مفترق طرق

إن العالم اليوم يسيرمندفعًا بسرعة غير محتملة تحت وطأة الضغوط، تمامًا كتيار نهر قوي جدًا، نجد أنفسنا مغمورين بمياهه ومندفعين نحو المجهول. غير قادرين على المقاومة أو التوقف أو حتى الخروج
06 مارس 2013 - 16:55 بتوقيت القدس

إن العالم اليوم يسيرمندفعًا بسرعة غير محتملة تحت وطأة الضغوط، تمامًا كتيار نهر قوي جدًا، نجد أنفسنا مغمورين بمياهه ومندفعين نحو المجهول. غير قادرين على المقاومة أو التوقف أو حتى الخروج. مهما ركلنا بأرجلنا وجدّفنا بأيدينا بقوة وبسرعة، نشعر بالعجز الكلي أمام عظمة ورهبة هذا التيار، ونشعر بالرعب يسيطر علينا ويشلّ تفكيرنا لأننا غير قادرين على مسك زمام الأمور في حياتنا ونعجز عن قيادة دفّتنا وسفينتنا، فالغرق يواكبنا والموت يطل بحلته السوداء الشاحبة أمامنا بين انقطاع الأنفاس ودقات القلب السريعة وغمر المياه المتدفق اللامتناهي. ومن ثنايا أنفاسنا المتقطعه نحاول أن نصرخ: لا أستطيع التنفس، لا استطيع المقاومة أكثر، انا أغرق! وجسدنا الضعيف أصبح كعصافة، كورقة خريف منجرفة مع البقية تحت رحمة هذا النهر الكبير والعنيف والمجهول!

إلى أين؟ إلى أين يا إنسان؟

أحيانًا يتوجب علينا إجبار أنفسنا على إيجاد بعض الوقت المستقطع كما في المباريات، لنهرب بعيدًا عن الضوضاء المحيطة بنا حتى نستطيع أن نجدد قوتنا كما تفعل النسور. الهروب لبضع ساعات أو حتى أيام من الضوضاء والضغوط، والبحث عن الوقت والمكان، عن ملجأ ليكتنفنا ويحيط بنا فيبعث في أوصالنا الهدوء والسكينة والطمأنينة. مكان آمن لمشاعرنا وتخبّطاتنا وجنوننا. مكان يحتوينا ويملأنا سكينة وسلامًا لنتمكن من التفكير برزانة وسلاسة وانتعاش. فالعالم يسلبنا طاقتنا وأفكارنا ومبادئنا وهويتنا لنغرق في ضياع وعدم يقين. نحتاج لهذه الفسحة لاستنشاق هواء عليل ونرمي عنا كل ثقل وتعب وارهاق، مكان يساعدنا على المناجاة، يمنحنا الوحي لنتحدث ونسمع همس خالقنا الدافئ.

إن النسر عندما يصل لعمر معين يبدأ بفقد مميزاته وقدراته التي تميزه عن بقية الطيور الجارحة، فلا يعد نظره ثاقبًا كما قبل ولا مخالبه قوية لتحمل فريستها، ويبدأ ريشه بالالتصاق بجسده مانعًا إياه من فرد أجنحته والتحليق بحرية وانطلاق وسلطان! الأمرالذي يضعه أمام مفترق طرق حاسم: إما الاستسلام والموت جوعًا واعياءً أو تجديد شبابه!

بطبيعة الحال الاختيار الثاني أمامه هو الأصعب لأنه يتطلب إصرارًا وقوة إرادة والتمسّك حتى النهاية. بهذا الاختيار يتوجب على النسر الانعزال بعيدًا عن العالم لمدة تقارب 4 أشهر، بها يقوم بنتف ريشه لينمو مكانه الجديد، يُكسِّر مخالبه مرة تلو الأخرى لتنمو جديدة قوية كما كانت في سابق عهده، وتقوم النسور الشبيبة بالاعتناء به حيث تُحضر له الطعام. وبعد انقضاء هذه الفترة الحاسمة، لا يرجع النسر لسابق عهده بل أفضل حيث يجدد شبابه بقوة أعظم من سابقتها فيحلق بجناحين قويين ومخالب محاربة وطاقة وحيوية وقوة!

أرى حياتي أمام خيارين اليوم؛ الانهزام والاستسلام أو العناد والمثابرة والتمسك والإلحاح!

إن الاستسلام هو الأسهل والأضمن، ولكنه الموت!

أما الخيار الثاني فيتطلب مني أن أسمح ليد الرب لتعمل فيّ، لتكسرني قبل أن تجبر، لتمحّصني، ليشكّلني إناءً جديدًا كما يحلو في عينيه. أن أطلب وجهه وأطلب مجده وأتعلق وأتمسك به هو وحده. أسلّمه كل ما لي وأثق بأمانته ونعمته وعمله لأن الذي ابتدأ فينا عملاً صالحًا قادر أن يكمله إلى التمام!

من المهم أن نتصالح مع أنفسنا أولاً ثم نتصالح مع الرب.

علينا أن نعي لضعفاتنا التي تُبعدنا عنه وتهزمنا، وأن نجعل منها نقاط قوة داعمة لمسيرتنا وأهدافنا في الحياة. علينا أن نتعلم كيف نستخدم رش المبيدات لنقتل حشرات حياتنا، فهو يكون فعال أكثر باستمرارية ومتابعة استخدامه؛ بالمواظبة والمجاهدة. سلاحنا فقط الرب يسوع وكلمته التي هي سيف ذي حدّين، وبقوة الصلاة والاستمرار والمواظبة والعناد. نحن أقوياء في المسيح، وما كان ضعيف بإمكانه هو أن يغيّره لقوة وصلاح وجبروت ونصرة دائمة معه. ليملأنا الرب بكل حكمة سماوية لنفهم كلامه ونعمته ولنطيعه ونخضع له.

شارك المقالة:
هل لديك سؤال عن الإيمان المسيحي؟ نحن مستعدون لاجابتك راسلنا
التعليق على مسؤولية المعلق فقط وهو ليس بالضرورة رأي الموقع
1. ﺭﻭﻧﻴﺖ ﺍﻧﺪﺭﺍﻭﺱ 06 مارس 2013 - 21:16 بتوقيت القدس
ﺻﺢ ﻭﺻﺤﻴﺢ ﺻﺢ ﻭﺻﺤﻴﺢ
ﻣﻘﺎﻟﻪ ﺭﻭﻋﻪ ﺍﻟﺮﺏ ﻳﺒﺎﺭﻛﻚ ﻭﻳﺴﺘﺨﺪﻣﻚ ﻟﻤﺠﺪﻩ ﺍﻛﺜﺮ ﻭﺍﻛﺜﺮ