اتخذت بعض الكنائس أو الفئات الكنسية موقفاً متحفظاً من كل ما في العالم فعزفت عن شؤونه. انتهج ذلك رهبان اعتزلوا في أديرة في الجبال وشقوق الصخور وأيضاً أناس تدور محاور حياتهم في الدوائر الكنسية ويستهجنون "قذارة كل ما في الدنيا".
ينبع من هذا التوجه المعتكف تفرع على شكل اجتهاد خطير تسلل لكنائس انجيلية كثيرة. انه المبدأ أن ما يقوله أو يفكره العالم عن الكنائس أو الفئات الانجيلية غير ذي أهمية.
يؤسس هؤلاء مبدأهم هذا على أنصاف حقائق من الكتاب أو آيات اقتُلعت من سياقها. أصحاب هذا المبدأ يصرحون انه من غير الضروري الالتفات لما يقوله الناس عنا إذ هم لا يفهمون ما لروح الله وهم أصلاً أشرار فلماذا نلتفت الى ما يقولونه؟ ولكي يحصّنوا هذا المبدأ، يتوّجونه بمسحة روحية من الطراز الثقيل فيتابعون: "أن عندنا أصلاَ روح الرب والكتاب المقدس فلماذا نهتم بكلام الناس؟"
اعتقد ان هذا الادعاء هو ذريعة قبيحة ارتدت ثياباَ روحية وقد نصبها إبليس فخاَ، فوقع الكثيرون فيه.
لقد وضعنا الرب على الأرض لنمجد اسمه ونعرّف الناس به. إن أعجب الناس بتصرفاتنا واقوالنا وعلاقاتنا ببعض (وليس بالضرورة يوافقون على كل ما نقول) فسيقبلون ما ندعو اليه. وأما ان استاءوا مما رأوه بيننا، فلن يقبلوا ما ندعو إليه. من هنا – فان ما يفتكر الآخرون عنا مهم. ان قبول الناس لنا أو عدمه هو عامل فاصل وهام في الاستماع الى ما عندنا لنقوله. طبعاً كل ذلك خاضع لمعيار الإنجيل وليس أن نرضي الناس على حساب كلمة الله.
لا ننسى اننا سفراء فانه يتوجب ان ترى الناس يسوع من خلالنا وخلال تصرفاتنا دون ان نشكل عثرة وبحيث تكون شهادتنا حسنة تجاه الذين من خارج.
الكثيرون يرون هذا المبدأ بمنظار شخصي فقط، أي ان حياة القداسة والنقاوة للأفراد المؤمنين هي الهامة ويغفلون عن الجانب الجماعي. طبعاً لا يمكن الفصل بين الاثنين فالجانب الجماعي يتكون في جانب منه من القرارات والتصرفات الشخصية للافراد. لكن هناك جانب متعلق بعملنا العام والمشترك والجماعي وكثيراً ما نغفل عنه.
حضارتنا العربية الشرقية كرست الروابط الجماعية مثل العائلة الصغيرة والموسعة والانساب والطائفة والبلدة والوطن. يهمنا معرفة عائلة من نلتقي بهم لأول مرة فنسأل عن الأهل والاخوة والنسب والبلدة. الترتيب في العلاقات والمقامات هام. هناك مرجعية عائلية وفي المجتمع. عار الواحد الذي ناقض العرف المجتمعي ينعكس على جميع افراد عائلته.
ما هي الدائرة الكنسية الانجيلية التي ارتبطنا بها بعد ان آمنا؟ ماذا يفتكر الناس عندما تشاركهم انك انجيلي؟
هناك تفاوت بين بما يظنه الناس ويقولونه عنا في كل بلدة وأخرى ولن اخوض فيها مع انها جديرة بالدراسة. لكن سأتطرق لنقطة واحدة فقط وهي التشرذم والاستقطاب والموضة أن الكثيرين في الدوائر الانجيلية يفعلون ما يحلو في عينيهم. كما يرانا الآخرون كمنقسمين ومتناحرين. لا قيادة واضحة عندنا ولا رقيب ولا حساب. نتعب "لكنيستنا وخدمتنا" على حساب العمل الجماعي. نفتح دكاكين جديدة نسميها كنائس وهيئات ولا ترتبط هذه بالجماعة ككل (المتمثلة بمجمع الكنائس الانجيلية).
لطبيعة خدماتنا- ليست هناك هرمية وهيكلية واضحة كما هو الأمر في الكنائس غير الانجيلية. استبدلنا ذلك بفوضى تنطلق في كافة الاتجاهات. فالمماحكة الداخلية بين هيئات مع بعض والكنائس على النفوس والسلطة والتأثير هي مرض الانجيليين. هذا المرض في الجسد داخلي ويتمثل في ضعف ضخ الدم في القلب فلا تصل الدورة الدموية للأطراف ويصاب الجسم كله بالوهن.
حالة الاستقلالية والتفكك التي تضعف العمل الجماعي للانجيليين ككل، تقود لأن يرانا المجتمع من حولنا بشكل سلبي لأنه يحترم الجماعة والدوائر العائلية والطائفية (بغض النظر عن الحساسية التي ارتبطت بهذا المصطلح). المجتمع يحترم العائلة الموحدة والطائفة غير المنقسمة والبلدة الجامعة لإفرادها والوطن الواحد.
لا طرق مختصرة في سبيل إصلاح ذلك. لا يتم التغيير دون نبذ الأنانية وتكريس مبدأ تقديم الآخر. التغيير سيقود للخضوع لبعضنا البعض ومحبة للعمل الجماعي وقبول المرجعية التي يضعها القادة، حتى لو كانت مؤلمة.
العربي الذي ينظر للانجيليين يجب أن يرى حياة أفراد متميزة تتجلى في أخلاق عالية. لكنه يريد أيضاً أن يرى جماعة متماسكة مترّاصة، فيها مرجعية ومحاسبة، احترام وقبول. في حال حدوث هذا-سيحترمنا الناس. إن احترمونا فسيسمعوننا، وان سمعونا فسيقبلون من أرسلنا. ان قبلوا ذاك الذي أرسلنا يتمجد الرب.