مسيحي فوق الغيوم

لقول الصدق بت أستغرب هذا التوجه العربي المسيحي الذي يختار فيه البعض أن يرتقي ويرتفع فوق الكل، لابسًا "قناع" المسيحية والتقوى، جازمًا ومُعلنًا بأنه "مختلف" عن الكل هو ليس جزء من الكل، ليس جزء من...
20 مارس 2015 - 00:17 بتوقيت القدس

مسيحي فوق الغيوم

لقول الصدق بت أستغرب هذا التوجه العربي المسيحي الذي يختار فيه البعض أن يرتقي ويرتفع فوق الكل، لابسًا "قناع" المسيحية والتقوى، جازمًا ومُعلنًا بأنه "مختلف" عن الكل! هو ليس جزء من الكل، ليس جزء من آلامهم ومعاناتهم ولا من قضيتهم لأنها دنيوية ومؤقتة، أما هو فمكانه في السماء، فلم يبالي أو يهتم؟!

لقد أعمى "التدين" أعيننا عن واقع وحقيقة الإنسانية التي تأسست مسيحيتنا عليها! لقد جاء المسيح من أعلى سماه، نزل من ارتفاعه وفوقيته الملوكية ليصبح واحدًا منا، جزء من وجعنا وألمنا وتعبنا واحتياجنا...تحنن علينا وأشفق وشفا وبارك... جلس مع الخطاة وحادثهم وحاورهم وأكل معهم وأحبهم "الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ." (فيلبي 2: 6-7) رب المجد أخلى نفسه وتواضع وأحبنا جميعنا حتى الموت! أحبّ حتى الموت! فمن أنت يا صاحب لتدعي الفوقية وتتعالى؟! ها نحن بالمقابل نختار أن نعلو ونسمو عن الكل، منعزلين عن حياة بأكملها بادعاء أن موطننا بالأخير سماوي!

أنا طبعًا لا أعترض على هذه الحقيقة وهذا الرجاء الذي أعطانا إياها يسوع المسيح بقيامته له كل المجد. أن أسكن معه بالأمجاد هو حلمي ورجائي واشتهائي، ولكن كما قال الرسول بولس: "فَإِنِّي مَحْصُورٌ مِنْ الاثْنَيْنِ: لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ، ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا. وَلكِنْ أَنْ أَبْقَى فِي الْجَسَدِ أَلْزَمُ مِنْ أَجْلِكُمْ." (فيلبي 1: 23-24) فإن واجبي الأساسي كمسيحية هو أن أعكس صورة طيبة عن المسيح الذي يعيش فيّ وأعبق من حولي بناردين أطايبه... من خلال حياتي وأخلاقي ومبادئي وعقيدتي بين الناس وليس فوقهم! أن أعكس جمال المسيح بمحبتي الخالصة للآخر، وقبولي الكامل للآخر دون شروط أو قيود أو حواجز. من خلال احترامي للآخر ولمواقفه ومبادئه حتى لو لا أقبلها.. بأن أنبذ الظلم والقهر، وأمدّ يد العون لمنع الشر قدر استطاعتي.. أن أكون بركة حيّة وحقيقية في حياة غيري بغض النظر عن دينه ولونه وشكله! عكسي لصورة المسيح لا يقف عائقًا أمام انصهاري وانتمائي للإنسانية بل على العكس، هي السبيل والطريق للآخر. هويتي ولغتي الحالية والأرضية التي تُعرّف من أكون، هي التي تبني جسرا لأتواصل مع الآخر... هنالك واجبات ومسؤوليات تتحتّم علي تجاه أهلي وناسي ووطني.. هذه ليست سياسة بل هي إنسانية بحتة قبل أي شيء!

أنا مسيحية وبفخر، وانتمائي الأرضي هو عربية فلسطينية... ومن أبسط حقوقي وحقوق أبناء شعبي (كأي شعب آخر) أن أعيش بسلام وأمارس حقوقي الإنسانية اليومية، كارهة للظلم والقهر واغتصاب الحياة! إختبائي "فوق الغيوم" وانعزالي عن هذا العالم يشبه تصرف النعامة التي تدفن رأسها في الأرض متجاهلة تمامًا وجود واقع وحياة وإنسانية خلقها الرب... ومن ثم أمدّ اصبع الإتهام لمن يبادر ويحب ويغار من الظلم والقهر متهمًا إياه "بالدنيوي"!!! أحقًا هذا؟!

أرفض إدعاءات البعض بأن الأحداث الدنيوية القائمة من حولنا هي بحسب مخطط الله وتدخلنا (الإنساني) يعني التدخل في مخطط الله!!! هل يقبل الله بالظلم والقتل والاغتصاب والقهر والعنصرية... أنا أؤمن بإله حنّان وعادل ورحيم وشفوق وطيب، وهو لا يقبل لأولاده ولا لخليقته بالمعاناة.

إن الله لا يميز شعب عن آخر، فليس عند الله محاباه!!! (رومية 2: 11)

 لقد خلقنا الله مع عقل لنفكر، ونسبة ذكاء لنتصرف ونتدبر أمورنا، والأهم من ذلك أنه أوجد فينا القلب والمشاعر لنشعر ونحس وبالتالي نبدي ردود فعل لمشاعرنا وأفكارنا.. وبذلك نصنع الفرق والتغيير.

لا أستطيع أن أربح الآخر بفوقية وتعالٍ وانعزال، بل لأكون ملح في هذه الأرض عليّ أن أذوب وأتغلغل مع الماء في ترابها.. أن نشعر مع ناسها وأهلها، نقاوم الشر والشرير، أن نحتضن المتألم والمظلوم وأن نسند المُتعب والعاجز وأن ننصر الفقير والمسكين...نحن سفراء لنبث حياة ونعكس صورة حيّة للإنسانية.. ولنكسب الآخر علينا أولاً أن نقبله ونحبه ونستوعبه...! هذه هي تعاليم المسيح ووصاياه... لننشر إنجيل الحق علينا أن نتمثل بالحق والعدل والمحبة ليقبلني الآخر وبالتالي يقبل رسالتي ويفهما ويعرفها ويختبرها.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. نسيم صبحي حزان 20 مارس 2015 - 00:02 بتوقيت القدس
لنا وطن سماوي لنا وطن سماوي
ان العالم قد وُضع كله في الشرير ونحن لسنا من العالم لان العالم يمضي وشهوته , ان كنا ننتظر راحة او بركة ارضية فلنمتحن انفسنا ولنكشف قلوبنا للرب ونقول اختبرني يا الله وامتحني . لانه ليس لنا مدينة باقية هنا انما ننتظر الرب من السماء. ان كنا ننتظر شيء جديد فلننظر ونرى انه ليس جديد انما , ان كان احد في المسيح فهو خليقة جديدة الاشياء العتيقة قد مضت هوذا الكل قد صار جديداً ان كنا نبحث عن المكان العالي ليس لنا الا ان "انظر الى العلاء من حيث يأتي عوني معونتي من عند الرب ...." ان كنا نريد ان نأخذ الغنى والجاه والكنوز الارضية ونكنز لنا هنا فلننظر ما يقوله لنا ربنا يسوع المسيح في متى 19:6 " لا تكنزوا لكم كنوزا على الارض حيث يفسد السوس والصدا وحيث ينقب السارقون ويسرقون. 20 بل اكنزوا لكم كنوزا في السماء حيث لا يفسد سوس ولا صدا وحيث لا ينقب سارقون ولا يسرقون.21 لانه حيث يكون كنزك هناك يكون قلبك ايضا. " ويوجه لنا الوحي المقدس رسالة حياة فيها نطلب ما فوق حيث المسيح جالس في كولوسي 1:3 "فان كنتم قد قمتم مع المسيح فاطلبوا ما فوق حيث المسيح جالس عن يمين الله. 2 اهتموا بما فوق لا بما على الارض. 3 لانكم قد متم وحياتكم مستترة مع المسيح في الله. 4 متى اظهر المسيح حياتنا فحينئذ تظهرون انتم ايضا معه في المجد"
1.1. واحد من السما 20 مارس 2015 - 14:28 بتوقيت القدس
عشان تعليقك انكتب المقال
الى المعلق رقم 1 اخي الحبيب، تعليقك يبين الحاجة لقراءة المقال. نحن نعيش على الارض بمبادئ سماوية ومنها العدل والرحمة والاهتمام بسكان المريخ ... عفوًا الأرض
1.2. نسيم حزان 20 مارس 2015 - 16:47 بتوقيت القدس
ما كتبتيه
ما كتبتيه اختي في المسيح , هو رأيك وانا اعرف هذا التخبط الموجود بين الانتماء الوطني الارضي وما بين الانتماء الروحي الوطني السماوي , حضرتك كتبتي مقال وليس بالضرورة ان يكون راي كثيرين . نحن دورنا ككنيسة ومؤمنين في المسيح ان نوصل رسالة الحياة في المسيح لكل من حولنا كما تمتعنا نحن في الخلاص والحياة الابدية هكذا تصل رسالة الانجيل للعالم اجمع . الرب يباركك , ايماننا المسيحي مبني على كلمة الرب ونتعاطف ونشفق ونحزن لاجل القتل والاضطهاد والظلم ومسؤوليتنا ان نصلي لاجل الرؤساء والسلاطين وكل من هم في منصب حتى نقضي جميعاً حياة هادئة ونصلي لاجل جميع الناس حولنا والدول المجاورة وغيرها في امتداد لكل العالم .
1.3. نسيم حزان 20 مارس 2015 - 16:56 بتوقيت القدس
ارجو الكلام بموضوعية
ارجو فقط عدم الاستهزاء " المريخ ..... الارض" حضرتك اتهمتي المؤمنين بلبس "القناع" , الاعتلاء الفوقية والاعتزال والتدين , ان كان احد المؤمنين يرى انه لا يريد ان يتدخل في السياسة ولا ان يظهر وطنيته الارضية في الاشتراك في المظاهرات او تحدي السلطة او مقاومة الشرير , هذا ليس بالضرورة ان يكون الصفات التي ذكرتيها . الرب يباركك
1.4. منال عبدالله خوري 20 مارس 2015 - 18:07 بتوقيت القدس
عزيزي نسيم
مرحبا سيدي الفاضل. انا منال كاتبة المقال وطبعا احترم رايك وتعليقك. لكن لست انا من علق على تعليقك سيدي. ارجو ان تنتبه لعنوان التعليق والاسم. مع احترامي ومحبتي
1.5. نسيم حزان 20 مارس 2015 - 22:54 بتوقيت القدس
اعتذر
ارجو ان تعذريني اختي لم انتبه لمن كتب التعليق , بركة الرب لحياتك اخت منال
1.6. منال عبدالله خوري 21 مارس 2015 - 08:44 بتوقيت القدس
ولا يهمك أخي العزيز فمحبة المسيح تجمعنا دوما
2. aze 27 مارس 2015 - 16:50 بتوقيت القدس
islam islam
انا مسلم اعلم لم افهم عيسي رب الروح رب مريم رب 3*1 يساوي 1 مع العلم انني اعلم عن هؤلاء الثلاث اكثر ما تعلمون
3. القس بولس فريد ميخائيل 25 يوليو 2015 - 09:45 بتوقيت القدس
مقال ممتاز بشرط مقال ممتاز بشرط
أعجبني جدا هذا المقال و لكن ارجو ان نفهم أن الحياة الأبدية ستظل دائما هي الهدف من الحياة الأرضية...الرب يبارك كاتبة المقال و كل الأخوة الأحباء القائمين على هذَا الموقع
3.1. منال عبدالله خوري 25 يوليو 2015 - 16:04 بتوقيت القدس
الله يباركك قسيس
شكرا لك قس بولس. طبعا أوافقك الكلام و الإيمان بأن رجاءنا هو الرب ييسوع وهدفنا بالأخير سماوي حيث هو وطننا.
3.2. القس بولس فريد ميخائيل، 28 يوليو 2015 - 00:49 بتوقيت القدس
مقالات اخرى
أشكرك جدا و اطلب منكم الصلاة من اجلي و من اجل الخدمة... مجرد سؤال، هل لك مقالات أخرى في هذا الموقع او غيره
3.3. منال عبدالله خوري 04 يناير 2016 - 21:03 بتوقيت القدس
نعم
نعم سيدي لدي العديد من المقالات في هذا الموقع. الله يباركك