هل محبة الله "غير مشروطة"؟

محبة الله هي الحب الأروع في الكون، ولهذا السبب فهي ليست غير مشروطة. فلأنه يُحبنا يريد ان يغيرنا للأفضل.
01 مايو - 11:31 بتوقيت القدس
هل محبة الله "غير مشروطة"؟

قد نتسائل أحياناً: أحبنا الله ونحن بعد خطاة (١ يوحنا ٤: ١٩ ؛ رومية ٥: ٨). ألا يجعل هذا محبته غير مشروطة؟

ونجيب على هذا التساؤل بالقول: صحيح ان الله يُقدّم الخلاص لجميع البشر، ولكنه ليس عرضًا غير مشروط إذ ان خلاصه يُمنح فقط للمؤمنين.

يعتقد بعض المسيحيين أنه يمكن فصل خلاص الله عن محبته، قائلين إن الخلاص مشروط، لكن محبة الله غير مشروطة. لكن هذا غير منطقي. إذا كان أعظم أعمال محبة الله مشروطًا "لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ." ( يوحنا ٣: ١٦ )، فهذا يعني أن محبته مشروطة. للأسف، أصبحنا ننظر إلى المحبة المشروطة على أنها شر، لكن هذا يعتمد على الشروط، وشروط الله مقدسة وكاملة ونقية.

للأسف فإن استخدام كلمة "غير مشروطة" للإشارة إلى محبة الله ساعد في تعزيز بدعة الخلاص الشامل وتسبب في مواقف غير صحيحة تجاه الخطية.

هذا موضوعٌ صعبٌ تناوله نظرًا لكثرة التعاليم الخاطئة المتداولة حول هذا الوصف. نحن بحاجةٍ إلى التمييز.

وقد يقول قائل: محبة الله لا ترتكز على صلاحنا. ألا يجعلها هذا غير مشروطة؟ الإجابة لا. صحيح أننا لا نخلص بصلاحنا، لكن الله خلصنا لكي يقدسنا ويغيرنا ويجعلنا صالحين.

ومجددا قد يجادل البعض بالقول: أليست وعود الله غير مشروطة؟ والإجابة ايضا لا.

فعلى سبيل المثال، عندما يعدنا الله بأنه لن يتركنا ولن يهملنا ( رومية ٨: ٣٨-٣٩ )، فهذا وعدٌ جديرٌ بالثقة تمامًا، لا يتغير. ولكنه مشروط، وينطبق فقط على المؤمنين. أما من لا يؤمن، فسيُفصل يومًا ما عن الله إلى الأبد في جهنم ( ٢ تسالونيكي ١: ٦-١٠ ).

ربما الوعد الوحيد الذي يمكن اعتباره غير مشروط هو وعد أن الشمس ستشرق على الأشرار والأخيار ( متى ٥: ٤٥ )، ولكنه وعد مؤقت. لا ينطبق إلا على الأرض.

لكن، جدلاً، لنفترض أن بعض وعود الله غير مشروطة. فهل هذا يجعل محبة الله غير مشروطة؟

لا، "الله محبة". محبته هي جوهر كيانه. جميع مواقفه وأفعاله وقيمه وتوقعاته ووعوده ومكافآته وعقوباته تنبع من محبته الكاملة، وهي تتضمن شروطًا عديدة.

في الواقع، يُعرّف الله محبتنا له وفقًا لهذه الشروط. يقول الرب يسوع:

“من عنده وصاياي ويحفظها فهو الذي يحبني. من يحبني يحبه أبي، وأنا أيضًا أحبه وأُظهر له ذاتي”. يو ١٤: ٢١ وايضا "إن حفظتم وصاياي تثبتون في محبتي، كما أني أنا حفظت وصايا أبي وأثبت في محبته." يو ١٥: ١٠ هل يعني هذا أننا نخلص بطاعة وصايا الله؟ لا، بل يعني أن طاعة وصايا الله علامة على خلاصنا. عندما نعصي كمؤمنين أوامر الله، يوبخنا ويؤدبنا لأن محبته لها ضوابط. إنها ليست غير مشروطة.

والآن نأتي الى التحدي الشهير:  ألا تعني كلمة أغابي حب غير مشروط؟

والجواب بالطبع لا.
أغابي (ah GAH pay) كلمة يونانية تعني الحب، تُستخدم بكثرة في العهد الجديد (يوحنا ١٣: ٣٥؛ ١ كورنثوس ١٣؛ ١ يوحنا ٤: ٧-١٨). خلافًا للفهم الشائع، لا تكمن أهمية أغابي في كونها حبًا غير مشروط، بل في كونها حبًا إراديًا بالدرجة الأولى لا عاطفيًا. لا يذكر العهد الجديد أبدًا أن الله يحب البشر غير المؤمنين حبًا عاطفيًا أو حبًا يتوقع شيئًا في المقابل. بل إنه يحب بإرادته (يوحنا ٣: ١٦؛ رومية ٥: ٨). والسبب في ذلك أن الله لا يجد أي متعة في خاطئ لا يزال غضبه عليه قائمًا. لذا فهو يحب بإرادته؛ فمن طبيعته أن يُحب.

عندما يقول الناس إن محبة الله غير مشروطة، فإنهم يعتقدون أنها أسمى أشكال الحب. لكن تعريف الحب غير المشروط هو "غير خاضع لأي شروط". ولم يُذكر هذا الوصف قط في الكتاب المقدس.

لكن الأمر يتجاوز مجرد إساءة استخدام الكلمات، فقد أدى إلى عدد من التعاليم الخاطئة وسوء الفهم. على سبيل المثال، يستاء كثير من المسيحيين من آيات الكتاب المقدس التي تتحدث عن غضب الله. فهم يؤمنون بأن على إله "محب" أن يتقبل جميع أنماط الحياة ويغفر للخطاة غير التائبين.

الأبدي، الكامل، المقدس، المحب، الغفور، هذه الأوصاف الرائعة موجودة في الكتاب المقدس، إلى جانب أوصاف دقيقة أخرى كثيرة لمحبة الله. ومع ذلك، لا يُرادف أيٌّ منها الحب غير المشروط.

معظم المسيحيين الذين يستخدمون مصطلح "غير مشروط" حسنو النية. كنت أستخدمه بنفسي قبل أن أرى سوء استخدامه. وعندما بحثتُ عنه، وجدتُ أنه مصطلح نشأ في [1] علم النفس العلماني. لقد شرح الله محبته بشكل كافٍ ودقيق في الكتاب المقدس. لماذا يكون وصفنا المفضل لحبه وصفًا مأخوذًا من علم النفس، لا يوجد في الكتاب المقدس - وهو وصف يعزز التعاليم الخاطئة، والمواقف غير الدقيقة تجاه الخطية، والعديد من سوء الفهم؟

للحب غير المشروط تعريفٌ علماني، أي الحب بلا شروط. لو كان لدى شخصٍ ما حبٌّ غير مشروطٍ حقًّا، لأحبّ الناس دون توقعاتٍ أو خيبات أمل. وبالتأكيد لن يُوبّخ أو يُصحّح أو يُعاقب مَن أحبّ. لو كان جارك يُحب ابنه حباً غير مشروط، فلن يعاقبه أبداً حتى لو فعل شيئاً مؤذياً أو مدمراً أو شريراً.

لو كانت الزوجة تحب زوجها حبًا غير مشروط، لما اهتمّت بخيانته. لو كانت المعلمة تحب طلابها حبًا غير مشروط، لمنحتهم جميعًا درجات امتياز سواءً أنجزوا واجباتهم أم لا.

الحب بدون شروط مستحيل، ولو كان ممكناً لكان شريراً.

المحبة الإلهية - المحبة الكتابية الأصيلة - لها شروطها دائمًا. ذلك لأنها عادلة وطاهر. تُكافئ الإيمان والتقوى، وتُعاقب التجديف والإلحاد. وتتطلب التوبة.

لو كانت محبة الله غير مشروطة، لعامل الأشرار تمامًا كما يعامل الأتقياء. لما كان لديه غضب ولا توقعات. وحتى بعد الخلاص، لا يزال الله يضع توقعات وشروطًا للمكافآت والعقوبات ( عبرانيين ١٢ ). أوضح الرب يسوع: "من أحبه أوبخه وأؤدبه. فكن غيورا وتب" (رؤيا ٣: ١٩).

[1] قدم إريك فروم، عالم النفس العلماني، مصطلح الحب غير المشروط (المصدر).

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا