الموحى به- ‏النبوءات والرؤى والأحلام والإعلانات السماوية. وقد حَفِظ رجالُ الله من بني إسرائيل كلامَ ‏الله، ابتداء بتوراة موسى وانتهاء برؤيا يوحنّا الإنجيلي. ‏

فلماذا حَفِظ كلامَ الله بنو إسرائيل دون غيرهم؟ والجواب، باختصار شديد، هو أنّ شعب ‏إسرائيل كان الوحيد الذي عبد الله بين جميع الشعوب، الوثنية في ذلك الحين، وإن حادوا، في ‏ما بعد ومِرارًا، عن طريق الله باتجاه آلهة وثنية، حتّى عاقبهم الله بعقوبات قاسية، فهلك منهم ‏مَن هلك ولكن نجا مَن نجا! لأنّ الله قصد تأديبهم ولم يقصد فناءهم. مثالًا: {وأيضًا في تلك ‏الأيام، يقول الرب، لا أفنيكم. ويكون حين تقولون: لماذا صنع الرب إلهنا بنا كل هذه؟ تقول ‏لهم: كما أنكم تركتموني وعبدتم آلهة غريبة في أرضكم، هكذا تعبدون الغرباء في أرض ليست ‏لكم}+ إرميا 5: 18-19‏

ومن المنطق أن {يختار} الله من أتقيائه لحفظ كلامه والعمل بوصاياه وأحكامه، وتاليًا نقله إلى ‏أولادهم وتحفيظهم إيّاه إلى الأبد. ومن المنطق أيضًا اختيار الله مجيءَ المسيح المخلِّص من ‏نسل إسرائيل المؤمن بالله، وليس من نسل شعب وثني، أيًّا كان. والجدير ذكره بالمناسبة هو ‏أنّ السيد المسيح أيضًا قد {اختار} تلاميذه من بين اليهود الذين آمنوا به واٌتّبَعوه، ولاحقًا نشروا ‏أخبار مجيئه ومحبته وتعاليمه ومعجزاته وآلامه وقيامته. نشروها، هم وسائر الرسل السبعين ‏الذين {اختارهم} المسيح. عِلمًا أنّ منهم الذين دوّنوا العهد الجديد خلال القرن الميلادي الأوّل، ‏باستثناء لوقا إذْ كان أمميًّا ولم يكن يهوديًّا، لكنّ الذي تلمذ لوقا هو بولس الرسول، ذو الخلفية ‏اليهودية بامتياز.‏

‏1 حِفظ كلام الله في العهد القديم

إليك أمثلة من أربعة أسفار في العهد القديم؛

‏1. التوراة\ سِفْر التثنية: الأصحاح الرابع.‏

‏2. سفر يشوع 1: 8 لا يَبْرَحْ سِفْرُ هذِهِ الشَّرِيعَةِ مِنْ فَمِكَ، بَلْ تَلْهَجُ فِيهِ نهَارًا ولَيْلا، لِكَيْ ‏تَتَحَفَّظَ لِلْعَمَلِ حَسَبَ كُلِّ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهِ. لأَنَّكَ حِينَئِذٍ تُصْلِحُ طَرِيقَكَ وَحِينَئِذٍ تُفْلِحُ. ‏

‏3. سفر أشعياء ‏
يَبِسَ العُشْبُ، ذَبُلَ الزَّهْرُ. وأَمَّا كَلِمَةُ إِلهِنَا فتَثْبُتُ إِلَى الأَبَد. 40: 8‏
هكذا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخرُجُ مِنْ فمي. لا تَرْجعُ إِلَيَّ فارِغَةً، بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وتَنجَحُ ‏فِي مَا أَرسَلتُهَا لَهُ. 55: 11 ‏

أَمَّا أَنا فهذا عَهْدِي مَعَهُمْ، قالَ الرَّبُّ: رُوحِي الَّذِي عَلَيْكَ، وكَلاَمِي الَّذِي وَضَعْتُهُ في فمِكَ لاَ ‏يَزُولُ مِنْ فمِكَ، وَلا مِنْ فَمِ نَسْلِكَ، ولا مِنْ فَمِ نَسْلِ نَسْلِكَ، قالَ الرَّبُّ، مِنَ الآنَ وإِلَى الأَبَد. 59: ‏‏21‏

‏4. سفر إرميا 1: 12 فقالَ الرَّبُّ لي: أَحْسَنْتَ الرُّؤْيَةَ، لأَنِّي أَنا سَاهِرٌ عَلَى كَلِمَتِي لأُجْرِيَهَا.‏

لعلّ من الواضح أنّ كلام الله محفوظ في عقله ولم يحفظه في مكان ما، في السماء أو الأرض. ‏كما أنّ الله لا يحتاج إلى ملفّ لحفظ كلامه ولا لوح كتابة، لأن الله لا ينسى وأنّه يعرف ما ‏يريد في كل زمان وكلّ مكان. ومن خصائص كلام الله رصانته ودقّته وثباته ودقّة توقيته، ‏فغير جائز فيه التغيير أو التبديل أو التحريف (2) أو الزوال. أمّا كلام الإنسان ‏فمن خصائصه ‏الافتراض والتغيير والتعديل وغيره. فشَتّان ما ‏بين الخصائص الإلهية وبين الخصائص ‏الإنسانية. وتاليًا ما الفائدة التي يجني الإنسانُ من حِفظ اللهِ كلامَه في مكان ما بعيدًا عن ‏الإنسان؟ إنما صار كلام الله محفوظًا في قلوب مَن سَمِعوه وحفِظوه في صدورهم ودوَّنوه في ‏أسفارهم وعَمِلوا به وعَلَّمُوه أَوْلاَدَهُمْ وتاليًا أولاد أولادهم. ‏

يشوع يقود الشعب اليهودي ويجتاز نهر الاردن مع تابوت العهد.
ويكيبيديا - بينامين ويست

‏2 حفظ كلام الله في العهد الجديد

نقرأ في بداية إنجيل متّى\ الأصحاح 23‏

حِينَئِذٍ خاطَبَ يَسُوعُ الجُمُوعَ وتلاَمِيذهُ، قائِلا: {عَلَى كُرْسِيِّ مُوسَى جَلَسَ الْكَتَبَةُ والفَرِّيسِيُّونَ، ‏فكُلُّ مَا قَالُوا لَكُمْ أَنْ تَحْفَظُوهُ فاحْفَظُوهُ وافْعَلُوهُ...} وهذا الخطاب من الأدلّة على أن السيد ‏المسيح أقرّ المدوَّنَ في الناموس (أي الشريعة اليهودية) والمسيح قال: {لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ ‏لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ. مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ}+ متّى 5: 17‏

وقد وصف بقاء الناموس ساري المفعول بقوله: {إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ ‏حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ}+ متّى 5: 18‏

وتاليًا بقاء كلامه قائلًا: {اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ}+ متّى 24: 35 ‏ومرقس 13: 31 ولوقا 21: 33‏

بل قال أيضًا: {ولكن زوال السماء والأرض أيسرُ مِن أنْ تسقط نقطة واحدة من الناموس}+ ‏لوقا 16: 17‏

ونقرأ في نهاية الإنجيل بتدوين متّى أنّ يسوع، بعد قيامته من الموت وقُبَيل ارتفاعه إلى ‏السماء، كلّم تلاميذه قائلًا: {دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وعَلَى الأَرْضِ، فاذهَبُوا وتَلْمِذُوا ‏جَمِيعَ الأُمَمِ وعَمِّدُوهُمْ بِاٌسْمِ الآب والابْنِ والرُّوحِ الْقُدُسِ. وعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا ‏أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وهَا أَنا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انقِضَاءِ الدَّهْرِ} آمِينَ.‏

وفي كلام المسيح هذا دلالة واضحة على استحالة مجيء نبي جديد بعد المسيح، باستثناء ‏الأنبياء الكذبة الذين تنبّأ الكتاب المقدَّس بمجيئهم، عِلمًا أنّ يسوع قال لليهود {اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ ‏لَكُمْ: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْفَظُ كَلاَمِي فَلَنْ يَرَى المَوْتَ إِلَى الأَبَد}+ يوحنّا 8: 51  ‏

وعِلمًا أنّ اليهود، ومنهم الكهنة والفَرِّيسِيُّون، كانوا يحفظون كلام الله، بتأكيد العهد الجديد ‏أيضًا. فنقرأ مثالًا أنّ الشّابّ اليهودي الغني اعترف ليسوع بأنه يحفظ وصايا الله: {هذِهِ كُلُّهَا ‏حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فمَاذا يُعْوِزُني بَعْدُ؟}+ متّى 19: 20 ومرقس 10: 20 ولوقا 18: 21‏

وإليك مثالًا آخر: {وأَمَّا مَرْيَمُ فكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِها}+ لوقا 2: 19 ‏و51 ومعلوم أنّ مريم أمّ يسوع امرأة يهوديّة. فكَانَتْ تَحْفَظ الكلام سواء كلام الله وكلام يسوع. ‏ولا يختلف عاقلان اثنان، بعد ما تقدَّم، على أنّ كلام الله وكلام يسوع واحد. وقد أثنى يسوع ‏على سامعي كلام الله وحافظيه بقوله: {طُوبَى لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كلامَ اللهِ ويَحْفَظُونَهُ}+ لوقا 11: ‏‏28‏
وإليك تأكيدًا ما ورد في رسالة بطرس الأولى: {وأَمَّا كَلِمَةُ الرَّبِّ فَتَثْبُتُ إِلَى الأَبَدِ. وَهذِهِ هِيَ ‏الْكَلِمَةُ الَّتِي بُشِّرْتُمْ بِهَا}+ 1بط 1: 25‏

وفي رؤيا يوحنّا: {لأَنِّي أَشْهَدُ لِكُلِّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هذا الْكِتَاب: إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى ‏هذا، يَزِيدُ اللهُ عَلَيْهِ الضَّرَبَاتِ الْمَكْتُوبَةَ فِي هذا الْكِتَابِ. وإِنْ كَانَ أَحَدٌ يَحْذِفُ مِنْ أَقْوَالِ كِتَابِ ‏هذِهِ النُّبُوَّةِ، يَحْذِفُ اللهُ نَصِيبَهُ مِنْ سِفْرِ الْحَيَاةِ، وَمِنَ الْمَدِينَةِ الْمُقَدَّسَةِ، وَمِنَ الْمَكْتُوبِ فِي هذا ‏الْكِتَاب}+ رؤيا 22: 18-19‏

‏3 حفظ الكلام، المنسوب إلى الله، في القرآن

لقد اقتطفت التالي من صفحة ويكيپيديا- اللوح المحفوظ- بتصرّف، باحثًا عن تفسير الوارد في ‏سورة البروج: ﴿بَلْ هُوَ قُرآنٌ مَجِيد 21 في لَوْحٍ مَحفُوظ 22﴾ ومدقِّقًا فيه. فمَن أراد-ت ‏مراجعة النصّ كاملًا فليضع [اللوح المحفوظ] على بحث ويكيپيديا‏ لكي يقرأ المزيد:‏

1. [هو مصطلح في العقيدة الإسلامية يدلّ، بشكل عام، على أداة حَفِظَ بها اللهُ مقاديرَ الخلق ‏قبل أن يخلقهم وهو مستودعٌ لمشيئاته. ظهر في القرآن بشكل مباشر في سورة البروج. كما ‏ظهر في "آيات" أخريات بشكل غير مباشر. وتم تفسير معنى اللوح المحفوظ في الأحاديث ‏النبوية وعن طريق مفسّري القرآن والسّنّة. وهناك مِلل أخرى فسّرته بحسب معتقداتها]‏

وتعليقي: يبدو لي أن إله القرآن كان بحاجة إلى لوح لحِفظ كلامه وبرنامج أعماله. وأرى في ‏نسب هذا اللوح إلى الله إساءة إلى شأن الله العليم بكلّ شيء الذي لا يمكن أن ينسى كلامه.‏

‏2.‏    ‏[فسَّره الطبري على أنه إمّا لوح منقوش حماه الله من الزيادة والنقصان أو أنه على جبهة ‏إسرافيل. وأضاف ابن كثير: لوح من درّة بيضاء طوله ما بين السماء والأرض وعرضه ‏ما بين المشرق والمغرب وحافّتاه الدر والياقوت ودفّتاه ياقوتة حمراء وقلمه نور وكلامه ‏معقود بالعرش وأصله في حجر ملك]‏

وتعليقي: سأذهب بعد قليل إلى تفسير الطبري. ويبدو أن إسرافيل إسم أحد الملائكة، لكنه غير ‏مذكور في الكتاب المقدَّس، بحسب عِلمي. أمّا إضافة ابن كثير، غير المنطقية في رأيي، فلا ‏برهان عليها! وتاليًا؛ ما الذي يمنع من رؤية لوح بهذا الحجم، بعد هذا الوصف المادّيّ؟ ‏فالرؤية حينئذ ممكنة إمّا بالعَيْن المجرّدة أو بأقوى تلسكوب.‏

‏3. [وعند الشيعة؛ المقدَّرات الإلهية محفوظة في كتابين هما كتاب اللوح المحفوظ وكتاب ‏المحو والإثبات. فمحتوى الأول لا يمكن تبديله أما الثاني فيبدل بحسب تصرفات الإنسان ‏ودرجة إيمانه]‏

وتعليقي أوّلًا: هل المقصود أنّ الكتاب الأوّل محفوظ في مكان ما في السماء؟ مثالًا التالي ‏المقتطف بتصرف ممّا في تفسير القرطبي: (إنّ اللوح محفوظ عن يمين العرش. محفوظ من ‏وصول الشياطين إليه. وإنّ اللوح الهواء؛ فوق السماء السابعة) انتهى.‏

ثانيًا: كيف يمكن تبديله؟ ففي سورة النحل:101 (وإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ واللَّهُ أَعْلَمُ بِما ‏يُنَزِّلُ...) وممّا في تفسير الطبري: (يقول: والله أعلم بالذي هو أصلح لخلقه فيما يبدِّل ويغيِّر ‏مِن أحكامه) انتهى. وقد أوضحت أعلى أن كلام الله العليم بكل شيء دقيق حتّى في توقيته، فلا ‏يمكن أن يغيّر كلامه أو يبدّل أحكامه. ‏
ثالثًا: أمّا فرضية الكتاب الثاني التي تشير إلى سورة الرَّعد:39 ﴿يَمْحُو اللّهُ ما يَشَاء وَيُثْبِتُ ‏وعِندَهُ أُمُّ الكِتاب﴾ وهو الحاوي على (المقدَّرات الإلهية) فتدلّ، بحسب فهمي، على أنّ الله لا ‏يدري ما سيقع من أحداث على الأرض وعلى الإنسان، ولا يستطيع تقدير احتماليّة وقوعه ولا ‏تحديد وقت الحدث. وأرى في قول القرآن "يَمْحُو اللّهُ ما يَشَاء وَيُثْبِتُ" افتراء على علم الله، ‏كأنّ الله لا يدري ما الصواب، سواء في قوله وفي عمله.‏

‏4. [وفي المسيحية: يذكر في الإنجيل مصطلح "سفر الحياة" الذي يعتبره البعض أنه اللوح ‏المحفوظ إذ ورد في سفر الرؤيا ١٧- ٨: الذين ليست اسماؤهم مكتوبة في سفر الحياة منذ ‏تأسيس العالم]‏

وتعليقي: إليك أوّلًا الآية السابقة: {ثُمَّ قالَ لِي الْمَلاَكُ: لِمَاذا تَعَجَّبْتَ؟ أَنا أَقُولُ لَكَ سِرَّ الْمَرْأَةِ ‏والْوَحْشِ الْحَامِلِ لَهَا...} ثمّ تلتها: {الْوَحْشُ الَّذِي رَأَيْتَ، كانَ ولَيْسَ الآنَ، وَهُوَ عَتِيدٌ أَنْ يَصْعَدَ ‏مِنَ الْهَاوِيَةِ ‏ويَمْضِيَ إِلَى الهَلاَك. وسَيَتَعَجَّبُ السَّاكِنُونَ عَلَى الأَرْض، الَّذِينَ لَيْسَتْ أَسْمَاؤُهُمْ ‏‏مَكْتُوبَةً فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ مُنْذُ تَأْسِيسِ الْعَالَم، حِينَمَا يَرَوْنَ الْوَحْشَ أَنَّهُ كَانَ وَلَيْسَ الآنَ، ‏مَعَ أَنَّهُ ‏كَائِنٌ‏}+ رؤيا 17: 8‏

وثانيًا؛ ألا يدلّ ما اعتبَرَ هذا (البعض) على أنّ مؤلِّف القرآن اقتبس فكرة "اللوح المحفوظ" من ‏‏"سِفر الحياة" الوارد في سِفر الرؤيا، أم أنّ أحدًا منهم لم يجرؤ على التصريح بهذا، خوفًا من ‏سيف الإسلام الظالم عبر التاريخ؟ فقد ثبت أن المؤلِّف المذكور قد اقتبس ما اقتبس، سواء مِن ‏الإنجيل ومِن التوراة ومِن كتب يهودية غير مقدَّسة كالمِشناه במשנה والمدراش מדרש ومن ‏غيرها. ولم أقل "سرق ما سرق" تأدُّبًا ولاحترام بعض المشاعر.‏

‏5. [وفي اليهودية: هناك من ربط فكرة "لوائح موسى" باللوح المحفوظ مع الإختلاف، إذ ‏ربطوا بين احتواء الإثنين على قوانين الله. إذ ورد في سفر الملوك الاول 8 - 9 وفي رسالة ‏العبرانيين 9 - 3 و4 أن لوحي موسى حُفِظا في تابوت العهد الذي صنعه موسى حسب أمر ‏الله وهو معنى اللّوح المحفوظ، أو بالحري معنى اللوحين المحفوظين]‏

وتعليقي: دعني أصحِّح لك أوّلًا- حضرة المحرِّر- لأنّهما لوحان من الحجر، بصيغة المثنّى. ‏أمّا لوائح: جمع لائِحة. عِلمًا أنّ موسى كسر لوحَي العهد أمام أعين الشعب العِبراني: {فَنَظَرْتُ ‏وإِذا أَنْتُمْ قَدْ أَخْطَأْتُمْ إِلَى الرَّبِّ إِلهِكُمْ، وَصَنَعْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ عِجْلاً مَسْبُوكًا، وزُغْتُمْ سَرِيعًا عَنِ ‏الطَّرِيقِ الَّتِي أَوْصَاكُمْ بِهَا الرَّبُّ. فأَخَذْتُ اللَّوْحَيْنِ وطَرَحْتُهُمَا مِنْ يَدَيَّ وَكَسَّرْتُهُمَا أَمَامَ أَعْيُنِكُمْ}+ ‏التثنية 9: 16-17‏

وتاليًا؛ إليك نصّ آية سِفر الملوك الأول 8: 9 {لَمْ يَكُنْ فِي التَّابُوتِ إِلاَّ لَوْحَا الْحَجَرِ اللَّذَانِ ‏وَضَعَهُمَا مُوسَى هُنَاكَ فِي حُورِيبَ حِينَ عَاهَدَ الرَّبُّ بَنِي إِسْرَائِيلَ عِنْدَ خُرُوجِهِمْ مِنْ أَرْضِ ‏مِصْرَ} وإليك أيضًا نصّ الآيتين معًا في الرسالة إلى العبرانيين 9: 3-4 {ووَرَاءَ الْحِجَابِ ‏الثَّانِي الْمَسْكَنُ الَّذِي يُقَالُ لَهُ «قُدْسُ الأَقْدَاسِ» فِيهِ مِبْخَرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ، وتَابُوتُ الْعَهْدِ مُغَشًّى مِنْ ‏كُلِّ جِهَةٍ بالذَّهَبِ، الَّذِي فِيهِ قِسْطٌ مِنْ ذَهَبٍ فِيهِ الْمَنُّ، وَعَصَا هَارُونَ الَّتِي أَفْرَخَتْ، ولَوْحَا ‏الْعَهْد} وتاليًا؛ كتب الله وصاياه على اللوحين المذكورَين لكي يحفظهما موسى النبي وسائر ‏العِبرانيّين في تابوت العهد، وهو تابوت مادّيّ، فلم يكتب عليهما الله ليحفظهما عنده في مكان ‏ما، لا في السماء ولا في الأرض، بل عند الناس. فشتّان ما بين حِفظ لوحَي الشريعة الموسويّة ‏وبين حِفظ لوح القرآن.‏

مجسم تابوت العهد
مجسم تابوت العهد
 

‏6. [وفي السومرية: اعتقد السومريّون بوجود ألواح طينية محفوظة في السماء عند الآلهة]‏
وتعليقي: أحترم عقول السومريّين وزمانهم، إذ عاشوا قبل الميلاد بآلاف السنين ولم يدركوا ‏زمن مجيء السيد المسيح.‏

‏7. وفي الإيزيدية: أنها تؤمن بوجود لوح محفوظ عند إله الأيزيدية]‏
وتعليقي هو أنّ كل إنسان حُرّ في ما آمَن، إلّا إذا ضرّ غيره بشيء ما؛ كأن يكفّره، أو يغزوه ‏ليسرق ماله وحلاله ما لم يقتله، أو يستعبده ويسبي نساءه، أو يهجّره، أو يفرض الجزية ‏عليه... وانتهى الاقتطاف من ويكيپيديا.‏

وسأختم مقالتي، مقتطفًا ممّا في تفسير الطبري سورة البروج: 22: [واختلفت القرّاء في قراءة ‏قوله: (مَحْفُوظٍ) خفضًا على معنى أن اللوح هو المنعوت بالحفظ. وإذا كان ذلك كذلك كان ‏التأويل: في لوح محفوظٍ من الزيادة فيه والنقصان منه عمّا أثبته الله فيه. أمّا (مَحْفُوظٌ) رفعًا، ‏ردًّا على القرآن، على أنه من نعته، كان معنى ذلك على القراءة: محفوظٌ من التغيير والتبديل ‏في لوح. والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان معروفتان في قراءة الأمصار، ‏صحيحتا المعنى، فبأيّتِهِما قرأ القارئ فمُصِيب. وقد حدثنا... عن مجاهد (فِي لَوْحٍ) قال: في أمّ ‏الكتاب. حدثنا... عن قتادة (في لَوْحٍ مَحْفُوظٍ) عند الله] انتهى

وتعليقي على قول الطبري (فبأيّتِهِما قرأ القارئ فمُصِيب) هو أنّ ما يهمّ القارئ-ة القراءة ‏الصائبة التي في اللوح، المحفوظ عند إله القرآن. فهل هذه الصفة "محفوظ" مرفوعة في اللوح ‏المزعوم، بحسب قواعد اللغة العربية، أم مجرورة؟ والجواب المعتاد: (الله أعلم) أو: (الله ‏ورسوله أعلم) عِلمًا أنّ تدوين القرآن الأصلي تمّ بلا تنقيط ولا تشكيل! لذا لا يمكن لإنسان ‏عادي حِفظ لغة ما لا يتقنها أهلها ولا يعرفون وجه الصواب فيها، فكيف حفظها إله القرآن؟ ‏ولماذا اختارها من بين لغات أسهل قطعًا وأوضح وأدقّ؟ فمثالًا اللغة اليونانية.‏


‏1‏    لطفًا مراجعة مقالة الكاتب: هؤلاء ما سمّاهم الكتاب المقدّس أنبياء- ج 1‏

‏2 إنّ لَمِن المُفلِسين القدامى منهم والجدد: الذين ادّعوا بتحريف الكتاب المقدَّس. ومن أهدافهم ‏أوّلًا: إجبار أهل كتاب الله على قبول الإسلام دينًا وعلى اعتبار مؤسسه رسولًا من عند الإله ‏الذي يعرفون. وحاشا الإله الذي عَرَفوا مِن تحريف كلامه وتغيير خطّته، بعد مضيّ قرون ‏على ختم الكتاب المقدَّس ومهما طال الزمن. وثانيًا: محاولة منع المسلمين من اكتشاف كلام ‏الله الصحيح بعد قراءة الكتاب المقدَّس، لأسباب دينية وسياسية واقتصادية. وهذه المقالة لم ‏تهتمّ بإفلاسِهم؛ إذ سبق لغيرها أن ردّت بامتياز، بتفصيل وإسهاب وإطناب. فليس التكرار من ‏بلاغة كاتب هذه المقالة. ومع ذلك؛ إليك مثالًا "دراسة مختصرة" من تعب محبّة "الكلمة.نت" ‏تحت العنوان التالي: هل الكتاب المقدَّس محرف؟

http://www.alkalema.net/articl/halbible.htm

• تمّت كتابتها مساء الأحد الموافق الرابع من أكتوبر 2015‏

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا